“
بتاريخ 25 كانون الثاني 2019، مثل كل من المدعى عليهما المقدم سوزان الحاج وإيلي غبش أمام المحكمة العسكرية الدائمة، وذلك في قضية تلفيق تهمة العمالة مع العدو الإسرائيلي للممثل المسرحي زياد عيتاني. وفيما تحاكم الحاج مع غبش في هذا الملف، فإن الأخير يواجه تهمة مشابهة في ملف آخر، تعقد جلساتها بالتزامن مع جلسات القضية الأولى.
وقد تم خلال هذه الجلسة إستجواب غبش وعرض داتا الإتصالات الخاصة به التي تظهر الرسائل بينه وبين الحاج. بالمقابل حضرت الحاج من دون أن يتم الإستماع إليها. على أن المحكمة أشارت إلى أن هذا الإستجواب – الذي استمر حوالي ساعتين – سيستكمل لاحقاً وهو غير نهائي. كذا، أن “غبش موقوف لوجود عدة قضايا بحقه أمامها (نعرف منها واحدة) أما الحاج فليست متهمة بغير قضية عيتاني لذا هي ليست موقوفة”.
تفاصيل الاستجواب
افتتح العميد الجلسة بسؤال غبش أن “يخبر عن نفسه”. هو حائز على الشهادة المتوسطة، وتلقى دروساً في الجامعة تتعلق بالبرمجة (IT) لكنه توقف خلال العامين الأولين، ليتابع بعدها دورة تدريبية في مجال صيانة الإلكترونيات في الولايات المتحدة الأميركية، تحديداً ولاية كاليفورنيا. خدم غبش في القوات البحرية في الجيش اللبناني بين عامي 2010 و2013، وقد تركها لأسباب صحية. بعدها قام بفتح محل لتصليح الهواتف، وعمل فيه حتى عام 2015 عندما تم توقيفه من قبل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية بتهمة قرصنة مصرف (سوسيتيه جنرال). بعدها عمل غبش مع المكتب لمدة ستة أشهر، ثم انتقل إلى وظيفة في شركة خاصة تعنى بالأمن الرقمي. عندما أوقع بعيتاني، كان إلى جانب وظيفته مخبراً لدى أمن الدولة.
يصحح غبش هنا أنه “لم أقرصن موقع المصرف إنما فقط أطفأته، بعدما سمعت عما فعله طارق يتيم (قتل جورج الريف)، حيث قيل في الإعلام أنه على علاقة بشخص مرتبط بالبنك (أنطوان الصحناوي المدير العام لبنك سوسيتيه جنرال)”. يكمل غبش أن “الموقع الإلكتروني الذي أطفأته هو فقط للإعلانات”. تم توقيف المدعى عليه على هذه الخلفية لمدة شهر وأسبوعين. أثناءها إلتقى بالمقدم سوزان الحاج التي كانت وقتها رئيسة مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية. إذن يرد غبش علاقته بالحاج إلى سنة 2015 عندما إكتشفت “موهبته” بعدما “شكك أحد االمتخصصين في المكتب بامكانية القيام بالهجمة على المصرف من لابتوب واحد، عندها أثبتُّ لهم من خلال قيامي بهجمة على العدو الاسرائيلي من المكتب” يقول غبش. إثر ذلك “عرضت علي المقدم توظيفي في المكتب، حيث كنت أقوم بما يطلب مني”.
يضيف غبش إثر سؤاله أن “ما يطلب من هاكر لا يمكن أن يكون من الأمور الطبيعية. مثلاً في إحدى المرات طلبت مني أن أهاجم موقعا إلكترونيا نشر مقالاً يقول أن مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية يوقف الأحرار في آرائهم، وهدف المقدم كان أن يضطروا إلى مراجعتنا إثر الهجمة عليهم”. يستخدم غبش هنا تعبير “خليهن يحتاجونا” في سياق إخبار القصة قاصداً إظهار نزعة إنتقامية لدى المقدم الحاج، حيث عمد وعبّر عن هذه المسألة بشكل واضح لاحقاً، واصفاً إنطباعاته عن شخصيتها، وذلك في سياق إجابته عن سؤال العميد العبدالله عن سبب مراهنته مع زوجته على أن المقدّمة الحاج ستعاود الإتصال به إثر ما حصل معها بسبب وضعها علامة الإعجاب على تويت ساخرة لـ “الكوميدي” اللبناني شربل خليل تتعلق بحق المرأة السعودية بقيادة السيارة بطريقة مهينة. وقال غبش تحديداً “قلت لزوجتي ذلك لأنني أعرف أن المقدم لديها نفسية إنتقامية من عملي معها، وأنا الجوكر تبعها، وهي تعرف قدراتي”.
ومن المهمات الأخرى التي ذكر غبش أن الحاج أوكلتها إليه “متابعة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي كانت تعطيني إياها، لأشخاص إرهابيين وناس مطلوبين، واختراقات لداعش وأمور تتعلق بشبكات مخابرات، وغيرها”. هذه المهمات ليست من النوع الذي يريد العميد العبدالله معرفة المزيد عنها حتى اللحظة على ما يبدو، إذ إنه علّق على إنطباع غبش عن الحاج ” سألتك عن أمثلة دفعتك لتشعر أن المقدّم لديها نفسية إنتقامية، وأنت أعطيت مثالا واحدا عن موقع تكلّم عن المكتب وليس عن شخصها حتى”. عندها أضاف غبش أنها طلبت منه مرّة أن يحذف مقطعا مصوّرا بالسر لها، ومنشورا على يوتيوب، وهي “تتكلم عن القضاء اللبناني”. إلا أن غبش الذي تذرّع بنسيان فحوى المهمات التي أوكلته إليه بالتفصيل، يتطرق خلال إستجوابه إلى مهمات أخرى، منها أن الحاج طلبت منه أن يرد “على هجوم نفذه هاكرز سعوديين ضد مواقع لبنانية ووضعت العلم السعودي عليها، فطلبت إليه الحاج أن يرد الهجوم بوضع صورتها على مواقع سعودية وأن هذا الأمر حصل بالفعل”.
إذن، بعد ستة أشهر من تنفيذ هذه الأوامر في المكتب، انتقل غبش إلى عمله الجديد في شركة خاصة بعد أن أعلم الحاج بتلقيه لعرض “لا يمكن رفضه” برسالة نصية عبر واتساب. حصل هذا بتاريخ 16 تشرين أول 2016، لينقطع بعدها التواصل بينهما على تطبيق الواتساب حتى عام 2017 إثر ما حصل على مواقع التواصل بعد أن وضعت علامة الإعجاب سابقة الذكر. يتبين من الرسائل أن غبش بادر بعد سلامها عليه للقول:” سمعت أن زلمة لـ ريفي أرسل إخبارا للنيابة العامة عنك”، ثم يضيف “لدي فكرة لك”. عن الجملة الأخيرة يوضح غبش أنه كان يريد أن يعرض عليها فكرة تتعلق بالأمان الرقمي ولم يقصد أي أمر آخر، والأمر يتعلق بجهاز متوفر لدى الشركة التي يعمل فيها.
العديد من الأمور التي ترد لاحقاً في إفادة غبش أمام المحكمة لا تظهر من داتا الاتصالات، حيث يردها الأخير إلى إتصال عبر تطبيق الواتساب، أو في سياق زيارات قام بها غبش إلى منزل الحاج. ويدلي غبش في هذا السياق أن المقدم الحاج طلبت منه أن يقوم بهجمات على “12 موقع إلكتروني لوزارات لبنانية بهدف أن يشاع أن الأمن الإلكتروني على الصعيد الرسمي أصبح هشاً بغياب الحاج عن موقعها في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية”. يضيف أن الحاج “طلبت أن أحرك الرأي العام من خلال إعطائي أرقام وسائل إعلامية لإعلامهم أن مواقع رسمية تم إختراقها”. وهو يبرر قبوله القيام بهذه المهمة بأن “المقدم لها فضل علي، لأنها عندما أمنت لي عملا لدى المكتب عام 2015 ما كان معي إمشي (تعبيراً عن ضائقته المادية)”.
هنا أبدى العميد العبدالله – للمرة الثانية – عدم إقتناعه بما يقوله غبش. يقول رئيس المحكمة لهذه الناحية أن “ما معقول تفكر المقدم الحاج إنو الرأي العام سيقتنع أن مالطا انهارت (بعد خروجها من منصبها)”. يجيب غبش أن “وضع المواقع الإلكترونية الرسمية في لبنان ضعيف جداً، والتعامل مع هذا الواقع غير ممكن إلا من خلال ضبط المقدم الحاج تعلم كيف تقوم به (في إشارة إلى أساليب إلتفافية منها إستخدامه وهو مقرصن). يضيف “كل ما يحصل خرق لموقع في لبنان يشتكي لدى الحاج، المقدم كانت شاطرة بأن المقرصنين اللبنانيين لا يعملون في لبنان أي لا يخرقون مواقع لبنانية، والذين يعملون هنا يحترمونها بجد”.
إذن، “بعد قصة شربل خليل، وفي وقت كان عليها (الحاج) حجز في البيت، زرتها وأخبرتني بقصة التغريدة وأنها أزالت إعجابها بمجرد أن أكملت قراءة ما جاء في التغريدة وإنتباهها أنها تتضمن إهانة للمرأة السعودية، وأوضحت أن المسؤولين عن الـ (سكرين شوت) هما زياد عيتاني ومو من زلمة أشرف ريفي (الوزير السابق) ورضوان مرتضى وهو صحافي”. قاطعه العميد عبدالله: “أنت تحمّست – كما تحمست عندما حصلت قصة يتيم في قصة لا علاقة لك بها – أم المقدم طلبت منك؟”. فأجاب غبش أنه خلال زيارته لها في مرحلة حجزها، “لا أنا تحمست ولا هي طلبت، فقط أخبرتني وأرسلت لي صورا عن حسابات كل من زياد عيتاني (الممثل) ورضوان مرتضى، على فايسبوك وتويتر، وطلبت مني أن أدقق بأي أمر متورطين فيه لنفضح الموضوع”. ويظهر من إفادة غبش حتى هذه المرحلة كانت منصرفة بالتمام إلى الإنتقام من مرتضى، وعيتاني الذي أخطأت هويته ولم تنتبه إلى أنه غير الذي سوق لإعجابها بتغريدة شربل خليل، وذلك “من دون أن تطلب تركيب شيء”. يشار هنا إلى أن الحاج –بحسب غبش – لم تكن تعرف حتى ذلك الوقت أنه مخبر لدى أمن الدولة. لكن يظهر من رسالة صوتية، أن هذا الواقع سرعان ما تبدل خلال أسبوع تقريباً، ويقول فيها غبش للحاج “العيتاني حتى إن كنا لا نأتي على ذكره إلا أننا جهزنا الحسابات (الوهمية). ليتضح أن الفكرة تطورت خلال أيام قليلة من التحري عنهما إلى “التواصل معهما من مجموعة حسابات وهمية تظهر كأنها لمحامين وصحافيين ثم ما تلبث أن تتحول إلى حسابات تجار مخدرات وإسرائيليين وغيره بمجرد قبولهم لطلبات الصداقة”. غير أن “هذه الحسابات أنشئت على موقع لا يعمل هنا، فخسرناها في اليوم التالي ولم تعمل”.
يدلي بعدها غبش أنه حاول أن يجد أمورا يورطهم بها من خلال حساباتهم، كما تواصل مع شخصين من أمن الدولة يعرفهما طالباً معلومات عن عيتاني، فأخبراه أنه “منذ ثلاث سنوات يتلقون إخباريات أنه (عيتاني) يتواصل مع أشخاص إسرائيليين خارج لبنان ولم يوقفوه لعدم توافر الأدلة”. يضيف غبش أنه سارع إلى إخبار المقدم بهذه المعلومة فجاء ردها “عملو أدلة (أقم عليه الدليل)” وفقاً لإفادة غبش.
عند هذه الجملة، إنتهى الإستجواب على صعيد المعلومات المضافة، لكنه إستمر حوالي العشرين دقيقة كرر خلالها العميد عبدالله السؤال نفسه بصيف مختلفة: “هل قالت عملو دليل أم قالت ركبلو دليل… لأن بتفرق”. إذن، استمر القاضي العسكري بالتدقيق على حرفية الكلمة مبرراً لماذا يراها “بتفرق”: “أنت تعلم، المقدم لم تكن وقتها تركت المكتب منذ زمن، وهي لا تزال بعقلية المكتب، يعني التفتيش على دليل طبيعي تطلبوا، أي مواطن عليه أن يفتش على أدلة فيما يتعلق بالعمالة”. كذا اعتبر العميد العبدالله أن ما يقوله غبش لناحية “أن كل ما قام به كان بطلب ليس كافياً”. بالنتيجة إنتهى الأخذ والرد بهذه المسألة إلى تأكيد غبش أنه “لا أستطيع تذكر الحرفية، لاسيما أنني في الحبس الانفرادي تحت الأرض منذ 9 أشهر، ولم أعد بعد هذه المدة قادراً على التذكر”. لكنه (أي غبش) أكد أن “ما فهمته عندما قالت لي الحاج عملن دليل، أنها تريد مني أن أقدم دليلا على جريمة العمالة بالحلال، بالحرام ليس مهم، المهم أن يجلب بعد يومين إلى أمن الدولة”. من هنا يؤكد غبش أن أحداً منهما – هو والحاج – لم يكن لديهما نية تلفيق ملف بالحجم الذي وصل إليه لأي من عيتاني أو مرتضى، كل ما في الأمر “أن يتم إحضارهما إلى التحقيق”. والإثبات الذي يقدمه غبش على هذا الأمر أنه “أرسلت إلى عيتاني رسائل مشفرة، أي أنه لو حاول فتحها لن يتمكن من قراءتها، وعيتاني لم يفتحها أساساً”. يضيف “لا أعرف من أين أتى عيتاني بكل هذه الإعترافات وكيف تدهور الوضع إلى هذا الحد، لكن بعد هذا التدهور رفضت أن أقوم بنفس الأمر لرضوان”.
مع هذه المعلومة انتهت الجلسة. وأرجئت الدعوى إلى 7 شباط 2019 لإستكمال إستجواب غبش واستجواب الحاج.
مقالات ذات صلة:
محاولة فاشلة لإعلامية لمنع التداول بخطاياها: القضاء اللبناني يقرّ حق الضحية بإشهار المرآة
مسرحية “وما طلت كوليت”: الرقيب الأمني ينحني أمام حق الضحية، والسياسي يدافع عن الجلاد
المقدم الحاج وغبش يمثلان للمرة الأولى أمام العسكرية… والمحكمة تبرر قراراتها لفريق الدفاع
أبو غيدا استجوب غبش من دون وكيله ولا إفراج عن عيتاني قبل الاستماع إلى الحاج
الصحافة اللبنانية وقضية زياد عيتاني: انتهاك لألف باء المهنة
قضية زياد عيتاني: المهنية الضائعة بين الإعلام والأمن