أي اصلاح للقضاء في ليبيا؟


2012-10-29    |   

أي اصلاح للقضاء في ليبيا؟

في بادرة هي الأولى من نوعها نحو إصلاح القضاء الليبي بعد ثورة 17 فبراير التي أطاحت بنظام القذافي, تم التقدم بمشروع قانون من عشر مواد إلى المؤتمر الوطني العام (المنتخب في يوليو الماضي) من شأنه اتخاذ خطوة أولى نحو إصلاح القضاء مما لحقه من فساد بسبب سياسة التدخل التي انتهجها النظام البائد في شؤون هذا الجهاز, ولاسيما من خلال تطعيمه بزمرة من أعضاء اللجان الثورية وأفراد الأمن والشرطة وغيرهم. وعليه, فإن هذا المشروع ينص في مادته الأولى إلى أن هذا القانون يهدف إلى إعادة تشكيل القضاء, أما في مادته الثانية فينص على إعادة تعيين القضاة وأعضاء النيابة بقرار من المؤتمر الوطني العام, وفي ذلك إشارة صريحة إلى إعادة فحص ملفات أعضاء السلك القضائي الحاليين وفق الشروط والمعايير التي جاء بها مشروع القانون والتي سيأتي ذكرها لاحقا. فمن تثبت بالنسبة له هذه الشروط والمعايير يتم إعادة تعيينه بدرجته وأقدميته السابقة بقرار من المؤتمر, أما أولئك الذين لم ترد أسماؤهم في القرار فيعتبرون بحسب المادة الثالثة محالين إلى التقاعد بدون حاجة إلى أي إجراء آخر, وتسوى معاشاتهم التقاعدية وفق قانون المحكمة العليا أو قانون نظام القضاء حسب درجتهم في السلك القضائي. وقد أعطى المشروع (المادة 4) من أحيل للتقاعد امكانية التقدم بطلب إعادة تعيينه في خدمة مدنية وفق شروط محددة.
 
ويمكن تصنيف المعايير والشروط التي سيتم على أساسها تقويم ملفات أعضاء السلك القضائي والواردة في المادة 5 إلى نوعين: الأولى، فنية تقليدية, تتمثل في المعايير والشروط الواردة في لائحة التفتيش القضائي والمتعلقة بحد أدنى للاداء, وتقارير الكفاءة, ومن قُدمت بشأنه شكوى ثبت لإدارة التفتيش القضائي صحتها طبقا للفقرة 3 من المادة 94 من القانون رقم 6 بشأن نظام القضاء, أو من يعاني من مرض مزمن يمنعه من أداء مهامه على أكمل وجه. حيث أن مثل هذه المعايير والشروط أهملت بالنسبة للبعض من أعضاء السلك القضائي ابان النظام السابق إما بسبب انتماءاتهم الأيدلوجية (حركة اللجان الثورية) وإما بسبب الوساطة والمحسوبية المتفشية في ظل النظام البائد. أما الثانية؛ فهي معايير وشروط ذات طبيعة إصلاحية فرضتها مرحلة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها ليبيا بعد ثورة 17 فبراير, وتتمثل في اعتبار كل من تتوفر فيه الشروط والمعايير التالية غير صالح للعمل القضائي وهي: كل من اشترك مع أفراد النظام السابق قي قمع الليبيين ويشمل ذلك من أصدر أحكاماً جائرة ومخالفة للقانون محاباة لمراكز النفوذ في ذلك النظام أو ساعد النظام المذكور ضد معارضيه بأي شكل من الأشكال، أو كان عضواً في محكمة الشعب أو مكتب الإدعاء الشعبي وما في حكمهما ويستثنى من هؤلاء من ثبت في الوسط القضائي أنه كانت له مواقف مشرفة منحازة للشعب وأكدت أحكامه على صحة ذلك.ومن حبس إنساناً أو قيد حريته دون وجه حق أو أهانه أو ابتزه أو أخافه بأي صورة من الصور.ومن اشتهر بين الناس أو بين زملائه بفساد الذمة أو سوء الخلق أو باستغلال النفوذ أو الوظيفة أو يثبت عليه شيء من ذلك ولو لم يشتهر به بين الناس.ومن كان عضوا بهيئة الشرطة وغيرها من الجهات الأمنية أو تعاون معها بأي صورة من الصور وسواء أكان ذلك قبل تعيينه في القضاء أو بعده.ومن تولى أمين أو عضو لجنة شعبية أو أمانة مؤتمر شعبي أساسي في السابق.ومن كان عضوا باللجان الثورية أو على صلة بنشاطها أو متعاونا مع مكتب الاتصال باللجان المذكور.ومن عمل لدى قيادات النظام السابق أو تعاون معها بأي شكل من الأشكال.ومن كانت تصرفاته لا تتفق مع ما يجب للقاضي من احترام وتقدير وتتنافى مع ما قررته مدونة السلوك القضائي التي اعتمدها المجلس الأعلى للقضاء.ومن تولى رئاسة أو عضوية لجان التطهير في النظام السابق وتبين من خلال عمله الإساءة لشعبه ولوظيفته.ومن حمل السلاح ضد الليبيين أو شارك قي قتلهم أو حرض أو ساهم في ذلك بأي وسيلة كانت. ومن أثرى على حساب الوظيفة أو استغل التشريعات المقننة للمقاولات الظالمة في الاستيلاء على عقارات وأموال الغير دون وجــه حــق.
ويمكن القول بأن ايجابيات مشروع القانون محل الدراسة تتمثل في العمل على تعزيز مبدأ استقلال القضاء حيث عهد إلى لجنة من داخل الجهاز القضائي بفحص ملفات أعضاء الجهاز تتشكل حسب نص المادة 6 من رئيس إدارة التفتيش على الهيئات القضائية, وعدد من مستشاري المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف ومن غيرها من الهيئات القضائية الذين كان لهم دور بارز في ثورة 17 فبراير ويشترط في أعضاء اللجنة أن تتوفر بالنسبة لهم معايير العدالة والنزاهة والفطنة وحسن الخلق وفق قانون النزاهة 2011م, وعلى اللجنة أن تحيل نتائج عملها خلال شهرين من تاريخ تشكيلها إلى المجلس الأعلى للقضاء الذي بدوره ملزم بإحالة النتائج إلى المؤتمر الوطني العام خلال خمسة عشر يوما لإصدار قرار إعادة تشكيل الجهاز القضائي. هذا فضلا عن أن المادة الثانية قد جعلت من إعادة التعيين إجراء مشتركا بين المؤتمر والجمعية العمومية للمحكمة العليا بالنسبة لمستشاري المحكمة العليا ونيابة النقض, وبين المؤتمر والمجلس الأعلى للقضاء بالنسبة لغيرهم من أعضاء السلك القضائي, بحيث يتولى المؤتمر إصدار قرار إعادة التعيين بناء على عرض (توصية) الجمعية أو المجلس بحسب الأحوال, وهو ما يفيد بأن المؤتمر لا يملك منفردا إعادة التعيين أو التدخل في التعيين والإحالة إلى التقاعد بدون التوصية المسبقة من الجمعية العمومية للمحكمة العليا أو المجلس الأعلى للقضاء.
وعليه فإن هذا الإجراء المشترك يشكل ضمانة ومكسبا لمبدأي استقلال القضاء والفصل بين السلطات في المرحلة الانتقالية على الأقل حتى يتم وضع الدستور وبناء الدولة الليبية المدنية الحديثة.
إلا أنه ومع ذلك يظل هذا المشروع خطوة أولى ومحدودة في إطار إصلاح القضاء الليبي, فهو يعالج جانبا واحدا من جوانب إصلاح الجهاز وليس كلها, فهو يقتصر فقط على إعادة فحص المؤسسة القضائية أو العدلية من جانب إعادة النظر في أعضاء الجهاز من قضاة ورجال النيابة العامة فقط, وهذا وحده لا يكفي لإصلاح القضاء. فلا بد من إعادة النظر في أعضاء الأعمال القضائية المساعدة من كتبة ومحضرين وموظفين وأعضاء الشرطة القضائية, وكذلك العمل على رفع مستوى القاضي الليبي بإقامة الدورات التدريبية, والاهتمام بالبنية التحتية للمحاكم والنيابات وتجهيزها بمنظومة الكترونية ومعلوماتية متطورة,و تفعيل تنفيذ الأحكام القضائية, والقضاء على البيروقراطية القاتلة بالعمل على سرعة انجاز المعاملات القضائية, ونشر كل الأحكام القضائية بما في ذلك أحكام جميع المحاكم على مختلف مستوياتها وعدم الاقتصار فقط على نشر أحكام المحكمة العليا. وقبل هذا وذاك أن يعمل الدستور الليبي المنتظر على إقرار التطبيق العملي لمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء.
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، ليبيا



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني