أبعد من التعويض: لماذا ما زال الأجراء يذهبون إلى مجالس العمل؟

،
2022-04-06    |   

أبعد من التعويض: لماذا ما زال الأجراء يذهبون إلى مجالس العمل؟
قاعة المحكمة في مجلس العمل التحكيمي طرابلس

ثمّة أسباب عدّة تحول دون لجوء الأجراء في لبنان إلى مجالس العمل التحكيمية لحلّ نزاعاتهم مع أرباب العمل، التي ازداد عددها بشكل هائل منذ بداية الانهيار الاقتصادي. إلّا أنّه وبالرغم من تعدّد هذه العوائق التي كانت موضوع مقالتنا السابقة، أظهر بحثنا الميداني أنّ فئة من الأجراء أخذت المبادرة ولجأت رغم ذلك إلى المحاكم. والملفت هنا أنّه، وفي حين كان من المنتظر أن يكون اللجوء إلى القضاء في حالة النزاع هو المبدأ في مجتمع تعمل فيه مؤسّسات العدالة بشكل منتظم، وأن يكون عدم اللجوء هو الاستثناء، إلّا أنّ الوضع انقلب رأساً على عقب في زمن الأزمة في لبنان، فأصبح المبدأ هو عدم اللجوء المعمّم إلى هذه المجالس، فيما الاستثناء هو اللجوء إليها. بعبارة أخرى، أصبحت القاعدة، أكثر من أي وقت مضى، الابتعاد عن المؤسّسات القضائية بحثاً عن مراجع أخرى لحلّ النزاعات، فيما الاستثناء هو الثقة في القضاء والتعويل عليه. فيصبح الباحث في لبنان مهتمّاً بمعرفة ما الذي يدفع بعض الأجراء المصروفين إلى أحضان قضاء مترهّل فقد ثقة معظم الفاعلين في مجالات العمل.

نغوص إذاً في هذه المقالة الثانية في فضاء هذا “الاستثناء” الغريب: لماذا ما زال بعض الأجراء يتقدّمون بدعاويهم أمام مجلس العمل التحكيمي اليوم بالرغم من مشاكله، ومن تعقيدات التقاضي وتحدّياته وخيباته؟ لماذا يلجأون إلى القضاء بالرغم من تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية الذي من شأنه ضرب قيمة التعويضات والمستحقّات المالية التي يطمح إليها الأجير، والتي من المفترض أن تكون السبب الرئيسي وراء لجوئه للقضاء؟

وقد سمح قضاء الوقت مع أجراء مصروفين، والاستماع إلى تجاربهم وتصوّراتهم، باستشراف الأسباب العديدة التي ما زالت تدفع نحو التقاضي أمام مجالس العمل بالرغم من قلّة فعاليّتها، وهي أسباب تتخطّى مسألة الحصول على التعويض. فإذا كان من الطّبيعي أن يكون التعويض الماديّ أحد الأسباب الأساسية للجوء بموجب المادة 50 من قانون العمل[1]، بخاصّة في هذه الظروف الصعبة حيث يحتاج الأجير المصروف أكثر من أي وقت مضى إلى تأمين لقمة العيش، فإنّ علاقة الأجير بقضائه تتخطّى البحث عن التعويضات التي أصبحت أصلاً قيمتها بخسة. نرى الأجراء يحاولون ترميم سيرتهم الذاتية والاجتماعية التي دمّرها الصّرف، وصولاً إلى إعادة اعتبار ولو رمزية لشخصهم وكرامتهم، كلّ ذلك بين جدران مجالس العمل التي لا تجيد عادة سوى احتساب أرقام لم تعد تعني الكثير. ونستعرض تباعاً الأسباب غير الماديّة التي تحثّ الأجير على المضيّ قدماً في التقاضي اليوم، قبل أن نلتمس، في نهاية المقالة، وجهاً آخر للوظيفة القضائية ينشأ في خضمّ الأزمة، من خلال هذه الممارسات القانونية العمالية.

1. القضاء: لاسترجاع كرامة كسرها العمل

ليس الصّرف مجرّد وقف قسريّ عن العمل – والمدخول – تعوِّض عنه المحكمة بمبلغ نقدي، بل هو أيضاً في غالب الأحيان، وكما يظهر عبر المقابلات مع العمّال المصروفين، بمثابة ضربة عنيفة لكرامة العامل الشخصية. قد يُجري الصّرف، صاحب العمل أو محاميه بكتاب، إلّا أنّه ينسف سنيناً من عمل الأجير وحياته ونظرته إلى ذاته وإلى تطوّره الشخصي. من هنا، يصبح هدف لجوء الأجير إلى القضاء ليس فقط تحصيل المبلغ الذي ابتكره القانون لمصلحته، إنّما محاولة استعادة كرامة كسرتها علاقات القوّة في العمل، ونسيها القانون عندما صبغ كلّ المطالب بالتعويضات النقدية.

في أعين الأجراء الذين قابلناهم، يعتبر الصّرف قبل كلّ شيء صدمة شخصية: مأساة “لا يمكن لأيّ إنسان أو منطق أن يقبلها”.[2] وسرعان ما تتحوّل المأساة إلى شعور عارم بالغبن بسبب مناورات صاحب العمل أو من ينوب عنه عند الصّرف: “إنسان ولا نتفة إنسانية. ما فيك تتناقش معه، أكتر من هيك وقاحة ما في، حتى كلمة وقاحة صغيرة عليهن”.[3] والإهانات والاستخفاف بكرامات الناس التي ترافق العديد من عمليات الصّرف هذه الأيام من وجهة نظر الأجراء، تمنع النقاش من أجل إيجاد حلّ يحفظ ماء الوجه، فيذهب الأجير للبحث عنه في المحاكم. حتى أمام القضاء، يستمرّ الاعتداء على كرامة الأجير من منظوره، عبر الإدلاء بوقائع “غير صحيحة” يصطنعها صاحب العمل لتبرير الصّرف مثلاً، ما يعزّز شعور الأجراء بالغبن الشديد وحثّهم على المواجهة القضائية[4] :”كذّاب”، هكذا ينعت العديد من الأجراء أرباب عملهم بعد الصّرف. حتى المرور أمام مركز العمل السابق يثير انزعاجاً كبيراً وقهراً نتيجة إحساسهم بعدم المساواة إذ أنّ “الأوادم” قد صرفوا في حين بقي من يستحقّ المحاسبة: “هيدي أكبر ضربة بتعرّض إلها بحياتي”.[5] وتبلغ مفاعيل التعدّي على الكرامة ذروتها عندما يضطرّ العامل إلى دخول المستشفى لخطورة حالته النفسية بعد عملية الصّرف المهينة[6].

وكلّما كانت العلاقة السابقة بين الأجير ورب العمل جيّدة قبل الأزمة والصّرف، كلّما كبر الجرح في نفس الأجير: “كان صاحب العمل كتير friendly معنا. نحن يلّي عملنا المحلّات. هون العتب”.[7] وفي حين أنّ العلاقة السابقة مع المؤسّسة أو صاحب العمل قد تُحرج بعض الأجراء وتثنيهم عن التقاضي (كما بينّا في المقالة السابقة)، إلّا أنّ عوامل أخرى تدفع بعض زملائهم نحو المحاكم. ومن هذه العوامل، تجاربهم القضائية السابقة وخبرتهم المكتسبة في المحاكم التي تسهّل عليهم الخطوة الأولى ([8]repeat players)، إضافة إلى أفكار العامل والتزاماته السياسية الحالية أو السابقة (يسار، إلخ.) أو نشاطه النقابي. ومن المهم أن نذكر هنا أنّ المحرّك النقابي بدا لنا هامشياً في تفسير لجوء الأجراء اللبنانيين إلى القضاء اليوم (وإن تحتاج هذه النقطة إلى بحث إضافي)، في حين نراه يؤدّي أدواراً أساسية في مجتمعات أخرى حيث تغذّي النقابات العمّالية المحاكم بالدعاوى ضدّ أصحاب العمل[9]. ويتغيّر شعور وموقف العامل تجاه واقعة الصّرف في هذه الحالة وفقاً لموقعه وخصائصه الاجتماعية، فنرى الصّرف يولّد الخجل من ناحية (وبالتالي عدم اللجوء إلى مجلس العمل)، فيما يولّد “العتب” والغضب في حالات أخرى. ومن هذا العتب، تولد فكرة الحق في الكرامة والاحترام الذي يُطلب من القاضي ضمانه، فتمتزج لغة الكرامة مع لغة الحقوق المهدورة في خطابات الأجراء المصروفين وتغذّيها.

صامدة بوجّن بالرغم من اللي عملوه فيي، ما كنت منتظرة هيك رد، وتحوّلت القصة لتحقيق. هنّي عم يشتغلوا على الوقت ويميّعوا الوقت، حتى إضجر وقلّن خلص. بس أنا مكمّلة للآخر، لو ما بدّو يطلعلي ولا فرنك، بس بدّي آخد أنا حقّي وقول للعالم إنّو أنا حقّي أخذته عن طريق محكمة مش عن طريق واحد شو طلع براسو بدو ينفّذ”. [10]

من جهة، تسمح “جرجرة” صاحب العمل أمام المحاكم (أو هكذا يتخيّل الأجير) بتحقيق المساواة في الإهانة، ومن جهة أخرى، تسمح للأجير بفرض ما يراه حلّاً منصفاً ظنّ صاحب العمل بأنّه يتفرّد بتحديد ملامحه: “كان فيني كون براغماتي (وإقبض) بس لا. المعتّر [أجراء آخرون] مِضي القرار التحكيمي ونفّذه وقبض”.[11] في فلك الأجير الذي يلجأ إلى القضاء، يميّز الذهاب إلى مجلس العمل من لا يقبلون ذلّ الأزمة وصاحب العمل عن كلّ الذين ينحنون أمامه فلا يتقاضون: إنّها مسألة عنفوان الأجراء وعلاقتهم بأنفسهم، لا تصمد أمامها مشاكل قضاء العمل العديدة (بطء، تعويضات قليلة، إلخ)، حتى متى علم بها الأجير قبل التقاضي.

2. ترميم السيرة (والصورة) الذاتية في مرآة القضاء

أكّدت مقابلاتنا على ما هو متعارف عليه، وهو أنّ العمل يساهم في إضفاء معنى للوجود، وفي تقديم هويّة اجتماعية للعامل، إذ تكون سيرته الشخصية منسوجة جزئيّاً بخيط عمله، ومكتوبة بحبره. فقبل الأزمة كما بعدها، ومهما انتقدْنا تضخّم أهمية العمل في حياة الإنسان في زمن الرأسمالية المعاصرة، يمضي الأجير “كلّ وقته بالشغل”[12] حتى ينصهر فيه ويصبح جزءاً لا يتجزّأ منه[13]، وبمثابة منطقة أمان أو comfort zone [14] له بالرّغم من كل صعوباته.

انطلاقاً من ذلك، من شأن الصّرف أن يولّد انقطاعاً وشرخاً في المسيرة الشخصية والمهنية للأجير[15] إذ يرميه في المجهول، لا سيّما في فترات الأزمة كالتي نمرّ بها، فلا يعود يعرف من هو تماماً ولا أين هو ذاهب، ويترك بصمة سوداء في سيرته الذاتية وكسوراً عميقة في وجدانه وفي سرديّته الخاصّة (ونذكّر أنّ مئات آلاف الأجراء والأجيرات صرفوا من العمل منذ 2019 في لبنان[16]). وهذا الشرخ ليس مهنياً فقط، إنّما يأخذ طابعاً شخصياً عند هؤلاء، إذ يطال حياتهم العائلية التي تصبح الضحية الثانية للصّرف.

“هيدي للأسف بتخرب بيت العالم. يعني بتوصل لإنّو تطلّق مرتك، بصير في مشاكل عائليّة… بتيأس بتيأس، بتعرف شو يعني بتيأس؟ بتقول يلعن السّاعة اللي تزوّجت، يلعن السّاعة اللي خلّفت. […] ما عم بقدر أمّن لعيلتي شي. انقطع رزقي ايش بعمل؟ يعني ما بقا في عندي شي. إنّو بتعرف اليوم المَرا إلها حقوقها، وفي واجبات للبيت، أنا هلٌّق انخرب بيتي. إذا بتجي على بيتي هلّق، ما عندي مرا، عندي ولادي عم ربّيهن. إمّي بتساعدني شويّ وشغل ما في. اليوم إنت خسرت شغلك، بس إنت في هدف ثاني في شغلة ثانية اليوم إنت بيتك، يعني إنت بيتك خلص انتهى. بتكون بشغلة بتطلع شغلة ثانية لتخسر بيتك. يعني اليوم إنت بس يصير هالشي [الصّرف] ولادك ما بقا فيك تربّيهن بدّك تروح تحطّهن بجمعيّة صراحة. أنا وقّفت الشغل اليوم، ثالث يوم ثاني يوم دغري قدّمت دعوى لوزارة العمل”. [17]

يلجأ العامل إلى القضاء أملاً في ترميم ما تمّ تدميره، كوسيلة مهمّة من ضمن الوسائل المتاحة لإعادة التناغم[18] (cohérence) إلى سردية حياته هذه، تسمح له بتثبيت نفسه من خلال القانون، بعد أن حاول صاحب العمل سحقه عند الصّرف، أو هكذا يشعر العامل. يثير التقاضي شعوراً عارماً بالوجود المؤثّر في مجرى الأمور، في خضمّ أزمة وأمام رأسمال أدّت ضخامتهما إلى تهميش كامل للعامل وشعوره بعجز شديد.

“من النّاحية المعنويّة [يقول صاحب العمل للعامل عند الصّرف] أنا منّي قاريك، أنا مستغني عنّك. فمجلس العمل هو الحكم”.[19]

ومن الظواهر التي تؤكّد أنّ اللجوء لا يتمّ فقط للحصول على تعويضات الصّرف، طلب العودة إلى العمل الذي يقدَّم للمحكمة والذي وجدناه في بعض الحالات[20] ويريد العامل من خلاله الرجوع إلى فترة ما قبل الصّرف، ما قبل الأزمة.

“لمّا نزلنا لعندن، هيي الأستاذة [المحامية] قالت لي “ما بحقّ له يطردك. إنت كمان بحق لك، فينا نرفع دعوى نرجّعك عالشغل”. هيدي الكلمة هيك أعطتني أمل كتير كبير. وقلت خلص لو شو ما بدها تكلّفني القصة، تكلّفني، بدّي إرجع عالشّغل. برجّع كرامتي وبقلّن مش مين ما كان قال برّا، برّا بدون سبب هيك”. [21]

من شأن العودة إلى العمل في هذه الحالة التي يُطلَب من القاضي أن يفرضها على صاحب العمل، إعادة ما يشبه الاستمرارية إلى حياة الأجير، وهو ما يعجز التعويض عن القيام به مهما بلغ حجمه، كما وتفتح آفاقاً جديدة للعامل لاستشراف المستقبل بطمأنينة أكبر. فالتقاضي يصبح مصدر أمل عارم باسترجاع هدوء نسبي فقده الأجراء منذ بداية الأزمة. وإن أعطى القاضي الأجير المصروف هذه الفرصة وأعاده إلى عمله، فسيكون على قدر المسؤولية لإثبات أنّه يستحق أن يكمل طريقه.

بقول لأجير تاني بنفس وضعي يروح عالقضاء، وبدّا نفَس طويل. وإذا الله نصفني ورجعت عالشغل، رح كون إنسانة مختلفة عن اللي بيعرفوها. وقت بينحكى معي بحكي، اللي ما بيحكي معي ما بحكيه. بدي خلّص. بدي ضاين. ما حدا ضامن بكرا. هني عم بيحاكموني، بتعرف في بكرا. بالبداية رح تكون صعبة، يمكن ما يسلّموني شغل، لسبب من الأسباب يعني. يمكن شو ما كان، بس أنا مستعدة لكلّ شي. مع الوقت بتصير العلاقة أحسن”. [22]

يشكّل اللجوء إلى مجالس العمل التحكيمية، ومهما كان هدفه المعلن والمعبّر عنه في الطلب المقدّم إلى المحكمة (التعويض، العودة للعمل، أو غيرهما)، وسيلة يعتمدها العامل لمحاولة ترميم ما هدم في سرديّة حياته المهدّدة. فالذهاب إلى المحكمة، مهما كانت نتيجته، يخفّف من وطأة صدمة الصّرف ويعطيه انطباعاً بأنّه ما زال يسيطر على أمور حياته وقادراً على تأمين التواصل بين نقاطها، أو أنّه يحاول على الأقلّ. فلا عجب إذا لم يؤثّر انهيار الليرة ومعها قيمة التعويضات على عزيمة بعض الأجراء في رفع الدعاوى بوجه أصحاب العمل.

3. صاحب الحق يقهر صاحب العمل؟ المحكمة حلبة لمعركة الثأر الاجتماعي

تولّد ظروف الصّرف، التي غالباً ما تكون مذلّة للأجير، والشعور بالظلم[23] والمرارة الذي يرافقه، نقمة لديه تحثّه على تقديم دعوى قضائية[24] لمحاولة قلب ميزان القوى القاهر الذي أدّى إلى إبعاده عن عمله. بحسب هذه المعادلة، يصبح مجلس العمل التحكيمي المكان الذي تصحّح فيه مظالم علاقات العمل، والذي يأخذ فيه العامل ثأره.

إيه طبعاً. أنا كلّ إنسان مظلوم بقلّه روح تشكّى، خود حقك”.[25]

رايح معن للماكسيموم، بدّي قاضين كمان بأميركا، مش بس عأساس صرف تعسّفي (متل بلبنان)، رح قاضين عأساس financial abuse and harassment (الاستغلال المالي والابتزاز). وكمان بلبنان، رحنا عاستئناف بيروت لنطعن بالقرار التحكيمي. كان فيني كون براغماتي، بس لا”. [26]

تسمح مقاربة الأجراء للتقاضي بفهم أساسيات اللجوء إلى القضاء، أبعد من مسألة التعويضات. لو كان الأجير “براغماتياً” إذاً، حسب كلماته، أوعقلانياً، لكان فهم أنّ اللجوء بحدّ ذاته مضيعة للوقت وهدراً للطاقات، ألا تقول كلّ التقارير والدراسات إنّ مجالس العمل التحكيمية لا تعمل كما يجب؟ ولكان قبل “بالتحكيم” الذي حصل بين العمّال وإدارة المؤسّسة والذي بموجبه قبض الأجراء المصروفون “تعويضاً” نقدياً، بدل انتظار المحاكمة التي قد تعطيهم هذا التعويض، أم لا، بعد فترة طويلة. وكانت البرغماتية المادية دفعته لاتّباع مقولة “عصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة”. إلّا أنّ دوافع اللجوء القضائي تتخطّى حسابات الجدوى المادية، على أهمّيتها الهائلة اليوم، لتتحوّل إلى مسألة مبدأ أخلاقي من ضمن سلّم القيم الخاص بالعامل.

يريد الأجراء المتقاضون، من خلال المحكمة، قلب الهرمية المهيمنة في مجال العمل لمصلحة الأجير. فها هو يرغم صاحب العمل على المثول أمام العدالة (أو هكذا يظنّ)، بعدما أمضى سنوات يتبع تعليماته، وصولاً إلى الخضوع لقرار صرفه. ولا ينحصر هذا الانقلاب بمسألة “جرجرة” صاحب العمل، بل يظهر أيضاً إصرار الأجير على تحطيم وضعيته المتكبّرة، بعدما حطّم الأوّل وضعيته وحياته. كما قال لنا أجراء مصروفون عدّة، فإنّهم يريدون “تربية” صاحب العمل، وتلقينه “أمثولة” حول كيفية التصرّف مع العمال في المستقبل: “بعد ما فلّيت خافوا…تربّوا”.[27]

“هو بهيدا الشي بيتعلّم، بهيدي الطريقة بيتعلّم، مش إنّو إضربه [لصاحب العمل]، لأ. هو هيك بيتعلّم إنّو الموظّف منّو خادم عندك. هيدا إنسان إلو حقوق، وبس تعطيه حقوقه، بيكون انتهى كل شي بينك وبينه. وخلصت الحكاية”.[28]

“ما رح إتركن. كل يوم [رئيس المؤسّسة] بياخد 6 حبّات بنادول من ورايي”.[29]

“بالقليلة بتوصل لشي إنّو والله أخذت شي  إنّو رمز لإلك، أخذت شي من عندن. مش إنّو هيك إنّو كَحَ.. إنّو أكلولك رزقتك وأكلولك حقّك”. [30]

يبرز إذاً اللجوء إلى القضاء كوسيلة لتأديب صاحب العمل[31]، القوي المتجبّر خارج القضاء. ولا بدّ هنا من استذكار وقائع حديثة أخرى من الحياة السياسية والقضائية اللبنانية، حيث تستعمل الوسائل القضائية عادة لتأديب الفقراء والضعفاء، عبر ظاهرة التوقيف الاحتياطي مثلاً الذي غالباً ما تمارسه النيابات العامّة من أجل تعليم المواطن “درساً”، لاسيّما إذا كان قد تجرّأ على المسّ بمصالح أو مقام أشخاص نافذين[32]. تُظهر أوجه استعمال مجالس العمل التحكيمية – الهجومية[33] – من قبل بعض الأجراء المصروفين إذاً انقلاباً، ليس فقط في العلاقة الهرمية مع صاحب العمل، إنّما أيضاً في كيفية توظيف المحاكم والمؤسّسات القضائية في النظام السياسي اللبناني، إذ نراها هنا تنقلب وظيفتها، ولو لوهلة في ذهن الأجير، لمصلحة المستضعفين. وإذا كان من المعلوم في مجال قانون العمل، أنّ مجالس العمل التحكيمية أنشئت أصلاً لتصحيح الخلل البنيوي بين الأجير وصاحب العمل، إلّا أنّ ممارسات اللجوء التي نرسمها هنا تظهر استثماراً إضافياً من قبل هذا الأخير في مسار قضائي يعوّل عليه لأخذ الثأر والحصول على قوّة حرمته منها طبيعة علاقات العمل الرأسمالية. وهنا نقطة إضافية تسمح بفهم جاذبية مجالس العمل المستمرّة بالرغم من تعثّرها المتسارع اليوم.

ومن الجدير معرفته أنّ ما يقوّي طموحات الأجير بإحداث هذا الانقلاب، أنّه يعتقد أنّه يتمتّع بأفضلية واضحة على صاحب العمل في حلبة المحكمة. وقد اندمج العامل في عمله حتى أصبح يعرف كلّ أسراره وتفاصيله، فيذهب إلى القضاء وبحوزته كلّ وسائل الإثبات والضغط المتاحة له بفضل اطّلاعه الواسع على مجريات ومعطيات العمل اليومية على الأرض، أو هكذا يظن.

“رحت عالقضاء لأنّو حقي. شيطان اللي بيسكت عن حقّو. هيدا طبعي. أنا ما غلطت معن. هيدا حقّي. بكون بلا شرف وبلا نخوة وبلا قيمة إذا بفلّ بلا دعوى. صارت تحدّي إلي لو ما بدّي آخد ليرة. مش كلّ العالم لحمها مش مرّ. مش كلّ العالم فيكن تشحطوها. بعد ما فلّيت خافوا. صاروا يرضوا بالدولار للبعدي. تربّوا […] وهنّي ما كانوا يعرفوا إنّو أنا عندي معلومات عنهم، كلّو كان تحت إيديّي. أنا فايت فيهن منيح. الشركة بتخاف منّي”.[34]

“لديّ معطيات. بما إنّو هنّي خرجوا عن نطاق الدعوى، بدّي كون أقوى منهم. إنّو إنتو عم تتّهموني بشي منّو موجود عندي. الحجّة الي حاطينلي ياها، مش صحيحة”.[35]

على الضفة الأخرى، لاحظنا أنّ الأجراء الذين قابلناهم والذين لم يلجأوا إلى القضاء لسبب أو لآخر، لا يتقبّلون ظلم الصّرف وهمجيّته، فيمضون وقتهم يتآكلون ويفكّرون في فرصة الثأر الضائعة. ما زالوا يدرسون الموضوع، ثم يتناسونه، ليعودوا إليه مجدّداً، وفي تأرجحهم هذا يندمون تارة، ويندبون حظّهم طوراً (“أمرنا لـ لله”، “يا ريت كان موقفنا واحداً وقدرنا نواجهن بقوّة أكتر”)[36]، وكلّ ذلك في حلقة مفرغة من الشكوك وعدم القدرة على نسيان واقعة الصّرف. يجدون أنفسهم في حالة ما يصفه أحد الباحثين “بالتضحية الذاتية”[37] التي تُتَرجَم، في بعض الحالات في ابتكار الأجير حلولاً غير قضائية غالباً ما تكون متخيّلة، من خلال سيناريوهات مثالية للتعبير عن نقمته، حتى على حسابه الشخصي. يفتح عدم اللجوء إلى القضاء الباب أمام فانتسماغوريا (تخيُّلات) انتقامية تولّد عوالم موازية حيث العدالة ممكنة، وقد يلجأ إليها لاحقاً بعض المتقاضين الخائبين.

“بتعهّد أن أعطي كلّ معاشي لفترة سنة، بشتغلّكن ببلاش تبرّع [للمؤسّسة] لمدة سنة، بس جيبوا حدا مسؤول غيرها لهيدي وحاسبوها”. [38]

في هذا السياق، لقد سبق وأعطى البعض دوراً للمحاكمة في إخماد هذه النقمة، حيث يكون للتقاضي من الناحية النفسية-الاجتماعية وظيفة تطهير ذاتي (cathartique) شبيهة بوظيفة المسرح، إذ قد تسمح المحاكمة – المسرحية للمتقاضي بتطهير نفسه من مشاعر النقمة والغبن[39]. وفيما نعتبر هذه المقاربة للمسألة مثيرة للاهتمام إذ تسمح بفهم بعض ما يدور في أذهان العمّال المتقاضين، إلّا أنّها قد تحمل في طيّاتها خطر التركيز على البعد النفسي والشخصي للعامل المتقاضي، بشكل يتناسى الأبعاد الاجتماعية النزاعية التي تجعل طبقة العمّال تواجه أصحاب العمل، في المحاكم أو خارجها، بشكل متواصل.

في جميع الأحوال، نجد خلف التقاضي مواجهة يطلقها الأجير ضدّ صاحب العمل، جاعلاً من الخصومة القضائية مبارزة ومعركة يتحدّى فيها العامل نفسه كما قواعد علاقات العمل خارج المحكمة، وتتحقّق الغاية منها بمجرّد خوضها. إنّها تجربة تحدث تغييراً في نفس العامل المتقاضي الذي يعيش التجربة بشكل شبه وجودي ليخرج منها مختلفاً عمّا كان.

“متل ما بقولوا عند العرب “يلّي بدّو يوصل لحقّه بدّو يتعب”. ما فيك يطلعلك حقك إنت ونائم بلبيت يعني. بدّو يصلّي حقي أنا ونائم بالفرشة؟ ما بتوصل”. [40]

هم واثقون. من تحصيل حقوقن. بس هيدي مواجهة هنّي [العمال المتقاضون] بدّن ياخدوها بوجه شخص [صاحب العمل] آكلّن حقّن خاصّة إذا كان في رابطة عمل قويّة وتعرّضوا لهذا النّوع من المظلوميّة. هيدا بكون أكتر إعادة إعتبار من دعوى التّعويض. إعادة اعتبار معنويّة أكثر من التّعويض”.[41]

منطقياً إذاً، يصرّ بعض الأجراء على خوض المعركة شخصياً وترك بصمتهم فيها، حتى لو كان لديهم محام بإمكانه أن يمثّلهم وينوب عنهم في قاعات المحاكم. وحين سألنا أجيرة عن سبب إصرارها على الحضور في المحكمة وقت الجلسات، فيما لديها محامية تثق فيها، ورغم إقرارها بأنّ حضورها بدون تأثير كبير إذ أنّ القاضي غالباً لا يستجوبها ولا يسألها  أي سؤال، قالت: “بحب كون موجودة”.[42]

4. “صاحب الحق سلطان”: قضاء العمل كيوتوبيا حقوقية سياسية

في معرض مقابلاتنا، لاحظنا تداولاً ملفتاً ومتعدّد الأوجه لعبارة “صاحب الحقّ سلطان” من قبل الأجراء المصروفين. ما إن نسأل أحد الأجراء عن السبب وراء لجوئه إلى مجلس العمل التحكيمي، حتى تأتي الإجابة ” صاحب الحق سلطان”، أو أحد تفرّعات هذه العبارة، حيث تُزال كلمة “صاحب” مثلاً، لتصبح الجملة “الحق سلطان”.

“[باخد حقّي] مش منّن هني [أصحاب العمل] يقولوا حقّك هلقد، أو ترجّيتن، أو رحت بست إيد فلان ليزيدولي شهر أو شهرين. لا، أنا منّي هيك. صاحب الحق سلطان. هيدا كلّو عم يعملوا عليي pressure، وضغط، لحتى إقرف، بس أنا مش رح إقرف. لأنّو حاطّة براسي إنّو صاحب الحق سلطان”.[43]

هلق مهم، أنا زلمي إنو بحبّ الحقّ، يعني اليوم دايماً الحقّ سلطان وأنا ليش بدّن ياكلولي حقّي؟ […] انشاالله هيدا إللي طالبو من الله، وصاحب الحق سلطان”. [44]

إنّ تكرار هذه العبارة في خطاب العمّال المصروفين والمتقاضين، لا بل وجودها أصلاً، ملفت للنظر. فنحن في بلد حيث الثقافة الحقوقية مترّهلة، ومشروعية الحقوق كما المؤسّسات التي تضمنها ضعيفة، وقد زادت الأزمة الحالية من ترهّلها وضعفها. لذلك فالإيمان بقدسية الحق كما يظهر عند الأجراء أمام مجالس العمل، والإيمان بتلك المجالس كمساحة تحمي هذا الحق، استثنائي في ظلّ الواقع الحالي، وطغيان الخطاب المُشكّك بجدوى وفعالية اللجوء إلى القضاء بشكل عام، وقضاء العمل بشكل خاصّ، وفي جوّ عام ينعت المؤمن بالحقوق بالسذاجة والبساطة المفرطة.

“لأنّ الحق حق. قصدك لأنّ حدا قال لي لازم إرفع دعوى؟ لا لا أبداً. منّي لحالي”. [45]

أنا بقول انشالله. أنا بقول انشالله. لأن أنا بعتقد إنو ما عم بتعدّى على حدا. هيدا مبدئي، إنّو أنا عطوني حقي. حقي -. عطيني ياه، وما بدّي منّك شي”. [46]

هو تشبّث بفكرة سموّ الحق وحتميّته، حقّ واضح وغير قابل للنزاع لا من ناحية وجوده ولا من ناحية مشروعيّته. إنّ الحق “العمالي” هنا ليس الحق كما يفهمه ويتكلّم عنه القضاة والمحامون في ممارساتهم أو نظرياتهم، كما ليس الحق الذي قد نجده في قوانين العمل وتفسيراتها. والإشارة المتكرّرة لسلطان الحق يقرّبه من تلك الحقوق الطبيعية التي لا تقبل الاستثناءات والحدود. إنّها حقوق تبدو وكأنّها مطلقة، إذ يعتبر الأجراء أنّهم سيربحون بمجرّد أنّهم أصحابها: التمتّع بالحق يجعل معركتهم منتصرة حتماً، وكأنّ المحاكمة – وكلّ عقباتها – مجرّد تفصيل أو معاملة بسيطة. والملفت أنّ هذه المقاربة المتجذّرة بالإيمان المطلق بالحق، تعدّل المسار القضائي الذي رسمته العلوم الاجتماعية لتفسّر المحطات الذي يمرّ بها المتقاضي “العقلاني”، أي المتشبّث بمصالحه لاسيّما المادية، والذي بموجبه يبدأ اللجوء القضائي بتسمية الانتهاك (naming)، ومن ثم توجيه اللوم للخصم (blaming)، وأخيراً مطالبة هذا الأخير بالتعويض  قضائياً (claiming)[47]. إنّ مسار الإيمان المطلق بالحق (“الحق سلطان”)، الذي يظهر بشكل مفاجئ ومحيّر عند بعض الأجراء، يدمج المحطات الثلاث ويمزجها ليجد الأجير نفسه مباشرة أمام القاضي (أو قلم المحكمة) يطالب بحقه الطبيعي، أي بعودة الأمور إلى طبيعتها في خضمّ أزمة شوّهت معالم الحياة الطبيعية، لاسيّما للطبقات الأكثر هشاشة.

ولا شكّ أنّ التناقض بين “سلطان الحق” وعظمته من جهة، كما يتكلّم عنه الأجراء المتقاضون عندما يبرّرون ذهابهم إلى قصور العدل، وبؤس المحاكم التي يطلبون منها تكريس هذا الحق من جهة أخرى، يجعل من هذا الإيمان بالحق أساساً ليوتوبيا سياسية يحملها بعض المظلومين من الأجراء المصروفين أو غيرهم في سعيهم لعدالة ما، في أروقة نظام قضائي وسياسي يشكل بحد ذاته ديستوبيا، أو صورة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في أسوأ عالم ممكن. ولا يمكن إلّا أن نتوقّف عند المساحة الشاسعة التي تفرّق بين العالمين، بين يوتوبيا العدالة المتخيَّلَة كما يراها الأجراء، وبين ديستوبيا العدالة الواقعية التي تقدّمها قصور العدل والمحاكم وأروقتها. من جهة، عدالة-حق يصبغها الأجراء بصبغة أخلاقية تميّز بين الخير – هم أصحاب الحق – والشرّ – أصحاب العمل الظالمين. ومن جهة أخرى، في المحاكم وأقلامها، عدالة روتينية، بطيئة، تقنية، غارقة في بحر من التفاصيل الشكليّة وتأجيل المحاكمات والتواريخ والأرقام. أمّا التقاء العالمين والصدمة الذي يخلقها، فسيكون موضوع مقالتنا اللاحقة حول تجارب العمال داخل المحاكم.

5. ديانة القضاء في بلاد اللا عدل

يعتبر كلّ الأجراء الذين قابلناهم، وقد لجأوا إلى مجالس العمل التحكيمية، أنّ لا خلاص لهم إلّا من خلال القضاء. فكلّ النقاط التي أشرنا إليها حتى الآن، من استرجاع الكرامة إلى ترميم السيرة الذاتية إلى قلب علاقة القوّة مع صاحب العمل إلى التمسّك بالحق المطلق، تؤدّي بشكل “طبيعي” إلى المؤسّسة القضائية، أي إلى مجالس العمل التحكيمية. كلّ الوسائل الأخرى المتاحة للأجراء اليوم، من قبول ما يقدّمه صاحب العمل إلى وساطات السياسيين أو النافذين ستجعلهم عاجلاً أم آجلاً يتخلّون عن أحد التوقعات السابقة. وحده القضاء يضمنها كلّها، فيصبح هو وجهة التحرّك الأساسية، في ظلّ رفض ملموس لكلّ الطرق الأخرى التي قد تسمح لهم بالوصول إلى جزء من تعويضاتهم.

“سعر الصّرف سيؤثّر عليها كثيراً. لنعتبر أنا خسرت رجعتي عالشغل، وبدّن يعطوني تعويضي. يعني بدّن يعطوني ماكسيموم، ماكسيموم 12 شهر، متل ما رفقاتي أخذوا وقت كان الدولار 5000، أنا عم باخدو على الـ 14000 -15000. أنا منّي قابضة شي. بس أنا بقول قبضت كرامتي. القاضي حكم لي بـ5 أشهر، بـ10 أشهر، القااااضي [وقالتها بعنفوان وثقة، وركّزت على الكلمة بشكل خاص]، مش هنّي. مش هنّي قالوا حقّك هلقد، أو ترجّيتن، أو رحت بست إيد فلان ليزيدولي شهر أو شهرين. لا، أنا منّي هيك. […] ردّي رح يكون بالقضاء، بس بالقضاء. بس بالقضاء. بس بالقضاء. 37 سنة من قسم لقسم، عم زبطلكن. هيك بخمس دقايق بطلع غير قابلة للتطوّر؟”[48]

إنّ “القبض” يبقى إذاً الهدف من عملية التقاضي، إلّا أنّ العملة التي يُؤمَل “القبض” بها من خلال القضاء ليست الليرة أو حتى الدولار. والجهة التي تؤمّن القبض هنا ليست مصرفاً أو وزارة مالية أو صرّافاً أو غيره، بل هي القاضي نفسه الذي يجد لنفسه في هذه المعادلة دوراً متميّزاً. يخضع لجوء الأجراء المصروفين إلى القضاء لاقتصاد معنوي وقيمي مختلف عن الاقتصاد المادي، حيث نرى المحكمة، كما يتخيّلها ويؤمن بها الأجير، تتفرّد بإصدار عملة نادرة، لا تتأثّر بتقلّبات سعر الصّرف وألاعيب المصرف المركزي والمصارف الخاصّة والمضاربين، وتسمح بتسديد “تعويض الظلّ” (الكرامة، في كلام الأجيرة أعلاه) الذي يطمح إليه العمّال عندما يصرّون على التقاضي بالرّغم من كلّ عورات مجالس العمل، إلى جانب التعويض المالي الرسمي.

ما عنّا خيار ثاني إلّا اللّجوء إلى قضاء العمل […]. إنّو وين بدّي روح؟ بدّي روح عمنظّمة العمل الدوليّة؟ حق النّاس من وين بدّي آخذه؟ بطلب من زعيم سياسي؟ وين بدنا نروح؟ إسّاتنا نحن متمسّكين بهيكلاتنا القضائيّة، مع إنّو في تجاوزات خطيرة”. [49]

“رحت لحالي. قرّرت روح عالقضاء لأنّو محكمة العمل للعمّال. إذا محكمة العمل ما أخدت لي حقي، مين رح ياخد لي ياه؟”[50]

والملفت هنا ما يظهر وكأنّه حتمية وبديهية اللجوء إلى مجالس العمل التحكيمية بالنسبة لهؤلاء الأجراء. وإذا أردنا أن نكون متفائلين للحظة، وبدل أن نرى في هؤلاء الأجراء المؤمنين بالقضاء فلولاً لدولة القانون والمقاربة الحقوقية البائدة في زمن الانهيار الشامل، قد يذكّر المشهد، على العكس، بالديانات الناشئة والأقلّوية حيث يرفض المؤمنون الأوائل معاشرة معابد الديانة المهيمنة بالرغم من مزاياها، ويصرّون على الذهاب إلى معابدهم القليلة والصغيرة والبعيدة والفقيرة، حيث تغيب علامات السلطة والثروة ولا يُقدَّم الطعام ولا النقود، إلّا أنّهم يجدون فيها أشياء أخرى تداوي أوجاعهم وتحاكي قلقهم وتغذّي آمالهم. إنّ ديانة الحق لها معابدها ومشايخها ونصوصها المقدّسة حتى بشكل خجول في مملكة اللا عدالة اللبنانية، ومن أجلها ما زال بعض الأجراء يقصدون مجالس العمل في حين انهارت معظم أسباب اللجوء “المنطقية” الأخرى. إنّ الثقة في القضاء اليوم هي أقرب ما يكون إلى إيمان من يعد يحتاج إلى إثباتات حسّية للمضي في إيمانه. وككلّ إيمان أو عقيدة، نجد أحياناً مبالغة في التعبير عنه، لدرجة التبجيل بالقضاء وحصر مشاكله ببعض الاستثناءات: فالعمّال المتقاضون يرون القضاة حسن الأداء ولديه أحكام جيّدة، فلا يعقل أن يحكم قاض على عامل معه حق “إلّا إذا كان، سوري عهالكلمة، فاسد”[51]. إيمان، يصعب فهمه منطقياً، في ظلّ الانحدار الخطير الذي يصيب المؤسّسة القضائية منذ ثلاثين عاماً.

“أكيد. أكيد [سوف ينصفنا القضاء]. المشكلة بالقضاء حسب ما بسمع en général المشكلة أنو توصل القضية للقاضي. بس القضية وصلت للقاضي، القاضي عنّا بتحسّو بيعمل ضميره. بشوف ناس كتير أُنصفوا إن كان بالمصاري أو كان بالأحكام، لو كان بعد فترة. بس بنصفوا. هيدا إحساسي. المهم يفتح القاضي قضيته”.[52]

“أنا بحترم رأين، يعني بحترم قرارن [القضاة]. خلص. مش أنا إنسان لجأت ل إلن؟ يا أمّا بدّك تحترملن قرارن، يا أمّا ما تلجألن. واحدة من الإثنين. بدك تلجألن، بدك تحترملن قرارن. […] خلّيني آخد حقّي بالقانون. وهيدا كلّ يلّي حصل […]. الأمل الوحيد بهيدا البلد، هو القضاء. يعني في بعض الشواذات، كلّنا منعرف هيدا الشي، بس  نحن ما النا إلا هيدا القضاء”.[53]

يبدو إيمان هؤلاء العمال بالقضاء والقانون أكثر صلابة من إيمان العديد من السياسيين أو حتى القضاة والمحامين وطلّاب الحقوق. وفي حين لا مجال هنا للغوص في أسباب هذا الوضع، فهو يدلّ على وجود إدراك قانوني[54] لدى جزء من الأجراء يميل في مضمونه لصالح النظام القانوني ومؤسّساته ومشروعيّتها، ويؤمّن احتراماً ملحوظاً لها، وهو أمر مثير للتعجّب – والفضول – في بلد لا يحظى القانون ومؤسّساته بمشروعية تذكر.

لماذا يؤمن هؤلاء العمال بالقانون بالرغم من كلّ علامات اللا عدالة واللا مساواة في النظام والواقع القانوني اللبناني؟ هل يؤمنون فعلاً بمقولة “القانون والقضاء للضعفاء” التي تبشّر بها كليّات الحقوق الليبرالية للإشارة إلى أهمية القانون ووقوفه إلى جانب هؤلاء؟ مقولة تصرّف بها، للمفارقة، زعيم لبناني مؤخراً ليقول إنّ “القضاء يذهب إليه الضعفاء”، أي أنّ الأقوياء، لا يحتاجون إلى القضاء للحصول على ما يريدون[55]؟ عبارة “القضاء للضعفاء” تحمل طبعاً معنيين متناقضين هنا، إذ يمكن أن تكون رمز الضعفاء ووصمة الضعف على جبينهم، أو على العكس الوسيلة التي قد تسمح لهم بتعويض هذا الضعف وتخطّيه، وهي الرواية التي يؤمن بها الأجراء الذين يذهبون إلى محكمة العمل. ولا شكّ أنّ ضبابية العبارة تغذّي سرديّات الطرفين، الأقوياء والضعفاء، لكن هل يحصل ذلك على حساب الفئة الثانية، العمّال هنا، التي سرعان ما تتحطّم آمالهم على مذابحهم ومعابدهم المغطّاة بالغبار، أي أقواس مجالس العمل؟ سنحاول الإجابة على هذا السؤال في المقالة المقبلة.

أي وظيفة للقضاء في الأزمة؟

حاولنا في هذه المقالة الإجابة على السؤال التالي: لماذا ما زال الأجراء يلجأون إلى مجالس العمل التحكيمية بالرّغم من قلّة فعاليتها وانهيار قيمة التعويضات التي قد تقدّمها؟ رأينا، بعد تحقيق ميداني مطوّل، كيف أنّ التعويضات لا تؤدّي سوى دوراً محدوداً من ضمن مروحة الأسباب التي قد تدفع أجيراً نحو قضاء العمل، ما يسمح بفهم استمرارية اللجوء إلى القضاء بالرّغم من انتفاء معظم أسبابه المادية. يحاول الأجراء المصروفون عبر مجالس العمل، أوّلاً، استعادة كرامة انتهكها صاحب العمل عند الصّرف، بخاصّة عندما يتمّ اصطناع مشاكل وسيّئات يُتَّهم بها العامل لكي يسهل طرده. ثانياً، ترميم سيرة العامل الذاتية والمهنية والشخصية التي انقطعت بعنف عند الصّرف. ثالثاً، قلب علاقة القوّة مع صاحب العمل داخل المحكمة، وصولاً حتى في بعض الأحيان إلى محاولة الانتقام منه اجتماعياً. رابعاً، الإيمان المترسّخ بالحقّ الذي يحمله العامل والذي لا يمكن أن يُهزم، وخامساً، الإيمان بدور القضاء الأساسي دون أي جهة أخرى، في حماية هذا الحق وضمانه. لكلّ هذه الأسباب والاعتبارات غير المادية، ما زال بعض العمّال يذهبون إلى مجالس العمل.

لكن أبعد من هذه الأسباب أو من خلالها، تبرز وظيفة قديمة – جديدة للقضاء والقانون اليوم في الأزمة، وهي وظيفة مزدوجة. فمن جهة، قد يشكّل الإيمان في القانون والقضاء لدى بعض الأجراء فرصة استثنائية لإعادة بناء مؤسّسات العمل بشكل عام، ومجالس العمل التحكيمية بشكل خاص، بطريقة مختلفة تكون على مستوى هذا الإيمان، وعلى مستوى تطلّعات كلّ العمّال والأجراء الذين سيستمرّون بالعمل على هذه الأرض مهما كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إذ أنّ الهجرة ليست خياراً لجميع الأشخاص أو الطبقات. إلّا أنّه تلوح أيضاً في الأفق وظيفة إضافية للقضاء، وهي الوظيفة الترويضية – التخديرية، إذ قد يخفف القضاء من الشحن والغضب العمّالي، ويُبعد الأجراء عن المواجهة المباشرة مع مستغلّيهم من شركات ومؤسّسات كبيرة وغيرها (وليس كلّ أصحاب العمل من هؤلاء)، جنت أرباحاً هائلة على عقود من خلال عملهم قبل أن تصرفهم عندما تقلّصت إمكانيات الربح، فيفضلون الذهاب نحو تقاضٍ لا يلمّون برموزه ولا بلغته (أنظر المقالات اللاحقة). طبعاً، ليس هنالك بالضرورة تعارض بين الحراك المطلبي والمحكمة، إذ قد يتكامل الاثنان بشكل مفيد للقضايا العمّالية، كما نرى في حالات التقاضي الاستراتيجي الذكي، حيث تغذي الجبهتان بعضهما البعض. وقد يصبح عندها السؤال لماذا لم نشهد تقاضياً استراتيجياً أو حراكاً مهمّا حول مجالس العمل التحكيمية وقضاياها في لبنان في الفترة الأخيرة، وهل هنالك خيار جديّ لحراك في الشارع في ظلّ غياب النقابات وضعف القدرة على الحراك بشكل عام في البلد؟ لا شكّ إذاً أنّ المحاكم ليست الطرف المذنب الوحيد أو حتى الأهم لتفسير الصمت العمّالي اليوم.

إلّا أنّ هذه الوظيفة التخديرية للمحاكم، إن تأكّدت، قد يكون لها فعالية مضرّة ما، تضاف إلى أسباب التشتّت العمّالي الأخرى في زمن الأزمة في لبنان، حيث الغضب الاجتماعي في  أوجه، وحيث يشكّل مئات آلاف العمّال المصروفين جيشاً أكبر من كلّ جماهير الزعامات التي تُجيِّش لمواجهة كلّ مطلب عدالة، من جريمة المرفأ إلى جرائم المصارف وغيرها. إلّا أنّنا لا نرى لهذا الغضب ولهذا الجيش العمّالي أثراً في الشوارع والساحات العامّة اليوم.

“مش مشكلة، بيني وبينك في قانون، ولو بدّي اتحاسب أنا وياك، كنت ضربتك هون بالمكتب، بس بيني وبينك في قانون […] يا بيلجأ الواحد للقضاء، يا بدّو يلجأ للقتل أو للتكسير. لأ. حق. مش بس موقف. هيدا حق. اعطوني حقّي […]. بالحياة، عندك شغلتين، يا بتلجأ للقضاء وبتاخد حقّك بالقانون، بكل إحترام، يا أمّا بدّك تلجأ للزعرنة. واحدة من التنتين. نحن من الناس اللي ما بدا الزعرنات، بدنا القضاء”. [56]

غريب هذا الزمن: حتى أكثر المؤمنين بأهمية دولة القانون قد يرون في هذه “الزعرنات” العمّالية المحقّة عنوان أمل ما، بانتظار قضاء أفضل يحمل مستقبلاً أكثر عدالة، وقد يستحقّ حينها، وحينها فقط، ثقة العمال الرائعة فيه.


لوغو شبكة عملي حقوقي

هذا المنتج هو جزء من مواد شبكة عملي، حقوقي! وهي شبكة تضمّ منظمات المجتمع المدني تعمل على تحقيق
العدالة والحماية
الاجتماعية والقانونية الشاملة لا سيّما الحماية للأفراد العاملين في سوق العمل النظامي وغير النظامي في لبنان، بما يتوافق مع

القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون العمل اللبناني ومعايير العمل الدولية.

تدعم منظمة أوكسفام الشبكة وينسقها المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين بالتنسيق مع المفكرة القانونية في إطار مشروع “تعزيز العمل اللائق وتنمية الأعمال المستدامة في البقاع، لبنان.”

قادت المفكرة القانونية انتاج هذه المواد.

تم إنتاج هذه المواد بدعم مادي من البرنامج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية لدعم لبنان، الأردن والعراق (RDPP II) وهو مبادرة أوروبية مشتركة بدعم من جمهورية التشيك، الدنمارك، الاتحاد الأوروبي، ايرلندا وسويسرا. تمثل هذه المواد آراء شبكة عملي، حقوقي! ولا تعكس بالضرورة سياسات أو آراء منظمة أوكسفام أو المرصد اللبناني لحقوق العمال الموظفين أو البرنامج الأوروبي الإقليمي للتنمية والحماية أو الجهات المانحة له.


[1] المادة 50 من قانون العمل اللبناني: “[…] إذا كان الفسخ صادراً من قبل صاحب العمل يقدّر التعويض على أساس نوع عمل العامل، وسنّه، ومدّة خدمته، ووضعه العائلي والصحّي، ومقدار الضّرر، ومدى الإساءة في استعمال الحق، على أن لا ينقص التعويض الذي يحكم به عن بدل أجرة شهرين وأن لا يزيد عن بدل أجرة اثني عشر شهراً، وذلك بالإضافة لما قد يستحقه العامل من تعويضات قانونية نتيجة لفصله من الخدمة […]”.

[2] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جداً، بيروت، 2 حزيران 2021.

[3] مقابلة مع الأجير نفسه 2 حزيران 2021.

[4] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7 حزيران 2021.

[5] مقابلة مع أجير صرف من مؤسّسة تعتبر من أكبر المشغّلين في لبنان، بيروت، 23 نيسان 2021.

[6] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة كبيرة، بيروت، 18 آذار 2021.

[7] مقابلة مع أجير مدير فرع، صرف من عمله، جبل لبنان، 24 آذار 2021.

[8] Marc GALANTER, “Why the “Haves” Come out Ahead: Speculations on the Limits of Legal Change”, Law & Society Review, Vol. 9, No. 1, (Autumn, 1974), p. 97.

[9] Frédéric GUIOMARD, “Syndicats : évolutions et limites des stratégies collectives d’action juridique”, Mouvements, 2003/4 (n o29), p. 47-54.

[10] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7 حزيران 2021.

[11] مقابلة مع أجير صرف من مؤسّسة كبرى كان يشغل فيها منصباً إدارياً، بيروت، 26 آذار 2021.

[12] مقابلة مع أجير مدير فرع، صرف من عمله، جبل لبنان، 24 آذار 2021.

[13] حتى لدى القانونيين، تقول نظرية اندماج  العامل (incorporation) إنّ العامل ينتمي إلى المؤسّسة ويكتسب، وبكل ما للكلمة من معنى، وضع اجتماعياً وقانونياً statut social et juridique جديداً من خلال هذا الانتماء. وتناقض هذه المقاربة النظرية التقليدية السائدة في القانون والفقه التي تركّز على العلاقة التعاقدية بين الأجير وصاحب العمل، بحيث يصبح العامل طرفاً لا غير في علاقة تعاقدية مجرّدة lien contractuel abstrait. للمزيد، مراجعة: Alain SUPIOT, Critique du droit du travail, Quadrige/PUF, 2ème édition, 2011.

[14]  مقابلة مع أجير في مطعم، بيروت، 20 آذار 2021.

[15] تماماً مثل حالات أخرى تمنع العامل من الاستمرار في مسيرته المهنية وتحدث خضّة في حياته، كنهاية الخدمة، أو الوقوع في البطالة:

Michaël VOEGTLI,  “Du Jeu dans le Je : ruptures biographiques et travail de mise en cohérence”, Lien social et Politiques, 2004, (51), p. 145–158.

[16]  بحسب مقالة نُشرت على موقع Commerce du Levant في الأوّل من تمّوز 2020 (تمّ الاطّلاع عليها في 3 أيّار 2021): فقد 350 ألف شخص عملهم منذ بداية سنة 2019، أي ما يعادل ثلث العاملين في القطاع الخاصّ. ولا شكّ أنّ هذا العدد ازداد اليوم. أمّا المرصد اللبناني لحقوق العمّال والموظّفين، فيقدّر أعداد المصروفين منذ بدء الأزمة الاقتصادية في النصف الثاني من 2019 بنحو 500 ألف عامل وموظّف “وهؤلاء يشكّلون ثلث العاملين قبل الأزمة”، فيما يرفع عدد اللبنانيين الذين فقدوا وظائفهم أو يعملون بنصف راتب أو بلا ضمانات إلى مليون شخص (أنظر في هذا الخصوص  مقالة: الصّرف متواصل على قدم وساق والحكومة تتفرّج: مليون لبناني فقدوا وظائفهم أو يعملون بنصف راتب أو بلا ضمانات، لور أيّوب، المفكّرة القانونية كانون الثاني 2021).

[17] مقابلة مع أجير صرف من عمله، طرابلس، 29 حزيران 2021.

[18] Michaël VOEGTLI, (2004),  ibid.

[19] مقابلة مع محام، بيروت، 29 تموز 2021.

[20] علماً أنّ قانون العمل لا يلحظ هذه الإمكانية في حالات الصّرف العادي. لكنّ المحامي ارتكز هنا على النظام الداخلي ونظام الموظفين العائدين للمؤسّسة التي قرّرت الصّرف، للمطالبة بإبطاله. حول هذه المسألة في القانون الفرنسي، يمكن مراجعة:

Michel HENRY, “La réintégration des salariés non protégés”, Droit ouvrier, septembre 1995.

[21]  مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7  حزيران 2021.

[22] مقابلة مع الأجيرة نفسها.

[23] للمزيد عن الشعور بالظلم كدافع أساسي للتقاضي، لا سيما لدى الفئة الشبابية التي تتحول أول تجارب مهنية لديها إلى تجارب نزاعية قضائية، مراجعة:

Camille TRÉMEAUX, “De jeunes salariés confrontés à l’(in)justice du travail : recours aux prud’hommes et effets socialisateurs de l’épreuve judiciaire”, Politix, 2017/2 (no. 118), pp. 157-181.

[24] وفي هذا الصدد، مراجعة:

Richard E. MILLER, Austin SARAT, “Grievances, Claims, and Disputes: Assessing the Adversary Culture”, Law and Society Review, 15 (3-4), 1981.

[25] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جدا، بيروت، 2 حزيران 2021.

[26] مقابلة مع أجير صرف من مؤسّسة كبرى كان يشغل فيها منصب إداري، بيروت، 26 آذار 2021.

[27] مقابلة مع أجير في مطعم صرف منه، بيروت، 20 آذار 2021.

[28] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جداً، بيروت، 2 حزيران 2021.

[29] مقابلة مع أجير صرف من مؤسّسة كبرى كان يشغل فيها منصباً إدارياً، بيروت، 26 آذار 2021.

[30] مقابلة مع أجير صرف من عمله، طرابلس، 29 حزيران 2021.

[31] عن اللجوء إلى قضاء العمل من أجل فرض احترام مفقود “respectabilité bafouée”:

Isabelle ASTIER, Jean-François LAÉ, “Aller ou non aux prud’hommes? Un accès difficile à la justice du travail”, Mission de recherche Droit & Justice, ministère de la Justice, 2009, p.5

[32] أنظر مثلاً مقالات المفكرة القانونية حول هذه المسألة، بما يخصّ حرية التظاهر والاعتراض، أو حرية التعبير لاسيما تجاه الزعماء والسياسيين. للمزيد حول ظاهرة التوقيف الاحتياطي في لبنان، الاطلاع على الدراسة التالية: غيدة فرنجية، التوقيف الاحتياطي في لبنان: عقوبة مسبقة أم إجراء ضروري؟ تحليل لقرارات التوقيف الاحتياطي قصير الأجل، المفكرة القانونية، أيار 2019.

[33] عن الاستعمال الهجومي لقضاء العمل les usages offensifs de la justice prud’homale، مراجعة:

Camille TRÉMEAUX, (2017),  ibid.

[34] مقابلة مع أجير في مطعم، بيروت، 20 آذار 2021.

[35] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7 حزيران 2021.

[36] عمّال صرفوا جماعياً من مؤسّسة كبيرة عام 2020 وأنشأوا مجموعة واتساب سمّوها “لجنة المتابعة”، حيث كثرت الأدعية والتمنّيات المماثلة.

[37] Antoine GARAPON, Bien juger, Essai sur le rituel judiciaire, Paris, Odile Jacob, 1997, p.250 et s. ; Jerome FRANCK, Courts on trial, Myth and Reality in American justice, Princeton, Princeton University Press, 1973.

[38] مقابلة مع أجير صرف من مؤسّسة تعتبر من أكبر المشغّلين في لبنان، بيروت، 23 نيسان 2021.

[39] للمزيد عن معركة المشاعر الشخصية “combat feelings” وتسامي  الضغينة “sublimation”، الاطلاع على:

Jerome FRANCK, (1973), ibid, Chap. XXVII- The psychology of litigants, p.374.

[40] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جداً، بيروت، 2 حزيران 2021.

[41] مقابلة مع محام، بيروت، 29 تموز 2021.

[42] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7 حزيران 2021.

[43] المقابلة نفسها، حزيران 2021.

[44] مقابلة مع أجير صرف من عمله، طرابلس، 29 حزيران 2021.

[45] مقابلة مع أجير مهندس، جبل لبنان، 8 حزيران 2021.

[46] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جداً، بيروت، 2 حزيران 2021.

[47] William L.F. FELSTINER, Richard L. ABEL, Austin SARAT, “The emergence and transformation of disputes: naming, blaming, claiming”, Law and Society Review, 1980, Vol. 15, No. 3/4, pp. 631-654.

[48] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7 حزيران 2021.

[49] مقابلة مع محام سبق وربح دعاوى كبيرة وحساسة في مجال قانون العمل والضمان الاجتماعي، طرابلس، 17 حزيران 2021.

[50] مقابلة مع أجير صرف من عمله كسائق حافلة، طرابلس، 9 آب 2021.

[51] مقابلة مع أجيرة صرفت من مؤسّسة رائدة، طرابلس، 7 حزيران 2021.

[52] المقابلة نفسها، حزيران 2021.

[53] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جداً، بيروت، 2 حزيران 2021.

[54] Patricia Ewick et Susan Silbey, “The Commonplace of Law. Stories of Everyday Life, Chicago, University of Chicago Press, 1998, pp.15-16

 ذكر في

Jérôme PÉLISSE, “A-t-on conscience du droit ? Autour des Legal Consciousness Studies”, Genèses, 2005/2 (no. 59), pp.114-130.

“وضعية الفرد “بوجه القانون” (Être face au droit) :

“(…) Souvent dans ces situations, les personnes expriment une loyauté et une acceptation des concepts juridiques ; ils croient dans la légitimité des procédures légales, même s’ils ne sont pas toujours convaincus de l’impartialité des décisions.”

“في هذه الحالات، يُظهر الأشخاص وفاء وقبول للمفاهيم القانونية؛ يؤمنون بمشروعية الأصول القانونية، حتى ولو لم يكونوا مقتنعين دائماً بحياد الأحكام”.

[55] أنظر مثلاً: “جريمة الشرف الحديثة: القضاء للضعيف وللزعيم قوة الشارع“، المفكرة القانونية، 16 شباط 2018.

[56] مقابلة مع أجير صرف من عمله المتواضع جداً، بيروت، 2 حزيران 2021.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني