أهالي الكورة يستذكرون ضحايا “الإسمنت”: الشباب يريدون الحياة، ومنتخبو الكورة لا ينشطون إلا في التعزية


2019-02-07    |   

أهالي الكورة يستذكرون ضحايا “الإسمنت”: الشباب يريدون الحياة، ومنتخبو الكورة لا ينشطون إلا في التعزية

خرج شبان وشابات منطقة الكورة إلى اعتصام 4 شباط 2019 ضد شركتي الإسمنت ومقالعها وسط معطيات ستضع معايير مستجدة للنضال في المنطقة التي نهشت ترابة “السبع” و”هولسيم” صحة أبنائها وزيتون وأشجار جبالها، وسلبتها ثروتها المائية ولوثت هواءها، في غياب أي حسب أو رقيب.

خرج أبناء الكورة وحدهم في غياب الأحزاب المشاركة في السلطة كافة من جهة، وافتقدوا النواب الذين منحوهم أصواتهم لتمثيلهم وتمثيل قضاياهم. أما القوى الأمنية وبدل أن تنفذ قرار بلدية كفرحزير واتحاد بلدايات الكورة بوقف العمل في المقالع، فإنها استدعت ثلاثة شبان دعوا إلى التظاهرة السلمية ضد الملوثين قاتلي الناس.

وقد أدلت بلدية شكا بدلوها لتتناغم مع موقف شركتي السبع وهولسيم اللتين أخرجتا موظفيها تحت وطأة حرمانهم من لقمة العيش، في وجه أبناء منطقتهم الذين يدافعون عن صحتهم وبيئتهم. ومنعت بلدية شكا التحرك السلمي الذي كان مقررا على أراضيها وفاء لألف ضحية سقطوا بالسرطان في الكورة. خافت شكا والشركات من ألف شمعة أضاءها عشرات الناشطين والناشطات والأطفال السائرين بثياب سوداء، انتصارا لكل الذين لم تحترم السلطات الرسمية حقهم بالصحة والحياة. وكانت المفكرة القانونية وثقت الأضرار الجسيمة التي أصابت الكورة من جراء عمل الشركتين والمقالع في عدد خاص صدر في كانون الثاني 2019. كما نشرت فيديو مصورا عن ازدياد حالات السرطان في الكورة.

وفي ظل التخلي الرسمي والنيابي والحزبي عن أهل الكورة، أكد أكثر من معني ومعنية بالمنظمات والجمعيات البيئية في المنطقة عن نيتهم التوجه إلى القضاء لمواجهة الشركات بعدما انكفأ اتحاد بلديات الكورة إلى ذلك برغم وعود كثيرة أطلقت في هذا المجال. (المحرر).

بمناسبة اليوم العالمي للسرطان الموافق 4 شباط من كل عام، نفذت مجموعة من الناشطين والناشطات الكورانيين تحركاً سلمياً في حديقة الشهداء في منطقة أنفه “رفضاً لسياسة القتل الممنهجة الممارسة من قبل شركات الإسمنت والترابة منذ عشرات السنين، ورفضاً لمقالعها التي نهشت جبال الكورة و ترابها ودمرت تلالها، وجعلت السرطان يتستوطن في بيوت أهلها”.

“ألف شهيد بالسرطان”، هو العدد الذي تحدث عنه المشاركون والذي دفع بالعشرات إلى المشاركة بالوقفة التضامنية في الحديقة بعدما كان من المقرر أن تكون هناك مسيرة سلمية شعارها “عاصفة الزيتون” في منطقة شكا يتوجه خلالها المشاركون نحو مداخل الشركات بالرداء الأسود والشموع وأغصان الزيتون. لكن بلدية شكا رفضت السماح بأي تحرك على أراضيها، بخلاف بلدية أنفه التي سمحت بالاعتصام في الحديقة العامة.

قرابة الساعة الرابعة من بعد ظهر الإثنين 4 شباط 2019، كان عمال شركة السبع وهوليسم يحتشدون أمام مدخل شركاتهم بمؤازرة القوى الأمنية، فيما بدا عليهم الإستعداد لأي تحرك لقمع الأهالي في حال اقترابهم.

أما في الحديقة فقد اجتمع عدد كبير من الأهالي من مختلف مناطق الكورة المتضررة. ودعا حزبا القومي السوري الاجتماعي والشيوعي مناصريهما في هذه المناطق إلى المشاركة فيما غابت أحزاب السلطة عنها، وجاءت مشاركة  مؤيدي هذه الـحزاب بصورة فردية وغير رسمية، فيما لم يلحظ حضور أي نائب عن المنطقة، أو رئيس اتحاد بلديات الكورة أو أي رئيس بلدية.

ارتدى معظم المشاركين الرداء الأسود حداداً على ضحايا السرطان ووضعوا الكمامات رفضاً لتنشق الهواء المسرطن، وحملوا أغصان الزيتون الشاهد الأبرز على دمار البيئة الطبيعية للمنطقة. وقبيل غروب الشمس أضاء المشاركون نحو ألف شمعة حمراء حداداً على أرواح ألف شهيد سقطوا على مدى سنوات.

وقبل بدء الاعتصام، تم استدعاء ثلاثة من منظميه وهم مروان عجيمة، علاء فرحات و سليمان النمر. وفي حديث مع “المفكرة” حول التحرك والاستدعاء، قال عجيمة: “عندما علمنا أن 4 شباط يصادف اليوم العالمي لمرضى السرطان قررنا التحرك بما أن أعلى نسبة سرطان في لبنان هي في منطقة الكورة وقررنا تنظيم وقفة تضامنية مع كل من رحلوا من جراء المرض، وكل مرضى السرطان حالياً. أما مطالبنا فهي تطبيق القانون. وقد تم استدعاؤنا قبل المظاهرة بحوالي نصف ساعة، وطلب إلينا التوجه إلى المخفر بعد انتهاء الاعتصام، وسنلبي ذلك لأن ليس لدينا ما نخشاه”.

وقالت الناشطة الكورانية دة سمر نجار أن “هذا التحرك إنساني اعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي، واستطاع أن يحشد الناس”، آملة أن ” نخرج  بقضيتنا من دائرة الكورة إلى كل الوطن”.

وعن عدم مشاركة نواب المنطقة بالتحرك قالت:”نحن لا نلوم أحدا لعدم المشاركة في التحركات على الأرض، ولكننا سنلومهم إن لم يدعمونا لاحقاً في القضية”.

على صفحتهم عبر موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك” وعبر فيديو مصور، قال الشباب أنهم لا يثقون “لا بالدولة ولا بالقضاء ولا بنواب الكورة نهائياً”. وبسؤال نجار على من الاتكال لتحقيق المطالب، إن لم تكن هناك ثقة بأحد؟، أجابت: “نحن نتكل على الضغط الشعبي والإعلامي، ونحن نأمل أن يبادر القضاء بشيء ايجابي نحونا عسى أن تتبدل الصورة”. وذكّرت بالمخالفات التي كان يعاقبها القاضي نبيل صاري (حين كان قاضيا في البترون منذ أكثر من عقد) بحق الشركات من فترة إلى أخرى. أما الآن “فالمداخن تنفث سمومها كل يوم، ولا أحد يفرض ضبط مخالفة واحد على الشركات ، بينما تعمل المقالع  من دون تراخيص”. وطالبت القضاء والدولة بأجهزتها المعنية كافة بالتدخل “وإلاّ لن نثق بأحد. فنحن ننتظر منذ 80 عاما والآن حتى بدأت الشركات تستمع لنا وتنزل عمالها لمواجهتنا من هنا نحن مستمرون في المواجهة”. وأضافت “إذا سكتنا، سيحصلون على شهادات بيئية، أما إذا لم نسكت كشعب، وتحولت قضيتنا إلى قضية رأي عام، عندها سيبدأ البحث جديا عن الحل”.

ولفتت إلى أنه كان من المقرر تسمية التحرك بعاصفة poyam، وهو جمع إسّمي آخر ضحيتين توفيتا بالسرطان وهما بولا سلوم وهيام جوهر، إلا أن زوج هيام تعرض للتهديد بالطرد من عمله. فرفض أن يتم زج اسمه وقال “أنا زوجتي لم تمت على يد الشركة”. وأضافت نجار: “نحن لم نقل أنها ماتت على يد الشركات إنما معروف عالميا أن ارتفاع نسب التلوث في الهواء يؤدي إلى ارتفاع نسب السرطان، والشركات في منطقتنا هي أكبر مسبب للتلوث”.

من جهته، اعتبر الناشط البيئي حافظ جريج أن”أقوى إدانة للشركات أنه تم منعنا من إقامة مسيرة سلمية في منطقة شكا”. وقال: “نحن نريد تحرير المنطقة من المقالع والكسارات، ونريد مشاريع سياحية وزراعية وسكنية وتجارية. لدينا تلال من الأهم ومشرفة على البحر، وكان يجب أن تكون من أغلى العقارات في لبنان. أما اليوم فباتت من أرخص العقارات، أليس هذا ظلما وتعديا على حقوق الإنسان؟ اذا أردنا الإبقاء على صناعة الإسمنت فهناك السلسلة الشرقية جرداء، وبإمكان تشغيل القطار وسكك الحديد. ثمانون عاماً كفانا وأتمنى أن يقف كل لبنان معنا في هذه القضية”.

يشعر الأخوان مصطفى وأحمد عبد الواحد بالسعادة أن تتم الدعوة إلى التحرك من قبل الشباب الكوراني. حضر الأخوان عبد الواحد من بلدة “بدبهون”، أكثر البلدات تضرراً. يختصران المشكلة في بلدتهم على النحو الآتي: هنالك “قسم من الأهالي يعملون في الشركات والقسم الآخر هم نواطير لمقالعها لقاء 500 ألف ليرة سنوياً”، وقالا: “يتم محو الضيعة تدريجياً، فالجبل بات واديا، ولا يوجد مستقبل لها أبداً، أكبر مقالع الشركة موجود لدينا، واآأن تم القضاء على مساحة تبلغ نحو مليوني متر مربع فيما كل مساحة بدبهون تبلغ حوالي خمسة ملايين متر مربع. نحن أكثر ضيعة أصابها الضرر والتشوه، بالمقابل فإن الشركة تسمح للناس برمي نفاياتها في أرضها كبادرة حسن نية حتى باتت المياه الجوفية ملوثة. كذلك يتم طمر النفايات الطبية هناك ويتم زرع الحشيش فوقها”. وشدد على أن المطلب الوحيد هو “تطبيق القوانين”.

“تصوري أن نبقى جالسين بانتظار الموت أو السرطان”، هكذا يختصر د. جوزيف حنا من منطقة ددة الكورة محفزات مشاركته بالتحرك وقال: “مطلبنا يتعلق بالمقالع ذلك أن هناك قرارا من إتحاد بلديات الكورة ومن بلدية كفرحزير يمنع المقالع في المنطقة، لكنهم تخطوا كل القرارات بالتواطؤ مع المحافظ وبعض السياسيين. واستمرت المقالع حتى لم يعد هناك جبل أو مياه في قرى الطوق”.

ولفت إلى أنه “شارك في التحرك مختلف الفعاليات التي تصب في الصف الوطني من الحزب القومي السوري الاجتماعي والحزب الشيوعي وأناس متضررون ولديهم مرضى سرطان. أما الخطوات اللاحقة فهي التصعيد السلمي ضمن الأطر القانونية المتاحة”.

ومن أبرز المشاركين في الوقفة التضامنية كانت الناشطة البيئية الدكتورة فدوى كلاب التي أعربت عن سعادتها بهذا  التحرك الأول الذي ينفذه “مجموعة من الشباب غير الحزبيين”. واختصرت كلاّب المطالب النضالية ب “البريئة” ألا وهو “تطبيق القوانين البيئية الموضوعة التي  تحفظ لنا حقنا، فيما خص المقالع والكسارات حيث يقول واقع الحال أنه لا يوجد شيء مما تنص عليه القوانين البيئية محترم ومطبق. فلا وزارة البيئة تطبق القوانين ولا البلديات ولا المحافظ. وهنا تستشهد كلاّب بمقولة “عندما يكون الظلم قانوناً يصبح التمرد واجب””.

وتابعت: “اليوم بات الحق مع الشركات وعلينا، وهذا أمر غير مقبول. صحيح ان الأوضاع سيئة في لبنان، ولكن يفترض أن يكون هناك على الأقل احترام لحقوق الانسان. كيف نجل ونحترم شهيد المقاومة، ولا نريد أن نعتبر شهيد السرطان والطمع؟ نحن لا نقول للشركات ألاّ تعمل وإنما نطالب بتطبيق القوانين. ما عاد مسموحا اللعب بأرواح الناس. يقال أن هناك عائلات تستفيد من هذه الشركات ولكن بالمقابل هناك أيضاً من يموت. من ناحية أخرى فإن الشركات لم تعد توظف لكي تتهرب من التعويضات والضمانات وباتت تعتمد على المقاولين الذين يأخذون مياومين. لذلك أقول لعمال الشركات ألاّ يخافوا على أعمالهم، لأنه إذا ما تحولت هذه المنطقة إلى منطقة سياحية، عندها سيصبح عملهم أرقى وأجمل ويصبح مدخولهم المادي أكبر. أما الآن فما يربحونه، هو قوتهم اليومي بينما يخسرون صحة أبنائهم ويتم تهجيرهم من أرضهم لأن المقالع وصلت إلى البيوت، وقضت على أجمل التلال المشرفة على الخليج، وبالتالي لم يعد بإمكان أحد أن يسكن فيها وبات مجبوراً على بيعها بالسعر الذي تفرضه الشركات”.

وأسفت أن يتم منع التحرك في شكا وقالت: “هذا يدل على قلة ثقافة ووعي عوضاً عن أن نكون يداً واحدة ضد الطمع. نحن جل ما نطالب به هو تطبيق القوانين دون أي شيء آخر دون حتى تطويرها. فهل يجب أن نعاقب على إصرارنا على تطبيق القوانين؟ ما هذا الانحدار الذي وصلنا له لطالما كان لبنان بلد الحريات والتعبير عن الرأي وفقاً للقوانين واحترام الآخر”.

وعن تشكيك الناشطين بالقضاء قالت:”للأسف خلال أربعين سنة مضت وعلى الرغم من كل التحركات والاعتراضات، فإنه مرة واحدة أخذ التفتيش المركزي حكماً بأحد المسؤولين الكبار وقام بتأخير تدرجه وإلّا فإنه طوال هذه الفترة لم نرَ أيّ حكم صارم بحق الشركات المخالفة من هنا حق هؤلاء الشباب ألا يثقوا بمؤسسات الدولة”.

لكن من ناحية أخرى أشادت بوزير العدل الجديد القاضي ألبير سرحان، واعتبرت أنه قد يكون بارقة أمل وقالت:”اليوم بات لدينا وزير عدل في منتهى النزاهة آمل أن يتم رفع هذا الملف إليه وأن يكون طرفاً فيه وأن يحكم، وإن لم يكن لدينا حق نحن مستعدون للتراجع ولكن هناك إثباتات علمية من الصعب إنكارها”.

وأكدت كلاّب اللجوء الى القضاء وقالت:”تأخرنا لأن اتحاد بلديات الكورة يقول منذ فترة أنه بصدد تحضير ملف لتقديمه. وفي آخر مرة التقيت رئيس الاتحاد خلال محاضرة، رد عليّ قائلاً بانتظار الوقت المناسب فقلت له نحن ننتظر منذ أربعين عاماً ألم يأت الوقت المناسب فمن العيب الضحك على الناس. والآن إذا لم يعمد رؤساء البلديات إلى التقدم بدعوى فحتما نحن سنقوم كجمعيات بيئية بذلك خصوصا أننا كنا في الفترة السابقة نخشى ان تحفظ في الأدراج بسبب عدم وجود حكومة ولكن الآن لدينا ثقة بوزير العدل”.

من حديقة أنفه توجه الناشطون قرابة الساعة السادسة مساء إلى مخفر الهري لدعم الناشطين الثلاثة أثناء استجوابهم. وبعد قرابة الساعة من الانتظار خرجوا ولم يطلب إليهم التوقيع على أي تعهد، وإنما فقط أن يتقدموا بطلب رسمي قبل تنفيذ أي تحرك شعبي، علماً أن الناشطين أكدوا إعلامهم عددا من البلديات عن نيتهم القيام بالتحرك فيما تم أخذ إذن بلدية أنفه لتنفيذ الوقفة التضامنية.

مقالات ذات صلة:

الكورة في فم التنين: من رخّص بالقتل؟

تحوّلات الكورة الخضراء

شكا والجوار الكوراني: خريطة المعالم واستخدامات الأراضي

تحوّل أرض الكورة من مورد خصــب إلى مادة أوليــــة لشركات الإسمنت

هكذا نهشت شركات الإسمنت عناصر البيئة في الكورة

حين أصبحتُ حارسة لضحايا السرطان

السرطان، هذا التنين الذي يسرق أبناء وبنات الكورة

غصن الزيتون الذي انكسر في موطنه: حين تفقد البساتين تربتها

المجيدل من لؤلؤة الكورة إلى حي مهجور

عطالله الراعي الذي كان يحفظ الأرض على كف يده

يا بَرّ يا غدار: صيادو شكا لا يورثون أبناءهم شغف الصيد

شكا المسلوخة عن الكورة إداريا : قاتلة أم مقتولة؟       

عن كفرحزير المتروكة لقمة سائغة في فم شركات الترابة

الهري جارة “هولسيم” قصة حزينة في بلد يتخلى عن ناسه

الوطنية” تلتهم مليوني متر مربع من خراج بدبهون: قرية تزول من الوجود؟

قرن زكرون في فم “السبع”؟

التحاصص في الحصى: حكاية قانون تنظيم المقالع

أن نقرأ خريطة المقالع في لبنان

حراكات أهل الكورة دفاعا عنها وعنهم

أنفه في الذاكرة والحاضر

أفكار إيجابية: أي مسالك قضائية للبلدات المحيطة بمعامل الإسمنت في الكورة؟

حمى أنفة، هل تحمي؟

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني