أصابع الشهود تدلّ نحو المتهم بإشعال النار في تفجير التليل


2023-11-14    |   

أصابع الشهود تدلّ نحو المتهم بإشعال النار في تفجير التليل
بورة جورج إبراهيم التي حصل فيها التفجير

أجمع خمسة شهود من أصل ستّة، مثلوا أمام المجلس العدلي يوم الجمعة في 11 تشرين الثاني 2023 في ملف تفجير خزّان الوقود في بلدة التليل في عكّار، على مشاهدتهم للمتهم الموقوف جرجي إبراهيم يحمل ولّاعة ويتوجّه نحو خزّان البنزين مهددًا بإشعاله. وأكد اثنان من الشهود أنّهما شاهدا المتهم الموقوف ريتشارد إبراهيم يُهدد بإشعال البنزين، فيما أكد أحدهما أنّه رأى ريتشارد يُعطي الولاعة لجرجي. واستعاد الشهود اللحظات القليلة التي سبقت واقعة التفجير فجر 15 آب 2021 الذي أوقع 36 ضحية ومئات الجرحى. واستمع المجلس العدلي في هذه الجلسة التي استمرّت خمس ساعات ونصف الساعة إلى شاهد سابع، وهو متعهّد نقل محروقات، على خلفية ورود اسمه في إفادة علي الفرج المتّهم باحتكار مادّة البنزين.

مجريات الجلسة

انعقد المجلس برئاسة القاضي سهيل عبّود وعضوية القضاة مايا ماجد، وجمال الحجّار، وجان مارك عويس وعفيف الحكيم، وبحضور ممثلة النيابة العامّة التمييزية القاضية ميرنا كلّاس. وتمحور استماعه إلى الشهود حول حقيقة حصول إشكال قبل التفجير، وهي الواقعة التي استند إليها المحقق العدلي علي عراجي في القرار الاتهامي الذي أصدره في 25 تمّوز 2022 ليعتبر أنّ هذا الإشكال حصل بين آل إبراهيم والناس المتجمعين.  وهذا هو الدافع وراء غضب ريتشارد إبراهيم من الّذين أتوا لتعبئة البنزين من الخزّان الموجود في أرض والده، فأمر عمّه جرجي إبراهيم إشعال البنزين بالناس. كما خصّصت الأسئلة الموجّهة للشهود حول ما إذا شاهدوا ريتشارد يُسلّم الولّاعة لجرجي، كما وما إذا قام جرجي باستخدامها لإشعال البنزين. فأفاد الشهود سمير خضر، خالد شريتح، نضال سعود، نور الدين سعود، بأنّهم شاهدوا جرجي يتوجّه لإشعال النار وهو يقول “بعدوا بدّي شعّل” (ابتعدوا، أريد إشعال النار). أمّا الشاهد محمد شريتح فأكدّ أنّه رأى ريتشارد يُهدّد بإشعال البنزين. وأتت شهادة الشاهد نبيل المراد لتؤكد على الواقعتين، أي أنّه أكدّ أنّ ريتشارد سلّم الولّاعة لجرجي والأخير أشعل النار بالناس. وتسبّبت هذه الشهادة باستنفار وكيل جرجي إبراهيم المحامي علي أشمر الذي طلب الادّعاء على نبيل المراد بشهادة الزور سبب حصول تناقض بين شهادته أمام المجلس العدلي وبين تصريح له عقب التفجير أمام وسيلة إعلامية.

وعلى مقاعد المحكمة شمال القاعة، جلس عدد من أهالي الشهداء والجرحى المدّعين في هذا الملف مع وكلائهم نقيب المحامين السابق في طرابلس محمد المراد والمحامين نهاد سلمى، منال الكعكي ورامي عاصي. ووصل الأهالي إلى بيروت من عكّار منذ نحو الحادية عشر صباحًا ولكنّ الجلسة لم تبدأ قبل الثانية عشر. كما جلس في يمين القاعة عدد من أهالي الموقوفين الأربعة وهم جورج وريتشارد إبراهيم، وجرجي إبراهيم وعلي الفرج مع وكلائهم: المحامون صخر الهاشم، وعلي الأشمر وشادن زخيا. 

ومن الأهالي حضرت أم ناجي وأم فهد وخالد عثمان ومحمد مسلماني وغيرهم من أهالي الضحايا الّذين اعتادت المحكمة على حضورهم. ومع تقدّم الوقت، كانت علامات التعب تبدو على وجوههم إلّا أنّ تركيزهم لم يتأثر ولم تسهَ عيونهم عن مجريات الجلسة. فإضافة إلى تحمّلهم مشقّة الطريق لثلاث ساعات للوصول إلى بيروت من عكّار، كان عليهم تحمّل متابعة جلسة دامت 5 ساعات علمًا أنّها المرّة الأولى التي تستمرّ إحدى جلسات تفجير التليل هذه المدة إذا استمرّت حتى الساعة الخامسة والنصف مساءً وتوقفت لعشرين دقيقة للاستراحة.

وسيواصل المجلس العدلي الاستماع إلى الشهود في الجلسة المقبلة التي عيّنها في 15 كانون الأوّل 2023 والتي سيستمع فيها إلى سبعة شهود آخرين من بينهم العقيد في الجيش اللبناني ميلاد طعّوم، الذي أبعد القرار الاتهامي الشبهات عنه، فيما كان ممثل النيابة العامّة التمييزية القاضي عماد قبلان قد طلب الاحتفاظ بحقه في الادّعاء عليه في جلسة سابقة.

فريق الدفاع يشكك في مصداقية أحد الشهود

بدأ المجلس العدلي بالاستماع لشهادة نبيل المراد (41 عامًا)، وهو كان من بين المدعين في هذا الملف إلّا أنّه عاد وأسقط حقه. ولم يدل نبيل بأي تبرير لسبب إسقاط الحق، وقال ردًا على سؤال القاضي عبّود عن سبب ذلك بالقول: “لا يوجد أي سبب”. وأوضح المراد أنّه كان متواجدًا في البورة من الساعة الثانية ظهرًا بهدف الحصول على البنزين. في البداية كان تجاوب نبيل مع أسئلة القاضي عبّود محدودًا بحيث اضطر أن يُعيد السؤال بصيغ مختلفة. مثال على ذلك حين سأله القاضي عبّود “ماذا رأيت ليلة التفجير، شو صار؟” فردّ عليه نبيل: “شو بده يصير؟” إلى أن وقف أحد الحاضرين في المقاعد الخلفية، الذي من الممكن أن يكون قريبه، وتوجّه إلى القاضي عبّود بالقول إنّ نبيل “يُعاني من ارتجاج في الدماغ ويحتاج لأن تشرح له السؤال أكثر من مرّة”. وراح القاضي عبّود يُبسّط أسئلته إلى أنّ بدأ الشاهد بسرد ما شاهده في ذلك اليوم. وقال إنّه أتى إلى البورة حيث البنزين، عند الساعة الثانية ظهرًا وبقي هناك حتّى وقع التفجير، ثمّ دلّ بإصبعه نحو جرجي إبراهيم وقال هذا هو الشخص الذي أخذ الولّاعة ثمّ دلّ بأصبعه نحو ريتشارد وقال هذا من أعطاه الولّاعة، وأضاف أنّ ريتشارد كان يحمل مسدسًا. وتابع نبيل أنّه كان يقف على بُعد أمتار قليلة وسمع ريتشارد يقول لجرجي “خوذ القداحة وولّعهم ولي” وحصل التفجير بعد ذلك مباشرةً. وأكدّ أنّه لم يسمع أي صوت لإطلاق نار قبل التفجير، بل سمع صوت إطلاق نار نحو الساعة الرابعة عصرًا.

وكيل جرجي، المحامي علي أشمر، شكّك في صدقية شهادة نبيل، وأشار إلى وجود اختلاف بين تصريحه إلى محطة “صوت بيروت إنترناشيونال” بعد التفجير وإفادته أمام القضاء، حيث قال في التصريح الأوّل إنّ ريتشارد أطلق النار على الخزّان. فردّ نبيل أنّه لا يذكر ما قاله أمام الإعلام، وأنّ هناك أمورًا نسيها اليوم بعد مرور عامين على التفجير. وشرح أنّه أُصيب بكسر وحروق في يده الشمال وأنّه شعر بإصابته بوقت لاحق، وذهب إلى المستشفى في اليوم الذي تلى التفجير. وعليه، طلب أشمر الادّعاء على نبيل المراد بجرم شهادة الزور (المادتين 408 من قانون العقوبات و261 من قانون أصول محاكمات جزائية).

وهذه ليست المرّة الأولى التي يتمّ الادّعاء فيها على نبيل بهذا الجرم. فقد كان المتهم ريتشارد قد طلب الادعاء عليه في مرحلة التحقيقات، لكنّ المحقق العدلي علي عراجي خلص في القرار الاتهامي إلى اعتبار شهادة نبيل “واضحة” وأنّه “متزن في كلامه” وأنّ إفادته أمامه لم تتناقض مع الإفادتين اللتين أدلى بهما أمام الشرطة العسكرية وأمام قاضي التحقيق العسكري (فادي صوّان). وشرح القرار الاتهامي آنذاك أنّ الشاهد اعتقد أنّه حصل إطلاق نار لأنّه رأى ريتشارد يرفع مسدسه. وعليه، طلب وكيل جهة الادعاء النقيب محمد المراد ردّ طلب أشمر بالادعاء لحصول ادعاء سابق في هذا الموضوع، فأجاب أشمر بقوله: “اليوم هذا الادعاء غير مرتبط بالادعاء السابق”. من جهتها، أشارت ممثلة النيابة العامّة التمييزية القاضية ميرنا كلّاس إلى اتخاذ الموقف بشأن طلب الادعاء عند المطالعة بالأساس، أي حين تقدّم النيابة مطالعتها قبل إصدار المجلس العدلي للحكم.

شهادات تدلّ على مسؤولية جرجي وريتشارد إبراهيم في إشعال التفجير

الشاهد الثاني، هو سمير خضر (مواليد 1967)، وهو مؤهّل متقاعد في الجيش اللبناني تواجد في مكان التفجير بعد الساعة الثانية عشرة ليلًا. شرح سمير أنّه حين وصل إلى البورة كان في “خير الله ناس”، وكذلك عناصر من الجيش اللبناني، ووصف الوضع بالفوضوي مثل “وكر الدبابير، الكل بده يعبّي بنزين”. وتابع “كانت الناس تعبئ البنزين من صنبور الخزّان وآخرين من الأرض، وهؤلاء كانوا يبللون قمصانهم بالبنزين ثم يعصرونها في الغالونات.” وحين وصل سمير إلى المكان توجّه ليعبئ غالون بنزين وتمكّن من تعبئة نصف الغالون الذي يحمله إلى أن طالبه شخص بالابتعاد وإفساح المجال لغيره. وأضاف: “فورًا ابتعدت وأفسحت المجال وخلال ثوان سمعت صوت شخص يقول ابتعدوا أريد إشعال النار، ووضع يده على كتفي”. تابع سمير “نظرت خلفي ورأيت جرجي فحاولت منعه. وصرخت في وجهه: كيف بدّك تولّعها مش شايف العالم؟”. ودلّ سمير بأصبعه أمام هيئة المحكمة على جرجي، ليؤكد هويته. وتابع سرد ما رآه في ذلك اليوم “انحنى جرجي ليُشعل النار لكنّه لم ينجح من المرّة الأولى، وهنا ركضت وكان جرجي يُشعل النار للمرّة الثانية وسمعت صوت انفجار صغير، وفي ثوان قليلة حصل الانفجار الكبير”. وأكدّ سمير أنّه أُصيب بحروق استدعت بقاءه في مستشفى الجعيتاوي لمدّة شهر، كما أُصيب نجله عمر وتمّ نقله إلى الكويت وأمضى هناك 53 يومًا.

ولفت الشاهد خالد شريتح إلى أنّه حين وصل إلى البورة استأذن عناصر الجيش للدخول وتعبئة البنزين وسمحوا له، فتوجّه إلى مقربة من الخزّان وكان أمامه شخص يعبّئ البنزين من الخزّان. وشاهد خالد حصول إشكال بين عدد من الأشخاص لكنّه لا يعرف هويتهم. وخلال انتظار دوره قال “رأيت جرجي ومعه الولّاعة وسمعت صوتها حين قدح بها. وهنا حصل الانفجار”. وأشار خالد إلى أنّه أُصيب في وجهه وظهره ويده.

أمّا الشاهد نضال سعود، فأكّد أنّه لم يكن مضى على وجوده في البورة إلّا 10 دقائق حين حصل التفجير. كما أكدّ أنّ الجيش كان ينسّق دخول وخروج المواطنين الّذين يُريدون تعبئة البنزين بقوله “كانوا يدخلوننا واحدًا واحدًا”. وردًا على سؤال أحد القضاة عمّا إذا كان الجيش يوزّع البنزين، ردّ بأنّ “عناصر الجيش لم يُشاركوا في توزيع البنزين”. وأكمل شهاداته مؤكّدًا أنّه خلال انتظاره دوره، رأى جرجي يتقدّم نحو الخزّان مهدّدًا بإشعاله، ولا يذكر ما حصل بعدها إذ وقع التفجير وأُصيب في قدميه ووجهه.

وأكدّت شهادة الشاهد نور الدين سعود الذي كان متواجدًا على بعد 30 مترًا من الخزّان، على الشهادات السابقة لناحية دور جرجي في التفجير بقوله: “رأيت جرجي يتوجّه نحو الخزّان وكان يقول “ما حدا بيشتم معلمي”، ثم قدح بولاعته قدحتين، القدحة الأولى لم تنجح فيما الثانية أشعلت النيران بالبنزين”. وعلى الرغم من التشكيك في شهادة نبيل المراد إلّا أنّ شهادة الشاهد محمد شريتح، وهو شقيق أحد الضحايا، أكدّت على جزء من شهادة نبيل في ما يتعلّق بدور ريتشارد، إذ أكدّ شريتح أنّه رأى ريتشارد “يهدد بإشعال البنزين” وبذلك يكون هناك شهادتان تلفتان إلى دور ريتشارد وخمسة تلفت إلى دور جرجي.

آخر شهادة استمع إليها المجلس العدلي في هذه الجلسة كانت لسعيد الحايك الذي يُستمع إليه للمرّة الأولى على خلاف الشهود الآخرين الّذين أُخذت إفاداتهم أمام الشرطة العسكرية والمحقق العسكري أو العدلي. والحايك هو متعهد نقل محروقات لصالح شركة “توتال”، وجرى الاستماع إليه على خلفية إفادة علي الفرج المتهم باحتكار البنزين بأنّ الحايك نقل له 18 ألف ليتر بنزين إلى بورة جورج ابراهيم في التليل. الحايك نفى ما جاء في إفادة علي الفرج، وأكدّ أنّه لم ينقل له أي بنزين سوى إلى المحطات الثلاثة التابعة له لوالده، كما أنّه نقل المازوت لجورج إبراهيم فقط.

انشر المقال

متوفر من خلال:

قضاء ، المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني