في الجزء الأول من هذا المقال، تناول الكاتب مدى مشروعية نشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للانتخابات اللبنانية. وفي هذا الجزء، يقدم الكاتب حججا قانونية عن المخالفات القانونية الواردة في التعميم المتعلّق بتقديم تصاريح الترشيح للإنتخابات النيابية اللبنانية للعام 2014 (المحرر).
انطلاقاً من أحكام مرسوم دعوة الهيئات الناخبة رقم 321/2014، والذي حدّد تاريخ 16/11/2014 موعداً للإنتخابات النيابية،أصدر وزير الداخلية والبلديات بتاريخ 27/8/2014 تعميماً برقم 14/إ م/2014 وهو يتعلّق بتقديم تصاريح الترشيح للإنتخابات النيابية العامّة للعام 2014 وقد نص هذا التعميم على أن تنتهي مهلة تقديم طلبات الترشيح في الساعة (24:00) من يوم الثلاثاء الواقع فيه 16/9/2014 فيما تنتهي مهلة تقديم تصاريح الرجوع عن الترشيح قبل موعد الإنتخابات بخمسة وأربعين يوماً سنداً للمادة 52 من قانون الإنتخاب أي في الساعة (24:00) من يوم الأربعاء الواقع فيه 1/10/2014. كما نص التعميم المذكور من نحو آخر،على المستندات الواجب إرفاقها بتصريحات الترشيح ومن ضمنها"إفادة من موظّف الأحوال الشخصية،عضو لجنة القيد في الدائرة المعنية، تثبت قيد طالب الترشيح في قائمة الناخبين،عملاً بأحكام المادة 8 من قانون الإنتخاب"،على حد ما ورد في التعميم المذكور. وعليه نرى التعليق على ما تقدّم وفقاً للآتي:
في مدى قانونية المهل المذكورة في التعميم رقم 14/ إ م / 2014 لإقفال باب الترشّح للإنتخابات النيابية والرجوع عن تصريحات الترشيح:
تنص الفقرة الأولى من المادة 49 من قانون الإنتخابات النيابية رقم 25/2008 على أن:«يقفل باب الترشيح قبل الموعد المحدد للانتخابات بستين يوماً»، فيما تنص الفقرة الأولى من المادة 52 من القانون نفسه على أنه:«لا يجوز للمرشح أن يرجع عن ترشيحه إلا بموجب تصريح قانوني مصدق لدى الكاتب العدل يودع لدى الوزارة قبل موعد الانتخابات بخمسة وأربعين يوماً على الأقل » ومن الإطلاع على أحكام التعميم رقم 14/إ م/ 2014، يتبدى بشكل أكيد أنه قد اعتمد المهل المحددة في المادتين 49 و52 أعلاه لإقفال باب الترشيح والرجوع عن الترشيح.
ولكن، من الثابت انه كان قد صدر بتاريخ 12/4/2013 قانون يحمل الرقم 245 وقد نص في مادته الوحيدة على ما يأتي: «تعلّق جميع المهل الواردة في قانون الانتخابات النيابية رقم 25 تاريخ 8/10/2008، وذلك لغاية 19 أيار 2013.
كما تلغى أحكام المادة /50/ من هذا القانون.
– يقفل باب الترشيح قبل الموعد المحدد للانتخابات بثلاثة أسابيع.
– تختصر المهلة المنصوص عليها في المادة /52/ من القانون المذكور أعلاه الى أسبوعين قبل الموعد المحدد للانتخابات…».
وعليه يكون من الواضح، أن مهلة إقفال باب الترشيح والرجوع عن الترشيح قد عُدّلت بحسب أحكام القانون رقم 245/2013، بحيث أصبح إقفال باب الترشيح يتم قبل ثلاثة أسابيع من الموعد المحدد للإنتخابات بدلاً من ستين يوماً، فيما تنتهي مهلة تقديم تصاريح الرجوع عن الترشيح قبل موعد الإنتخابات بأسبوعين بدلاً من خمسة وأربعين يوماً.
ولا يردّ على ما تقدّم بأن القانون رقم 245/2013 هو قانون مؤقت وضع فقط لانتخابات العام 2013، التي لم تجرِ بحكم التمديد الحاصل للمجلس النيابي، إذ من الواضح أن البند الأول فقط من المادة الوحيدة من القانون المذكور هو البند الوحيد المؤقت من جهة والذي ينسجم مع عنوان القانون المذكور من جهة أخرى.
أما سائر البنود الأخرى للقانون رقم 245/2013 فهي بنود دائمة غير مؤقتة عدّلت بشكل نهائي أحكام القانون رقم 25/2008. وهذا ما يؤكّده إلغاء المادة 50 من هذا القانون الأخير بموجب القانون 245 المنوّه عنه. وهو ما اخذ به تعميم وزارة الداخلية والبلديات رقم 14/ أ م/2014 والذي لم يُشِر إلى التزكية أو إلى تمديد مهلة الترشيح في حال عدم تقدّم أحد للترشيح عن مقعد معين رغم انقضاء المهلة القانونية.
هذا مع التأكيد على أن المبدأ المستقر عليه، هو أن القانون يكون ذات صفة دائمة ما لم ينص صراحة على خلاف ذلك أو يحدد تاريخاً معيناً لانقضاء العمل بأحكامه وأن ذلك لا يمكن أن يؤخذ استنتاجاً. وعليه يكون التعميم رقم 14/إ م/2014 قد طبّق قانوناً مندثراً وخالف قانوناً ساري المفعول، وبالتالي يكون مخالفاً لمبدأ المشروعية.
في مدى قانونية فرض إرفاق إفادة إثبات قيد طالب الترشيح في قائمة الناخبين:
من الثابت أن التعميم رقم 14/إ م/2014 قد نص على وجوب أن يُرفَق بتصريحات الترشيح "إفادة من موظّف الأحوال الشخصية، عضو لجنة القيد في الدائرة المعنية، تثبت قيد المرشّح على قائمة الناخبين". وقد أسند ذلك إلى أحكام المادة 8 من قانون الإنتخاب.
ومن المسلّم به أن المادة 47 من قانون الإنتخاب تضع شروطاً للتقدّم بطلب الترشيح (وليس من بينها ابراز افادة مماثلة)، فيقتضي تفسيرها تفسيراً ضيقاً واعتبار التعداد الذي تضمنته وارداً على سبيل الحصر، وذلك لأن الإجتهاد مستقر على القول بأن الحد من ممارسة حق الترشيح لا يمكن ان ينتج إلا من نص تشريعي صريح، وأن تفسير النصوص التي تحد من هذا الحق على سبيل الحصر يتلاءم والمبادئ العامة لقانوننا العام المكرّسة في الدستور التي تتضمن وتؤمن مبدأ المساواة بين جميع المواطنين فضلاً عن أن حق المواطن في أن يكون ناخباً ومنتخباً هو مكرّس في الدستور[1]، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن المادة 8 من قانون الإنتخاب التي يستند إليها التعميم المذكور لفرض إرفاق هذا المستند تنص على أنه:«لا يجوز أن يترشح لعضوية مجلس النواب إلا من كان لبنانياً مقيداً في قائمة الناخبين، متمتعاً بحقوقه المدنية والسياسية، متعلماً، ولا يجوز أن يترشح المجنس لبنانياً إلا بعد انقضاء عشر سنوات على صدور مرسوم تجنيسه»، بيد انه بالإطلاع على المادة 37 من القانون نفسه يتبين أنها تنصّ على أن :«تراعي المديرية العامة للأحوال الشخصية لدى إعداد القوائم الانتخابية النهائية عمليات التنقيح ونقل القيد المنصوص عليها في هذا القانون. تجمّد القائمة الانتخابية في الثلاثين من آذار من كل سنة وتبقى نافذة حتى الثلاثين من آذار من السنة التي تليها.
يرسل وزير الداخلية و البلديات نسخة من القوائم الانتخابية النهائية التي وردته من المديرية العامة للأحوال الشخصية الى المديرية العامة للشؤون السياسية و للاجئين لاعتمادها في أية انتخابات تجريخلال المهلة التي تبدأ من 30 آذار من السنة التي تليها».
وعليه تكون المادة 37 قد ألقت عبء إنفاذ ما ورد في المادة 8 من قانون الإنتخاب على عاتق وزير الداخلية وليس على عاتق طالب الترشيح،ما يجعل فرض إفادة إثبات قيد طالب الترشيح في قائمة الناخبين، بموجب التعميم رقم 14/إ م/2014،بمثابة تعديل للمادتين 37 و 47 من قانون الإنتخابات النيابية، ما يجعله غير مشروع وفق ما استقر عليه الإجتهاد الإداري[2].
وفي السياق عينه، وانطلاقاً من المخالفتين الواردتين في تعميم وزير الداخلية والبلديات رقم 14/إ م/2014،وتأكيداً لعدم مشروعية ما ورد فيه لهذه الناحية، يهمنا الإشارة إلى أن الإجتهاد قد اعتبر«أنه إذا كان يعود لوزير الداخلية والبلديات بما يتمتع به من سلطة تنظيمية، اتخاذ القرارات أو التدابير الرامية إلى تطبيق القوانين والأنظمة المتعلّقة بالأمور العائدة إلى إدارته، بالإستناد إلى أحكام المادة 66 من الدستور وباعتباره الرئيس التسلسلي الأعلى في إدارته ( chef de service de la hiérarchie administrative)، إلا أنه يقتضي في المقابل ألا تتعارض التعاميم التنظيمية بما تتضمنه من أحكام، مع النصوص القانونية الأعلى منها مرتبة، وألّا تخالف أيضاً المبادئ القانونية العامة. وعليه، فإن التعاميم التنظيمية الصادرة في سبيل تطبيق أحكام القانون أو تفسيرها،لا يمكنها في أي حال من الأحوال،تشويه مضمون الأحكام القانونية أو تجاوز نية المشترع وإعطاء النصوص القانونية مدى أوسع من ذلك الذي قصده المشترع»[3].
في الموقف القانوني من المخالفات الواردة في التعميم
من المسلّم به أن بنود التعميم المتضمنة مخالفات لأحكام القانون،هي قرارات إدارية نافذة وضارّة قابلة للطعن أمام مجلس شورى الدولة سنداً للمادة 105 من نظامه ويعود لكل ذي مصلحة الطعن فيها. وعليه فإن كل مواطن يتقدّم بترشيحه، بناء على المهل الواردة في القانون رقم 245/2013، أو دون إرفاق طلب الترشيح بإفادة إثبات قيد طالب الترشيح في قائمة الناخبين، ويرفض طلبه لهذا السبب يمكنه أن يطعن بهذا الرفض أمام مجلس شورى الدولة سنداً للفقرة الأخيرة من المادة 49 من قانون الإنتخاب التي تفيد«إذا رفضت الوزارة قبول تصريح الترشيح، للمرشح الحق ضمن مهلة خمسة أيام من تاريخ تبلغه قرار الرفض الصريح، أن يراجع مجلس شورى الدولة باستدعاء بسيط غير خاضع للرسم. وعلى هذا المجلس أن يفصل باعتراضه في غرفة المذاكرة خلال ثلاثة أيام من وروده. ويكون قراره في هذه الحالة نهائياً لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة».
ولا غنى عن القول، أنه في هذه الحالة، يستطيع مقدّم الطعن، الدفع بعدم مشروعية البنود المخالفة للقانون في التعميم رقم 14/إ م/2014 والتي رُفِض طلب الترشيح على أساسها، وذلك على اعتبار أنه من المبادئ الراسخة في أصول المحاكمات الإدارية والتي استقر عليها العلم والإجتهاد، أن الدفع بعدم مشروعية القرارات الإدارية التنظيمية، يبقى مقبولاً حتى بعد انقضاء مهلة الطعن مباشرة، في معرض الطعن بالقرارات الإدارية الفردية المتّخذة بناء عليها[4].
هذا مع الإشارة، إلى انه في حال رفض موظفي وزارة الداخلية والبلديات استلام طلب الترشيح بالمطلق وتسليم الإيصال المؤقت الخاص به وفق ما تفرضه المادة 49 من قانون الإنتخاب[5]، مستندين في ذلك إلى أحكام البنود غير المشروعة في التعميم رقم 14/ إ م/2014، فإنه يكون بالإمكان، سنداً لما استقر عليه الإجتهاد الإداري، اللجوء إلى مجلس شورى الدولة ،سنداً للمادة 49 نفسها، لإبطال هذا الرفض وذلك على اعتبار أن المرجع المختص في وزارة الداخلية له سلطة مقيّدة (competence liée) بإعطاء صاحب العلاقة ايصال مؤقت بمجرد إيداع تصريح الترشيح مركز الوزارة. وبالتالي، فإن المجلس يسير في المراجعة وكأن الإيصال قد مُنح وينظر في توافر سائر الشروط القانونية لقبول الترشيح بصورة نهائية، هذا مع التأكيد على أن تلك المراجعة تخضع للأصول الموجزة ولا تستوجب استصدار قرار إداري مسبق للطعن فيه أمام القضاء الإداري[6].
[1]– يراجع:مجلس شورى الدولة،قرار رقم 1000/95-96،تاريخ 8/8/1996،الدكتور خالد علي حداده/الدولة – وزارة الداخلية.
[2]– يراجع:مجلس شورى الدولة،قرار رقم 74/2013-2014،تاريخ 24/10/2013،الدكتور كمال عرب/الدولة – وزارة المالية؛منشور في مجلّة العدل،العدد 1،العام 2014،ص:129-132.
[3]– يراجع:مجلس شورى الدولة،قرار رقم 295/2009-2010،تاريخ 18/2/2010،جبران اسطفان باسيل/الدولة – وزارة الداخلية والبلديات؛منشور في مجلّة العدل،العدد 2،العام 2010،ص:589-591.
[4]– يراجع:مجلس شورى الدولة،قرار رقم 460/2003-2004،تاريخ 16/3/2004،جمال الزعيم المنجد/الدولة ؛منشور في مجلّة العدل،العدد 3،العام 2005،ص:441-442.
[5]– تنص المادة 49 من قانون الإنتخابات النيابية على ما يلي:«….على المرشح أن يودع الوزارة تصريح ترشيحه مرفقاً بكامل المستندات المطلوبة وذلك بتاريخ أقصاه يوم إقفال باب الترشيح.
تعطي الوزارة للمرشح إيصالاً مؤقتا إشعاراً باستلام التصريح ومستنداته.
تبت الوزارة في تصاريح الترشيح ضمن مهلة خمسة أيام من تاريخ ورودها، ويترتب عليها، في حال قبول الترشيح، تسليم المرشح إيصالاً نهائياً بتسجيل تصريح ترشيحه، كما يترتب عليها، في حال رفض تصريح الترشيح إعلام المرشح بأسباب هذا الرفض.
يعتبر عدم صدور قرار من الوزارة بعد انقضاء خمسة أيام على تسجيل تصريح الترشيح لديها بمثابة قبول له. ويترتب على الوزارة تسليم المرشح الإيصال النهائي بتسجيل ترشيحه.
اذا رفضت الوزارة قبول تصريح الترشيح، للمرشح الحق ضمن مهلة خمسة أيام من تاريخ تبلغه قرار الرفض الصريح، أن يراجع مجلس شورى الدولة باستدعاء بسيط غير خاضع للرسم. وعلى هذا المجلس ان يفصل باعتراضه في غرفة المذاكرة خلال ثلاثة أيام من وروده. ويكون قراره في هذه الحالة نهائياً لا يقبل أي طريق من طرق المراجعة».
[6]– يراجع:مجلس شورى الدولة،قرار رقم 1000/95-96،تاريخ 8/8/1996،الدكتور خالد علي حداده/الدولة – وزارة الداخلية.