أكّد الرئيس التونسي قيس سعيد عزمه سنّ مرسوم خاص بشهداء وجرحى الثورة، معلنًا أنّ غايته من وراء ذلك ردّ الاعتبار لهم والاعتراف بفضلهم في تحقيق ما يسميه الانفجار الثوري. واعتبارا لأهمية تصريحه ذاك، توجّهت “المفكرة القانونية” بالسؤال حوله للناشطة الحقوقية لمياء الفرحاني والتيارتبط اسمها كشخصية عامة إلى حدّ بعيد بهذا الملف. فهي بداية شقيقة الشهيد “أنيس الفرحاني”، ومحامية تجندت إلى جانب العديد من المحامين للدفاع عن أسر الشهداء وجرحى الثورة منذ بداياتالتتبع القضائي في قضاياهم. كما أنّها الرئيسة المؤسسة لجمعية “عائلات الشهداء وجرحى الثورة أوفياء” التي لعبت دورا كبيرا في الصراع الحقوقي حول العدالة الانتقالية. وقد كشفتْ الفرحاني في الحوار معها عن مواقف مبدئيّة لا تتناغم مع التوجّه الرئاسي ويقتضي التنبه لها لأهميتها وجرأتها (المحرر).
المفكرة القانونية: بتاريخ 28-09-2021 وبمناسبة أول اجتماع لمجلس الوزراء بعد إجراءات 25 جويلية 2021، كشف الرئيس قيس سعيد عن نيته سنّ مرسوم خاصّ بجرحى وشهداء الثورة معلنًا أنّه “سينهي هذه المسألة الهامة”. هل تمّت استشارة الجمعيات المدافعة عن أسر الشهداء وجرحى الثورة حول نصه وما تقييمك لفكرة المرسوم؟
لمياء الفرحاني: جمعية أوفياء التي أمثّلها لم تُستشَرْ في الموضوع قبل إعلانه ولا بعده وليس لنا تفاصيل حوله. لكن أذكّر أن ملف شهداء وجرحى الثورة يؤطره المرسوم عدد 97 لسنة 2011 والقانون الأساسي للعدالة الانتقالية وكنت شخصيا أنتظر من الرئيس سعيد الذي تحدث منذ حملته الانتخابية عن التزامه بهذه القضية أن يمضي قدما في تنفيذ النصوص القانونية القائمة والتي تضمن حقوقا معنوية وأدبية هامة لكل من ضحى من أجل الثورة وبناء الدولة الديموقراطية وهو ما نحتاجه فعلا. كما كنت أتوقّع منه أن يبذل جهدا خاصا لحماية حقوق الجرحى وردّ الاعتبار لهم ولعائلات الشهداء بقرارات تنفيذية تصدر عنه. ولكن في الواقع لم يتم ذلك. ولا أظنّ أنّ إضافة نصّ قانونيّ جديد يمكن أن يصلح هذا الخلل.
المفكرة: هل تعارضون إذا فكرة المرسوم بمعزل عن تفاصيله؟
الفرحاني: أنا وبشكل مبدئي أعارض فكرة المرسوم. إذ ليس هنالك حاجة لتشريعات جديدة فضلا عن أنّي أعتقد أن الشهداء والجرحى ناضلوا لأجل بناء الدولة الديموقراطية وأنه يجب ألا نتحدّث تاليا عن حقوقهم خارج إطارها ومن دون احترام قيمها. أنا شخصيا أرفض أن يتمّ المس بقيم الثورة، فالشهداء والجرحى ناضلوا لتكون تونس ديموقراطية وأنا كناشطة في المجتمع المدني المدافع عن حقوقهم أرفض بشكل مبدئي أن يتمّ المس بالمكتسب الذي تحقق بفضلهم أي تونس الديموقراطية. وبالتالي، لا يمكنني أن أقبل بفكرة مرسوم يخصهم يصدر في ظلّ تفرّدٍ بالحكم وفي غير قيم الدولة التي آمنوا بها.
المفكرة: لكن الملفّ مُعطّل. وألا تخشين أن يفوت رفض المرسوم فرصة هامة للجرحى وعائلات الشهداء؟
الفرحاني: التعطيل ليس مرده غياب النصوص القانونية بل غياب الإرادة السياسية للمضي قدما في إرساء العدالة الانتقالية التي تضمن حقوق الضحايا وتحقق المحاسبة والمصالحة الوطنية. إن الشهداء والجرحى أصحاب قضية وأشخاص آمنوا بدولتهم وقبلوا التضحية فداء لشعبهم وبالتالي من الإهانة لهم ولقيمهم أن نتحدث عن مصالح ضيقة لهم. نحن نتمسك بأن يتمّ التعاطي معهم كمناضلين وطنيّين وأن يُنظر ملفّهم وما يترتّب عليه من حقوق لهم ولعوائلهم في إطار العدالة الانتقالية. هذه العدالة التي تهدف إلى طيّ صفحة الاستبداد من خلال مسارات عدة هي العدالة التي تحقّق شعارات الثورة وتستجيب لتطلعات الشهداء والجرحى.
المفكرة: قد يعترض البعض على طرحك على خلفية أنّ العدالة الانتقالية فشلت وهو أمر يفرض البحث عن بدائل لها ربما يكون إصدار مرسوم من ضمنها. ما رأيك في ذلك؟
الفرحاني: أنا لا أنكر علل مسار العدالة الانتقالية. ولكني أعتقد أنه متّى توفرت الإرادة السياسية، فإنه يمكن تجاوزها. وفي كل الحالات، لا أظنّ أنّ مرسوما يصدر في سياقات غير وفية لقيم الثورة يمكن أن يكون أكثر نجاحا. وعليه، أعتبر أنّ الحديث عن مرسوم خاص بشهداء وجرحى الثورة ليس امتيازا للشهداء والجرحى ولكنه وأد للعدالة الانتقالية فضلا عن أنه يبخّس التضحية من أجل تونس من خلال تقريشها وجعلها مجرد مسألة استحقاقات مالية أو علاجية. لمن يريد إبراز خصوصية ورمزية خاصة للثورة ورموزها فعليه أن يلتزم بالمسار الديموقراطي. وعليه، أطالب الرئيس قيس سعيد أن يكرم شهداء الثورة وجرحاها بحماية الحرية والديموقراطية.
المفكرة: ما رأيك بقرار الرئيس سعيّد بتغيير موعد الاحتفال بالثورة من 14 جانفي إلى 17 ديسمبر والذي وصفه بالانفجار الثوري غير المسبوق في العالم؟
الفرحاني: 17 ديسمبر له رمزية تاريخية فهو تاريخ بداية الحراك الثوري. لكن يوم 14 جانفي أيضا له رمزية لا تقل أهمية فهو تاريخ أول سقوط لديكتاتور في منطقتنا العربية بفضل نضال شعبي سلمي. وبين 17 ديسمبر و14 جانفي، تطوّرت الثورة التونسية وبذل شهداء في كل البلاد أرواحهم فداء لها. لذا، بعد نقاشات هامة شاركت فيها شرائح واسعة من المجتمع المدني ومنه عائلات الشهداء وجرحى الثورة، اعتبر دستور 2014 أن الثورة التونسية هي ثورة 17 ديسمبر2010 و14 جانفي 2011 وحدّد التاريخ الثاني موعدا للاحتفاء بها. هنا مرة أخرى، أعارض تفرّد سعيّد بالقرار في موضوع وطني له أهمية كبيرة لنا كتونسيين.
للمزيد من مقابلات المفكرة القانونية مع لمياء الفرحاني:
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.