لا تزال التحركات المطالبة بوضع حد لمسلسل العنف الأسري في لبنان مستمرة. وتحت شعار "للصبر حدود"، لبى المئات من الناشطين والناشطات في المجتمع المدني دعوة منظمة "كفى" لمسيرة بدأت عند الساعة الثانية من بعد ظهر السبت 30/5/2015 من أمام المتحف في بيروت وصولاً الى قصر العدل فيما الهدف واحد تحقيق العدالة وتسريع محاكمة قتلة النساء حتى ينالوا القصاص اللازم دون تخفيف أو تبرير على جرائم ارتكبوها عن سابق اصرار وتصميم بعد فصول من الضرب والتعذيب والتعنيف.
16 إمراة قتلت خلال سنتين والى الآن لم تنتصر العدالة لأرواحهن. وعلى الرغم من ان القاتل معروف الا انه الى الآن لم يصدر الحكم بحق أحد. لا بل بدأ الحديث عن اطلاق سراح بعضهم ليعود حراً فيما ضحيته بعمر الزهور باتت تحت التراب.
"القضاء يخسر والجريمة تنتشر"، "الله عدالة السماء ولعدالة الأرض القضاء"، "القانون العادل يردع"، "اذا مهددة ما تترددي استفيدي من القانون 293"، "زمن الذكورية ما انتهى مدد لنفسه"، شعارات رفعها المتظاهرون اضافة الى لائحة طويلة تضم 35 اسماً لنساء قتلن على أيدي أزواجهن منذ نيسان 2010 وحتى أيار 2015.
أمام لائحة الأسماء وقف الزميل ميثم قصير، متأثراً جداً. كان من المفروض ان يقوم بواجبه كمراسل اخباري، الا أن دموعه خذلته كيف لا واسم عمته على رأس اللائحة، هي التي دفعت ثمن حبها لأولادها وتفانيها في تربيتهم فقضت على يد طليقها الذي خنقها من دون رحمة. وفيما ظن البعض ان هذه الجريمة لن تتكرر، جاءت بعدها 34 إمرأة معروفة أسماؤهن فيما لا تزال المئات من النساء يخضعن لضروب العنف المختلفة ولا ينبسن ببنت شفة.
ويلحظ أن هذا هو التحرك الثاني من نوعه خلال اسبوع، بعد التحرك الذي دعا اليه سابقا التجمع النسائي الديمقراطي. ورغم تميز هذا التحرك في اجتذاب عدد هام من الاعلاميين والفنانين، فان تنظيم تحركين في الآن نفسه ربما اثر في خفض عدد المشاركين بالنسبة الى السنة السابقة.
وللحرية ثمن باهظ
على درج المتحف تجلس نادين جوني وابنها كرم الذي لا يتجاوز عمره الخمس سنوات، تحمل يافطة كتبت عليها "ماما دفعت ثمن العنف الأسري حضانتي انت شو دفعتي ثمن". فهي قد خسرت حضانة ابنها مقابل حصولها على الطلاق والتخلص من العنف الذي عاشته في زواجها رغم صغر سنها وقالت: "هذا التحرك هو لاطلاق الصرخة في وجه العنف الأسري لأننا لم نعد نريد ان نضرب او نموت او ان ندفع الثمن مقابل حريتنا. هناك خياران مفروضان على المرأة في هذا المجتمع اما السكوت والرضوخ او ان تكسر صمتها وتتعرض للعنف. حان وقت التغيير في هذا البلد من القوانين الى وضع المرأة".
منذ قيام المجتمع الشرقي بنفحته الذكورية الى حد الاستعباد والمرأة تتحمل العذاب وتصبر وتعض على جرحها انطلاقاً من مجموعة من الموروثات الثقافية والفكرية البالية التي تربت عليها حتى بدأت تدفع حياتها ثمناً لها وحتى نفذ الصبر. فما عاد بالإمكان التمسك ببقايا العادات الإجتماعية، وبات لزاماً عليها التخلص منها ورميها في مستوعب النفايات. وهذا ما فعله المشاركون في تحرك "كفى"، حيث قاموا بترداد مجموعة من الأقوال المعروفة مثل "ما عننا بنات تطلق"، "الرجال طفل كبير انت يلي لازم تستوعبيه"، "اكيد حدن مكبرلها راسها"،"ظل رجال ولا ظل حيط"، "ابصر شو عاملة حتى ضربها"، ثم قاموا برميها في مستوعب كتب عليه "نفايات غير قابلة للتدوير" قبل ان تنطلق المسيرة يتقدمها أهالي عدد من النساء الضحايا على وقع صرخات تطالب بالعدالة لسارة ورفيقاتها.
لا… للأسباب التخفيفية
أما مطلب "كفى" فتمثل في انشاء محكمة أسرية خاصة تتلقى شكاوى النساء وتسرع في معالجة الملفات. وقد تحدثت رئيسة المنظمة زويا روحانا فقالت:"نزلنا الى الشارع لنطالب المسؤولين بأن يضعوا العنف الاسري الذي يتسبب في مقتل عشرات النساء في أولويات اهتماماتهم. فاقرار القانون وحده لا يكفي".
تابعت: "من أجل النساء ضحايا العنف، نطالب بإقرار محكمة أسرية خاصة تتلقى شكاوى النساء وتسرع في معالجة الملفات وهو مطلب كنا قد وضعناه ضمن مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي تقدمنا به ولكن لم يؤخذ به".
تنص المادة 547 من قانون العقوبات اللبناني رقم 340 تاريخ 1/3/1943 على ان" من قتل انساناً قصداً عوقب بالاشغال الشاقة من 15 الى 20 سنة". ومع ذلك نجد أن بعض المجرمين من قتلة النساء يحصلون على أسباب تخفيفية وفقاً لمبدأ ثورة الغضب واعتبار الجريمة المرتكبة جريمة شرف وبالتالي يؤدي العذر المخفّف الى تخفيض العقاب، حيث نصّت المادة 251 من قانون العقوبات على أنه عندما ينص القانون على عذر مخفّف: إذا كان الفعل جناية توجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعتقال المؤبد؛ حوّلت العقوبة الى الحبس سنة على الأقل وسبع سنوات على الأكثر. وقد طالبت روحانا، بعدم الأخذ بالأسباب التخفيفية وقالت:"16 حالة قتل لنساء من ايار 2013 وحتى ايار 2015 لم يصدر الحكم بها فيما لا يزال بعض المتهمين أحراراً. نطالب بعدم الأخذ بالأسباب التخفيفية لان حالة القتل التي أودت بحياة سارة الأمين جاءت بعد أكثر من 20 عاماً من العذاب والقهر والعنف الذي تعرضت له وبالتالي لا نطالب بمعاقبة المجرم على الجريمة التي ارتكبها وحسب بل أيضاً على حالات العنف الذي تعرضت له من قبل".
واكدت روحانا: "سنستمر في النزول الى الشارع لغاية تحقيق مطالبنا وأولها تأسيس المحكمة أسرية خاصة للبت بقضايا النساء حتى تكون الأحكام الصادرة عنها والعقوبات المفروضة من قبلها عبرة لمشاريع القتلى المحتملين في المستقبل"؟
وبالسؤال عن قضية رولى يعقوب أجابت: "ما زالت القضية منذ أكثر من سنة في الهيئة الاتهامية في الشمال والى الآن لم يبت بطلب الاستئناف الذي تقدم به المحامي ونحن متعجبون من المماطلة في هذه القضية".
تجد شذا دبليز، بان جل ما تحتاج اليه المرأة في لبنان هو الحرية وقانون يحميها وقالت: "ما تريده المرأة اللبنانية هو ان تكون حرة وان تؤمن معيشتها بكرامة وان تكون مسؤولة عن نفسها وعن اولادها. ولد الانسان حراُ وكذلك هي المرأة. فلماذا عليها ان تقبل ان يأتي رجل يضربها ويقمعها ومن أجل ماذا؟ ان يثبت رجولته. ان بإستطاعة المرأة ان أرادت ان تتحلى بهذه الذكورية وان تقتل. ولكن هل المطلوب منها ان تصبح مجرمة وقاتلة؟ ان كل الرسالات السماوية نهت عن ذلك". وعن العقوبة الملائمة بحق المجرمين أجابت:" نحن لا نريد حكم الاعدام ولكن ان ينال المجرمون القصاص وان يمكثوا في السجن دون ان تتدخل السياسة في القضاء لإخراجهم او التخفيف من عقوبتهم".
تسريع المحاكمات هو حاجة أساسية وملحة برأي محمد الزيات من جمعية الارشاد القانوني والإجتماعي وقال: "في كل الجرائم التي ترتكب بحق المرأة الى الآن لم يحاكم المجرم، نطالب بتسريع المحاكمات وان ينال المجرم الذي هو اصلا معروف ومعترف بجريمته القصاص العادل، وان تتم محاكمته بغض النظر عن انتمائه السياسي والطائفي. فلندع هذه المفاهيم البالية على حدى ولتأخذ العدالة مجراها".
يرى أجود بو حمدان، ان السبب وراء استمرار العنف الأسري هو المحاكم الروحية التي تحمي الرجل وقال: "المحاكم الروحية هي التي تسمح بهذا الاستغلال والعنف الذي يطال المرأة لأنه محمي. لدينا قانون مدني في المحاكم فليتفضل القضاة ان كانوا فعلاً يأتون من خلفية قضائية بحتة وليس مرجعية مذهبية ويحكموا بالعدل. يجب ان تكون هناك قوانين رادعة تنفذ حتى يتم الردع. نحن علمنا بعدد من القتلى ولكن هناك عشرات الضحايا الموجودات في بيوتهن واللواتي يلتزمن بالصمت".
يجد الناشط نزار نجار ان الجريمة التي أودت بحياة سارة تطال جميع نساء لبنان وان الدولة شريكة في هذه الجريمة وقال:"تكمن جريمة الدولة في عجزها عن تحقيق المواطنة والعدالة واقرار قانون ينصف المرأة. الشعب اللبناني بحاجة الى سياسيين يقومون بتشريع القوانين اللازمة التي تضمن المواطنية وتحقق العدالة".
أما رندا قباني من حملة جنسيتي كرامتي فإعتبرت ان العنف ضد المرأة اللبنانية يأتي من القوانين اولاً التي تحرمها من حقها بالمواطنة الكاملة واعطاء الجنسية لاطفالها وقالت: "نحن نرفض العنف ضد المرأة بجميع أشكاله. فالعنف الذي تتعرض له المرأة في لبنان ليس عنفاً جسديا وحسب بل معنوياً ونفسياً ويتجلى بأبرز مظاهره من خلال منع المرأة من اعطاء الجنسية لأطفالها والتي تحتاجها خوفاً عليهم ولضمان مستقبلهم"
وفي ختام الإعتصام أطلقت بالونات بيضاء حملت أسماء الضحايا الستة عشر من النساء اللواتي لم يحاكم قاتلوهم.
المفارقة انه بينما كانت النساء يتظاهرن رفضاً للعنف والمطالبة بحقوقهم، كان احد الأشخاص يلتقط فيديو لرجل يضرب زوجته في الشارع. وأمام الملأ اتضح حسب تلفزيون الجديد الذي عرض التقرير انه محام ورئيس احدى البلديات.