تصاعدت أمس الأحد وتيرة العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان وشهدت تطوّرًا يحاكي جرائمه في غزة فاستهدفت خمس نساء في سيّارة مدنيّة بين بلدتي عيناثا وعيترون الحدوديتين مع فلسطين المحتلة، فاستشهدت ثلاث طفلات (ريماس وتالين وليان شور) وجدّتهن سميرة أيّوب، فيما تخضع والدتهنّ لعمليات جراحية نتيجة إصابتها. وقبل هذه المأساة بساعات استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارتي إسعاف في خراج بلدة طير حرفا ما أدى الى إصابة 4 مسعفين، لتُضاف هذه الاستهدافات إلى اعتداءات يوميّة تتعرّض لها بلدات جنوبيّة بناسها ومنازلها وحقولها منذ بدء العدوان على غزّة. واستشهد في تلك الاعتداءات 6 مدنيين هم خليلعليوزوجتهزَبَادالعاكوم (شبعا) والراعيان أمجد المحمد وربيع الأحمد (الوزاني) والفتى حسين عبدالله كوراني (ياطر) والزميل مصوّر “رويترز” عصامعبدالله، كما نزحت عشرات آلاف العائلات من القرى الحدوديّة المتاخمة لفلسطين.
بالرغم من كلّ هذه التطوّرات التي يشهدها جنوب لبنان وفي ظلّ الحديث عن إمكانيّة توسّع الحرب جنوبًا، لا تزال الحكومة اللبنانيّة تعمل على تطوير خطّة طوارئ ما زالت نظريّة، ناقشتها الثلاثاء الماضي مع اللجان النيابيّة في جلسة أقلّ ما يُقال فيها إنّها مخيّبة للآمال، إذ جاء عرض بعض الوزارات عامًّا مختصرًا كما كرّر عدد من النوّاب لـ “المفكرة”.
تصف الحكومة الخطّة بالإستباقيّة، إلّا أنّها على أرض الواقع جاءت متأخّرة أقلّه أسابيع على بدء بوادر العدوان على لبنان وما تلاه من نزوح جنوبي، ومتأخرة طبعًا سنوات إذا ما انطلقنا من أنّ لبنان بلد يتعرّض بشكل دائم لتهديدات واعتداءات إسرائيليّة منذ نكبة 1948.
وللأمانة، فإنّ المسؤولين يضعون خططًا مكتوبة بشكل جيّد. وعليه، نجد في الخطّة محاور عامّة حول إدارة الشؤون الإنسانية والبنى التحتيّة والمناطق المهدّدة والاقتصاد المحلّي والتمويل، كما حدّدت آليات العمل والوزارات والإدارات المعنيّة فضلًا عن المنظمات الدوليّة التي سيكون لها دورًا أساسيًا في الاستجابة.
يصف عدد من النوّاب والمعنيين، الخطّة بـ “غير الواقعيّة” فهي تحدّثت عن كوادر بشريّة من دون تحديد عددها أو آليات تأمينها في ظلّ تحلّل مؤسّسات الدولة وإداراتها، وهي الهيكل الأساسي لتنفيذ الخطّة، فضلًا عن انعدام قدرة الدولة على تمويل الخطّة التي لم تُحدّد حتى اللحظة كلفتها، ولكنّها قّدرت بحوالي 400 مليون دولار ستؤمّن عبر مصدرين أساسيين. المصدر الأوّل خزينة الدولة حيث تعمل وزارة المالية على فتح اعتمادات للأمور الملحّة، والثاني عبر المنظمات الدولية. ولا يخفى على أحد أنّ الخزينة غير قادرة على التمويل لا سيّما في ظلّ إعلانمصرفلبنان بصراحة رفضه تمويل الدوّلة. ونقلت مصادرعن نائب المصرف بالإنابة أنّ لا تمويل للخطّة من دون إقرار قانون يسمح بذلك. وفي ما خصّ المنظمات الدوليّة أو الجهات الخارجيّة، أكّد مصدر معنيّ لـ “المفكرة” أنّ الحكومة لم تأخذ حتّى الساعة أي تأكيدات منها لتمويل الخطّة.
ولم يردّ المنسق الرئيسي للخطة أو Focal Point كما أوكلته حكومة تصريف الأعمال، وزير البيئة ناصر ياسين، على الاستفسارات التي أرسلناها له، بالرغم من تواصل “المفكرة” معه منذ 15 يومًا قبل كتابة هذا المقال، حيث كنا نتلقى ردًا مستمرًا بنيّته الإجابة على استيضاحاتنا “بعد قليل” أو “غدًا”، ولكن لم نحصل على أي إجابات، كما لم يعيّن أحدًا للإجابة عنه.
مضمون الخطّة
تهدف الخطّة “إلى حماية اللبنانيين واللبنانيات من تداعيات عدوان إسرائيلي واسع، وإلى تأمين مستلزماتهم وإغاثتهم في حال حصول تهجير قسري واسع من ديارهم إلى أماكن أكثر أمانا”. ولتحقيق هذا الهدف تُركّز على تعزيز جهوزيّة 10 قطاعات ذات صلة بالأمور الإنسانيّة، يُشرف على كلّ قطاع وزارة مختصّة بالتنسيق والتعاون مع وزارات داعمة والمنظمات الدولية المختصّة بالقطاع.
تحدّد الخطّة محاور عامة منها إدارة الشؤون الإنسانية والبنى التحتيّة والمناطق المهدّدة والاقتصاد المحلي والتمويل. وتورد تفاصيل متعلقة بالقطاعات ذات الصلة بالأمور الإنسانيّة التي حدّدتها على الشكل التالي: المياه والإصحاح والنظافة بإشراف وزارة الطاقة والمياه، الإيواء والمساعدات الإنسانيّة والحماية والأمن الغذائي بإشراف وزارة الشؤون الإجتماعيّة، التنظيم اللوجستي بإشراف وزارة الأشغال العامة، الإستقرار الإجتماعي بإشراف وزارة الداخلية، الصحة والخدمات الصحية بإشراف وزارة الصحة، والتربية بإشراف وزير التربيّة. وكان واضحا، وجنب كلّ قطاع وفي القسم المخصّص له، تحديد أسماء المنظمات الدولية المعنية مباشرة، منها منظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، يونيسيف، ومنظمة الهجرة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين، الأونروا، والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين وغيرها من منظمات دوليّة.
تتبنّى الخطّة افتراضات عدّة مبنيّة على مقاربة معياريّة لما حدث في العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز 2006، وعليه أخذت بعين الاعتبار تهجير قسري لمليون لبناني لفترة تمتدّ على مدى 45 يوما، والحاجة إلى مراكز إيواء جماعيّة تستوعب 20% من النازحين أي 200 ألف نازح والضغط على القطاع الصحي والحاجة إلى تأمين المستلزمات الإنسانيّة للنازحين في مراكز الإيواء، مع الأخذ بعين الإعتبار حصار بحري وجوي محتمليّن.
وفي الاحتياجات ذكرت الخطّة 3 فئات سكّانيّة من اللبنانيين: النازحون إلى مراكز الإيواء، النازحون إلى شقق ومنازل، المجتمع اللبناني المضيف، و3 فئات أخرى غير لبنانيّة: اللاجئون الفلسطينيون، النازحون السوريون والعمال الأجانب.
هل الخطّة قابلة للتنفيذ؟
لا تزال هذه الخطّة في المرحلة النظريّة إذ إنّ كلّ وزارة معنيّة لا تزال تعمل على خطّتها حسب الدور المناط بها في خطّة الطوارئ العامة، لمناقشتها في اللجان النيابيّة المعنيّة لاحقا، إلّا أنّ هذا الأمر “غير مطمئن” حسب ما يقول النائب فيصل كرامي من أن “اللجان مقبرة المشاريع”. كما أنّ عدم جديّة الخطّة يتبيّن أيضا، حسب كرامي، من خلال مناقشتها الأسبوع الماضي في اللجان النيابيّة المشتركة بغياب رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم، مشيرا إلى أنّ الدولة التي فشلت في إطفاء حريق البسطات في طرابلس وقت السلم، لا يمكن أن تكون قادرة على تنفيذ خطّة طوارئ في زمن الحرب، وأنّ الخطّة “حبر على ورق”.
“على الورق هناك عمل واضح” يقول النائب فراس حمدان إلّا أنّ هناك أسئلة عدّة أساسيّة تطرح نفسها، منها مدى إمكانيّة تنفيذ هذه الخطّة أولا لناحية الأدوات التنفيذيّة التي تملكها الحكومة في ظلّ تحلّل الدولة ومؤسّساتها، فالكادر البشري واللوجستيات غير متوافرين، الموظفون، على سبيل المثال لا الحصر، بالكاد يذهبون إلى مكاتبهم يومين في الأسبوع، وهذا في الأيام الطبيعيّة فكيف بحال الحرب.
ويسأل حمدان في حديث مع “المفكرة” أيضا عن مصادر التمويل وإذا كان هناك قدرة على تأمينه، والكلّ يعرف وضع خزينة الدولة، مرجحا أنّ التمويل سيكون برأيه معتمدا في النهاية على المنظمات الدولية، ولكنّ هذه المنظمات حتى اللحظة لا تجد أنّ لبنان دخل مرحلة الطوارئ حتّى تُخصّص له أموالا من صناديق الطوارئ، كما انتقد غياب آليات واضحة تمنع المحسوبيات والاستنسابية.
ويلفت حمدان إلى نقطة أساسيّة أيضا وهي أنّ الخطة تأتي في إطار الأعمال التحضيرية ولم تذهب بعد للمرحلة التنفيذيّة أو الإستجابة الفورية، فالحكومة متأخرة في تلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة في مناطق النزاع وفي دعم مقومات الصمود، فالوضع في الجنوب حساس ودقيق وأهله يفتقدون لأي مقوم من صمود فلا صفارات إنذار ولا خطط إجلاء ولا ملاجئ، ولا حتى تحذير من المناطق الخطرة أو تحديدها.
وفي هذا السياق قدّم حمدان مع كلّ من النواب ياسين ياسين ونجاة صليبا وملحم خلف وبولا يعقوبيان وإبراهيم منيمنة، كتابا إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال مطالبين بدعوة مجلس الوزراء فورا إلى صرف المستحقات المترتبة على الدولة لصالح بلديات الأقضية الأربعة (بنت جبيل وحاصبيا والنبطيّة ومرجعيون) المواجهة للعدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، على أن ينحصر صرفها بدعم مقومات صمود أهاليها، وإقرار سلفة خزينة لخليّة الأزمة في محافظتي النبطية والجنوب وتمكينها مادياً ولوجستياً من أجل الاستجابة لحالات النزوح المحتملة، على أن تُصرف لصالح الصليب الأحمر اللبناني.
الأمور نفسها يتحدّث عنها النائب أسامة سعد، ويُشير إلى أنّ الخطّة لم تحدّد لا حجم الكادر البشري المطلوب لتنفيذها ولا الكلفة ولا حتّى مصادر تأمين هذا الكادر، لافتا في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ الحكومة تحدّثت عن مصادر من مداخيل إضافيّة بالدولار تحديدا من المطار والموانئ ولكنّ هذه المداخيل قد تتوقّف في حال الحرب.
وفي حين لفت سعد إلى الحديث عن تحويل جزء من بعض القروض لخطّة الطوارئ أوضح أنّ كلّ الحديث عن التمويل ضبابي ما يعكس صعوبة تنفيذ الخطّة التي لم تًحدّد كلفتها بالأساس.
وكان مصدر معني أشار لـ”مفكّرة” إلى أنّ عددا من المنظّمات الدوليّة أبلغ المعنيين في لبنان أنّ لديه مخزونا كاف من المساعدات ولكنّ تحويله مؤجّل إلى لحظة توسّع العدوان، ما يعني وصولها لن يكون سريعا إلى الناس في حال توسّع العدوان.
كما لفت المصدر إلى أنّ بعض المنظمات قالت إنّها تتواصل مع الدول التي تدعمها لترى مدى أو كميّة الدعم الذي يمكن أن تؤمّنه هذه المنظمات للبنان، مذكرا بتراجع حجم المساعدات الدولية التي خُصّصت للبلاد في السنوات الأخيرة. وسأل المصدر إن كانت الحكومة فعليا أخذت تطمينات حاسمة بهذا الخصوص، حتى تبني خطّة طوارئ على هذا الأساس.
ويتحدّث أيضا سعد عن مقوّمات الصمود الغائبة عن الخطّة التي يُشدّد على أنّها لاتزال في الإطار النظري في وقت تستمرّ الاعتداءات بالجنوب ويستمرّ النزوح، مضيفا:” ليس للخطّة حتّى اللحظة أي مفاعيل عمليّة سوى التصريحات، وكلّ ما عُرِض على النوّاب كلام لا يخرج عن إطار النوايا”.
وليس بعيدا أيضا وجّه كلّ من النوّاب ملحم خلف وأسامة سعد وبولا يعقوبيان وياسين ياسين وشربل مسعد إلى الحكومة 13 سؤالا عن الخطّة تتعلّق بتفاصيل كثيرة تُعتبر نقاط ضعف وتجعلها غير قابلة للتنفيذ. وسأل النوّاب عن كيفيّة تأمين الحكومة الطاقة البشرية لتنفيذ الخطّة، وإن كانت ستكون عبر القطاع العام الذي لا قدرة له على تأمين الدوام الرسمي أو من خلال القطاع الخاص الذي فقد قدرته الحضورية على تنظيم نفسه. وانتقد النوّاب عدم بيان الخطّة كيفيّة إنفاذها على المستوى المحلي أي البلديات، والأحياء، ثم العائلات والأشخاص، وسأل النواب أن كان سيكون هناك مركز اتصالات”Call center ” مع طاقة تلبية مرتفعة، أو خط ساخن، وعن وجود غرفة عمليات، وتاريخ وضعها في الخدمة وكيفيّة التواصل معها.
كما سألوّا عن خطة إتصالات تؤمن توجيه المواطنين والناس من منطقة خطرة الى منطقة أكثر أماناً، وعن الوسائل المعتمدة للتواصل مع المواطنين في حال فقد لبنان إمكانيات التواصل عبر الهواتف المحمولة لأيّ سبب كان (نقص في المحروقات، قصف…)، وعن الإرشادات الموجّهة للناس عند إخلائهم منازلهم.
وتطرّقت أسئلة النوّاب أيضا إلى خطط تأمين المساعدات من خارج الحدود في حال تمّ قصف المرافىء والمطار، وعن تأمين مخزون استراتيجي من طحين ومحروقات، من دواء وسلع أساسية وحاجات للإغاثة، وعن كيفيّة توزيعها، وعن تقدير كلفة الخطّة وكيفيّة تأمين الأموال.
بالإضافة إلى التمويل وعدم قدرة مؤسّسات الدولة المترهلة على تنفيذ الخطّة، طالت الخطّة انتقادات حول اعتمادها سيناريو الـ 2006 واعتبار أنّ هناك فقط 200 ألف عائلة ستكون بحاجة إلى مراكز إيواء، مغيّبة عناصر أساسيّة وهي توجه عدد كبير من اللبنانيين في حرب تموز إلى سوريا، الوجهة غير المتاحة اليوم، العامل الاقتصادي الذي سيجعل عددا أكبر من النازحين الذين استأجروا بيوتا في الحرب الماضية غير قادرين على الاستئجار هذه المرّة، والانقسام السياسي الذي كان واضحا في الجلسة النيابيّة، والذي قد يكون له انعكاسات على الأرض تُعيق توجّه اللبنانيين إلى مناطق معيّنة.
النائب عبد الرحمن البزري أشار في حديث مع “المفكرة ” إلى هذه العوامل ولكنّه لفت إلى أنّه في خطط الطوارئ لا بدّ من الانطلاق من معيار معيّن وأنّ الخطّة في مواضيع معيّنة ولاسيّما الصحيّة والخسائر حاكت سيناريوهات أكبر إلى حدّ 4 أضعاف.
وفي موضوع الإيواء لفت البزري إلى أنه لا بدّ من الإشارة إلى عامل أساسي، وهو أنّها المرة الأولى التي يكون هناك ترقب للعدوان، ما دفع الناس إلى إيجاد بدائل بشكل استباقي.
ولفت البزري إلى أنّ الوزارات لا تزال تعدّ خططها وأنّ النوّاب وجّهوا الكثير من الأسئلة حول الخطّة ولاسيّما أنّ بعض النقاط جاءت عامة، وأنّ المزيد من الجلسات ستُعقد، على أمل أن لا نحتاج إلى الخطّة أصلا.
محافظات تستعدّ والتعويل على المنظمات الدوليّة
عند التواصل مع المحافظين ووحدات إدارة الكوارث في المناطق التي تتحضّر لاستقبال نازحين في حال توسّع رقعة الحرب، يبدو واضحا أنّ تعويلهم الأساسي هو على المنظّمات الدوليّة والمجتمع المحلّي وعلى خبرات راكموها من خلال عجز الحكومة على الاستجابة لكوارث تعتبر محدودة مقارنة بعدوان إسرائيلي، مثل انهيار مبنى أو حرائق أحراج أو فيضان نهر أو انتشار وباء الكوليرا.
ففي محافظة عكّار حيث لا وجود لنازحين من الجنوب حاليا، يقول المحافظ عماد لبكي إنّ العمل بدأ على وضع جداول بالمدارس والمعاهد الرسمية وغير الرسمية المقفلة والتي يمكن الاستفادة منها في حال حصول نزوح بهدف تجهيزها، وأنّه تمّ التواصل مع جمعيّات ومنظّمات معنيّة لتأمين الغذاء والفرش والمياه، أي الاحتياجات الأساسيّة.
ويرى لبكي في حديث مع “المفكرة القانونيّة” أن الاعتماد بشكل أساسي على المنظمات والجمعيّات وعلى المجتمع المحلي موضحا أنّه يسير بشكل متواز انطلاقا من خطة الطوارئ الحكومية ومن تجربته في حالات الطوارئ في موضوع الحرائق وفيضانات الأنهار وكورونا والكوليرا.
أمّا في محافظة جبل لبنان والتي من المتوقّع أن تستقبل نصف أعداد النازحين في حال توسّع الحرب فلا يبدو المشهد مختلفا، إذ يؤكّد المحافظ محمد مكاوي أنه حاليا يتم إجراء جردة على المدارس أو الأماكن التي قد تكون مراكز إيواء، وأنّه تمّ التواصل مع منظمات دولية ووُضعت آليات واضحة تساعد في الحصول على المستلزمات الأساسيّة وبسرعة عند الحاجة إليها.
وفي حين يشير مكاوي إلى أنّ الكلّ يعرف أنّ الوضع الاقتصادي صعب جدا فالدولة بالكاد تستطيع تأمين القرطاسيّة لمكاتب إداراتها ومؤسّساتها، يؤكّد أنّه يعمل على خطين متوازيين “إذا تأمّن للدولة أموال فالآليات واضحة ومحضّرة وإذا لا فهناك خطوط حضّرناها مع المنظمات الدوليّة” يقول.
الحفاظ على الأمن تحد كبير
تحوّلت جلسة مناقشة خطّة الطوارئ في اللجان النيابيّة المشتركة الثلاثاء الماضي إلى جلسة سجال سياسي إذ اعتبر عدد من النوّاب أنّه يجب مناقشة خطّة تجنيب لبنان الحرب، وليس كيفيّة الاستجابة لحرب محتملة، هذا السجال يدور أيضا بين المواطنين ما يجعل الحفاظ على الأمن تحدّ كبير يجب أن تأخذه خطّة الطوارئ بعيد الاعتبار، حسب ما يُكرّر عدد من المعنيين.
وفي هذا الإطار يُشير النائب سعد إلى أنّ الانقسامات وغياب الرؤية الوطنيّة على المستوى السياسي ينعكس على الواقع وهو أيضا عاملا أساسيّا عندما نتحدّث عن خطّة طوارئ وعن احتمال نزوح وهذا الأمر لا يؤخذ بعين الاعتبار فالطبقة السياسية مستمرة بتموضعها الطائفي وبالتعبير عن هذا التموضع.
ومن هنا يعمل عدد من رؤساء البلديات والمحافظين وبالإضافة إلى الإجراءات اللوجستيّة المتعلقة بتأمين احتياجات النازحين الأساسيّة على خطط للحفاظ على الأمن. وفي هذا الإطار يلفت محافظ جبل لبنان محمد مكّاوي إلى أنّ التحدي الأكبر هو منع حصول أي مشاكل على الأرض إذ إنّ اللبنانيين باتوا غير قادرين على تحمل بعضهم البعض فهم منهكون نفسيا واقتصاديا لذلك تعمل المحافظة مع البلديات والمخاتير على تشكيل خلايا أزمات من شبّان متطوعين يمثّلون جميع مكوّنات بلداتهم ليكونوا حرسا ليليا، لأنّ البلديّات غير قادرة على هذا الأمر، ولأن التحدي الأكبر حاليا بالنزوح هو منع أي إشكالات والحفاظ على الأمن.
غرفة عمليات في وزارة الصحّة وافتتاح مركز الحروق جنوبًا
يرفض وزير الصّحة فراس الأبيض اعتبار أن الخطّة “حبرا على ورق”، معتبرا أنّ الحكومة، وعلى الرغم من ضعف الإمكانيّات، وضعت خطّة إستباقيّة تحسّبا لتوسّع العدوان على غزّة ووصوله إلى لبنان.
وفي ما خصّ وزارة الصّحة قال الأبيض في حديث لـ “المفكرة القانونيّة” أنّها فعّلت غرفة طوارئ وأجرت مسحا لما هو موجود في المستشفيات والمخازن وحدّدت الاحتياجات، منطلقة من سيناريو العام 2006 حيث استشهد 2000 شخص وأُصيب حوالي 11 ألف، مضيفا أنّ هناك مخزونا للأدوية (المزمنة وأدوية المستشفيات وأدوية ما يسمى أوفر ذا كونتر) ما بين شهرين أو ثلاثة أشهر، وهو مخزون كاف برأيه إذ إنّه يتجدّد طالما الحرب لم تبدأ بعد.
وفي حين أشار الأبيض إلى أنّ العمل جار على تجهيز 40 مستشفى بين خاص ورسمي رفعت جهوزيّتها في مختلف المناطق اللبنانيّة، لفت إلى أنّه لا يوجد مركز للحروق في الجنوب لذلك اتخذ قرار بفتح المستشفى التركي بصيدا. كما يجري العمل على رفع عدد المراكز التي تستقبل مرضى غسيل الكلى أو علاج السرطان في منطقة الشمال التي من الممكن أن تستقبل عددا من النازحين.
وفي هذا الإطار يقول النائب سعد إنّ الحديث عن افتتاح المستشفى تكرّر عشرات المرّات في مناسبات عدّة وحتّى اللحظة لم يتمّ تأمين الإمكانيّات اللازمة لتشغيلة بل على العكس كانت الأقسام الثلاثة العاملة فيه (المختبر والأشعة والعلاج الفيزيائي) مهدّدة بالتوقف بسبب العجز في تأمين المازوت مشيرا إلى أنّ هناك حديث عن تزويده بالطاقة الشمسيّة وعن افتتاحه ولكنّ حتّى اللحظة وضعه على حاله.
ويُشار إلى أنّ المستشفى التركي الذي أنشئ العام 2010 لم يوضع في الخدمة بعد بسبب خلافنشأ بين بلديّة صيدا مالكة الأرض وبين وزارة الصحّة التي تمسّكت بحق تشغيل المستشفى فضلاً عن تعبير الجهات التركية أكثر من مرّة عن تمسّكها بتسليم المستشفى للحكومة اللبنانيّة فقط.
وكان إنشاء المستشفى جاء بعد تلقّي لبنان هبة من تركيا بقيمة 20 مليون دولار. ويتكوّن من مبنيين ويحتوي على أكثر من مئة سرير، وتبلغ مساحته الداخليّة نحو 14 ألف متر مربّع ومساحة أرضيّة قدرها 12 ألف متر مربع.
وفي ما خصّ المازوت لتشغيل هذه المستشفيات قال الأبيض هنالك مازوت يكفي لأسبوعين أو 3 أسابيع لافتا إلى أنّ 75% من مراكز الرعاية الأوليّة تعمل على الطاقة الشمسيّة تماما كما معظم المستشفيات الحكوميّة.
وكانت الحكومة خصّصت لوزارة الصّحة ألف مليار ليرة (11 مليون دولار تقريبا) لمعالجة جرحى الحرب، وأعلمت وزارة الصحة المستشفيات بالآلية والتعرفات الجديدة التي ستعتمدها الوزارة لتغطية جرحى الحرب والتي وضعتها ضمن خطة الطوارئ الصحية. كما أعلنت وزارة الصّحة عن خط ساخن 1787 مخصص لمساعدة النازحين قسرا عن منازلهم في الجنوب.
جهوزيّة الدفاع المدني
لعلّ السؤال البديهي الذي يخطر في البال عند وضع خطّة طوارئ لحرب محتملة هو جهوزيّة الدفاع المدني فهو معني مباشرة بخطة الإستجابة إذ توكل إليه مهام إخماد الحرائق الناجمة عن القصف الإسرائيلي واغاثة الجرحى ونقل المصابين إلى المستشفيات واخلاء المواطنين من المناطق المعرضة للخطر أو رفعهم من تحت الأنقاض وتأمين المياه للنازحين في أماكن الإيواء بالإضافة إلى مهام التدريب التي تهدف إلى تعزيز قدرات المواطنين وتأهيلهم للتدخل عند الضرورة لحصر الأضرار في حدها الأدنى والحؤول دون وقوع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
“المفكّرة” سألت الدفاع المدني عن جهوزيّته فجاء الجواب أنّه من ناحية القدرات البشريّة تم مؤخراً تثبيت 2124 عنصراً وخضع المئات منهم خلال الأعوام الماضية إلى دورات تدريبية مكثفة لتعزيز قدراتهم لجهة التدخل في الأزمات الكبرى والحالات الطارئة. أما من ناحية الآليات فهناك نقص في العتاد والتجهيزات تحديدا في الإطارات والخراطيم الضرورية لإخماد النيران، هذا فضلا عن أنّ الآليات بمعظمها باتت قديمة العهد وتحتاج إلى صيانة دائمة.
وأشار الدفاع المدني إلى أنّه في الكوارث الكبيرة لا يستطيع جهاز واحد تننفّيذ المهام الموكلة إليه إذ يحصل دائما تعاون مع الأجهزة المعنيّة والدول حسب اتفاقيات مسبقة لإرسال أجهزة انطلاقا من تطوّر الوضع على الأرض وحجم الأضرار.
وفي ظلّ خطّة الطوارئ الحكومية، أعدّ الدفاع المدني لائحة تتضمن أبرز احتياجات مراكزه وعرضها وفقا لأولوية الحاجة الماسة إليها. وأعدّ الدفاع المدني خطة طوارئ تقضي بإبقاء مراكزه في جهوزيّة تامّة لتأمين سرعة التدخل لمساعدة المواطنين بالحد الممكن ولاسيّما في المراكز الحدودية التي تقع في المناطق الخطرة التي تتعرض للقصف بشكل يومي، مع الإشارة إلى أن المهام تُنفذ وسط ظروف بالغة الخطورة، في حين أن المراكز الموجودة في المناطق الأقل خطراً (ولو بوتيرة أخف) تؤمن المساعدة والدعم للمراكز الحدودية التي هي أكثر عرضة للقصف.
ويُشار إلى أنّ عناصر الدفاع المدني يعملون حاليا على إخماد حرائق غابات التي اندلعت جنوبا بسبب الاعتداءات الإسرائيليّة.
النزوح المحدود نموذج مصغّر للاستجابة
ما يتحدّث ويسأل عنه النوّاب يبدو واضحا جليّا إذا ما اعتبرنا أنّ ما يحصل اليوم في الجنوب نموذجا مصغّرا، فعلى أرض الواقع وفي حديث مع وحدات إدارة الكوارث في المحافظات نجد الاستجابة ضعيفة حتى اللحظة، إذ وعلى الرغم من أنّ الحرب لم تتوسّع بعد وعدد النازحين من الجنوب لا يزال محدودا إذ تُقدّره المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة بـ 29 ألف شخص (هناك تقديرات عن عدد أكبر بآلاف) ، لم يحصل معظم هؤلاء على مساعدات غذائيّة حيث اقتصر وصولها فقط على مراكز الإيواء، إذ تمّ استثناء العائلات التي تسكن عند أصدقاء أو أقارب أو تلك التي استأجرت بيوتا، كما أنّهم لم يخلوا منازلهم أو تمّ توجيههم بشكل منظّم، حتّى أنّ أعدادهم وأماكن تواجدهم غير دقيقة.
تعتبر النائبة عناية عز الدين أنّه على أرض الواقع يجب أن نكون في مرحلة الاستجابة وهذا ما تقوم به وحدات الاستجابة في صور “فالخطط على الورق تختلف عن الواقع على الأرض” ولاسيّما أنّه في صور وحدها هناك 12 ألف نازح.
وتقول عزّ الدين في حديث مع “المفكّرة” أنّ وحدة إدارة الكوارث تقوم بما تستطيع انطلاقا من المقدرات والموارد الموجودة بطريقة فعالة ولكنّ الاعتماد الأوّل على التضامن والمجتمع المحلي، مشيرة إلى صعوبة بتأمين المستلزمات والاحتياجات الاساسيّة لمن هم خارج مراكز الإيواء.
وأشارت إلى أنّ المطلب الأساسي في المساعدات هو استقرارها إذ كان برنامج الأغذية العالمي مثلا يؤمّن وجبة للنازحين في مراكز الإيواء ثمّ أصبح يؤمّن ثلاثة واليوم يؤمّن وجبتين، لافتة إلى أنّ ما يؤمّن هو انطلاقا من برامج موجودة سابقا في المنظّمات الدوليّة.
وفي إطار ضعف الاستجابة إلى المستلزمات الأساسيّة لفتت عز الدين إلى ضرورة قيام وزارة الصّحة بوضع عيادة متنقلة إذ إنّه من الصعب على النازحين في الأوضاع الحاليّة الوصول إلى المراكز الصحّيّة للحصول على الرعاية المطلوبة، كما لفتت إلى موضوع التحاق الطلاب في المدارس مشيرة إلى أن الوحدة تعمل على إحصاء التلامذة والتأكد من التحاقهم “الإحصاء يجب أن يكون على الأرض وليس خلف المكاتب، فهؤلاء ليسوا أرقاما لكل منهم احتياجاته” تقول.
ضعف الاستجابة واضح
قضاء صور مثلا، والذي يستقبل وحده 12 آلاف نازح، لم تصل حتّى يوم الأربعاء الماضي (أي بعد أسابيع على بدء النزوح) أكثر من 5 آلاف فرشة ( منها 1200 من الهيئة العليا للإغاثة والعدد نفسه من مجلس الجنوب والباقي من وزارة الشؤون ومساعدات مجتمع محلي) أيّ أنّ عدد الفرشات بالكاد يكفي نصف النازحين، حسب ما أكّد مدير وحدة إدارة الكوارث هناك مرتضى مهنا، مشيرا في حديث مع “المفكّرة القانونيّة” إلى أنّ وحدة الكوارث استنفرت منذ الثامن من تشرين وهي جاهزة بما يخصّ الموارد البشريّة من متطوعين ولكنّها تُعاني من نقص في الموارد الأخرى.
ويُشير مهنّا إلى أنّ موارد الدولة وكما يعرف الجميع شبه معدومة ولكنّ الوحدة تقوم بما هو مطلوب منها عن طريق الجمعيات والمنظمات الدوليّة إذ يؤمّن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة المواد الغذائيّة للنازحين كما تؤمّن منظمة “أنقذوا الطفولة” (سايف ذا تشيلدرن) المياه والمنظفات، ولكن الأغذية لا تصل إلى العائلات النازحة في المنازل “هناك 3 آلاف عائلة مسجلة في صور لا تصلهم حصص غذائيّة، لأنّهم ليسوا في مراكز إيواء”.
لم يصل إلى وحدة إدارة الكوارث في صور من وزارة الشؤون الإجتماعية مثلا إلّا ألف حرام-غطاء رقيق و70 مروحة (حتّى الأربعاء الماضي) وذلك في وقت طلب منهم من وزير البيئة ناصر ياسين، وهو منسق خطّة الطوارئ، تنظيم لائحة بالاحتياجات الأساسية الشهرية، ولكنّ هذه اللائحة تبقى حبرا على ورق، إذ لا يزال تنظيم القطاعات وكيفيّة الاتصال في ما بينها غير واضحة.
لا يختلف الوضع كثيرا في وحدة إدارة الكوارث في النبطيّة التي فُعّلت منذ 3 أسابيع، حسب ما تقول محافظة النبطيّة هويدا الترك، مشيرة في حديث مع “المفكّرة” إلى أنّ هناك 3678 نازحا في أقضية النبطية الأربعة (بنت جبيل وحاصبيا والنبطيّة ومرج عيون) معظمهم في بيوت وعدد صغير منهم في مراكز إيواء تحديدا في حاصبيا(بلدتي حاصبيا ومرج الزهور).
تُشير الترك إلى أنّ عددا من المساعدات بدأ يصل تحديدا فرش ومنظفات ووسادات ولكنّ بأعداد محدودة مقارنة بالاحتياجات على الأرض، لافتة إلى أنّه لم يصلهم مواد غذائيّة حتّى اللحظة إلّا لمراكز الإيواء ومن المجتمع المحلي أي بلديات مثلا، فيما أنّ الرعاية الصحيّة مؤمّنة عبر مراكز الرعاية الأوليّة التي اضطّر 4 منها للإقفال بسبب وجودها بمناطق حدوديّة تتعرّض لاعتداءات إسرائيليّة.
عند الحديث عن خطة الطوارئ ترى الترك أنّها قابلة للتنفيذ لأنها تحدّد المسؤوليات بوضوح، لافتة في الوقت نفسه إلى أن لا قدرات مالية، فالاعتماد الأساسي ليس على موازنة الدولة بل على الجمعيات الأهلية والمنظمات الدوليّة.
“المفكرة” تواصلت مع وزارة الشؤون الإجتماعيّة بما أنّها الوزارة المعنيّة مباشرة بموضوع الإيواء وتأمين الغذاء، فأكّد مصدر من الوزارة أنّها طلبت 3 آلاف مليار ليرة كإعتماد من وزارة المال ضمن خطّة الطوارئ حتى تتمكن من القيام بدورها، ويتمّ العمل على تأمين هذا المبلغ. وأنّه في ظلّ غياب التمويل عمدت الوزارة وبالإمكانات الموجودة عندها وبمساعدة الجمعيات التي تواصلت معها إلى الإستجابة بداية إلى الفئات الأكثر حاجة أي الموجودة في مراكز الإيواء.
وأشار المصدر في حديث مع “المفكرة” إلى أنّ الوزارة وزّعت منذ يومين مساعدات للقرى الحدوديّة والأسبوع المقبل ستوزّع في النبطيّة وصور.
لا يرتبط الضعف بتوزيع المساعدات فقط بمحدوديتها إنّما بالفوضى الحاصلة في ظلّ غياب وجود آليات واضحة، إذ إنّه يتمّ حاليا إحصاء النازحين من خلال البلديات وكذلك التوزيع عبر جدول يومي، ويتحدّث البعض عن صعوبة الضبط “في إحدى البلدات تمّ إنشاء خمس لجان لتسجيل النازحين، فيما يستغل بعض رؤساء البلديات الموضوع للدعاية الانتخابية ويسجّل بعضهم أسماء من الأموات، وهناك أناس لا يعرفون كيف يصلون إلى المساعدات” كما يقول أحد المعنيين في إحدى وحدات الكوارث.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.