بعد ١٢ عاماً، لماذا لم يفتتح المستشفى التركي للطوارئ والحروق بعد؟


2021-08-17    |   

بعد ١٢ عاماً، لماذا لم يفتتح المستشفى التركي للطوارئ والحروق بعد؟

بين تفجير المرفأ في الرابع من آب 2020 وتفجير التليل في الخامس عشر من آب 2021، مجزرتان تجلّى فيهما فشل السلطات الرسمية في الاستجابة لهما لاسيّما على صعيد تأمين الرعاية الطبّية للمصابين. ومن جديد تعود المطالبات بتشغيل مستشفى الطوارئ للحروق والإصابات- المستشفى التركي في صيدا المجمّد منذ اثني عشر عاماً، إذ يبدو أنّ كارثة العام الفائت لم تكن دافعاً كافياً لصحوة الضمير الرسمي بل تطلّب الأمر كارثة ثانيّة.

فالمستشفى التركي الذي أُنشئ قبل عشر سنوات بهبة تركية بلغت عشرين مليون دولار، لم يفتح أبوابه ولا مرّة واحدة لاستقبال أي مُصاب، سوى أنّه تمّ استخدامه منذ فترة لتوزيع لقاح كورونا. وقبل أكثر من عام عمل وزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال، حمد حسن على الوصول إلى تسوية تنهي صراعاً على ملكيّته دام أكثر من عشرة سنوات. وبعد تفجير الرابع من آب توصّل حسن إلى إنشاء لجنة إدارية له ولكن من دون أن تصل مساعيه إلى تشغيله. ومضى عام آخر، ووقعت مجزرة جديدة أودت بعشرات الضحايا حرقاً وإصابة العشرات بحروق شديدة الخطورة أثبتت الحاجة لمشافي متخصّصة، ولم يخجل المسؤولون في مطالبة الدول تأمين المساعدة في علاج الضحايا، ومن بين هذه الدول تركيا نفسها التي موّلت المستشفى المتخصص بالحروق في صيدا والتي بادرت إلى نقل 4 مصابين من الجيش اللبناني لعلاجهم لديها كما أرسلت مساعدات طبيّة إلى لبنان.

وبعد فاجعة عكّار قرّر المجلس الأعلى للدفاع أخيراً “إبلاغ وزارة الصحة العمل على افتتاح المستشفى التركي المخصّص للحروق في صيدا وتشغيله في أقرب وقت ممكن، على أن يتمّ إصدار موافقة استثنائية تعرض لاحقاً على مجلس الوزراء للسماح بالتوظيف وفقاً لعقود مؤقّتة إلى حين السماح بالتوظيف وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء”.

خلفيّة

لا يوجد في لبنان سوى مسشفيان يحتويان على أقسام متخصّصة بعلاج الحروق، هما مستشفى السلام في طرابلس ومستشفى الجعيتاوي في بيروت، اللذين استقبلا 28 مصاباً من تفجير عكّار من أصل نحو 35 حالتهم حرجة استدعت دخولهم المستشفيات. والأعداد المتبقية توزعت على مستشفيات: الجامعة الأميركية في بيروت، ألبير هيكل، النيني وسيدة المعوّنات. ولكن الجعيتاوي والسلام كما غيرهما من المستشفيات يعانيان اليوم من نقص في المستلزمات الطبيّة وبخاصّة تلك المعنيّة في علاج الحروق بحسب ما صرّح نقيب المستشفيات الخاصّة سليمان هارون في تصريح إعلامي.

بالعودة إلى المستشفى التركي في صيدا، فقد أنشئ على إثر تلقّي لبنان لهبة من الجمهوريّة التركيّة بقيمة 20 مليون دولار، وأنجز المشروع فريق هندسي تركي عام 2010 على أرض تملكها بلديّة صيدا. ويتكوّن المستشفى من مبنيين ويحتوي على أكثر من مئة سرير، وتبلغ مساحته الداخليّة نحو 14 ألف متر مربّع ومساحة أرضيّة قدرها 12 ألف متر مربع، بحسب منسق مكتب شركة تيكا التي أنجزت المشروع في تصريح له عقب تفجير مرفأ بيروت. وشرح المنسّق حينها أنّ الرئيس رجب طيّب أردوغان يدفع باتجاه تشغيل المستشفى بسبب تدمير 4 مستشفيات في بيروت جرّاء تفجير المرفأ. ودشّن المستشفى الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري وأردوغان في حفل ضخم عام 2010، إلّا أنّ الأمر توقّف هناك ولم يستكمل المشروع بتشغيله.

من الأسباب التي أصبحت معروفة لعدم تشغيل المستشفى طيلة اثني عشر عاماً هو خلاف نشأ بين بلديّة صيدا مالكة الأرض وبين وزارة الصحّة التي تمسّكت بحق تشغيل المستشفى فضلاً عن تعبير الجهات التركية في أكثر من مرحلة عن تمسّكها بتسليم المستشفى للحكومة اللبنانيّة فقط. إلّا أنّ الرئيس السابق لبلديّة صيدا، ورئيس اللجنة الوطنيّة لإدارة لقاح كورونا د. عبد الرحمن البزري، وصف في حديث لـ”المفكرة” سبب فشل تشغيل المستشفى بأنه “طموح سياسي”. ولفت البزري إلى أنّه حين كان رئيساً للبلديّة سعى مع الجهات التركيّة التي كانت تنوي تقديم مساعدة صحيّة للبنان بأن تترجم هذه المساعدة على شكل بناء مستشفى. ويُضيف، “حينها قدّمت الأرض لبناء مستشفى ذي طابع تخصّصي بالحروق والإصابات ولا يوجد مثله في لبنان”. ويلفت إلى أنّه حين استلم المجلس البلدي الجديد، “قرّر أن يضع يده على المستشفى وأن يتمّ تحويله لملف خاص به، وعلى هذا الأساس بدأ الأخذ والرد بدفع من جهة سياسية معيّنة في صيدا”.

من هذا المنطلق دفعت صيدا والبلاد ثمن الحرمان من الخدمات الطبيّة من مستشفى حكومي متخصّص، ووقع رهينة لحسابات سياسية. وعليه، يذكر البزري أنّه “خلال الأعوام الإثني عشر الماضية اكتشفت البلدية عجزها عن تأمين الموارد لتشغيل المستشفى، فذهبت للعمل على إجراء تسويات مع وزارة الصحّة”، مشيراً إلى أنّه، “تناوب منذ ذلك الحين على وزارة الصحّة أربعة وزراء، من بينهم وزراء كانوا على وفاق سياسي مع التيار السياسي الذي يقف خلف البلدية إنّما لم ينجحوا في الوصول إلى اتفاق بشأن تشغيل المستشفى، إلّا بعد الاتفاق الذي توصل إليه الوزير حمد حسن العام الفائت”.

الاتفاق المذكور حصل في أيّار 2020، وتضمّن أربعة بنود، أوّلها أن تُسلّم بلديّة صيدا الأرض لوزارة الصحّة وثانياً أن يكون مرفقاً حكومياً، وثالثاً، أن يعمل فقط في إطار تخصّصه في معالجة الحروق والإصابات، ورابعاً أن يتم تشكيل مجلس إدارة جديد وأن يلحظ مصالح مدينة صيدا وأبنائها وجوارها في عملية تعيين الموظفين والطاقم الطبّي.

يُشار في هذا الصدد، إلى أنّه لم يجر ولا مرّة تعيين مجلس إدارة للمستشفى بل لجان إداريّة من قبل وزراء الصحّة المتعاقبين منذ العام 2015، وهذا ما فعله أيضاً وزير الصحّة الحالي حمد حسن، إذ قام بتشكيل لجنة إدارية قبل ثمانيّة أشهر في كانون الأول 2020 مؤلّفة من رئيسة وسبعة أعضاء. كما وأعلن رصد مبلغ ستة مليارات ونصف لصندوق المستشفى. ومن الجدير ذكره أنّ تعيين مجلس إدارة لمستشفى حكومي يتطلّب مرسوماً يصدر عن مجلس الوزراء وهو أمر غير قابل اليوم للتحقّق في ظلّ حكومة تصريف أعمال. التشكيلة الإداريّة حصلت بعد تفجير الرابع من آب علماً أنّ التسوية توصّل إليها الوزير مع بلديّة صيدا في أيّار 2020. وقد التزم حسن في هذه التعيينات بمراجعة جميع المرجعيّات السياسيّة الصيداويّة، ولاقت هذه الصيغة انتقادات من بينها للنائب أسامة سعد الذي انتقد في 14 كانون الأول 2020 “نهج المحاصصة السياسية والطائفية الذي تعتمده قوى السلطة في التعيينات في الإدارة والمؤسّسات العامّة”.

وكان وزير الصحّة أعلن أيضاً في كانون الأوّل 2020 تخصيص مبلغ 6 مليارات ليرة لبنانيّة ونصف ككلفة تشغيل للمستشفى تكون بمثابة سقف مالي مبدئي، وهي أموال فقدت قيمتها بفعل الانهيار التراكمي لسعر صرف الليرة منذ ذلك الحين. ويُضاف إليها قيام شركة تيكا التركيّة في آب 2020 أيضاً بعد تفجير المرفأ بإعادة تأهيل المستشفى بعدما اكتشف الجانب التركي أنّه نتيجة الإهمال، تعرّضت بعض معدّاته للضرر. وقدّمت تركيا تكاليف الصيانة بقيمة لامست ستة ملايين دولار، كما وفرّت دورات تدريبيّة لحوالي عشرين ممرضاً وممرضة يعملون في مستشفيات مختلفة لتهيئتهم للعمل في هذا المستشفى ريثما يتمّ تشغيله.

تحديّات تشغيله

يشرح البزري بعض التحديّات التي تواجه تشغيل المستشفى اليوم، منها ضرورة أن يتم تأمين تمويل مالي لمساعدة المستشفى على النهوض بسبب الانهيار المالي الذي يُصيب البلاد، لافتاً إلى أنّ مبلغ الستة مليارات ليرة ونصف لم يعد كافياً وخسر قيمته. ومن هذا المنطلق، يؤكّد البزري وجود مساعٍ مع منظمة الصحّة العالميّة لتأمين كلفة توظيف 60 عاملاً، كما تجري المساعي أيضاً مع منظمات أخرى مثل اليونيسف لأجل متابعة حاجات المستشفى ورصد متطلباته المستجدّة لتشغيله. ويؤكّد البزري أنّ “تشغيل المستشفى يحتاج للوقت ولن يكون سهلاً، لكن على الأقلّ علينا أن نكون قد أقدمنا على الخطوات المناسبة لبدء التشغيل”. ويشرح أنّه كان قد شدد على “استخدامه كمركز للتلقيح بهدف أن يعتاد الناس للوصول إليه”.

وكانت اللجنة الإدارية للمستشفى أصدرت بعد تفجير عكّار بياناً أكدّت من خلاله أنّ “حادثة عكّار الأليمة تُشكّل دليلاً إضافياً على الحاجة الماسّة والضرورية لتشغيل المستشفى”. وتشرح رئيسة اللجنة الإداريّة منى ترياقي لـ “المفكرة” أنّ اللجنة منذ تعيينها قبل ثمانيّة أشهر وضعت خطّة لتشغيل المستشفى بشكل تدريجي وضمن الإمكانيات المالية المتوفرة”. وتلفت إلى أنّ تنفيذ الخطّة يتطلّب التوظيف، وهذا الأمر يصطدم باشتراط التوظيف في المؤسّسات العامّة عبر مجلس الخدمة المدنيّة. وتُضيف، “اقترحنا التوظيف التعاقدي عبر شراء الخدمات ولا يزال الأمر عالقاً عند قرارات مجلس الوزراء مع العلم أنّ وزير الصحّة أبدى تجاوباً”. وتلفت ترياقي إلى أنّ “المستشفى لا يُمكن أن يتمّ تشغيله إلّا بكافة أقسامه، وهذا يتطلّب تأمين الصيانة لجميع الأقسام والمراقبة وتأمين الأدوات الطبيّة وغيرها من الحاجات”.

انشر المقال

متوفر من خلال:

تركيا ، البرلمان ، سلطات إدارية ، مؤسسات عامة ، أحزاب سياسية ، قرارات إدارية ، الحق في الصحة ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، الحق في الصحة والتعليم



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني