يوثق آخر تقرير صدر عن وزارة الصحة اللبنانية اليوم، الجمعة 20 آذار 2020 إصابة 163 شخصا بفيروس الكورونا في لبنان، فيما هناك 665 آخرين في الحجر الصحي، وسط قرارات حكومية وإجراءات أمنية للحدّ من التجمعات وثني المواطنين عن التجول إلا في حالات الضرورة.
في المقابل، ما زالت إجراءات التخفيف من التجمعات القسرية في السجون تحبو في خطوات خجولة. فرغم أهمية الإجراءات المتخذة على صعيد نقابتي المحامين والهيئات القضائية ومشروع القانون الذي أقرّه مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة لإعفاء من أنهوا محكوميتهم السجنية من الغرامات، يجدر التذكير أن مجلس النواب ما يزال مغلقا رغم إنهاء أعمال تعقيمه، حيث لا تلمح هناك إلا بعضا من عناصر شرطة هذا المجلس بغياب تامّ لنوابه.
مجلس النواب لا ينعقد
مجلس النواب، الذي لم يتقيد بما ينص عليه القانون ببدء دورة العقد الأول لجلساته في أول يوم ثلاثاء يلي 15 آذار من كل عام، أي قبل ثلاثة أيام من اليوم. ولا يلوح في الأفق أي إعلان عن موعد لانعقاد جلسات برلمانية قريبة.
وعلى خطّ موازٍ، ترى أطراف عدة أن ثمة ضرورة لتدخل تشريعي للوصول إلى تخفيف الإكتظاظ بشكل ملموس وسريع. وإذ تطلب "المفكرة القانونية" المبادرة فورا لاستصدار قانون بتعليق أحكام التوقيف الإحتياطي مؤقتا، وإعفاء المساجين المحكومين من العقوبات الجنحية، تستغلّ أطراف أخرى أزمة الكورونا لمعاودة الحديث عن قانون عفو عام على غرار اقتراح القانون الفضفاض والحمّال الذي أسقطته ثورة الشارع في تشرين الثاني 2019. وفي الإتجاه نفسه، نقل ممثلو ذوي السجناء، عبر فيديوهات وثقت اعتصاما للأهالي، أن السجناء سيعتصمون في باحات السجون مع الإستمرار بالإضراب عن الطعام إلى حين إقرار العفو العام. واستنكرت اللافتات التي رفعت في الإعتصام إطلاق سراح "العميل الجزار" خلافا للقانون، بينما "أولادنا قابعون في السجون" وسط خطر الكورونا. وفي فيديو ورد "المفكرة" من سجن روميه، تحدث أحد السجناء عن حالة ثلاثة من زملائه مرميين في أرض السجن بعدما خارت قواهم من الإضراب عن الطعام، مشيراً إلى أن هؤلاء يعانون من أمراض السكري والضغط وضعف في عضلات القلب "وما حدا عم ياخدهم ع الحكيم"، وفق ما قال.
وجاء مشروع قانون الإعفاء من الغرامات في مجلس الوزراء في إثر إخفاق محاولة تطبيق المادة 67 من قانون موازنة 2019 والتي كانت تقضي بإعفاء هؤلاء من الغرامات، بعدما تبيّن أن المجلس الدستوري قد أبطلها في جوابه على الطعن ببعض مواد القانون 144/2019 (الخاص بموازنة 2019). وكانت جهات رسمية وأخرى نقابيّة تبحث في كيفية تطبيق هذه المادة للإفراج عمّن تبقى من سجناء انتهت محكوميتهم وما زالوا قيد الإحتجاز بسبب الغرامات المالية المتوجبة عليهم. وكانت نقابة المحامين قد تكفّلت بإطلاق سراح نحو 80 سجينا في إثر زيارة السجون في 22/12/2019، وبقي أصحاب الغرامات المرتفعة التي تراوح بين 7 إلى 15 مليون ليرة لبنانية، والذين يفترض أن يشملهم مشروع قانون الحكومة.
بواكير جهود العدلية وسط ملاحظات كثيرة
على الخط الناشط في القضاء للتخفيف من الإكتظاظ في السجون، سجل يوم الجمعة إيجابيات وسلبيات على خط تطبيق تعاميم النيابة العامة التمييزية ومجلس القضاء الأعلى بتسهيل تقديم طلبات إخلاء السبيل في جرائم الحق العام والبتّ فيها. وبالرجوع إلى التعميم الأول الصادر في 16/3/2020، نلحظ أنه سمح بتقديم طلب إخلاء السبيل بموجب برقية أوهاتفيا وبإصدار قرار قضائي بالطريقة نفسها، على أن تعطى المكالمة الهاتفية رقم سجل وكأنها وردت خطيا. وقد أبلغ التعميم المذكور للنيابات العامة وقضاة التحقيق الأول ووزارتي الداخلية والعدل، فضلا عن المديريات العامة للأجهزة الأمنية وقيادة الجيش. وبرغم أن تعميم النيابة العامة التمييزية رقم 65/ص/2020، قد ذيل بعبارة "ييلغ إلى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، وقضاة التحقيق الأول وقاضي التحقيق العسكري الأول وقيادة الجيش.." (إلى جانب جهات رسمية أخرى) إلاّ أن المحكمة العسكرية لم تقبل إلا الطلبات الخطية المقدمة من قبل المحامين شخصياً. وقد أكد نقيب المحامين في طرابلس محمد مراد للمفكرة أن النقابة وبدءا من الأسبوع المقبل "ستكلف سبعة محامين للتنسيق مع المحكمة العسكرية وتقديم الطلبات باليد، كونهم لا يقبلون بغير ذلك". ولفت مراد إلى أنه سبق وزار المحكمة العسكرية والتقى رئيسها العميد حسين عبدالله (قبل استقالته على خلفية كف التعقبات عن العميل عامر فاخوري) وجرى الاتفاق على تكليف النقابة مجموعة من المحامين لمتابعة الملفات أمام القضاء العسكري وفق اختصاص كل محكمة، "وسنعاود التواصل مع المحكمة العسكرية مجددا لتجديد الاتفاق". يذكر أن هناك نحو 1200 موقوفا وسجينا إسلاميا حوكموا أو ما زالوا يحاكمون أمام المحكمة العسكرية وهناك قسم كبير من بينهم صدرت أحكام بحقهم. من جهة أخرى، أفادنا عدد من قضاة التحقيق العسكريين أنهم أصدروا قرارات باستجابة طلبات إخلاء سبيل عبر الهاتف. يبقى أن تطبيق هذا الإجراء انحصر وفق ما أكده العديد من المحامين في دعاوى الحق العام نظرا للصعوبات القانونية والإجرائية التي تعترض اعتماد الأسلوب نفسه في دعاوى الحق الشخصي أي التي يكون فيها ادعاء شخصي.
بالإضافة إلى التعميم المذكور، أصدر مجلس القضاء الأعلى تعميمين في 19 و20 آذار 2020، بإرساء آلية تفصيلية للتعاون مع نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس، اتضح هي الأخرى أنها تنحصر بدعاوى الحق العام حسبما يخرج من الالبيان المشترك الصادر عن نقابتي طرابلس وبيروت. وقد أعلن المجلس عن إنشاء مركز اتصالات في كلا من هاتين النقابتين، يتلقى طلبات إخلاء السبيل عبر الهاتف فيعبئ استمارة خاصة ويرسلها للهيئة القضائية المعنية عبر البريد الإلكتروني مع اتصال تأكيدي. ويعلم التعميمان القضاة بأن بإمكانهم اتخاذ القرار وإرسالها لمركز الاتصالات بالطريقة نفسها ليصار إلى تنفيذ القرار. وقد تلقّت تبعا لذلك لجنة الخط الساخن في بيروت آلاف الاتصالات من بينها 1230 اتصالاً في بيروت وحدها، تم أخذ 645 اتصالا بنجاح وتوثيقها تمهيدا لفرزها وإحالتها إلى المراجع المختصة، وفق ما أكدت معلومات نقابة المحامين في بيروت.
وقد علمت المفكرة أن نجاح هذه الآلية يبقى معلقا إلى حين حصول مركز الاتصالات على العناوين الإلكترونية للقضاة العاملين في مجال الجزاء (وهو أمر وعد مجلس القضاء الأعلى بتوفيره يوم الإثنين القادم وفق نقيب المحامين في طرابلس محمد مراد)، وتوفر موظفين مناوبين في المحاكم لإطلاع القضاة على فحوى الملفات عند الحاجة، فضلا عن مطالبة بعض السجناء بتأمين أكثر من رقم اتصال في كل نقابة، نظرا لكثافة الاتصالات.
من جهة أخرى، أفاد النقيب مراد أن محكمة جنايات طرابلس برئاسة القاضي داني شبلي سجلت الموافقة الأولى لمحكمة (قاض وهيئة محكمة) على طلب تخلية سبيل أحد الموقوفين عبر رسالة إلكترونية، ومن دون كفالة مالية (وقد أعلمنا منسق لجنة السجون في نقابة طرابلس المحامي محمد صبلوح أن العدد ارتفع إلى 6). وينفذ القرار بإخلاء سبيل الموقوف المعني يوم الإثنين المقبل في 23 آذار 2020، وفق ما أكد نقيب المحامين في طرابلس محمد مراد للمفكرة القانونية، بالنظر إلى تغيب الموظف في عطلة نهاية الأسبوع (وهنا نتلمح إشكالا آخر يقتضي حله وهو ضمان المناوبة حتى في عطل نهاية الأسبوع عملا بقرار التعبئة العامة). ولفت النقيب مراد في حديث للمفكرة إلى وجود 39 محاميا في نقابة طرابلس يعملون وفق الخط الساخن الذي أطلقته النقابة عبر لجنة السجون، عبر الهاتف والإيميل والبرقية والحصول على الطلبات من السجن أو عبرالفاكس انسجاما مع روحية تعميمي النيابة العامة ومجلس القضاء الأعلى. وتقوم لجنتا نقابتي بيروت وطرابلس بفرز الطلبات حسب اختصاص المحاكم وتسليمها للموظف المختص والذي يتواصل مباشرة بالإيميل مع القاضي.
وأشار صبلوح للمفكرة إلى أن اللجنة قدمت خلال يومين 150 طلب إخلاء سبيل أمام محاكم الجنايات وجرائم في دعاوى الحق العام". ولفت إلى أنه تم تقديم الطلبات في المحاكم بعد الحصول على الطلبات من السجون مباشرة، مؤكداً أن محامي اللجنة سيباشرون "بالوسائل التي أتاحتها النيابة العامة التمييزية ومجلس القضاء الأعلى بدءا من الإثنين". ولفت إلى أنه لدى محكمة الجنايات في الشمال اليوم أكثر من خمسين طلب اخلاء سبيل للبت بها.
فضلا عن ذلك، أفاد محامون عدة "المفكرة" عن تعرضهم لصعوبات في إطار محاولتهم الإستفادة من تعميمي النيابة العامة التمييزية ومجلس القضاء الأعلى، حيث سجلوا عدم استجابة عدد من الهيئات القضائية لهذه الآلية. وقد سجل ذلك بشكل خاص مع الهيئات المكوّنة من أكثر من قاضٍ والتي اشترط بعض أعضائها اجتماعهم وتداولهم لاتخاذ القرار. كما أفاد محامون أن بعض القضاة رفضوا استلام الطلبات لعدم إلصاق طوابع مالية بها، علما أنه ليس هنالك أي مجال لإلصاق طوابع بالطريقة الإلكترونية، مما يهدد مجمل الإجراءات.
وزراة العدل تذكر بالأحداث وتطلب وضع سلم أولويات تصنيف الجرائم
وفي الإطار نفسه، وجهت وزيرة العدل ماري كلود نجم في 20/3/2020 كتابا للنائب العام التمييزي غسان عويدات طلبت منه فيه اتخاذ تدابير وإجراءات لتخفيف الاكتظاظ في أماكن التوقيف مع حسن سير العدالة في القضاء الجزائي. ومن أبرز ما تضمنه تذكير بوجوب تقيد النيابات العامة بأحكام قانون الحدث المخالف بحيث لا يتم احتجاز الأطفال إلا بصورة استثنائية. وكانت "المفكرة" نشرت أمس تعليقا حول دورية لرئيس النيابة العامة في المغرب دعا فيها إلى المبادرة لتسليم المعتقلين القاصرين لأسرهم إن "كانت وضعيتهم القانونية ومصلحتهم الفضلى تسمح ذلك." كما طلبت نجم إصدار تعميم بحصر الإحتجاز بحالات الضرورة القصوى، داعية لوضع سلم أولويات تصنيف الجرائم وفق مدى خطورتها.
المفكرة تعلّق…
وتعليقا على أزمة اكتظاظ السجون ومحاولات التخفيف منها، رأت رئيسة المفكرة القانونية وعضو لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين المحامية غيدة فرنجية أننا "نحصد اليوم نتائج سياسات القضاء الجزائي السيئة التي أفرطت باستخدام التوقيف الاحتياطي على مدى سنوات عديدة، وأدت إلى هذا الاكتظاظ المرعب في سجوننا، حيث ٥٠٪ من أصل سبعة آلاف سجين هم موقوفون ينتظرون المحاكمة".
وأشارت فرنجية إلى أن الحل الأسرع للتخفيف من اكتظاظ السجون "هو طبعًا لدى مجلس النواب من خلال إصدار قانون بتعليق احكام التوقيف الاحتياطي مؤقتا وإعفاء المساجين المحكومين بالجنح من العقوبات المقيدة لحريتهم".
أما وأن مجلس النواب لم يجتمع لغاية اليوم، قالت: "نتوقع من قضاة الجزاء أن يتخذوا من هذه الأزمة الصحية ذريعة لتصويب سياساتهم القديمة، وأن يعلنوا حالة التعبئة العامة أسوة بنقابتي المحامين، وأن يقوموا بالإفراج عن أكبر عدد ممكن من الموقوفين وبأسرع وقت ممكن من أجل التخفيف من هذا الإكتظاظ". ورأت فرنجية أن "القانون منح القضاة الأدوات لذلك لا سيما من خلال استبدال التوقيف بالمراقبة القضائية بموجب المادة ١١١ من أصول المحاكمات الحزائية. وهذه الآلية تسمح لهم بالإفراج عن الموقوفين سريعا دون انتظار طلب خطي من الموقوف أو من محامين ودون تبليغ الجهة المدعية، كون المدعى عليه يبقى خاضعا لرقابة القضاء".