أصدر مجلس شورى الدولة (الغرفة الخامسة) بتاريخ 20/04/2023 قراراً قضائياً بإبطال قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 15 شباط 2023 رقم 5/2022 والمتضمن السماح لشركات الترابة باستخراج المواد الأولية اللازمة لصناعة الترابة لمدة أقصاها 12 شهراً بإشراف وزارتي البيئة والصناعة.
وقد تقدّمت بالمراجعة جمعيّتان تُعنيان بالبيئة (جمعيّة وصية الأرض وجمعيّة الخط الأخضر) بالتعاون مع “المفكرة القانونية”. يسجل أن هذه المراجعة هي ضمن سلسلة الطعون التي سبق وتقدمت بها مجموعة من المنظّمات والجمعيات البيئيّة والحقوقيّة، ومن ضمنها المفكرة القانونية، في إطار استراتيجية قضائية قوامها الطعن المنتظم بالقرارات التي تتصل بنظام الكسارات والمقالع غير القانوني، والذي تقوم على منح مهل إداريّة متلاحقة في استثمار الكسارات والمقالع من دون إيلاء القوانين الناظمة لهذا لقطاع ومعها البيئة أيّ اعتبار وتاليا من منطلق السعي الدؤوب لوقف هذه الممارسة غير القانونية التي تدفع ثمنها طبيعة لبنان وحمايته ولكن أيضا سكان المناطق المنكوبة حيث تزداد نسب السرطان والأمراض الرئوية. وكان قد سبق أن أصدر شورى الدولة قرارين آخرين في سنة 2022 بإبطال قرارات إدارية بمنح مهل إدارية بناء على هذه الدعاوى. ورغم وضوح هذه القرارات، استمرّت الحكومة في منح مهل إدارية وهي على معرفة تامة بعدم قانونيتها، لتحوّل جريمة المقالع إلى جريمة نظام سيشكل أحد أكبر الملفات في وجهه يوم تستحقّ المحاكمة.
وفي حين كانت المفكرة وثّقت في مقالات عدة الممارسات الحاصلة في مجال استثمار المقالع، سنكتفي هنا بإبداء بعض الملاحظات على مضمون هذا القرار الأخير وأبعاده.
التسليم بصفة ومصلحة الجمعيات البيئية
أن أكثر ما يلفت في القرار النهائي والتقرير الصادرين في المراجعة هو أنّ الهيئة الحاكمة سلمت بصفة الجمعيات البيئية ومصلحتها من دون أن تناقشها حتى. وفي حين يجد هذا التوجه تفسيره في عدم ورود أي دفاع من الدولة، فإنه يؤشر في الوقت نفسه إلى تحوّل في عمل القضاة ومقاربتهم لهذه المسألة من التشكيك بصفة الجمعيات البيئية توجسا من الدعاوى الشعبية في اتجاه التسليم بصفتها للدفاع عن الشرعية.
وما يؤكد على حصول هذا التحوّل هو أن المستشارة نفسها كانت أثارت بصفتها مقررة في دعوى أخرى مسألة توفّر الصفة والمصلحة بتاريخ 04/02/2020 في دعوى أخرى كانت أقامتها نفس الجمعيتين المدعيتين في هذه القضية.
وعليه، يؤكد هذا القرار التطور الذي كانت أشارت إليه “المفكرة القانونية” في ما أسمته معركة الاعتراف بصفة الجمعيات البيئيّة في الطعن في قرارات مماثلة بهدف حماية الشرعية.
التشدد بتغليب مبدأ الشرعية على أي اعتبار آخر:
ثبّت القرار الصادر مؤخراً أن “المهل الإدارية” الممنوحة من الحكومة هي غير شرعية ومخالفة للأنظمة المرعية، مهما كانت الحجج والتبريرات التي أدلت بها الإدارة لتبرير هذا النوع من القرارات. ويلحظ أن الهيئة الحاكمة اعتبرت هنا أيضا أن عدم شرعية وقانونية هذا النوع من القرارات أصبح بديهيا ولا يحتاج إلى أي نقاش للحجج المدلى بها من قبل الإدارة كالظروف الإستثنائية مثلاً. وهي خلصت إلى ذلك من كون القرار المطعون فيه منح “مهلا ادارية” لشركات الترابة لمواصلة استثمار مقالعها لمدة 12 شهراًُ من دون اشتراط حصولها على التراخيص اللازمة التي نص عليها صراحة المرسوم رقم 8803، علما أن المرجع المختصّ لإصدار الترخيص هو المحافظ حصراً بناء على موافقة المجلس الوطني للمقالع.
المهل الإدارية هي غطاء شرعي لجريمة بيئية
أخيرا، يلحظ أن المجلس حرص في قراره الأخير على التذكير بأن استثمار المقالع من دون ترخيص يشكل جريمة يعاقب عليها المرسوم 8803. وهو بذلك ألمح بشكل واضح وأكيد إلى أنّ الحكومة بمنحها هذه المهل لا تُرسي فقط ممارسة غير قانونية إنّما تذهب أبعد من ذلك في اتجاه تشريع جريمة بيئية.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.