“
قليلون هم الذين فهموا لماذا أسمت “نحن” الاعتصام الذي دعت إليه “زفة الريس”. لكن، سرعان ما يفهمك المنظمون أن ثمة ثالوثا يتم زفه: المحافظ زياد شبيب ورئيس البلدية جمال العيتاني والمتعهد وسام عاشور. والزفة بهذا المعنى تصبح بمثابة رغبة بوصم الأشخاص بما ارتكبوه وفق تعبير المدير التنفيذي لجمعية نحن محمد أيوب: فهؤلاء يتحملون مسؤولية ما يحصل في الرملة البيضا ويقتضي تسجيل أسمائهم بعرس احتفالي على أمل أن يحاسبوا يوما ما على ما فعلوه.
و”الريّس” هي أيضا كنية القاضي (وهنا هو زياد شبيب)، الذي استبشر الناس به عند توليه محافظة بيروت، فإذا به يمنح رخصا مخالفة للقانون ويدافع عنها على طريقة “عنزة ولو طارت” ويمتنع عن تنفيذ قرارات القضاء الذي ارتقى منه إلى الوظيفة التي يشغلها ويتوقع أن يعود إليه عند تعيين بديل عنه. و”الريس” تم زفّه إذا بشكل خاص في هذا الاحتفال ليكون اسمه مرتبطا إلى الأبد بقضية الرملة البيضا التي تم اغتصابها بالترخيص لمبنى الإيدن باي.
الزفة
وقف عدد من الناشطين في المجتمع المدني ورقصوا على وقع عزف “الزفةّ”، رافعين شعارات تندد بكل من أسهم في استباحة الشاطئ الذي هو “ملك عام بحسب القانون 1925”. وقد أحضرت جمعية نحن فرقة محترفة إلى مكان الإعتصام فعلا صوت الطبل والمزمار في الشارع، ورقص المشاركون على أنغام الموسيقى، وتمت زفة “الريس”.
واعتبر منسق حملة حقي جهاد اسماعيل”أن الفساد زاد وازدادت معه سرقة الأملاك العامة، وبات الأمر شائعا من قبل المسؤولين”. وقال:”لم يعد هناك من خجل لدى المسؤولين، حيث أنهم يسرقون الواجهة البحرية لبيروت، ويقومون بتوزيعها حصصا على بعضهم البعض، دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق العامة من الناس”.
أما نادين اسماعيل من حزب سبعة، فتشارك من أجل حقها وحق أولادها بالملك العام، وتقول:”أولادي يقولون أنه ما عاد بامكاننا أن نعيش هنا ويجب علينا أن نهاجر وأنا أرد دائما أنه في الخارج، قاموا بالتضحية كثيرا حتى وصلوا إلى ما هم عليه. الآن ونحن إن لم نضحّ من اجل المصلحة العامة سوف نبقى مكاننا”.
ويشارك الناشط فادي الصايغ من اتحاد الأشخاص المعوقين حركيا في لبنان دفاعاً عن حقوق المواطنين عامة والمعوقين خاصة بالولوج إلى الشاطئ فهو ملك عام للجميع”.
وتجد الناشطة نعمت بدر الدين أن”المشاركة في التحرك هو واجب وطني دفاعا عن شاطئ بيروت والملك العام ورفع الصوت عاليا ضد مشروع الإيدن روك الذي استعمر الشاطئ بتغطية سياسية”. وقالت: “كل الناس لديها الحق بالولوج إلى الشاطئ للسباحة والاستجمام دون دفع المال مقابل ذلك. نحن لدينا في لبنان أغلى كلفة للدخول إلى الشاطئ. اضافة الى ذلك فإنه إن كان من شاطئ يصعب الاستيلاء عليه فإنهم يفتحون المجارير عليه”.
يذكر أن المدير التنفيذي للمفكرة القانونية المحامي نزار صاغية كان سجل أربع ملاحظات في مؤتمر صحافي انعقد بتاريخ 28/5/2018:
الأولى، “أن مجلس شورى الدولة أخذ في بداية الدعوى قرارا بوقف تنفيذ الرخصة. لكن للأسف بعد شهر من هذا الأمر، قرر مجلس شورى الدولة الرجوع عن هذ القرار بوقف التنفيذ من دون مبرر، بل الأسوأ أنه أعلن التراجع عن القرار رغم أن الشركة كانت قد أعلنت تمردها عليه وبالتالي جاءت بمثابة مكافأة غير مستحقة لشركة تمردت على القانون ثم تمردت على القضاء”.
الثانية، أن “المجلس” أهمل تقرير نقيب المهندسين جاد تابت الذي أثبت كما كبيرا من المخالفات ولم يبت طلب إعادة وقف التنفيذ المقدم على أساسه”.
الثالثة، أن المجلس بادر إلى “تعيين ثلاثة خبراء بأكلاف باهظة بلغت حتى اليوم نحو سبعة ملايين ونصف ليرة لبنانية. وهذا عبء كبير على جمعية بيئية. وعلى الرغم من صعوبة تأمين المبلغ وبعد خمسة اشهر من دفعه، لا يزال الخبراء عاجزين عن القيام بدورهم، لأن الشركة منعتهم من الدخول الى الورشة”. يلحظ أن القاضي المقرر نزار أمين عاد وعين خبيرا رابعا من تلقاء نفسه ومن دون أي تعليل مكلفا الجمعية المدعية بتسديد أتعاب إضافية قدرها ألف د.أ.
الرابعة، أنه وعلى الرغم من ثبوت بطلان الرخصة بشكل دامغ، ما تزال البلدية والدولة تؤكدان أمام مجلس شورى الدولة وجوب رد الدعوى”.
مظاهرة موظفي الإيدن باي: فرص العمل أبدى من البيئة؟
في خطوة مفاجأة، وفي نفس التوقيت والمكان نفذ عمال وموظفو “عاشور هولدينغ” صاحب مشروع “إيدن باي” اعتصاماً لهم دعوا إليه عبر صفحتهم الفايسبوك، حيث ناشدوا “كل مثقف حقيقي وكل من لديه معرفة بملكية الأراضي وسندات التمليك” المشاركة بما أسموه “وقفة تضامن” عنوانها “بيكفي جهل” وذلك للتضامن مع المشروع في وجه ما أسموه “تشويه الحقائق”.
إذا قرابة الساعة الحادية عشر من قبل الظهر، أفرغت مجموعة من الباصات ما في جعبتها من موظفين وعمال شركة “عاشور هولدينغ” في ساحة الشهداء. وقد ارتدى المشاركون القمصان البيضاء وتجمعوا أمام مبنى بلدية بيروت رافعين شعارات دافعوا خلالها عن مصدر رزقهم، حتى ولو كان ذلك على حساب “حق الناس بالولوج إلى الشاطئ”. فقد رفع العمال شعار “ايدان باي قانوني”، كما لوّحوا “بـ300 فرصة عمل” قد يخلقها المشروع . ولم ينسَ هؤلاء انتقاد “جمعية نحن” على نحو علني حيث كان لها نصيبها من اليافطات. فسأل العمال “لمصلحة من تعمل نحن”، و”كم تدفع ضرائب”، و”كم موظف تشغّل” فيما كان لأيوب نصيبه من الصيحات المنددة، أما أهم يافطة رفعت من قبل هؤلاء فكانت اعتراف صريح بأن “الشط لكل الناس”.
وفي حديث لـ”المفكرة” مع المهندس رامي مخلوف الناطق باسم عمال “عاشور هولدينغ”، قال أن العمال “يتظاهرون للتأكيد أن مشروعنا قانوني، وموجود على أرض خاصة وعلى أساس ذلك استحصلنا على الرخص”.
مخلوف اعتبر أن التحركات التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني تأتي نتيجة”جهل تام لأن أرضنا بعيدة عن الشاطئ العام مسافة 350 متر”. وقال:”جاؤوا يطالبون بهدم المشروع وتشريد العائلات دون أن يعرفوا أين يتم البناء وأين تقع أرضنا”.
وفي ختام اعتصام عمال “عاشور هولدنغ”، لفت المتحدث بإسمهم إلى أن المشروع الجديد سيبصر النور بتاريخ 15/6/2018. وعليه بقيت أيام معدودات قبل أن يخسر أبناء بيروت جزءاً جديداً من شاطئهم.
فهل يعي مجلس شورى الدولة الدور الكبير المناط به في حماية هذا الشاطئ قبل فوات الأوان؟ هل يأخذ رئيس مجلس شورى الدولة الرئيس هنري خوري قرارا شجاعا بناء على طلب الخط الأخضر بنقل الدعوى من الغرفة الناظرة بها حاليا إلى مجلس الدولة.
أمر أكيد: لا حق بالبيئة والشاطئ في غياب قضاء مستقل وفاعل.
“