وجهت المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء في 16/2/2021 كتابا أعلنت فيه أن محاضر مجلس الوزراء سرية ولا يمكن الإستحصال عليها بموجب قانون الحق في الوصول إلى المعلومات. وقد برّرت هذا الموقف بالاستناد إلى المادة 22 من مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء رقم 2552/1992 والذي يمنع إعطاء أي نسخ لمحاضر مجلس الوزراء ويسمح للوزراء فقط بالإطلاع عليها. كما استندت إلى المادة 5 من قانون الحق بالوصول للمعلومات والتي عددت ضمن الاستثناءات عليه مداولات ومقررات مجلس الوزراء التي يعطيها هذا الأخير الطابع السريّ. وقد جاء كتاب المديرية في سياق ردّها على طلب رئيس دائرة المناقصات جان عليّة بالحصول على محاضر مجلس الوزراء المتعلقة بمناقصات الفيول، علما أن الطلب المذكور هدف وفق عليّة إلى إعلام الرأي العام بحقيقة المداولات بشأن هذه المناقصات، ولا سيما لجهة امكانية مشاركة الشركات اللبنانية فيها.
هذا الكتاب يستدعي ملاحظات جوهرية وفق للآتي:
أولا، مخالفة فاقعة لقانون الوصول للمعلومات
أن موقف المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء يعطي صفة السرية التامة لكل مداولات ومقررات مجلس الوزراء، بما يشكل تنصلا تاما لمجلس الوزراء (الذي يمثل السلطة التنفيذية) من قانون الوصول للمعلومات وضمنا من موجب الشفافية وإعلام الرأي العام بالقرارات العامة. وهذا الأمر يشكل قراءة ملتوية للمادة 5 من القانون المذكور والتي ذكرت ضمن الاستثناءات على الحق ليس كل مداولات ومقررات مجلس الوزراء، إنما فقط تلك التي يضفي عليها هذا المجلس طابع السرية. وعليه، نستشفّ من هذه المادة أن المبدأ هو حق الاطلاع على هذه المداولات والمقررات كأي من المعلومات التي يتيح قانون الوصول إلى المعلومات الوصول إليها وفق المادة الأولى منه، فيما تكون هذه المداولات والمقررات سرية في حالات استثنائية وفقط إذا قرر مجلس الوزراء صراحة ذلك. ولا يرد على ذلك بمرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء (1992) طالما أن للقانون الصادر عن البرلمان قوة تعلو على قوة المرسوم الصادر عن السلطة التنفيذية، وأن القانون صدر بعد المرسوم ونصّ صراحة على أنه تلغى جميع النصوص المخالفة لأحكام هذا القانون أو التي لا تأتلف مع مضمونه (م. 24). وهذا أمر طبيعي طالما أن القانون جاء بمثابة قطع مع الماضي في اتجاه إرساء توجّه جديد يُغلّب اعتبارات الشفافية في العمل العام على اعتبارات السرية السائدة من قبله. وهذا أيضا ما يستجيب مع المادة 10 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد والتي صادق عليها لبنان في 2008 والتي التزمت بموجبها الدول الموقعة أن تتخذ ما قد يلزم من تدابير لتعزيز الشفافية في إدارتها العمومية بما في ذلك ما يتعلق بكيفية تنظيمها واشتغالها وعملية اتخاذ القرارات فيها (م. 10). فماذا يبقى من هذا الالتزام إذا أعفى مجلس الوزراء (ممثل السلطة التنفيذية) الذي يفترض أن يكون مثالا أعلى للإدارات العامّة نفسه منه؟
وما يعزز قابلية هذا الموقف للنقد هو أن محاضر مجلس الوزراء التي اعتبرتها مديريته العامة سرية تتّصل بالمداولات حول إحدى أهم عمليات الشراء العام في لبنان لاستيراد الفيول، والتي تحصل تبعا لانتهاء العقد مع شركة سوناطراك لهذه الغاية والذي استمرّ 15 عاما رغم المخالفات الجسيمة المرتكبة فيه وفي تنفيذه تحت غطاء السرية التامة. وتهمّ الإشارة هنا إلى أن هذا العقد ما كان ليستمر أصلا لولا تواطؤ مجلس الوزراء وسوء أدائه كما ثبت من القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان والذي أسهبنا في التعليق عليه.
ثانيا، مخالفة متكررة ومنتظمة للتنصّل من قانون حق الوصول للمعلومات
من جهة ثانية، تجدر الإشارة إلى أنّ رفض المديرية العامة لرئاسة مجلس الوزراء ليس معزولا بل أمكن القول بفعل تكراره أنه يندرج ضمن نهج عامّ ما زالت أعلى سلطة تنفيذية في البلاد تعتمده لغاية التنصّل من قانون حق الوصول للمعلومات ومبادئ الشفافية. وهي لا تجد حرجا في هذا المضمار من استخدام حجج متباينة وربما متناقضة بهدف تحقيق هذه الغاية. وهذا ما نستشفه بوضوح من الموقف السابق للمديرية العامة لمجلس الوزراء والمتمثل في القرار الصادر في تاريخ 26/6/2019 والذي رفضت بموجبه طلبا قدمته جمعيتا “كلنا إرادة” و”المفكرة القانونية” للحصول على معلومات بشأن معمل دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية. فآنذاك، لم يعلّل المدير العام للمجلس قرار الرفض بأسباب تتصل بسرية قراراته، بل فقط بعدم امكانية تطبيق قانون حق الوصول للمعلومات بغياب مرسومه التطبيقي وبعدم تعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وقد يكون عدول المدير العام عن موقفه السابق مرتبطا بصدور المرسوم التطبيقي وبقرب تعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وتاليا بزوال الحجج التي كان أدلى بها سابقا فلم يجد إلا أن يغير حججه من خلال إعلان سرية مداولات ومقررات مجلس الوزراء بشكل مطلق.
ثالثا، باطنية مجلس الوزراء بين جنيف وبيروت
أخيرا، تجدر الإشارة إلى التناقض الكبير بين خطاب ممثلي مجلس الوزراء في الخارج (ومؤخرا خلال جلسة الدولة اللبنانية في الجولة الثالثة للاستعراض الدولي الشامل UPR في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحّدة) وحقيقة ممارستهم في الداخل بكل ما يتصل بتطبيق قانون الحق بالوصول للمعلومات. ولتبيان ذلك، نكتفي بأن نورد هنا ما جاء في مداخلة ممثلة رئاسة مجلس الوزراء السيّدة آية الزين والتي فاخرت بدور مجلس الوزراء في مكافحة الفساد وبخاصة في تطبيق قانون حق الوصول للمعلومات. وقد شدّدت حرفيا في مداخلتها على أن مجلس الوزراء سارع في اليوم نفسه لصدور المرسوم التطبيقي للقانون إلى التعميم على عموم الإدارات العامة بوجوب اتخاذ الاجراءات المناسبة لضمان تطبيقه. وبذلك، تكون المديرية العامة لمجلس الوزراء قد كشفتْ مرة أخرى عن باطنية في أدائها قوامها التغني بمكافحة الفساد في المحافل الدولية مقابل انتهاج العديد من الممارسات التي تؤدي على العكس من ذلك تماما إلى التغطية على صفقات الفساد ومنع أي مكافحة له.
خلاصة:
انطلاقا مما تقدم، يجدر ربط موقف المديرية العامة لمجلس الوزراء مع كل الخطاب السائد حول السرية (وبالأخص السرية المصرفية) والتي كلها تلتقي على هدف واضح وهو التعمية على شبهات الفساد ومنع أي مكافحة أو محاسبة له.
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.