قضية سوناطراك والفيول-أويل المغشوش (1): عقد بالتراضي سرّي بشروط مجحِفة مع شركة لا نعرف عنها شيئاً


2020-09-09    |   

قضية سوناطراك والفيول-أويل المغشوش (1): عقد بالتراضي سرّي بشروط مجحِفة مع شركة لا نعرف عنها شيئاً

ظهر أخيراً، مع افتضاح قضيّة الفيول المغشوش، العقد السرّي الذي ينظّم العلاقة بين الدولة وشركة سوناطراك منذ 2005، بما تضمّنه من شروط مجحفة بحقّ الدولة. ومن المهمّ هنا استعادة شروط هذا العقد تبياناً لها، علماً أنّنا استعنّا لهذه الغاية، بدرجة كبيرة، بأقوال رئيس إدارة المناقصات جان عليّة، في معرض الاستماع إليه من قِبل قاضي التحقيق منصور، التي تمحورت حول العقد ووردت بإسهاب في قراره الظنّي.

  • عقد بالتراضي سرّي مع شركة لا نعرف عنها شيئاً: هكذا تنشأ الاحتكارات في الظلمة

 

أ-عقد بالتراضي

تمّ التعاقد بين الدولة اللبنانية وشركة سوناطراك في 9/11/2005، بعدما كلّف مجلس الوزراء وزير الطاقة آنذاك محمّد فنيش القيام بذلك. وقد أُبرم العقد بالتراضي بعد عرض مسودّة الاتّفاق على مجلس الوزراء الذي الذي فوّض وزير الطاقة التوقيع عليه.

وقد لجأ وزير الطاقة والمياه عام 2005، محمد فنيش، ومجلس الوزراء إلى صيغة الاتّفاق بالتراضي بالاستناد إلى الفقرة 12 من المادّة 147 من قانون المحاسبة العمومية التي تسمح لمجلس الوزراء بتأمين اللوازم بالتراضي بناء على اقتراح الوزير المختصّ في حالات استثنائية، خلافاً للقاعدة العامّة التي جاء  فيها أنّ صفقات اللوازم والأشغال تتمّ متى أمكن بطريقة المناقصة العموميّة[1].

والتذرّع بهذا الاستثناء مردود في هذه الحالة، طالما أنّ عقود توريد الفيول-أويل هي من النفقات العادية ولا تشكّل أحد الاستثناءات الاضطرارية. فهي ليست من اللوازم والأشغال والخدمات الإضافية التي يجب إحاطتها بالسرّيّة أو أن يُعهَد بها إلى الملتزم الأساسي لئلّا يتأخّر تنفيذها أو ينحصر حقّ صنعها في حامل شهادات اختراعها. كذلك هي ليست من الخدمات الفنّية التي لا يمكن أن يُعهد بتنفيذها إلّا إلى فنّانين أو اختصاصيين أو حرفيين أو صناعيين بعينهم. كما أنّها ليست من اللوازم والأشغال التي يصنعها ذوو العاهات المحتاجون المُرخَّص لهم بالعمل من قِبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إلخ.

وما يقطع الشكّ باليقين في شأن غياب ضرورة عقد الاتّفاق بالتراضي أنّه مُدِّد قرابة 15 سنة، كلّ ذلك بالتراضي، كما وُضع، في سنوات لاحقة، دفتر شروط عامّ لإجراء مناقصة عمومية لاستيراد الفيول-أويل جرى التهرّب من إقراره، بشهادة الوزيرة بستاني، وفق ما نثبته في الجزء الثاني من هذه المقالة. فهل استمرّت الضرورة طيلة 15 سنة؟

ب-عقد سرّي من دون أيّ مبرّر

نصّ البند 17 من العقد أنّ على الأفرقاء في العقد أن يُبقوا العقد المبرَم سرّياً (confidential) وخصوصياً (private)، وأنّه لا يجب إفشاء العقد أو أيّ جزء منه إلّا إلى السلطات اللبنانية والجزائرية. وهو ما نجح الفرقاء بفعله لسنوات طويلة. والواقع أنّ اعتماد السرّيّة في هذا العقد أمر غير مبرَّر إطلاقاً للأسباب الآتية:

  • إنّ عقود توريد الفيول-أويل هي عقود شراء عادي لمادّة من أكثر الموادّ تداولاً بشكل علني في الأسواق العالمية، ولا تُعدّ استثناءً على مبدأ الشفافية في الإنفاق المكرَّس في هذا القانون، فهي لا تدخل ضمن الاستثناءات المتعلّقة بأسرار الدفاع الوطني والأمن القومي والأمن العامّ أو بإدارة العلاقات الخارجية للدولة ذات الطابع السرّي أو بما ينال من المصالح المالية والاقتصادية للدولة وسلامة العملة الوطنية (وهي استثناءات ينصّ عليها قانون الحقّ بالوصول إلى المعلومات في المادّة 5 منه).
  • لقد أبرمت الحكومة عقداً شبيهاً بالمضمون والأهداف مع شركة KPC الكويتية لاستيراد الفيول-أويل إلى لبنان، وذلك في السنة نفسها (29/8/2005) قبل شهرين من عقد سوناطراك. وقد نُشر هذا العقد مع وثيقة التفاهم الموقَّعة مع الدولة الكويتية في الجريدة الرسمية[2]. وهذا الأمر إنّما يشكّل دليلاً قاطعاً على انتفاء الطابع السرّي لعقود مماثلة.

ت-عقد مع شركة لا نعرفها

ما يزيد من قابليّة الطابع الرضائي السرّي للعقد للانتقاد أنّه وُقِّع مع شركة لا نعرف عنها شيئاً ولم تُبرز أيّ مستند يُعرّف عنها. فقد بدا وكأنّ الحكومة غضّت الطرف عن سؤالها عن هويّتها، راضية باسمها الذي يُستشَفّ منه أنّها تابعة للدولة الجزائرية. فهل انخدعت الحكومة حقيقةً بشأن هويّة هذه الشركة أم أنّها صوّرت أنّها انخدعت بما يسهّل إتمام الصفقة وتحقيق أرباح منها؟

وعند سؤال وزير الطاقة والمياه الأسبق محمّد فنيش الذي وقّع عن الدولة عن مدى تثبّته من صفة هذه الشركة وعلاقتها بدولة الجزائر، أجاب أنّه لم يتأكّد من أنّ موقّع العقد من قِبل سوناطراك، وهو شوقي مدير الشركة، موظّف يمثّل الدولة الجزائرية وأنّه لم يطلب أيّ مستند ثبوتي على علاقة الشركة الموقِّعة بهذه الدولة. بل استخلص ذلك من حضور السفير الجزائري، الذي لم يوقّع العقد، ومن اتّصال مع وزير الطاقة الجزائري أثناء التفاوض عليه[3]. وهذا ما تناوله القرار الظنّي الذي تضمّن حرفياً: “أنّ مجرّد التحدّث عبر الهاتف مع وزير الطاقة الجزائري من قِبل وزير الطاقة اللبناني لا يضفي على العقد صفة من دولة إلى دولة، وأنّ حضور السفير الجزائري مراسم توقيع العقد مع الشركة دون أن يوقّعه أو أن يوقّع العقد أيّ ممثّل رسمي عن الدولة الجزائرية أو أن يرفق العقد بكتاب ضمان صادر عن الدولة الجزائرية أو عن مؤسّسة عامّة جزائرية، يحمل على الاعتقاد بأنّ الشركة المتعاقَد معها مستقلّة وتخضع لأحكام القانون الخاصّ، وأنّ تسجيل الشركة في الجزر العذراء البريطانية باعتبار أنّها الاسم التجاري لشركة سوناطراك الجزائرية يعزّز الوجهة السابق ذكرها، وأنّ تمتّع الشركة بالاستقلال المالي والإداري على ما ورد في إفادة معالي الوزير إضافة إلى واقعة تسجيلها في الجزر العذراء البريطانية والتقارير المنشورة عن أعمالها والملاحقات القانونية بحقّها يحمل على الشكّ في شرعية أعمالها”.

كذلك كان من المفترض أن يثير تسجيل الشركة في جزر العذراء البريطانية شكوكاً، بخاصّة أنّها تُعتبر من الجنّات الضريبية التي من المستغرب أن تلجأ إليها دولة لإتمام عمليّاتها، عدا عن عدم فتح مكتب لها في بيروت كما تفعل عادة الشركات عندما تصدّر إلى بلد ما. هذا عدا عن أنّ كونَها شركة تعمل وفق القانون الخاصّ إنّما يطرح أسئلة حول هويّة أصحابها الحقيقيين.

ويتجلّى من متن القرار الظنّي أنّ شكوكاً علنية بدأت تُثار حول هويّة الشركة المتعاقدة منذ 2013. إذ وضع التفتيش المركزي تقريراً أشار فيه إلى تهم فساد وتبييض أموال طالت شركة سوناطراك وطالب بضرورة ضمّ الأحكام المتعلّقة بها[4]، إلّا أنّ الحكومات المتعاقبة تجاهلت هذه الطلبات. كما كان وزراء عدّة يعلمون أنّ العقد مع سوناطراك مبهم، إذ نُقل عن وزير الماليّة الأسبق علي حسن خليل “أنّ العقد مع الجزائريين هو عقد مبهم إلى أقصى الحدود ومفتوح على الكثير من التفسيرات ولدينا الكثير من الكلام عنه”، وما ورد على لسانه في المحضر رقم 50 القرار رقم 3 للعام 2017 لجهة “أنّه لا يعرف ما إذا كانت الشركة الجزائرية مملوكة من الحكومة الجزائرية، وأنّ هناك فارقاً بين العقد مع مؤسّسة سوناطراك والعقد مع الدولة الكويتية”[5].

  • عقد تفرّط فيه الإدارة بمصلحة الدولة: بنود مشبوهة لخدمة شبكة المصالح المحتكِرة

النتيجة الفعلية للتعاقد الرضائي مع شركة غير معروفة بموجب عقد سرّي أتت موافِقة للتوقّعات، أي تضمين العقد شروطاً مجحفة بحقّ الدولة، فضلاً عن كون بعضها شروطاً غير قانونية[6].

  • غياب كتاب الضمان

أشار المدير العام لإدارة المناقصات جان عليّة إلى مسألة عدم ضمّ كتاب ضمان نهائي عند إبرام العقد مع الشركة بما يسمح بالتنفيذ عليها في حال تعذّر تنفيذ الاتّفاقية. ويُعتبر كتاب الضمان النهائي من المستندات الأساسية والاعتيادية لضمان حقوق الدولة اللبنانية والتي لا يجوز تجاهلها، بالأخصّ عندما تُجاوِز كلفة عقد توريد المليار دولار سنوياً. وكانت هيئة التفتيش المركزي قد طالبت منذ عام 2013 بضرورة صدور كتب ضمان عن مصارف وطنية يمكن التنفيذ عليها في حال تعذّر تنفيذ الاتّفاقية مع الشركة. إلّا أنّ الطلب قوبل بالتجاهل من قِبل مجالس الوزراء المتعاقبة رغم أحقّيّته.

وقد برزت أهمّيّة غياب كتاب الضمان مع إعلان سوناطراك فسخ العقد مع وزارة الطاقة بعد انكشاف فضيحة الفيول المغشوش، من دون أن يكون بإمكان الدولة اللبنانية التنفيذ ضدّها أو مطالبتها بعطل وضرر.

 

  • البند المتعلّق بالمدّة والتجديد التلقائي[7]

مخالفة قانونية أخرى يُسأل عنها مجلس الوزراء مجتمعاً هي تحديد مدّة العقد بثلاث سنوات بدلاً من سنة، علماً أنّه عقد توريد ولا مبرّر لأن يكون لأكثر من سنة. كما تُسأل الحكومة أيضاً عن بند التمديد لهذا العقد الذي يمنح احتكاراً في استيراد الفيول-أويل، إذ تشترط المادّة 89 من الدستور[8] عدم منح أيّ التزام أو امتياز لاستغلال مصلحة ذات منفعة عامّة أو أيّ احتكار إلّا بموجب قانون ولزمن محدود. كما لا يمكن إعطاء الوزير صلاحيّة التفاوض حول العقد بل كان يجب إجراء مناقصة جديدة كلّ سنة أو الحصول على تصديق مجلس النوّاب، سنداً للمادّة 52 من الدستور التي تحتّم الحصول على تصديق مجلس النوّاب في ما خصّ المعاهدات التجارية التي لا يجوز فسخها سنة فسنة.

ويُعتبر هذا البند من أخطر البنود ذلك أنّه، بحسب ما جاء في إفادة وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني لدى قاضي التحقيق، كان كلّما نوقش هذا العقد في مجلس الوزراء يُلجأ إلى المماطلة أو التأجيل حتى انتهاء مدّة إعادة النظر في التمديد. كما لم يخضع العقد لرقابة ديوان المحاسبة المسبَقة قبل عقده وتمديده ما يشكّل مخالفة[9].

  • البند المتعلّق بنوعيّة الفيول-أويل

في ما يتعلّق بنوعيّة الفيول-أويل، لقد حُدِّدت في البند الثالث من العقد مواصفات فيول مغايرة (أدنى) لتلك الموضوعة في مواصفة ISO 8217 الملزِمة المتعلّقة بالفيول-أويل الصادرة عن مؤسّسة المواصفات والمقاييس Libnor، وهي مؤسّسة عامّة لبنانية مرتبطة بوزارة الصناعة من مهامّها وضع المعايير الوطنية بحسب المادّتين 23 و24 من قانون إنشاء المؤسّسة[10]. وقد بيّن الوزير فنيش في إفادته أنّ أيّاً من هيئة التفتيش المركزي أو إدارة المناقصات أو كهرباء لبنان أو ديوان المحاسبة لم تُستَشَر لوضع هذه المواصفات الأساسية، رغم أنّ هذا العقد يقع ضمن اختصاص كلّ منها. وهو ما كان قد أشار إليه التفتيش المركزي والمدير العامّ لإدارة المناقصات جان عليّة في تقريره.

وبسبب الأضرار التي نتجت عن استخدام هذا الفيول-أويل والتعاقد مع سفينة كارادينيز، فرضت وزارة الطاقة والمياه عام 2013 توريد فيول-أويل يحترم مواصفة ISO 8217 لتشغيل المعملَيْن الجديدين في الذوق والجيّة وسفينة كارادينيز، فيما بقيت النوعيّة ذاتها تُستورد لتشغيل معملَيْ الذوق والجيّة الحراريين القديمين. وقد تبيّن في بعض الأحيان أنّ الشحنات التي يُفترض أن تكون مطابقة لمواصفة ISO 8217 كانت مخالفة بجودة متدنيّة (أربعة منذ بداية 2019).

 

  • البند المتعلّق بالفحص في مرفأ التحميل وليس مرفأ الوصول [11]

حدّد البند 11 من العقد مكان إجراء فحص المطابَقة في ما يتعلّق بالكمّيّة والمواصفات المحدَّدة في العقد ونوعيّة الفيول-أويل المسلَّمة في مرفأ التحميل – أي البلد المصدِّر – وليس في مرفأ الوصول – أي البلد المستورِد. ما يعني أنّ المخاطر تنتقل من البائع إلى الشاري عندما يتجاوز المنتَج وصلة خرطوم الباخرة الدائم عند مرفأ التحميل، بدون ذكر أيّ تفاصيل عمّا يحلّ بالبضاعة في حال تعدّلت أثناء الطريق أو تمّ استبدالها أو تبيّن أنّها غير مطابِقة للمواصفات كما جاء في إفادة وزير الطاقة الأسبق محمّد فنيش. وفي ذلك مخالفة للمعايير الدولية المرعيّة الإجراء في مجال نقل الموادّ النفطية، فتضع عقود التوريد النموذجية سواء للنفط أو الغاز المعتمَدة عالمياً والصادرة عن الـAIPN (The Association of International Petroleum Negotiators) شرط المطابَقة بين المواصفات في العقد والبضاعة المسلَّمة في مكان التوصيل لا التحميل.

وكان لهذا البند دور أساسي في عمليّة التزوير حيث كان يتمّ تقريب نتائج الفحوصات إلى نتائج بلد المنشأ، وفي استبعاد الرقابة على الفيول-أويل المورَّد في لبنان.

ولكن لا يمكن إدراك خطورة هذا البند إلّا عند الاطّلاع على إفادات بعض الموظّفين في القرار الظنّي. فعند سؤال المديرة العامّة لوزارة الطاقة والمياه أورور فغالي عن الفحوصات، أجابت أنّ الوزراء قرّروا أن يتمّ تفريغ شحنات الفيول-أويل لمؤسّسة كهرباء لبنان باعتماد فحوصات بلد المنشأ. الأمر الذي أكّده أيضاً المستجوَب شربل افرام الموظّف في شركة Yellowtech المسؤولة عن الرقابة على نوعيّة الفيول التي تمثّل الدولة اللبنانية[12].

كما تبيّن في إفادة الوزير فنيش أنّ الدولة لا تكون حاضرة حتّى عند فحص الفيول-أويل في بلد المنشأ متذرّعاً بأنّ هذا مبدأ عالمي كما تجري فحوصات في لبنان لمطابقتها مع فحوصات بلد المنشأ، وبالتالي لا مسؤوليّة عليهم. متناسياً بذلك أنّ فحص المطابَقة المعتمَد يتمّ عادة بين ما ورد في العقد ومكان التوصيل لا التحميل، وأنّ تفريغ الحمولة، كما جاء في إفادة الموظّفين، كان يتمّ بالاستناد إلى فحوصات بلد المنشأ بناء على قرار مجلس الوزراء، كما جاء في إفادة أورور فغالي. الأمر الذي سهّل إلى حدّ كبير جعل الفحوصات في لبنان صوريّة واستمرار عمليّة تزوير النتائج.[13]

  • البند المتعلّق بقبول النفط حتّى لو لم يستوفِ جميع الشروط

جاء في البند 3 من العقد أنّه حتّى لو لم يستوفِ الفيول-أويل المورَّد جميع الشروط المنصوص عليها في العقد، تُقبل الحمولة تحت عنوان “المرفوض” شرط أن يستوفي معدَّل كامل الحمولات سنوياً الشروط. وفي حال لم يستوفِ المعدّل الشروط المحدَّدة، تكون العقوبة إجراء حسم على سعر الفيول-أويل بدون أن يحدِّد العقد قيمة الحسم. يؤدّي هذا الأمر عملياً إلى تشريع مخالفة المواصفات إلى حدّ معيَّن بدون أيّ عقوبة، فضلاً عن تجهيل العقوبة في حال استحقاقها. هذا مع العلم أنّ هذا البند يَحول عملياً دون رفض الاستلام بحجّة عدم توفّر المواصفات، ويفتح الباب واسعاً أمام استلام فيول مغشوش.

ويُعتبر هذا البند فضيحة، إذ يعمد إلى تخفيف عواقب تسليم فيول-أويل غير المطابق بإخضاعها إلى عمليّات محاسبية بحتة متجاهلاً أنّ سوء نوعيّة الفيول-أويل يتسبّب بأضرار جسيمة لمعامل الكهرباء، وهو ما حصل بشكل متكرّر في معامل الجيّة والذوق التي تضرّرت بشكل كبير وكانت مهدَّدة بالانفجار.

  • البند الذي ينفي عن الدولة قدرتها على التملّص من التزاماتها في حالة القوّة القاهرة

سمح البند 9 من العقد لشركة سوناطراك بالتملّص كليّاً من التزاماتها في حالات القوّة القاهرة مستفيضاً بتعدادها. إلّا أنّه لم يعفِ الدولة من التزاماتها في حال القوّة القاهرة الأمر الذي يؤشّر، في حال تفسيره على أنّه تنازل الدولة عن استفادتها من القوّة القاهرة، إلى خلل في التوازن التعاقدي لمصلحة هذه الشركة غير المعروفة[14].

 

  • البند المتعلّق بالدفع

 ينصّ البند 7 من العقد على فتح اعتماد قبل 10 أيّام من اليوم الأوّل لتسليم الحمولة وأن يُدفع الثمن خلال 30 يوماً من تاريخ بوليصة الشحن. وهو مخالف لقانون المحاسبة العمومية ولا يحفظ مصالح الدولة. فبحسب المادّة 149 التي تحيل إلى المادّة 137 من قانون المحاسبة العمومية، لا تُدفع قيمة الصفقة إلّا بعد تنفيذها[15]. ومن جهة أخرى، لم يحدِّد البند مَن هو المسؤول عن التأخير في الدفع ومعدّل الفائدة المترتّبة عن إجمالي المدفوعات سنوياً تراكمياً على مدى حياة العقد[16]، كما لم يحدِّد خضوع الفوائد المترتّبة لرقابة ديوان المحاسبة. ويسمح هذا الأمر بتكبيد الخزينة مبالغ إضافية طائلة دون حسيب ولا رقيب.

  • البند المتعلّق بالتحكيم

أخضع البند 14 من العقد النزاعات الناشئة عن العقد لمراكز التحكيم في لندن على أن يطبّق القانون الإنكليزي. وفي ذلك مخالفة للأصول بسبب عدم صدور مرسوم مسبَق عن مجلس الوزراء بقبول التحكيم، الأمر الذي تفرضه المادّة 726 من قانون أصول المحاكمات المدنية[17]. كما تمّ اختيار لندن وهي عاصمة الدولة مكان تواجد مركز الشركة المتعاقَد معها في انحياز واضح لها، على حساب الدولة اللبنانية.

من الجليّ إذاً تخلّي الدولة في العقد مع شركة سوناطراك عن رقابتها، سواء على الجهة المتعاقِدة أو على النوعيّة أو الثمن، وتنازلها عن اختصاص محاكمها الوطنية البتّ بالنزاعات الناتجة عن العقد، علماً أنّ على الدولة أن تحتفظ بسلطة التوجيه والإشراف في العقود الإدارية.

ولكن يبقى السؤال الأساس: من المستفيد من تقويض مصلحة الدولة وخرق الأصول في إبرام عقود الشراء العامّ في توريد الفيول-أويل؟

[1]المادة 121 : “تعقد صفقات اللوازم والأشغال والخدمات بالمناقصة العمومية. غير أنه يمكن، في الحالات المبيّنة فيما يلي، عقد الصفقات بطريقة المناقصة المحصورة، أو استدراج العروض، أو التراضي، أو بموجب بيان أو فاتورة”.

[2] المرسومان رقم 15211 و 15211 سنة 2005، الجريدة الرسمية العدد رقم 45 تاريخ 2005.

[3] الصفحة 100-101 من القرار الظني.

[4] الصفحة 77 من القرار الظنّي.

[5] الصفحة 101 من القرار الظنّي.

[6] تقرير مدير إدارة المناقصات جان عليّة في القرار الظنّي بقضية الفيول المغشوش الصادر في 10/7/2020.

[7] البند الثاني في العقد.

[8] تقرير مدير إدارة المناقصات جان عليّة في القرار الظنّي بقضيّة الفيول المغشوش الصادر في 10/7/2020.

المادّة 89: لا يجوز منح أيّ التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة من ذات المنفعة العامّة، أو أيّ احتكار إلّا بموجب قانون وإلى زمن محدود.

[9] تقرير مدير إدارة المناقصات جان عليّة في القرار الظنّي بقضيّة الفيول المغشوش الصادر في 10/7/2020.

[10] تقرير مدير إدارة المناقصات جان عليّة في القرار الظنّي بقضيّة الفيول المغشوش الصادر في 10/7/2020.

[11] البند 11 من العقد.

[12] ص 56 و65 من القرار الظنيّ اللتان تتضمّنان إفادة أورور فغالي وشربل افرام.

[13] ص 80 من القرار الظنّي.

[14] تقرير المدير العامّ لإدارة المناقصات جان عليّة في القرار الظنّي بملفّ الفيول المغشوش في 10/7/2020.

[15] لا تُدفع قيمة الصفقة إلّا بعد تنفيذها.

إلّا أنّه يجوز لوزير المالية، بناء على طلب الوزير المختصّ أن يعطي الملتزمين سلفات لقاء كفالات مصرفية. وإذا تعذّر الحصول على هذه الكفالات، علق إعطاء السلفة بدون كفالة على تصديق مجلس الوزراء. لا يجوز أن تتعدّى السلفة 25 بالمئة من قيمة الصفقة على أن لا تتجاوز 30.000.000 ل.ل. إلّا أنّه يجوز في الحالات الاستثنائية الشذوذ عن الأحكام السابقة بقرار من مجلس الوزراء.

[16] تقرير المدير العامّ لإدارة المناقصات جان عليّة في القرار الظنّي بملفّ الفيول المغشوش في 10/7/2020.

[17] اعتباراً من تاريخ العمل بهذا القانون التعديلي (440/2002)، لا يكون البند التحكيمي أو اتّفاق التحكيم نافذاً في العقود الإدارية إلّا بعد إجازته بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختصّ بالنسبة إلى الدولة أو سلطة الوصاية بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين من القانون العامّ.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مؤسسات عامة ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني