خلال الدعوى المذكورة، قدمت الدولة ممثلة بهيئة القضايا ومجلس الانماء والاعمار حججا عدة للتبرؤ من الاعتراف بحقوق بلدية عبيه، عين درفيل. يناقش هذا المقال مواقفهما التي يصعب التوفيق بينها وبين فرضية الخصم الشريف كما كان من المفترض بهما أن يكونا
مخالفة المرسوم 1979 عرف، فلماذا التشكي؟
أدلى المحامي أسعد عطايا في المراجعة التي تقدم بها أمام مجلس شورى الدولة بأن هناك العديد من الأسباب القانونية التي تستدعي إبطال ووقف تنفيذ مرسوم توزيع عائدات الصندوق البلدي المستقل عن عام 2010، أهمها عيب مخالفته لأحكام المرسوم 1979 وتعديلاته بحيث تجاهل عمدا وبنحو فاضح عدم اقتطاع المبالغ المستحقة للمستدعية من حصة البلديات المستفيدة من أعمال طمر نفاياتها في المطمر الصحي الذي يقع ضمن النطاق البلدي لبلدية عبيه ـــــ عين درافيل. فجاء جواب الدولة بأن هذه المخالفة حاصلة منذ سنوات، وأن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تراع الأحكام والقواعد التي ينصّ عليها هذا المرسوم، كل ذلك من دون أي اشارة الى الحقوق المكتسبة الناشئة عنه.
الدولة تعد ولا تفي وتناقض نفسها
كما يضيف القاضي دياب الذي وقع ردّ الدولة “إن ما يثير العجب أن المستدعية (البلدية)، التي كانت تُدفع لها مبالغ معينة، لم تكن تشعر بالضرر البيئي إلا عندما جرى إيقاف الدفع!” ما يعني أن الدولة تعيب على المستدعية مطالبتها بحق كانت هي كرسته صراحة.
كما أن الدولة في سياق دفاعها سهت عن أن من شأن تصرفها أن يعطل في المستقبل خطة إدارة النفايات المنزلية الصلبة، التي تقوم بالأساس على مبدأ إعطاء الحوافز للبلديات التي تستقبل النفايات في نطاقها العقاري، والتي أقرها مجلس الوزراء مجتمعا. فالفقرة السادسة من قرار مجلس الوزراء الرقم 55 تاريخ 1-9-2010 أكدت مبدأ تحفيز البلديات التي ستستقبل مختلف إنشاءات إدارة النفايات من معامل التفكيك الحراري، ومحطات الترحيل ومحطات التسبيخ والمطامر. ولقد خضع المطمر لتمديدات عديدة وتوسع باتجاه الأراضي التي تدخل ضمن النطاق البلدي لبلدية عبيه ـــــ عين درافيل من دون أن يعوض عليها بليرة واحدة.
مجلس الانماء والاعمار يطالب بإثباتات على وجود المطمر
ولكن اغرب ما صدر في هذه الدعوى اللائحة التي تقدم بها مجلس الإنماء والإعمار والتي تقع في 19 صفحة. فبمعزل عن التناقضات القانونية الواردة فيها، لم يتوان المجلس عن تضمين اللائحة الجوابية ما حرفيته “إن الجهة المستدعية لم تقدم أي دليل أو إثبات يفيد وقوع المطمر على ملكيتها”. ولقد تلقف مجلس بلدية عبيه ــ عين درافيل المنتخب في 6 أيار الماضي هذا الجواب “بسخرية ممزوجة بالغضب”، على حد تعبير رئيس المجلس غسان حمزة.
الأخير أكد أن “الإنماء والإعمار يعرف جيداً أين يقع المطمر وسنتقدم من مجلس شورى الدولة بالوثائق التي بحوزتنا والتي تثبت كيف سعى المجلس إلى قضم عقارات أبناء بلدة عين درافيل الواحدة تلو الأخرى، مرة عن طريق الاستملاك، ومرة عن طريق التفاوض على أسعار بيع مرتفعة، وخصوصاً بعدما أصدر مجلس شورى الدولة في عام 2007 قراراً شهيراً بوقف توسيع المطمر تجاه عين درافيل”.
تجدر الإشارة إلى أن المستشار المقرّر في مجلس شورى الدولة يحيى الكركتلي أصدر قراراً بتاريخ 16 أيار كلف فيه الدولة المستدعى بوجهها إبراز كامل الملف الإداري، ولا سيما المستندات التي تبيّن كمية النفايات المطمورة ضمن النطاق الجغرافي للمستدعية، وهذا يعني أن مجلس الإنماء والإعمار بات ملزماً بتقديم الدليل الذي يعيب على بلدية عبيه ــ عين درافيل أنها لا تملكه، وهو ما يفتقر إلى الحد الأدنى من شرف المخاصمة تجاه بلدية كانت مرغمة منذ عام 1997 على استقبال نفايات 275 بلدية وعندما لجأت إلى القضاء لتحصيل حقوقها فوجئت بحجم الكيدية والاستهتار والاستخفاف من جميع الجهات المعنية بإدارة ملف النفايات المنزلية الصلبة في بيروت وجبل لبنان.
وزارة المالية تستعجل تسديد المبالغ المطالب بها استباقا لقرار وقف التنفيذ
جاء في القرار الإعدادي لمجلس شورى الدولة أنه “يتبين من مراجعة المستندات المرفقة بالمراجعة أن ما تطالب به بلدية عبيه ــ عين درافيل من مبالغ متوجبة بذمة البلديات المستفيدة من الطمر في نطاقها تقارب 6.2 بالمئة من حصة البلديات تلك لدى الصندوق البلدي المستقل. وتبين أيضاً أن “شروط وقف التنفيذ متوافرة، وأنه يقتضي وقف تنفيذ المرسوم المطعون فيه جزئياً بحيث يتوقف تنفيذ توزيع ما نسبته 6.2 بالمئ من المبالغ الملحوظة في المادة الرابعة منه والمخصصة للتوزيع على بلديات أقضية بيروت وبعبدا والشوف وعاليه وكسروان والمتن”.
واذ يتمثل الاستحقاق الرئيسي أمام وزارة المال حالياً بأن تبادر إلى تبليغ البلديات المعنية بقرار وقف التنفيذ، يسجل أن وزير المال محمد الصفدي قد بادر بسرعة قياسية إلى تحويل الدفعة الثانية من عائدات أموال البلديات عن عام 2010، متجاهلاً الدعوى التي رفعتها البلدية، ومستبقاً قرار شورى الدولة بوقف تنفيذ المرسوم.
*صحفي في جريدة الأخبار، حائز على دبلوم في الإدارة العام نشر في العدد الخامس من مجلة المفكرة القانونية
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.