بتاريخ 21 آب 2020، تمّ تسريب فيلم مصوّر لتحقيقات جرت مع الممثل زياد عيتاني في فترة احتجازه لدى المديرية العامة لأمن الدولة في تشرين الثاني 2017، على خلفية اتهامه غير الصحيح بالعمالة. وقد حصل هذا التسريب بعد أيام من صدور مرسوم بترقية الضابط فراس عويدات الذي أشرف على التحقيق معه. لذلك، يهمّنا ابداء الملاحظات الآتية:
1- التقاعس في التحقيق بشكوى عيتاني:
حتى اللحظة، تبقى شكوى عيتاني ضدّ جهاز أمن الدولة على خلفية تسريب التحقيقات وتعرّضه للاحتجاز والتعذيب تعسّفاً بانتظار بدء تحقيقات جدّية، عالقة لدى النيابة العامة الاستئنافية في بيروت منذ نيسان 2019. وهذا التقاعس في التحقيق في واحدة من أبشع المظالم وأكثرها وضوحاً إنّما يفاقم من شعور المواطنين بغياب العدالة في لبنان وسواد الإفلات من العقاب. وقد تعزز هذا الشعور طبعاً بترقية الضابط عويدات بعد قرابة سنتين من انفضاح مظلمة عيتاني. فكأنّما للدولة محفّزات كافية لمكافأة موظّفيها الذين استغلّوا وظائفهم للاعتداء على المواطنين، من دون أن يكون لديها أي محفّز لتعويض ضحاياها.
2- نشر الفيديو يشكّل عدة جرائم:
من البيّن أنّ نشر الفيديو المسجّل هدفه الإيحاء بأنّ عيتاني لقي معاملة حسنة ودحض ادعاءاته بحصول تعذيب وسوء معاملة. ولكن على العكس من ذلك، يُظهر التدقيق في تفاصيل الفيديو وجود توتّر واضح، حيث يضع المحقّق قبضته على كتف عيتاني ويأمره بإعطاء المعلومات من دون خوف، وهو بالتالي يشكّل فعلاً جرمياً، وشبهة ضد عناصر من جهاز أمن الدولة وسبباً لإنزال عقوبات مسلكيّة بحقهم. كما أنّ نشر الفيديو مع اختتامه بعبارة “يتبع…” إنما يؤكّد أنّ الهدف من النشر هو ثني عيتاني عن المثابرة في المطالبة بحقه في الإنصاف وبمحاسبة المعتدين عليه. وعليه يشكل فعل نشر الفيديو مجموعة من الجرائم التي تستوجب التحقيق الفوري، أهمها:
أ. تسريب معلومات سرية: إنّ نشر الفيديو يشكّل دليلاً إضافياً على تورّط عناصر في أمن الدولة في تسريب التحقيقات الأولية لديهم إلى الإعلام، وهو تالياً يؤكّد جرم تسريب المعلومات ولا ينفيه.
ب. جرم التعدّي على الحقوق المدنية: يشكّل الفيديو وسيلة ضاغطة تهدف إلى حرمان عيتاني من ممارسة حقوقه المدنية وبخاصة حقه في التقاضي وحرية التعبير عمّا يعدّه ظلماً بحقه وهو يقع تالياً تحت المادة 329 من العقوبات بخصوص حرمان لبناني من ممارسة حقوقه المدنية. وتشدد العقوبة في حال حصل الإكراه تبعاً لتخطيط اشترك فيه أكثر من ثلاثة أشخاص ولو من دون استخدام سلاح، بحيث تصل العقوبة بعد تشديدها بموجب المادة 377 من قانون العقوبات إلى ثلاث سنوات حبس،
ت. جرم التهويل: يعتبر الفيديو بمثابة تهديد لعيتاني بفضح مزيد من الأمور وإفشائها والإخبار عنها في حال لم يتوقف عن المطالبة بمحاسبة المرتكبين. وهذا الفعل يقع تحت المادة 650 من قانون العقوبات التي تعاقب “كل من هدّد شخصاً بفضح أمر أو إفشائه أو الإخبار عنه وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره غير مشروعة”. ويشدّد قانون العقوبات العقوبة إذا كان الأمر الذي يهدد بفضحه قد اتصل بعمله بحكم وظيفته، بمعنى أنّه يصل إلى ثلاث سنوات حبس،
ث. جرم استغلال السلطة: يشكل الفيديو شبهة استغلال الوظيفة من قبل عناصر في أمن الدولة، وتحديداً استغلال التكليف المعطى لهم كضابطة عدلية لنشر الفيديو لغايات شخصية. وهو الفعل الذي يقع تحت المادة 376 من قانون العقوبات التي تعاقب “كل موظف أقدم بقصد جلب المنفعة لنفسه أو لغيره أو بقصد الإضرار بالغير على فعل لم يخص بنص في القانون ينافي واجبات مهنته”. وتصل عقوبة هذا الفعل إلى ثلاث سنوات حبس. ويتفاقم هذا الاستغلال بما يعني أن أمن الدولة قد تجاوز التكليف المعطى له بصفته كضابطة عدلية.
تبعاً لذلك، تطالب “المفكرة القانونية” باتخاذ الخطوات الآتية:
1) أن تتحرّك النيابة العامّة الاستئنافية في بيروت لمباشرة تحقيق فوريّ مع عناصر أمن الدولة الذين أشرفوا على التحقيق مع زياد عيتاني، وصولاً إلى تحديد مصدر الفيلم المصوّر وناشره وإحالة المسؤولين إلى القضاء المختص، وصولاً إلى إخضاع هذا الجهاز للقانون ومنعاً لاستمرار ممارسات الإفلات من العقاب،
2) أن تبادر النيابة العامّة الاستئنافية من دون تأخير استكمال التحقيق في الشكوى التي قدّمها زياد عيتاني ضد عناصر في المديرية العامّة لأمن الدولة وآخرين، وقد تضمّنت ادعاء بارتكاب جرائم تعذيب وتكوين جمعية أشرار،
3) أن يتم جبر ضرر زياد عيتاني وفق مبادئ المسؤولية بالنظر للظلم الذي تعرّض له والأضرار الجسيمة التي أصابته من جراء أعمال أو إهمال معزو لعدد من الإدارات والمرافق العامة،
4) أن يتم إلغاء مرسوم ترقية الضابط فراس عويدات لعدم جواز تقرير أي ترقية قبل إنهاء التحقيقات في الشكوى المقدمة ضده. تشكّل أي ترقية في ظروف كهذه تحويراً للسلطة وبمثابة درس سلبي للعناصر الأمنية كافة بقدرتها على انتهاك القوانين من دون أي عقاب.