حمل حرج الصنوبر في بكاسين البلدة إلى الشهرة العالمية بعدما صُنِّف أكبر حرج صنوبر مثمر في منطقة الشرق الأوسط. والحرج نفسه هو سبب تركّز الأنظار على بكاسين في معركة سد بسري والتشديد على تأثير السد على ناحيتين أساسيتين ترتبطان بمستقبله: إنزلاقات التربة الموجودة أصلاً والحاصلة دائماً والمخاوف من ازديادها مع امتلاء البحيرة في سفح التلال الرملية التي تتركز عليها قرى قضاء جزين، وبالتالي إنزلاق أجزاء من الحرج وموت أشجار الصنوبر. يضاف ذلك إلى الرطوبة العالية التي ستستجد في المنطقة نتيجة وجود بحيرة كبيرة ستكون ثاني أكبر مسطح مائي بعد بحيرة القرعون في لبنان بسعة 125 مليون متر مكعب.
تقول إختصاصية الموارد الطبيعية في الجامعة اللبنانية الأميركية الدكتورة ميرنا سمعان الهبر، إنّ الرطوبة التي ستصدر عن التبخر من البحيرة تًقدر بنحو 10 أطنان متر مكعب، وهذا يقتل الأشجار ولا يسمح بعقد البراعم، والصنوبر لا يعيش في الرطوبة كما الزيتون. وهذا الأمر يهدد حرج الصنوبر في بكاسين في الصميم.
بالإضافة إلى كون حرج الصنوبر رئة قضاء جزين الداخلية كونه يمتد على 220 هكتاراً من الأراضي، هي نصف مساحة بكاسين تقريباً التي تبلغ مع خراجها 500 هكتار. ويحتوي الحرج على 120 ألف شجرة صنوبر مثمرة ومعظمها معمر، هو أيضاً مصدر الدخل الرئيسي في بلدية بكاسين التي تُضّمن موسمه بـ 500 مليون ليرة لبنانية سنوياً في أيام الخير، وهي كثيرة، وفق ما يؤكد عضو المجلس البلدي في بكاسين حبيب خوري لـ”المفكرة”. 500 مليون ليرة هي نصف واردات بلدية بكاسين “يعني الصنوبر هو نصف موازنتنا”.
تقع بكاسين ذات البيوت الحجرية الجميلة المسقوفة بالقرميد بين حرج الصنوبر جنوباً، وكروم الزيتون شمالاً والتي تمتد على 8 كيلومترات من أراضيها. وهذا الغنى الزراعي والحرجي يساهم في ما يبدو من بحبوحة مالية في اقتصاد البلدة نظراً إلى أنّ هذا الإخضرار ليس بيئياً وجمالياً فحسب بل منتجاً أيضاً، بالإضافة إلى انخراط معظم أبنائها في وظائف وأعمال في بيروت.
يشير خوري إلى أنّ اهتمام البلدية الرئيسي ينصبّ على حرج الصنوبر في بكاسين “عملناه شبه محمية بـ1996”. ومنذ ذلك الحين تزرع البلدية، وفق خوري نفسه، “5 آلاف شجرة صنوبر كل عام لتعوّض نحو مئة شجرة صنوبر معمرة يقتلعها انزلاق التربة الدائم في منطقة رملية كما تربة بكاسين والقرى المحيطة في قضاء جزين”. حتى أنّ بكاسين استحدثت مشتلاً لاستنبات شتول الصنوبر من الأكواز لضمان نجاح عملية زرع الصنوبر “لنحافظ على الحرج لأنه أم بكاسين: عنا شفيع بكاسين مارتقلا وعنّا حرج الصنوبر”.
تعتبر بكاسين نفسها محظوظة عندما عجزت جزين، صاحبة حرج الصنوبر بالأساس، عن دفع ضريبة الحرج للأتراك، وهي ما كان يُعرَف بالميرة. دفعت بكاسين ميرة الحرج وانتقلت ملكيته إليها. بعد حرج بكاسين يعتبر حرج الصنوبر في مشموشي جارتها ثاني أكبر حرج في المنطقة بمساحة مئة هكتار، يليه حرج بلدة قيتولا التي تتركز على مقلب جزين نحو الجنوب، وهو ما يبعد حرجها (حرج قيتولا) عن خطر الرطوبة التي ستأتي بها بحيرة السد وكذلك الإنزلاقات المتوقّعة في القضاء.
لكن اهتمام بلدية بكاسين ينصب على تطوير البلدة ومكانتها المميزة “اختارنا اللبنانيّون وفق استطلاع أجرته جريدة “لوريان لو جور” في العام 2018، البلدة المفضلة عندهم”، يقول خوري متباهياً بجمال بلدته. فبكاسين وفق ما يقول هي الوحيدة التي تفرز نفاياتها من المصدر، و”ما عنا مستوعبات نفايات بالطرقات، البلدية بتلم المفروزات من البيوت وهناك سلل للأوراق في الطرقات فقط”.
ولكن ألا تخاف بكاسين من مخاطر الزلزال التي يتحدثون عنها؟ يردّ الخوري بأنّ زلزال 1956 دمّر نصف بكاسين، وبعده تغيّر شكل الضيعة حيث كانت تتركز كلّها في الساحة أمام البلدية اليوم، وكان الناس يتنقلون على الأسطح ليزوروا بعضهم البعض للالتصاق الشديد للمنازل. لكنه لا يدخل في أي نقاش عن مخاطر السد.
وللحفاظ على الحرج، تعمل بلدية بكاسين على مد 12 كيلومتراً من قساطل المياه مع مآخذها للإطفائيات بالتعاون مع وزارة الطاقة تحسباً لوقوع الحرائق “لكي لا نترك النيران تأكل الصنوبر”. وللمناسبة وزارة الطاقة هي عرابة السد والمسؤولة عنه.
ورغم ارتباط بكاسين عضويا بالحرج، لم يسجل حتى الآن فيها أي موقف معارض لمشروع سد بسري. فلدى سؤال عدد من أبنائها عن مخاطر السد، يجيبون بإعلان الولاء لرئيس الجمهورية وتيّاره الوطني الحر. “المعارضين بيغاروا من (وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة ورئيس التيار الوطني الحر) باسيل، وبيرفضوا كل شي بيعمله”، يقول شاب وقف في ساحة البلدة التي كانت تتحضر للإحتفال بعيد شفيعها مار تقلا.
يذكر أن استملاكات مشروع سد بسري طالت عقارين بشكل جزئي في القرية وقد بلغت المساحة المستملكة 0.3 هكتار وهي تعادل 0.1% من مجموع الإستملاكات.
- نشر هذا المقال في العدد | 62 | كانون الثاني 2020، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه:
مرج بسري في قلب الإنتفاضة