نالت المدارس في بيروت حصتّها من أضرار انفجار 4 آب 2020، وزاد العبء عليها بخاصّة مع اقتراب موعد العام الدراسيّ الذي أجّله وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب إلى 12 تشرين الأوّل بعد أن كان في 28 أيلول الحاليّ. أصبحت هذه المدارس ومعها طلّابها وأساتذتها تواجه مشكلة أخرى، أضيفت إلى مشكلة انتشار فيروس كورونا الذي أدّى إلى فرض حالة التعليم عن بعد. فبحسب تصريح وزارة التربية لـ”المفكّرة القانونيّة”، تضرّرت 90 مدرسة رسميّة و75 مدرسة خاصّة موّزعة بين بيروت (الأشرفيّة وضواحيها تحديداً) وبين المتن (عدد قليل من المدارس). وبانتظار بداية العام الدراسيّ المبدئية في 12 تشرين الأول، ستقوم وزارة التربية بترميم وتصليح الأضرار في المدارس الرسميّة، فيما بدأت المدارس الخاصّة على نفقتها أو بفضل بعض المساعدات بتصليح أضرارها، علماً أنّ بعضها بدأ بالتعليم، ولكن عن بعد، وهذه المرّة بسبب أضرار انفجار المرفأ وسط وعود من الوزارة بإعانتها في العثور على مموّلين.
المدارس الرسميّة المتضرّرة تنتظر الترميم قبل بداية العام الدراسيّ
نشر المركز التربويّ للبحوث والإنماء جداول تبيّن عدد المدارس الواقعة في المناطق الأكثر تضرّراً والتي تبعد بين 1.5 و7.6 كلم عن موقع الانفجار، والتي تعرّضت بدورها لأضرار تفاوت حجمها. في بيروت 71 مدرسة رسميّة تقع في المنطقة الأكثر تضرّراً بين الأشرفية والرميل والجميزة والعدليّة ورأس النبع. أمّا في قضاء المتن الشماليّ، فـ21 مدرسة رسميّة تقع بين سنّ الفيل والنبعة وسد البوشرية وبرج حمود وانطلياس وجل الديب والزلقا والدكوانة. و21 مدرسة أيضاً تقع في نطاق بعبدا بين فرن الشباك والشياح والغبيري وبرج البراجنة.
تقول المهندسة في وزارة التربية مايا سماحة لـ”المفكّرة” إنّ عشر مدارس رسميّة، من أصل 90 مدرسة، تعرّضت لأضرار جسيمة وقد يستغرق ترميمها من 4 إلى 5 أشهر، لأنّ الأضرار طالت الجدران والأسقف ودمّرتها. أمّا باقي المدارس فالأضرار فيها متوسّطة إلى بسيطة وقد طالت زجاج النوافذ وبعض المعدّات، ومن المفترض أن تكون جاهزة قبل بداية العام الدراسيّ. وزارة التربية هي المشرفة على عمليّة الترميم والتصليح هذه، وهي تنسّق مع كلّ جهة مانحة ستقوم بدورها باستقدام مهندسين وبتنظيم مناقصات بإشراف الوزارة. وتبلغ الكلفة المتوقّعة لترميم وتصليح المدارس الرسمية، بحسب سماحة، 5 ملايين دولار، والخاصّة حوالي 15 مليون.
من المؤكّد، بحسب المهندسة سماحة، أنّ لا مدارس رسميّة مهدّدة بالانهيار، وأنّ المدارس الأكثر تضرّراً ستعود لتفتح أبوابها، ولحينها سوف تنقل الوزارة الطلّاب إلى مدرسة الأورغواي في الأشرفية أو مدارس رسميّة أخرى فيها صفوف إضافية غير شاغرة يمكن استخدامها مؤقتاً. وأشارت سماحة إلى أنّ عملية الترميم ستبدأ في المدارس الثانوية.
وتتعاون في عمليّة ترميم المدارس المتضرّرة جهات مانحة أجنبيّة من بينها منظّمة الأمم المتحدّة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، والسفارة السويسريّة في لبنان، ومنظّمة الأمم المتحدّة للطفولة (يونيسيف).
وقد كلّفت الأمم المتحدة اليونسكو بمهمّة تنسيق الاستجابة الدولية في مجال التعليم وقيادة جهود الشركاء والجهات المانحة لإعادة تأهيل المدارس. وأجرت المديرة العامّة للمنظمة أودري أزولاي، زيارة إلى بيروت في أواخر آب، هدفت إلى حشد المجتمع الدولي وجعل التعليم والثقافة والتراث الركائز الأساسية لجهود إعادة الإعمار. وشملت زيارتها جولة للاطّلاع على المدارس والمباني التاريخية في بيروت التي تضررت بشدة بسبب تفجير 4 آب.
المدارس الخاصّة: تعليم عن بعد بسبب الانفجار لا الكورونا
تقتصر مساعدة وزارة التربية للمدارس الخاصّة على السعي إلى تأمين مصادر تمويل لإعادة ترميمها وإصلاح الأضرار فيها، والتي قد تكون ذات كلفة عالية جداً لأنّ مباني بعض المدارس الخاصّة أقدم من المدارس الخاصّة. الوزارة ستسعى لتأمين التمويل وتحوّله إلى المدارس الخاصّة، ولكن حتّى الآن، نفت المدارس الخاصّة التي تواصلنا معها حصولها على أيّة مساعدة عبر الوزارة. وفي المقابل، تقول المهندسة سماحة إنّ بعض المدارس الخاصّة أمّنت مساعدات بسيطة، وتعمل وزارة التربية بالتعاون مع اليونسكو على تأمين مساعدات أخرى لها. وبحسب المركز التربويّ للبحوث والإنماء، تقع 400 مدرسة خاصّة تقريباً في المناطق الأكثر تضرّراً من انفجار المرفأ (بين 1.5 و7.6 من موقع الانفجار)، وتتوزّع بين بيروت والمتن الشمالي وبعبدا ويفوق أعداد الطلّاب فيها تلك التي في المدارس الرسميّة.
في الأشرفية، حيث العدد الأكبر للمدارس الخاصّة المتضرّرة من الانفجار، مدارس كبيرة تعرّضت لدمار في الأثاث والجدران، ولأضرار في الأبواب والشبابيك والألواح التفاعليّة وصالات التلفزيونات. في مدرسة سيّدة الناصرة في الأشرفية مثلاً، تعرّضت مبانيها الثمانية لأضرار جسيمة بحسب ما قالته الرئيسة الأخت ماجدة الفحيلي لـ”المفكّرة”. تشكو الإدارة من عدم تلّقي أيّ اتّصال من الهيئات المسؤولة “لا من ناحية تربويّة ولا من ناحية ماديّة”، بل اكتفت الوزارة، بحسب الفحيلي، بدعم المدارس الرسميّة: “كأنّه الدولة للمدارس العامّة فقط”.
تؤكّد رئيسة المدرسة التي بنيت قبل 150 عاماً، أنّها لا يمكن أن تبدأ التعليم بشكل يدمج بين الحضور إلى المدرسة والتعلّم عن بعد كما أوصى وزير التربية، بسبب أضرارها الحاليّة، والتي تحتاج إلى أكثر من مليون دولار أميركيّ لتصليحها. لذلك، بدأ العام الدراسيّ لطلّاب مدرسة سيدة الناصرة البالغ عددهم 1500 طالباً، بالتعلّم عن بعد، وتقوم المدرسة في الوقت نفسه بالاتفاق مع المهندسين وبطلب قرض من الرهبنة التي تتبع لها. تؤكّد الفحيلي أنّ التعلّم عن بعد سيستمرّ لحين الانتهاء من تصليح الأضرار، وبالتالي لن يحضر الطلاب بضعة أيّام إلى المدرسة كما أوصى الوزير.
في الجمّيزة، تعرّضت مدرسة القلب الأقدس ـ الفرير إلى دمار هائل كما وصفته الإدارة، بحيث أنّ بعض جدرانها وجدت في عقارات بعيدة نسبياً عن المدرسة. حالة المدرسة بمبناها المنشأ قبل 127 عاماً كانت “شي بخوّف وببكّي”. ورشة ترميم المدرسة مستمرّة على مدار النهار حتّى تتمكّن من استقبال بعض الطلّاب ليوم أو يومين في الأسبوع، خصوصاً طلّاب الشهادات الرسميّة، في صفوفهم، بناء على توصيات الوزارة. حالياً، تستمرّ المدرسة بمتابعة التعليم عن بعد لطلابها الذين يبلغ عددهم 1400 تقريباً، ولكن مع تحضير أفضل من السنة السابقة، وفقاً لما قالته الإدارة لـ”المفكّرة”.
كغيرها من المدارس الخاصّة، نفت “القلب الأقدس” حصولها على أيّة مساعدات من وزارة التربية حتّى الآن، في حين تقدّر كلفة الترميم والتصليح بأكثر من مليون دولار أميركيّ، بالرغم من زيارة معظم الوزارات وعدد من رجال الدين والسفراء للمدرسة “كونها عريقة ومعروفة”.
الجميع وعد بالمساعدة لكن بدون تنفيذ حتّى اللحظة الراهنة، أمّا أهالي الطلاب فقدّم بعضهم مساعدات فرديّة لدعم المدارس، ومنهم من توجّهوا إلى مدرسة أولادهم لنقل الرّدم “بالرّفش”.