مضت أكثر من أربع سنوات وعائلة ضحية الخطأ الطبي إيلا طنوس تنتظر حكماً قضائياً يُنصف ابنتهم التي بُترت أطرافها الأربعة جراء تشخيص خاطئ لحالتها. فالعائلة التي كانت تنتظر تاريخ 29 تشرين الأول بفارغ الصبر لإصدار الحكم، تفاجأت بقرار فتح المحاكمة من جديد جراء مذكرة تقدم بها المدعى عليه الطبيب ع. م. في مستشفى المعونات وتتضمن دراسة شبيهة لحالة إيلا في الولايات المتحدة، وتحيل 50 بالمئة من المسؤولية على مناعة الجسم.
قرار فتح المحاكمة أثار حفيظة العائلة التي أكدت أن الفحوصات المخبرية التي أُجريت للطفلة في مختبرات فرنسية تُثبت عدم وجود أي عارض وراثي ساهم في الضرر على الطفلة. واعتبرت من خلال منشور على صفحة إيلا على فايسبوك أن فتح المحاكمة يعود إلى “أسباب تضليلية” ومتسائلة أين “العدالة وأين مكافحة الفساد؟” لعدم قناعتها بما وصلت إليه القضية، فسرعان ما تنحى القاضي تقي الدين عن الملف، معتبراً أنه تم المس بكرامته.
للتذكير في قضية إيلا، فإن الطفلة لم تكن تجاوزت 9 أشهر من عمرها حين دخلت مستشفى سيدة المعونات في جبيل في شباط 2015 من جراء ارتفاع درجة الحرارة. شُخصت أولاً أنها مصابة بزكام، ثُم تدهور وضعها الصحي بعد نحو أسبوع، حتى أُصيبت ببكتيريا من نوع “group A streptococcus”. وترى العائلة أن الإهمال وخطأ التشخيص وإعطاء العلاجات الخاطئة أدى إلى تدهور حالة الطفلة، إلى أن أُصيبت بالصدمة الانتانية Septic Chock والتي أدت إلى غرغرينا نتج عنها عملية بتر أطرافها الأربعة. وكانت إيلا قد تنقلت بين مستشفيات سيدة المعونات في جبيل، وأوتيل ديو والجامعة الأميركية في بيروت، فادعت العائلة على المستشفيات الثلاث، وعلى ثلاثة أطباء.
فتح المحاكمة برره القاضي تقي الدين في قراره بتقدم الوكيل القانوني لطبيب مستشفى المعونات بمذكرة مرفقة بدراسة. وتأتي هذه الدراسة المقدمة بعد عامين من الجلسات أمام المحاكم والتي تخطت العشر جلسات، وقبلها انتظرت العائلة نحو عامين حتى صدور القرار الظني عن قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق.
وبحسب قرار فتح المحاكمة، فإن الدراسة المبرزة تتناول حالة طفلة شبيهة بحالة إيلا، وقد بترت أطرافها الأربعة في الولايات المتحدة. ويُدلي القرار بأن “الدراسة تشير إلى أن مناعة الجسم هي الأساس في مكافحة الصدمة الانتانية وأن المضادات الحيوية الكافية لا يمكن وحدها منع الصدمة الانتانية من الاستمرار”. وقد ذهبت الدراسة إلى تحديد مسؤولية “بخمسين بالمئة للمناعة الحيوية وخمسين بالمئة للمضادات الحيوية”. واعتبر القرار بأن “الدراسة المرفقة تثبت بشكل قاطع أن مأخذ الجهة المدعية ليس في محله الطبي والعلمي، وأن ما أبرزه من مقتطفات من الدراسة والمناقشات العلمية الطبية تثبت أنه لم يكن أي مسؤولية في التسبب ببتر أطراف الطفلة إيلا وأن السبب الحقيقي والعلمي هو وجود البكتيريا القاتلة”. وعلى هذا الأساس، اعتبر تقي الدين في قراراه أنه عملاً بمبدأ الشفهية والعلنية والوجاهية، يقتضي فتح المحاكمة ووضع المذكرة المقدمة من المدعى عليه الطبيب ع. م. قيد المناقشة العلنية، وحدد تاريخ 23 كانون الثاني 2020 موعداً لجلسة جديدة في القضية.
قرار القاضي تقي الدين أوقع العائلة بحالة صدمة واستغراب من ذهاب المحكمة إلى هذا المنحى. ففيما كانت العائلة عبرت على صفحة إيلا الفايسبوكية عن أملها بصدور حكم ينصفها، بعد
“4 سنوات ونصف مرت، امتهنت خلالها المستشفيات والأطباء جميع أنواع المماطلة والتأخير مراهنين على يأسنا وتعبنا لتمييع القضية وبالتالي تراجعنا وقبولنا بالتسوية للهروب من الحساب”، ما لبث أن تغير هذا الأمل في يوم إصدار قرار فتح المحاكمة. وعليه نشر طنوس تصريحاً جديداً أعلن فيه أنه “للأسف بعد 4 سنوات ونصف قرر القاضي المفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين فتح المحاكمة من جديد لأسباب تضليله في قضية إيلا … أين العدالة؟؟؟ وأين مكافحة الفساد!!! هذا برسم رئيس الجمهورية وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى”. وفي اليوم نفسه، أعلن القاضي تقي الدين تنحيه عن الملف، معيداً السبب إلى “الموقف الذي صدر عن المدعي والد الطفلة، والذي تعرض فيه لشخصي مباشرة بدلاً من اتخاذ موقف من المذكرة، جعلني أستشعر الحرج، بعدما اعتبرت أن المسألة طاولت كرامتي وخرجت عن المسار القضائي الواجب احترامه، فكان قرار التنحي هو الحل الأنسب في هذه الحالة، لا سيما وأن والد الطفلة ثابر على التعرض الشخصي في أكثر من موقع وفي فترة زمنية قصيرة جداً وبشكل يمس كرامتي الإنسانية والقضائية”، بحسب بيان أصدره القاضي تقي الدين.
ويؤكد طنوس في حديث للمفكرة أنه كان قد “تقدم بتاريخ 15 أيلول 2019 بمذكرة تتضمن صورة عن فحصوات مخبرية خضعت لها إيلا في فرنسا، وتُظهر عدم وجود أية عوارض وراثية لدى الطفلة يمكن أن يكون سبباً فيما أصيبت به، كما أن العائلة خضعت لفحوصات أثبتت عدم وجود أمراض وراثية لديها”. من هذا المنطلق، أبدى طنوس استغراباً شديداً من التذرع بأن “مناعة الجسم هي سبب بالضرر الذي حصل لابنته، بينما هناك فحوصات أثبتت العكس”.
كما يتسلح طنوس بالتقارير الطبية التي صيغت لأجل ملف إيلا، وهي: تقرير وزارة الصحة وتقرير د. أمين قزي اللذين أدانا مستشفى المعونات، والتقرير الثالث الذي تقدمت به اللجنة الطبية المكلفة من المحكمة، برئاسة النقيب د. شرف أبو شرف، والذي أدان المستشفيات الثلاث وثلاثة أطباء. وكان تقرير أبو شرف قد أحال الضرر الذي حصل للطفلة لعدة أسباب منها التأخر بإعطاء الطفلة المضادات الحيوية، وعدم إجراء الفحوصات الطبية اللازمة منذ البداية في مستشفى المعونات، مما تسبب بحدوث الصدمة الانتانية، ثم التأخر بتشخيص الحالة في مستشفى الجامعة الأميركية مما أدى إلى الوصول إلى غرغرينا في أطرافها الأربعة. بينما حمل مستشفى أوتيل ديو وطبيبها مسؤولية الامتناع عن الإغاثة.
أما لناحية تنحي القاضي تقي الدين عن الملف جراء ما كتبه طنوس على مواقع التواصل الاجتماعي، نفى الوالد وجود أي إهانة في كلامه على مواقع التواصل الاجتماعي لشخص القاضي، إنما عبّر عن أسفه لعدم إصدار الحكم، وبدلاً عن ذلك إعادة فتح الملف ما يُبشر بسنين أخرى من الجلسات في المحاكم.
لمتابعة مقالات ذات صلة في قضية إيلا:
قضيتا إيلا وصوفي تنتظران التقارير: لا آليات رقابة فاعلة على عمل المستشفيات
قضية الصغيرة إيلا على عتبة القرار الظني: سنتان من العناء والانتظار
قضية إيلا طنوس: القرار الظني صدر، والعائلة راضية
جلسة استجواب الأطباء في قضية الطفلة إيلا… روايات لا تلغي الضرر
تقارير طبية جديدة في قضية الطفلة إيلا طنوس: والدعوى تتجه لإكمال سنتها الرابعة
والدة إيلا طنوس تنفعل وتضعها على مكتب القاضي: انظروا بعين الإنسانية إلى ابنتي
تأجيل دعوى إيلا طنوس: تشديد على حضور شهود من اللجنة الطبية
“إيلا” و”صوفي” في معركة واحدة: مرافعة في قضية الخطأ الطبي
مرافعة مؤثرّة في قضية بتر أطراف الطفلة إيلا أمام محكمة بيروت: “ابنتي تقول إنها ستكبر وسيكون لها يدان ورجلان