في 3 أكتوبر، تم الإعلان عن اختفاء الصحفية بسمة مصطفى بعد مكالمة مع موقع المنصة الذي تعمل فيه، وذلك عند توجهها إلى محافظة الأقصر، أقصى صعيد مصر ، لكتابة قصة صحفية حول واقعة قتل المواطن عويس الراوي من قبل ضابط شرطة بحسب الرواية الشعبية.
ظهرت بسمة لاحقاً في نيابة أمن الدولة في القاهرة مساء السبت 3 أكتوبر ووجهت لها اتهامات نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وأمرت النيابة بحبسها 15 يومًا.
وفي ساعات متأخرة من مساء الاثنين 5 اكتوبر، أمر المستشار النائب العام بإخلاء سبيلها بكفالة قدرها 2000 جنيه“.
والجدير بالإشارة أن واقعة القبض على بسمة ليست الواقعة الأولى للقبض على صحفيين أثناء تأدية عملهم. فعلى سبيل المثال، تم القبض في 9 سبتمبر على الصحفي إسلام الكحلي أثناء تغطية الاحتجاجات التي شهدها حي المنيب بمحافظة الجيزة، عقب مقتل المواطن إسلام الإسترالي داخل قسم شرطة المنيب. ويواجه صحفي موقع درب، اتهامات في القضية رقم 855 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، بالانضمام لجماعة إرهابية ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.
الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، التي حضر محاميها جلسة التحقيق مع الكلحي، قالت إن المحامي طالب بإخلاء سبيل الكلحي بناء على الدستور المصري الذي حظر حبس الصحفيين بسبب تأدية عملهم وبالأخص أنه لا يوجد دليل إدانة ضده.
وانطلاقاً من تلك الحوادث، يلقي هذا المقال الضوء على المناخ الصحفي الحالي في مصر.
مصر.. مناخ صحفي مضطرب
القبض والتضيق على الصحفيين يأتي في مناخ صحفي مضطرب. فقد حجبت الدولة نحو 500 موقع منذ صيف 2017، منها مواقع مصرية محلية وأخرى عربية، بالتزامن مع إلصاق تهم نشر أخبار كاذبة طبقا للمادة 188 من قانون العقوبات، التي تنسب إلى الصحفيين تكدير السلم العام ونشر أخبار كاذبة.
وهي الاتهامات التي وصفها محمود كامل، عضو مجلس إدارة نقابة الصحفيين، عبر صفحته على “فيسبوك“ بأنها غير منطقية موضحا: “صحيح أننا عاجزون الآن عن رفع الظلم عن زملاء صحافيين محبوسين ظلما وقهرا دون اتهامات منطقية وحقيقية، لكن أبدا لن تسقط الجرائم في حق الصحافيين بالتقادم”.
وتصنف مصر من أسوأ الدول في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود. فقد جاءت مصر في 2020 في المركز رقم 166 عالميًا من أصل 179 دولة، وقد كانت في 2019 في المركز 163، وفي 2018 كانت في المركز 161.
صحفيون يتركون “مهنة المتاعب” خوفًا من السجن
التضيق الذي يمارس على الصحفيين جعل بعض ممارسي المهنة إلى تغيير مهنتهم، إذ يقول نادر باسم[1]، مصور صحفي، 26 عامًا، إنه لن يستطيع تحمل ساعة واحدة في الحجز، وإنه ترك العمل الصحفي واتجه إلى مجال الإعلانات. ويرى باسم، أن هناك رسالة يريد النظام أن يوجهها إلى الصحفيين أن الجميع قد يتعرض للحبس.
فيما يقول أحمد عبد الحميد[2]، 28 عامًا، إنه يسعى جاهدًا لتغيير الحقل الذي يعمل فيه، وتوجه إلى المحتوى الخدمي بدلاً من المحتوى السياسي والاجتماعي. ويشير إلى أن العمل الميداني يشكل خطراً على الصحفيين وأصبح شبح السجن يواجه الصحفيين بسبب مهنتهم وليس لمهاجمتهم النظام أو نشر معلومات معلومة أو كاذبة.
نقابة الصحفيين.. تضامن غير رسمي مع ممارسي المهنة
قال عمرو بدر3، منسق لجنة الحريات بنقابة الصحفيين المصريين، إنه يتفهم دوافع الخوف على الصحفيين بعد إعلان البعض العزوف عن العمل الصحفي الميداني خوفًا على أمنه، لكنه لا يستطيع أن يقول للصحف والمواقع أن تمنع العمل الميداني لأنه بذلك سيشارك في حصار الصحافة، موضحًا: “بالطبع العمل الصحفي أصبح به الكثير من المخاطر ومعظم الزملاء تم القبض عليهم أثناء العمل الميداني أو إجراء متابعات”.
يؤكد منسق لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، أن المناخ العام يحاصر الصحافة ويمنع الصحفيين من إجراء عملهم وله علاقة بحصار المهنة.
شهد شهر سبتمبر 2020 القبض على نحو 5 صحفيين، وجهت إليهم مجموعة اتهامات ثابتة، أبرزها نشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وأضيف اتهام بالانضمام إلى جماعة محظورة، يعلق على ذلك، كل تلك التهم مقصود منها ألا تكون التهمة الموجهة للصحفي متعلقة بعمله الصحفي، وأن يلصق به تهم تخوف المجتمع مثل تهم الإرهاب، والاتهامات تكون أمنية.
ويشرح بدر دور النقابة الذي يختصره في محورين: أولهما الدور النقابي ويكون عبر دعم الصحفيين والدفاع عن حرية المهنة والعمل الصحفي، أما الدور الثاني فيكون في الشق القانوني عبر الدفع بمحامي النقابة لحضور التحقيق مع الصحفي وإذا أمكن يحضر عضوٌ من المجلس التحقيق، إلا أن ذلك لا يحدث كثيراً. وذلك لأن النيابة والجهات الأمنية دائمًا ما تمنع عضو المجلس من الحضور وهو أمر غير قانوني، ولا يسع النقابة إلا الإعلان عن هذا التجاوز.
لم تصدر نقابة الصحفيين أي بيان يدافع عن الصحفيين أو يشجب القبض عليهم أثناء ممارسة عملهم، ويعود ذلك إلى المناخ العام، بحسب بدر، حيث إن المناخ العام في ذلك الوقت لا يساعد على خروج بيانات تضامن أو دعم حرية المهنة مثلما كان يحدث خلال السنوات الماضية.
خاتمة
يعاني الصحفيون في مصر من خوف متزايد بسبب الهجمات التي تمارسها أبواق السلطة تجاه كل من يسير عكس اتجاه صحافة رؤية الجهات الرسمية، إذ أن الحل الوحيد السلطة هو الحبس أو التضييق، في ظل تراجع الدور النقابي في الحفاظ على سلامة الصحفيين أثناء ممارستهم المهنة، حتى يصبح الصحفي خبرًا بعدما كان صانعًا للخبر.
[1] طبقاً لحديث أجراه الكاتب معه عبر تطبيق الفيسبوك بتاريخ 6 أكتوبر
[2] بناء على حديث تلفوني أجراه معه الكاتب بتاريخ 6 أكتوبر
3 بناء على حديث تلفوني أجراه معه الكاتب بتاريخ 6 أكتوبر