في 10 سبتمبر 2023، ضرب الساحل الشرقي لليبيا “إعصار دانيال” تمثل في أمطار غزيرة وفيضانات مفاجئة، أدّت إلى انهيار سدّين بالقرب من درنة وتدمير البنى التحتية الهشة في مدن عدة. وقد تسببت هذه الكارثة الطبيعية في مقتل 4,352 وفقدان أكثر من 8,000 شخص، أغلبهم في درنة. كما أدّى الفيضان إلى نزوح ما يقرب من 43,400 شخص والتأثير بنسبة أو أخرى على حياة مئات آلاف الآخرين. وبحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان حتى 30 سبتمبر 2023، فإن إجمالي 440 ألف امرأة تأثرت بالكارثة الإنسانية كما أن حوالي 230,000 من الأشخاص الذين كانوا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية هم نساء وفتيات في سنّ الإنجاب (15-49 عامًا)، ومن بينهن 24,000 امرأة كانت آنذاك تحتاج إلى خدمات الصحة الجنسية والإنجاب الأساسية والشاملة بما في ذلك الرعاية الطبية الطارئة الأساسية والشاملة للتوليد ورعاية الأطفال الرضّع.
سأحاول في هذه المقالة استعراض أهمّ التحديات التي ما زالت تواجهها النساء في المدن المتضررة كما سنتناول كيف يمكن أن تؤثر هذه التحديات على جهود التعافي، وما هي الإجراءات التي يجب اتّخاذها لتلبية احتياجات النساء المتضررات بشكل أفضل.
تفاقم التأثير: الآثار غير المتناسبة للكارثة على حياة النساء
ترتّبت على إعصار دانيال تأثيرات مدمّرة لحقت بحياة الجميع من دون تمييز، إلا أن تأثيرها يظهر بشكل أكثر وضوحًا على الفئات الأكثر تضرّرًا في المجتمع كالنساء والفتيات اللواتي يتحمّلن عبءًا أكبر أمام الكوارث الطبيعية والحروب واللامساواة.
– تحديات اقتصادية تواجه النساء
الكوارث الطبيعية كالفيضانات تفرض تحدّيات اقتصادية كبيرة على النساء، حيث يتعرّضن لفقدان الموارد الاقتصادية بشكل كبير. يشمل ذلك فقدان الوظائف وتلف المشروعات الصغيرة التي قد تديرها النساء، مما يؤثر سلباً على دخلهن. بالإضافة إلى ذلك، يزداد التحدّي عندما يتعلق الأمر بالتأمين والتمويل، حيث قد يكون من الصعب الحصول على تعويضات أو قروض للنساء لإعادة بناء حياتهن وأعمالهن. كما تزداد التحديات للنساء العازبات أو المسنّات اللاتي يعشن بمفردهن حيث يصعب عليهن تحمل عبء إعادة بناء الحياة الاقتصادية بدون دعم كاف.
كما أن من الآثار الاقتصادية المحتملة على النساء اللاتي فقدن المعيل أن يواجهن صعوبات هائلة في الحصول على مصدر رزق يلبي احتياجاتهن واحتياجات أطفالهن أو الأسر التي يعلنًها. ويعدّ الوضع أكثر تعقيدًا خلال فترات النزوح، حيث يفتقرن في كثير من الأحيان إلى المستندات الثبوتية اللازمة للوصول إلى الفرص الاقتصادية، حيث أن العديد من الوظائف تتطلّب تقديم مستندات هوية أو تحقق من الخلفية التعليمية والمهنية. وهو ما قد يكون صعبًا أو مستحيلاً للنساء اللاتي فقدن مستنداتهن أثناء النزوح حيث تعتبر هذه المشكلة عقبة تعيق قدرتهن على الحصول على فرص العمل. إضافة إلى ذلك، انشغال النساء اللواتي فقدن المعيل بأداء أدوار رعاية إضافية يقلل من وقتهن وجهودهن المتاحة للبحث عن فرص العمل، هذا الواقع يجعل من التحديات الاقتصادية أكثر تعقيدًا ويعرضهن لخطر العوز المالي.
– تحديات صحية
تعدّ المخاوف المتعلقة بالصحة والنظافة من التحديات الكبيرة التي تواجه النساء في أعقاب الفيضانات والكوارث الطبيعية، حيث إن انقطاع الوصول إلى الرعاية الصحية والإنجابية والمرافق الصحية وخدمات الأمومة تشكل تهديدًا كبيرًا خاصة أمام النساء الحوامل. وفي هذا السياق، يُشار إلى أن منظمات المجتمع المدني الليبية جهدتْ لتقديم المساعدة والإغاثة للنساء في المناطق المتضرّرة من الفيضانات. ويشار بشكل خاص إلى حملة “فزعة حواء“ التي تعدّ إحدى المبادرات الرائدة في هذا السياق، حيث تركز هذه الحملة على تقديم المساعدة للمدن التي تأثرت بالسيول والفيضانات في الشرق الليبي بشكل عام ومدينة درنة بشكل خاص وتم توجيه المساعدات بشكل خاص للنساء والفتيات.
وباعتبار أن هذه المخاوف تعتبر من التحديات التي تواجهها النساء، فإنه من الضروري في مجال الاستجابة لحالات الطوارئ إدراك أن لدى النساء احتياجات محدّدة تتعلّق بالرعاية الصحية والنظافة والسلامة. وفي هذا السياق، تشكّل مبادرات مثل إنشاء مساحات صديقة للمرأة، وضمان الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، وتوفير المرافق الصحية الكافية خطوات حاسمة نحو تعزيز استجابة أكثر شمولًا وفعاليّة لحالات الطوارئ.
أما في مجال الرعاية الصحية، فإن نقاط الخصوصيّة المرتبطة بالنساء، مثل الحاجة إلى الخصوصية والرعاية الصحية الإنجابية، تتطلب دراسة متأنية في تصميم وتخصيص ملاجئ الطوارئ لتجنّب المزيد من المخاطر خاصّة للنساء النازحات. كما قد يؤدّي الفشل في معالجة هذه المخاوف إلى تجنّب النساء الملاجئ، والمخاطرة بالتعرض لمزيد من الضرر، وتعريض احتياجاتهن الصحية للخطر.
في سياق تطوير البنية التحتية وجهود إعادة الإعمار، يعد إعطاء الأولوية للشمولية أمرًا حيويًا يجب على هذه الجهود أن تأخذ في اعتبارها الاحتياجات الفريدة للنساء وتكون مصممة بطريقة تضمن سلامتهن وخصوصيتهن، بالإضافة لتصميم المساحات العامة والمرافق الاجتماعية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الأدوار والمسؤوليات المتنوعة التي تلعبها النساء في أسرهن ومجتمعاتهن.
بشكل عام، يمكن لتكامل هذه العناصر في جهود إعادة الإعمار أن يحسن بشكل كبير جودة الحياة للنساء المتأثرات، مع التركيز على الشمولية وتلبية الاحتياجات الفردية والمجتمعية.
– تحديات نفسية
في سياق الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات تعتبر هذه الظروف القاسية مصدرًا للتوتر والضغوط النفسية مما يؤثر بشكل كبير على حالة الصحة النفسية للنساء حيث تواجه النساء الناجيات العديد من الإشكاليات والتحديات النفسية نتيجة للصدمة والفقد مع تأثيرات مثل القلق الزائد، والاكتئاب، واضطرابات النوم، وتصاعد مشاعر العزلة والخوف. كما أن الفقدان المفاجئ للممتلكات، والنزوح، وفقدان الأحباء يمكن أن يسبب آثارًا نفسية عميقة. تشير بعض التقارير إلى أن في الشهر الأول بعد الكارثة توفي 25 شخصًا جراء حالات الانتحار في مدينة درنة فقط. كما أن الصدمة قد تزيد من الضغوط النفسية بشكل كبير على النساء، خاصة اللواتي قد يحملن مسؤوليات إضافية في الرعاية الأسرية. هذه الأرقام تسلّط الضوء على أهميّة توفير دعم نفسيّ فعّال واستجابة سريعة للحاجات النفسيّة خلال فترة ما بعد الكارثة.
– العنف ضد المرأة والبحث عن سبل الحماية
تهديد العنف ضد النساء يشكل عاملاً حاسمًا آخر في التأثير المتباين بعد الكوارث الطبيعية على النساء، حيث أن الكوارث غالباً ما تفاقم الضغوط على المجتمعات المتضررة مما يزيد من خطر تصاعد العنف ضد النساء و الفتيات بشكل كبير.
كما أن نزوح الناس من مناطقهم بسبب الكوارث يؤدّي إلى نقص في المأوى والموارد كما أنه قد يؤدي إلى اكتظاظ الملاجئ مما يفاقم من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية ويزيد فرص حدوث النزاعات والاحتكاكات. وفي هذه الظروف تكون النساء وخاصة اللائي يعانين من ظروف ضعف اقتصادي أو اجتماعي عرضة لخطر العنف ضدّهن وخاصة العنف الأسري. وفقًا لصندوق الأمم المتحدة للسكان في ليبيا، إن الوصول إلى خدمات الوقاية من العنف ضد المرأة والاستجابة له في درنة وفي بقية المناطق المتضرّرة في الساحل الشرقي يعدّ محدودا نظرا لانقطاع الطرق، وتدمير مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات، كما أن النساء النازحات اللواتي يقمن في المدارس في حاجة ماسة إلى خدمات الرعاية الصحية الطارئة والصحة النفسية.
مشاركة النساء في صنع القرار
تشكل مشاركة النساء في صنع القرارات تحدّيًا رئيسيًا يواجه النساء خاصةً في سياق الاستجابة للكوارث، حيث يعتبر التصوّر النمطيّ للأدوار التقليدية للنساء عائقًا يقيّد حركة المرأة في الفضاء العام ويقلّل من فرصها للمشاركة الفعّالة في صنع القرار. ومن الملاحظ أن مشاركة المرأة في اللجان الحكومية المشكلة للاستجابة لكارثة دانيال ما زالت محدودة أو غائية، على الرغم مع المشاركة الواضحة والفعّالة التي تظهرها النساء في المبادرات المدنية وفرق المساعدات الإنسانية.
يبرز هنا مدى أهمية مشاركة النساء في عمليات اتخاذ القرار أثناء التعامل مع الفيضانات وخلال مرحلة الاستجابة والتعافي ضرورية لعدة أسباب، وبخاصة أن النساء يتأثرن غالبًا بشكل غير متساوٍ خلال الكوارث وغالبا ما يتم تجاهل احتياجاتهن في عملية اتخاذ القرار. وقد أظهرت الدراسات أن من شأن مشاركة النساء في إدارة مخاطر الكوارث أن تؤدّي إلى نتائج أكثر عدالة وتعزيز استعداد أفضل للكوارث.
خلاصة:
يُعَدّ فقدان البنية التحتية والوسائل الطبية تحديًا كبيرًا، مما يزيد من مخاطر تفاقم الحالات الصحية للنساء وتعريضهن للمزيد من الأمراض والضغوط النفسية، وتفاقم العنف ضد المرأة أيضا الإقصاء من لجان وآليات صنع القرار, كما يتسبّب الفقدان في مصادر الرزق والوظائف في تفاقم الحالة الاقتصادية للنساء، خاصة اللاتي فقدن معيلِهن. تصبح التحديات المالية والصعوبات في الحصول على فرص عمل ملحة، مما يزيد من حدة الفقر ويؤثر سلبًا على قدرتهن على تلبية احتياجاتهن الأساسية واحتياجات أسرهن.
بالنظر إلى هذه الآثار ولضمان استجابة مراعية لقضايا النساء في جميع مراحل الاستجابة اللازمة وعمليات التعافي في المدن المتضررة، يتوجب تفعيل التوصيات التالية:
لتضمين أولويات النساء في الاستجابة والتعافي، يجب تكامل قضاياهن في جميع جوانب استجابة الطوارئ وخطط التعافي. يتطلب ذلك التوعية المستمرة حول أهمية حماية النساء وتلبية احتياجاتهن بشكل فعّال في مرحلة الطوارئ.
لتحسين خدمات الرعاية الصحية، ينبغي ضمان وصول النساء إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية الإنجابية، وتوفير مرافق صحية متنقلة لتعزيز توسيع نطاق الخدمات في المناطق المتضررة.
في سياق الصحة النفسية والدّعم النفسي، ينبغي توفير دعم نفسي فعّال مع التركيز على توفير مساحات آمنة للتحدث وجلسات الدعم النفسي الفوري و تجهيز فرق لتقديم الدعم النفسي للنساء و يُشدد على أهمية تقديم جلسات استشارية فردية أو جماعية للتعامل مع الصدمة والضغوط النفسية.
لحماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، يتعين تطبيق سياسات حماية في أماكن النزوح والمناطق المتضررة، وتشجيع الإبلاغ عن حالات العنف وتقديم الدعم اللازم للناجيات.
في سياق برامج تمكين اقتصادي، يُنصح بإطلاق برامج مخصصة للنساء مع تقديم دعم مالي لإعادة بناء حياتهن وتوفير فرص العمل والتمويل لتعزيز الاستقلال الاقتصادي.
بالنسبة لتأمين المأوى الآمن، يُنصح بتوفير مأوى آمن للنساء المتضرّرات مع مراعاة خصوصيّتهن واحتياجاتهن، بالإضافة إلى إنشاء مساحات آمنة للنساء الناجيات من العنف لتحقيق التعافي النفسي.
في سياق إشراك النساء في صنع القرار، يُفضل تعزيز تمثيل النساء في هياكل الحوكمة ولجان التخطيط وصناديق إعادة الإعمار، بالإضافة إلى إشراك النساء في عمليات اتخاذ القرار على المستوى المحلي والوطني لضمان تمثيلهن الفعّال.
أخيرًا، في سياق برامج التدريب والتوعية، يُنصح بتسهيل برامج التدريب للمستجيبين لحالات الطوارئ والمسؤولين الحكوميين حول الاستجابة للكوارث، مع تشجيع مشاركة النساء في دورات التدريب لتعزيز قدراتهن في صنع القرار والمشاركة الفعّالة.