لم تنته بعد قضية استوديو فيزيون، وهي الشركة المتهمة بالتخابر الدولي غير الشرعي بادعاء من النيابة العامة المالية بتاريخ 16 أيلول 2016 بارتكاب جرائم التعدي على شبكات الهاتف وهدر المال العام. وكنت المحكمة الجزائية في المتن أصدرت في 5 شباط 2018 حكماً بكف التعقبات عن الشركة ورئيس مجلس إدارتها ميشال غبريال المر، وقد ترك الحكم تساؤلات حول سبب صرف النظر عن مزيد من التحقيق على الرغم من الغموض الذي يعتري الملف. وتلا ذاك القرار، استئناف تقدمت به المدعية الدولة اللبنانية (وزارة الاتصالات) ممثلة بهيئة القضايا في وزارة العدل، كذا واستئناف من النيابة العامة المالية أمام محكمة استئناف الجزاء في المتن. وبعد عقد ثلاث جلسات أمام محكمة الاستئناف إحداها خصصت للمرافعة، أصدر قاضي استئناف الجزاء فيصل حيدر، في 27 كانون الأول 2018، قرارا فتح من خلاله المحاكمة في قضية التخابر غير الشرعي مع تعيين لجنة خبراء في الاتصالات ودعوة الفرقاء مجدداً. وقد أمهل القرار لجنة الخبراء ثلاثة أشهر لوضع تقريرها وعين جلسة بتاريخ 3 نيسان 2019.

أمس عُقدت الجلسة المخصصة لاستلام تقارير الخبراء (تاريخ 3 نيسان 2019) أمام محكمة استئناف الجزاء برئاسة القاضي فيصل حيدر، حضرها وكيل المر المحامي غسان زيدان، فيما تغيب المر عن الجلسة لعدم تمكنه من المثول لأسباب شخصية، بحسب وكيله. كما غاب عن الجلسة محامي الدولة مصطفى قبلان، وحضر ممثل عنه ليُشير إلى المحكمة بأن “قبلان لا يمكنه المثول بسبب تأخر صدور مرسوم تعيينات محامي الدولة”. كذا، وبسبب تأخر ورود تقارير الخبراء أرجأ القاضي حيدر الجلسة إلى 9 تشرين الأول 2019، وشدد على حضور المر باعتباره مبلغاً بواسطة محاميه.

من جهته، يوضح قبلان للمفكرة أن “مراسيم تعيينات المحامين يتم تجديدها كل عامين، ونحن قمنا بتوقيع العقود على أن يتم إصدار المراسيم في المرحلة المقبلة، وبعدها نتمكن من متابعة ملف استوديو فيزيون”.

 

الدعوى غير جاهزة للحكم

بالعودة إلى القرار الإعدادي الذي أصدره القاضي حيدر في 27 كانون الأول 2018، المؤلف من ثلاث صفحات، يوضح في مستهله بأن “الدعوى بحالتها الراهنة غير جاهزة للحكم النهائي بعد، بحيث يقتضي تعيين لجنة خبراء في مجال الاتصالات”. وذلك يتطلب من الخبراء بحسب القرار “بيان الطريقة التي يمكن أن تعتمد من قبل أي كان من أجل تحويل الاتصالات الدولية الثابتة إلى شبكة الإنترنت وربطها بالهاتف العادي لإنجاز عملية التخابر الدولي غير الشرعي، وبيان ما إذا كان من الممكن كشف تلك العملية، وتحديد الطريقة أو الطرق الواجب إتباعها أو الوسائل أو الآلات أو المعدات التي يمكن استعمالها لكشف عملية التخابر الدولي غير الشرعي”. كذا، يُشار إلى أن القرار طلب من الخبراء “الاطلاع على حركة التخابر المتعلقة بالهاتف رقم 04/526000 العائد لـ “استوديو فيزيون” بصورة مفصلة ودقيقة والاطلاع على هوية وصفة الأشخاص الذين شملتهم الاتصالات الصادرة عن هذا الرقم، وذلك منذ تاريخ استحصال الشركة المدعى عليها على هذا الرقم بتاريخ 29/8/2012 ولغاية شهر نيسان من العام 2016…”. وهنا يشير القرار إلى الخبراء بضرورة مقارنة حركة اتصالات الشركة في تلك المدة الزمنية مع شركات أخرى، وتبيان إن كان قد حصلت هذه الحالة مع أرقام هاتفية أخرى. هذا وإضافة إلى طلبات أخرى وجهتها المحكمة إلى لجنة الخبراء، وتلك تتعلق بمسائلة شركات الإحصاء التي تعاقدت مع استوديو فيزيون، وأخرى بعدد موظفي الأخيرة وطريقة استخدامهم لهواتف الشركة، وأخيراً تحديد الأضرار في حال تبين أن الشركة المدعى عليها قامت بالتخابر الدولي غير الشرعي.

خطوة القاضي حيدر تُشكل تحولاً لافتاً لتوجه القضاء مقارنة مع حكم المحكمة الجزائية. على سبيل المقارنة، فإن إعادة فتح المحاكمة وتعيين لجنة خبراء مستقلة وحده خطوة متقدمة لمحكمة الاستئناف، عوضاً عما فعلته المحكمة الجزائية حين اكتفت بإفادة خبراء أوجيرو والذين يعدون طرفاً في هذا النزاع أي من طرف الجهة المدعية الدولة اللبنانية. ويُذكر أن المحكمة الجزائية كانت قد اكتفت بتفسير عملية التخابر غير الشرعي في حكمها بمعلومات استمدتها من موقع ويكيبيديا. إلا أن محكمة الاستئناف طلبت خبيراً ليفسر هذا الأمر.

قد يتيح فتح المحاكمة المساءلة من جديد حول بعض الغموض التي اعترى الملف، خاصة لناحية التعويضات التي تطالب بها الدولة اللبنانية التي كانت مقدرة بأساس الدعوى ب 90 مليار ليرة خلال ولاية وزير الاتصالات السابق بطرس حرب، وخفضتها في ولاية وزير الاتصالات جمال الجراح إلى نحو 5 مليارات ليرة. كذا، تتيح التوقع من المحكمة إيجاد تبرير لناحية ادعاءات الشركة المدعى عليها لتبرير وتيرة الاتصالات العالية، حيث ردت الأمر إلى عمليات إحصاء وإلى اتصالات شخصية يقوم بها الموظفون بصورة حرة، وذلك على مدار الساعة.

والوقوف عند هاتين الملاحظتين يردنا إلى حكم المحكمة الجزائية التي استخدمت الملاحظة الأولى لإضعاف جدية الادعاء فردت جميع المطالب المدنية، أما الملاحظة الثانية فقد استخدمتها لحصر القضية في دائرة الشك دون بذل الجهد لأجل تبديد الحقيقة لعدم كفاية الدليل. والجدير ذكره، أنه تناوب قاضيان على ملف استوديو فيزوين في محكمة القاضي المنفرد الجزائي. الأول القاضي ربيع معلوف الذي انتقل إلى محكمة الجنايات في بيروت على إثر التشكيلات القضائية، وتم تعيين القاضي منصور القاعي بديلاً عنه، وهو الذي اكتفى بالتحقيقات التي أجراها معلوف وتوجه إلى المرافعة في أول جلسة ترأس فيها ملف استوديو فيزيون، من ثم أصدر الحكم وأعلن كف التعقبات بحق المر وشركته. واعتبر قرار القاضي القاعي حينها أنه لا يمكن إثبات تورط الشركة بالتخابر غير الشرعي، لافتاً إلى تجنب الدولة اللبنانية مداهمة الشركة عندما رجحت قيامها بالتخابر غير الشرعي لإثبات التهمة عليها بالجرم المشهود.

 

لمتابعة أبرز المحطات التي حضرت فيها المفكرة القانونية في جلسات محاكم “ستوديو فيزيون” أمام القاضي المنفرد الجزائي، راجع المقالات السابقة على هذه الروابط: