“
يشكل هذا المقال الحلقة الثالثة من سلسلة من المقالات التي أشرفت على صياغتها “المفكرة” بمناسبة حراك أساتذة الجامعة اللبنانية وطلابها في 2019، وذلك من منطلقها دعمها لأي جهد يرمي إلى تطوير الجامعة وتعزيز استقلاليتها. هذا المقال يتناول الظروف التي رافقت إخماد الحراك، على أمل أن يستعيد الحراك حيويته وقدرته على صنع مستقبل مختلف عن الحاضر. للاطلاع على الحلقتين السابقتين، يراجع حراك أساتذة وطلاب الجامعة اللبنانية، بين عوائق الأمس وفرص اليوم و الجامعة اللبنانية من خلال مطالب أساتذتها: قراءة أولية (المحرر).
لم تخجل السلطة من إطلاق العنان لأساليب قمع مختلفة بوجه حراكات مطلبية شهدها لبنان في الأعوام الأخيرة، من استعمال العنف ضد معتصمين واعتقالات تعسفية إلى ملاحقات قانونية ضدّ ناشطين لا نزال نتابع تطوراتها حتى اليوم. إلا أنها أظهرت أيضاً قدرتها على تفعيل آليات أُخرى، ظاهرها غير قمعي، لإخماد بعض الحراكات، وذلك من خلال استثمار هيمنتها على مختلف المؤسسات العامة والنقابية والإعلامية بعد الحرب. وسمحت هذه الآليات بالقضاء على الحراكات أو على الأقل تحجيمها، وذلك بالتضليل والتشتيت والعزل، كما برزت قدرتها على التحكّم بطرق تأطير صورة الحراكات والتشويش على سرديتها، بغية تشويه أهدافها أمام الرأي العام. ويُظهِر حراك الأساتذة والطلاب التي شهدته الجامعة اللبنانية عام 2019 بعض جوانب هذه الآليات التي تُجَنِّب السلطة عناء القمع، المكلف سياسيا ورمزيا، مع الحفاظ على أغلب نتائجه السياسية.
تشتيت الحراك لإضعاف قواه
ما ما أعلنت رابطة المتفرغين الإضراب المفتوح في 6 أيار 2019 وبدأ يتبلور حراك الجامعة اللبنانية، حتى باشرت السلطة في تفعيل هيمنتها على أعضاء الجامعة على مختلف المستويات، بغية إضعافه.
سلاح المحسوبية السياسية
حتى قبل تدخّل السلطة المباشر في هذه السنة، كانت مصالح أساتذة الجامعة اللبنانية مبعثرةً مع تبعثر أصحابها بين فئات منفصلة تتميز بعلاقات ضعيفة أو إشكالية بينها ولها أوضاع وأولويات ومصالح متباينة. ومن هذه الفئات، فئة الأساتذة المتعاقدين التي تختلف تماما عن فئتي المتفرّغين من خارج الملاك أو من داخله وأيضا عن فئة المتقاعدين. وأتى سلاح المحسوبية ليعقّد أكثر مهمة الأساتذة والطلاب التوحيدية. فبعدما أعلنت رابطة الأساتذة المتفرّغين الإضراب المفتوح، عمدت المكاتب التربوية التابعة لأحزاب السلطة إلى الضغط على الأساتذة المنتمين إليها أو المحسوبين عليها[1] (أي معظم الأساتذة) لوقف الإضراب.[2] فإضافة إلى التحدي المتمثّل بتوحيد المصالح والجهود بين مختلف الفئات، أوجدت الأحزاب بهذه الطريقة تحديا إضافيا بالنسبة للأساتذة وهو الحفاظ على الوحدة بوجه الضغوط لدى اتّخاذ القرارات وتطبيقها (مثل التأكد أن جميع الأساتذة لن يلتزموا بقرار فكّ الإضراب الّذي اتّخذ تحت ضغوطات حزبية).
كما ضغطت الأحزاب على ممثّليها والأعضاء المحسوبين عليها في الهيئة التنفيذية ومجلس المندوبين. فمع صدور قرار الهيئة التنفيذية بتعليق الإضراب، مورست ضغوط على أعضاء مجلس المندوبين ليمتنعوا عن نقض قرار الهيئة، ووصلت جهود الأحزاب إلى حدّ إغلاق مقرّ رابطة المتفرغين بوجه الإجتماع الذي دعا إليه عدد من المندوبين لنقض القرار. وتمّ بالتالي افتعال فجوة بين قاعدة الحراك ومجلس المندوبين والهيئة التنفيذية، ما ساهم أوّلاً بعزل المشاركين في الحراك عن ممثليهم لدى السلطة، وثانياً إلى تقسيمات عامودية في الحراك بين مختلف مستويات هيكلية الرابطة مما زعزع شرعية الحراك. وثالثاً، أدى عزل القيادة عن القاعدة إلى تشتّت مطالب ومجموعات الحراك ما بين مطالب وإعتصامات موجّهة إلى قيادة الرابطة وأخرى موجّهة للسلطة، ما عرقل أيضا توحيد الجهود بوجه السلطة لنيل المطالب.
تحريض مجالس الفروع وتشويه صورة الحركة الطلابية
من أهمّ العوائق أمام بروز حراك شامل في الجامعة اللبنانية هو ضعف العلاقة بين الأساتذة والطلاب بشكل عام بعد الحرب. وقد أقدمت السلطة على اللعب على هذا الوتّر بالذات لإخماد حراك هذه السنة. فبعد مرور حوالي أسبوعين على إعلان الرابطة الإضراب المفتوح وظهور “تكتل الطلاب” وانضمامهم مع الأندية المستقلة إلى الحراك، بدأ تحرك مجالس الفروع الحزبية (التي فقدت شرعيّتها التمثيلية منذ تعليق الانتخابات الطلابية عام 2008 وأصبحت قيادتها تتغير فقط عبر الإرادة الحزبية) ضدّ الأساتذة، إذ ضغطت لفكّ الإضراب وذلك بعد إجماع بين القوى الشبابية التابعة لكافة الأحزاب.[3] فنظّمت هذه المجالس بعض الإعتصامات في مجمّعات طرابلس، الحدث، والفنار تحت شعار “الحقّ بالعودة” إلى الصف. كما اعتمدت خطابا موجّها حصراً للأساتذة (بدل السلطة)، طالبين منهم فكّ الإضراب خوفاً على السنة الدراسية.[4] وبالإضافة إلى الطلاب الحزبيّين، شارك في هذه الاعتصامات المعارضة للإضراب بعض الطلاب غير المسيّسين أو المنتمين لأي حزب سياسي، بحيث “بطّلوا فاهمين شو المطالب” ويريدون فقط العودة إلى الصف واستكمال العام الدراسي.[5] فصرّحت مثلا طالبات يعتبرن أنفسهن غير مسيّسات لـ “المفكرة” خلال إعتصامٍ للمجالس الطلابية أنهن لا يثقن ولا يدعمن هذه المجالس ولكن يتّفقن معها فقط على الحاجة لفكّ إضراب الأساتذة والعودة إلى الصف.[6] ونرى هنا كيف صبّت “اللاسياسية” لصالح مصلحة مجالس الفروع السياسية بإخماد الإضراب، أي لصالح السلطة. وكان قد انضمّ إلى اعتصام مجمّع الحدث رئيس الجامعة د. فؤاد أيوب[7] من ضمن محاولة لإعطاء شرعية لخطاب الطلاب الحزبيين، وهو ما يشكل دليلا إضافيا على التماهي بين السلطة الجامعية-السياسية والمجالس الطلابية الحزبية. ومن اللافت أن مجالس الفروع هذه لم تتفق بهذا الشكل في السابق، ولم تعتصم من أجل مطالب طلابية بعضها ملحّ، مثل المختبرات أو المباني أو حاجات طلابية أخرى.[8]
وتجاوزت الضغوط من قبل المجالس والطلاب الحزبيّين مسألة الاعتصامات في المجمّعات لتتجلّى أيضاً على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي. فأفاد بعض المتفرغين ل”المفكرة” أن عددا من طلاب الأحزاب عبّروا عن مواقفهم الرافضة للإضراب ورغبتهم بالعودة إلى الصف عبر تعليقات على بوستات أساتذة ناشطين على الفيسبوك، وذلك بطريقة وصفها المتفرغون ك”غير لائقة” أو “خالية من الأدب”. كما عمد ممثّلو المجالس على لعب دور الرقيب على ما يتم تداوله ومناقشته من قبل الأساتذة والطلاب على مجموعات الواتساب الخاصة بكلّ صفّ، علماً أن هذه المجموعات تشكّل منصة أساسية للتواصل بين أفراد جامعة مفرّعة ومبعثرة تفتقر إلى آليات التواصل بين أعضائها. وقد عممت المجالس قرارا موجها لممثّلي الصفوف بإزالة الأساتذة من مجموعات الوتساب، وذلك لعرقلة تبادل الأفكار والتعليقات بين بعض الأساتذة المضربين والطلاب. وكان الأساتذة قبل ذلك يجيبون من ضمن هذه المجموعات على أسئلة الطلاب لتهدئة مخاوفهم، كما كانت التسجيلات الصوتية لبعض لأساتذة المضربين تنتشر من مجموعة إلى أخرى. وفي بعض مجموعات الواتساب الطلابية، كان يُقدِم الممثلون (المنتمون لأحزاب السلطة) على تغيير إعدادات المجموعة بطريقة تحصر إمكانية إرسال النصوص بهم فقط (admins only)، مانعين بالتالي الطلاب الموالين للحراك من مشاركة آرائهم مع زملائهم.[9] كما سُجِّلت بعض الحالات التي اتّصل فيها ممثّلو الصفوف بالطلاب الناشطين في تنظيم الإعتصامات الطلابية، طالبين منهم الإمتناع عن دعوة زملائهم[10]، مما عرقل التواصل بين الطلاب بهدف التحرك. وتجدر الإشارة أيضاً إلى ضغوطات غير مباشرة مارسها الطلاب الحزبيون لإزالة خيم إعتصام طلابية موالية للإضراب في أحد المجمّعات.[11] وساهمت جميع هذه الضغوطات بتضليل الطلاب غير المطّلعين على مستجدات وتفاصيل الحراك، ما زاد الإنقسام فيما بين الطلاب وفيما بينهم وبين أساتذتهم على حد سواء.
انقلاب إدارة الجامعة ضدّ الحراك: الهرمية تتحرك
ومن بين مظاهر التشتيت التي أصابت الحراك، تجلّت أيضا معارضة إدارة الجامعة (التي لم تُستثنَ عملية تعيين أعضائها من المحسوبية السياسية ونظام المحاصصة[12]) للحراك بمطالبة رئيس الجامعة المتكررة الرابطة بفكّ الإضراب والعودة إلى التدريس. ولمّا أعلنت الهيئة التنفيذية فكّ الإضراب تحت الضغط في 15/6/2019 وعدم إعتراف الأساتذة بشرعية هذا القرار، أصدر رئيس الجامعة مذكرة إدارية[13] اعتبرها الأساتذة تهديدا مبطنا لإرغامهم على التخلي عن الإضراب. ونتج عن ذلك تنظيم اعتصام أمام الإدارة المركزية احتجاجاّ على هذا “التهديد” الذي يعزل أعضاء الحراك عن إدارة مؤسستهم. كما يمكن الإشارة أيضاً إلى رفض بعض مدراء الكليات إعطاء إذن لطلّابها المشاركين بالحراك لعقد نشاطات كندوات تهدف للإضاءة على أهدافه.[14]وقد خلقت السلطة بهذه الطريقة جبهة داخلية إضافية جديدة فُرِضت على الأساتذة، بالإضافة لكل الجبهات الأخرى، ما أضعف في النهاية قدرتهم على مواجهة السلطة السياسية مباشرة وبشكل فعال.
معركة السرديات لفرض معنى للإضراب
اختلفت سرديّات “مشكلة” الجامعة اللبنانية وتعريفها وتقييمها ما بين السلطة وأذرعها (الأحزاب ومكاتبها التربوية ومجالسها الطلابية) من جهة والمشاركين في الحراك من جهة أخرى.
فحاولت السلطة تصوير الحراك كحادثة آنية وكردّة فعل محدودة وأنانية إزاء سياسات التقشف المعتمدة منها وهي سياسات ضرورية ومسؤولة تطال موازنة الجامعة تماما كما تطال غالبية موازنات الإدارات العامة. وقد عمدت السلطة تبعا لذلك إلى تصغير أهداف الأساتذة لربطها فقط بمقتضيات “جيوبهم” وسعيهم لمنع المس بأي من “امتيازاتهم” (يلحظ أن الامتياز يحل محل تعبير الحق). بالمقابل، يؤكد خطاب السلطة والمحيطين بها أن مصير الجامعة اللبنانية ليس بخطر، كما أفاد رئيس الجامعة للمعتصمين في مبنى الإدارة المركزية. ، بل أن ممثلي الأحزاب الحاكمة في الجامعة ذهبوا إلى حد تصوير الأساتذة المشاركين في الإضراب كأفراد يسعون إلى تحقيق مصالحهم على حساب الطلاب الذين باتت سنتهم الدراسية بخطر. وهذا ما نستشفه مثلا في خطاب ممثل أحد الأحزاب في اعتصام طلّابي في مجمّع الفنار، حيث تمّ التركيز على خوف الطلاب على سنتهم الدراسية والأضرار التي يسببها لهم الإضراب، بشكل يظهر الطلاب ك”رهينة” الأساتذة، ويظهر “الرأي العام الطلابي” رأيا عاما موحدا في معارضة هذا الإضراب. ووصل خطاب الضحية هذا في الاعتصام نفسه إلى حد الإشارة إلى “الحق في التعليم” الذي ينصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بشكل يحمّل الأساتذة مسؤولية “انتهاكه”. كما صور الطلاب المشاركون في الإضراب، في سردية السلطة وأعوانها كطلاب “ما بدهم يدرسوا”، بعكس الطلاب “الواعيين والجدّيين” الّذين عارضوا الإضراب.[15]
على المقلب الآخر، سعت رابطة المتفرغين والأساتذة والطلاب الحلفاء لها، إظهار حراكهم كحراك نضالي للجامعة ككل للحدّ من تدميرها، ووضعه في سياق تاريخ حافل بالحراكات المطلبية لتقوية الجامعة كصرح وطني، بوجه مقاربة السلطة التهميشية للجامعة منذ نشأتها. وتجلّت هذه السرديّة برفع صور “شهيد الجامعة اللبنانية” فرج الله حنين[16] خلال الإعتصامات الطلابية، وبروز اهتمام ملحوظ بتاريخ الجامعة وحراكاتها الماضية، وحتى عبر إعادة إحياء نشيد الجامعة الذي لم يكن معظم الطلاب يعلم بوجوده.
بهذه الطريقة، ولّد تضارب السرديات حول الحراك تصورات مختلفة، ليس فقط فيما يخصّ طبيعته، بل أيضاً من جهة المشاركين فيه من صفوف الأساتذة والطلاب.
الإعلام: ساحة معركة السرديات المتناقضة
تجلّت معركة تأطير الحراك في خطابات من الجانبين، وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، ومجموعات الواتساب. إلا أن الإعلام شكّل أهمّ ساحة مواجهة رمزية بين السرديات هذه. ففي المراحل الأولى للحراك، كانت التغطية الإعلامية ضعيفة بشكل عام، فلم يتم تكريس إهتمام “كاف” للحراك.[17] لكن بعدما فرض الحراك نفسه في الإعلام (بعد مظاهرة 24 أيار الحاشدة في ساحة رياض الصلح[18])، بدأت فعليا معركة السرديّات في الإعلام في مسعى لكلا الطرفين إلى التأثير في الرأي العام. وبينما اعتمدت بعض الصحف القليلة تأطير أهل الحراك وسرديّتهم للقضية، طغت سردية السلطة على معظم وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الأحزاب. عمدت هذه المؤسسات الإعلامية إلى التركيز على بعض جوانب الحراك التي تصبّ في خدمة سرديّة السلطة لدى تصوير هذا الحراك للرأي العام. وفي بعض الحالات، نُشِرت معلومات خاطئة عن طبيعة المشكلة ومسار الحراك، كان قد روّج لها أهل السلطة وقد اعتبرها الحراكيون محاولةً لتشويه حراكهم. على سبيل المثال، صرّح وزير شؤون المهجرين غسان عطالله في مقالة أنه “مع أخذ قرار أقسى بكثير مما قد تتخذه الدولة لقطاع يصل فيه راتب الأستاذ الجامعي إلى 17 مليون ليرة، وبدوام لا يتخطى الأربع ساعات في الأسبوع”[19] فيما يصل حقيقةً راتب الأستاذ إلى 8,425 ملايين ل.ل. كحد أقصى بحسب قانون رقم 206 الصادر في 5 آذار 2012، وساعات دوامهم هي سبع ساعات بالأسبوع على الأقل (وذلك دون احتساب الساعات اللازمة لتحضير المحاضرات التي يتلقاها الطلاب، لإنجاز الأبحاث…).[20] بحسب أحد الطلاب الحراكيين “وصل التشويه إلى حد تصوير مظاهرة طلابية موالية للإضراب وكأنها معارضة له”[21]، أو “تظهير مؤتمر صحفي طلابي (بحضور عدد محدود من الطلاب) على أنه اعتصام فاشل لإظهار أن القوى الطلابية المساندة للإضراب ضعيفة”.[22]
كما تجلّى في الإعلام تعارض بين “حقائق” كل من السرديّات المتنافسة. فصرّح مثلا وزيرا التربية أكرم شهيّب والمال علي حسن خليل للإعلام أن ما تم تداوله عن خفض موازنة الجامعة هو مجرد إشاعات[23]، بينما كان الأساتذة يؤكّدون نية السلطة بتخفيض موازنة الجامعة. ومثال آخر على تضارب سرديّة السلطة مع سرديّة الحراكيين في الإعلام هو كيفية إخراج نتيجة أول اجتماع لرئيس الرابطة مع وزيري المالية والتربية: صوّر الإعلام الحزبي الإجتماع وكأن “الإيجابية سيدة الموقف” وكأنه تم التوصل إلى توافق على العديد من النقاط، حسب كلام وزيري التربية والمال اللذين تحدّثا بإسم المشتركين في الإجتماع[24]. أما الحراكيون فاعتبروه سلبيا إلى درجة عقد اعتصام أمام مقر الرابطة في الليلة نفسها احتجاجاً على ما اعتبروه ضغطا وتهديدا على رئيس الرابطة خلال الإجتماع. وبعد صدور قرار الهيئة التنفيذية بتعليق الإضراب للمرة الأولى في 20/6/2019، عمدت بعض وسائل الإعلام إلى القول أن الأمور عادت إلى طبيعتها في الجامعة بعدما عادت “الغالبية العظمى من الطلاب (…) إلى الجامعة الوطنية بحماسة ملحوظة” وذلك في تقرير عنوانه “يوم تدريس عادي في كافة الفروع بعد تعليق الإضراب”[25]، فيما صرّحت مصادر نقابية من صفوف الأساتذة أنه “لم تنتظم الدراسة في نحو 70% من الكليات الجامعة”، وامتنع عدد من الطلاب من دخول الصف في بعض الفروع دعماً لأساتذتهم.[26]
إذا، لم تحتَج السلطة إلى الاعتماد بشكل أساسي على أدوات قمع (استعمال القوة ضد معتصمين، ملاحقة قانونية…) لإخماد حراك الجامعة اللبنانية. قامت باعتماد وسائل تحجيم غير مباشرة، ومرتكزة على ثلاثين عاما من السيطرة هلى المؤسسات العامة والنقابية والطلابية. اعتمدت على تشتيت القوى الحراكية، والإكثار من جبهات المعركة لإنهاك طاقة الحراك وإبعاده عن معركته الرئيسية معها. كما عمدت إلى عزل الحراكيين عن سائر الأساتذة والطلاب وإدارة جامعتهم، فجيّشت وسائلها الإعلامية لفرض سرديّتها التي أبعدت الحراك عن الرأي العام لتظهره كحراك غير مسؤول للحفاظ على امتيازات غير محقة. ولا شك أن قدرة مختلف الحركات الاجتماعية في لبنان على تجاوز آليات التشتيت وفرض السرديّات هذه في المستقبل، ستكون أحد العوامل الأساسية لزعزعة سلطة سياسية لم تعد تحتاج إلى أدواتها القمعية التقليدية (من قانون وشرطة وغيرها) لضرب خصومها وتحجيمهم.
[1] راجع المقال الذي يتناول عوائق ظهور حراك في الجامعة اللبنانية، ومن بينها المحاصصة والمحسوبية السياسية في صفوف الأساتذة.
[2] د. باسل صالح (أستهذ متفرغ وناشط)، مقابلة مع المفكرة القانونية، 28/5/2019
[3] د. باسل صالح (أستهذ متفرغ وناشط)، مقابلة مع المفكرة القانونية، 28/5/2019
[4] خطاب المجالس الطلابية خلال اعتصامهم في مجمّع الفنار، 29/5/2019
[5] طالبات قابلتهم المفكرة خلال اعتصام مجمّع الفنار، 29/5/2019
[7] “إعتصام طلابي في مجمع الحدث … أيوب: للعودة عن الإضرابحرصا على مصلحتنا جميعا”، السفير، 29/5/2019
[8] د. باسل صالح (أستهذ متفرغ وناشط)، مقابلة مع المفكرة القانونية، 28/5/2019
[9] طالبة في الجامعة، مقابلة مع المفكرة خلال اعتصام أمام الإدارة المركزية للجامعة اللبنانية، 20/6/2019
[10] المرجع المذكور أعلاه
[11] طالب في الجامعة، مقابلة مع المفكرة القانونية، 4/7/2019
[12] د. عدنان الأمين، “الجامعة اللبنانية والسياسة من فوق ومن تحت”، النهار، 22و 25 أيلول 2018
[13] مذكرة رقم 3 الصادرة في 19/6/2019 تطلب من عمداء ومدراء الفروع الإفادة عن أسماء الأساتذة المتخلفين عن القيام بواجباتهم التعليمية والإدارية تمهيداً لاتخاذ الإجراءات الهادفة إلى إنقاذ العام الجامعي وصولاً إلى إنجاز الامتحانات وإصدار النتائج النهائية
[14] ربيع شمص (طالب وعضو في تكتل الطلاب)، مقابلة مع المفكرة، 12/6/2019
[15] ممثلة من التيار الوطني الحر في كلية الزراعة، مقابلة مع المفكرة، 29/5/2019
[16] توفى الطالب ورئيس اتحاد الطلاب العام فرج الله حنين إثر نزيف داخلي نتج عن ممارسات قوى الأمن القمعية خلال مظاهرة 2 شباط 1951 للمطالبة بإنشاء الجامعة اللبنانية، أميل شاهين، الجامعة اللبنانية ثمرة نضال الطلاب والأساتذة (دار الفرابي، 2011)، ص 49
[17] استاذ متفرغ، مقابلة مع المفكرة القانونية، 3/6/2019
[18] طالب في الجامعة، مقابلة مع المفكرة القانونية، 4/7/2019
[19] “راتب أستاذ في الجامعة اللبنانيّة 17 مليون ليرة؟ إليكم التّفاصيل”، النهار، 15/5/2019
[20] المرجع المذكور أعلاه
[23] ندى أيوب، “طلاب اللبنانية انتفضوا من أجل الجامعة الوطنية…”نحن الرهان””، النهار، 24/5/2019
[26] فاتن الحاج، “قضية “اللبنانية” إلى الحل؟”، الأخبار، 25/6/2019
“