“
أعلنت وزارة الداخلية في السابع والثامن من أيار سنة 2018 نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدها لبنان بعد طول انقطاع. وكان رئيس المجلس الدستوري قد أكد في السابع من حزيران أن المجلس تلقى سبعة عشر طعنا في الانتخابات النيابية التي جرت في 6 أيار وذلك عملا بالمادة 24 من القانون رقم 250 تاريخ 14/7/1993التي توجب تقديم الطعن في “مهلة أقصاها ثلاثون يوما تلي تاريخ إعلان نتائج الانتخاب أصولاً” في دائرة المرشح الخاسر تحت طائلة رد الطلب شكلا.
سبعة أشهر تقريبا انقضت منذ هذا الإعلان ونتائج الطعون لم تصدر بعد علما أن ولاية جميع أعضاء المجلس الدستوري الحالي انتهت في أيار 2015 بعد مضي ست سنوات على انتخابهم أو تعيينهم وهم يستمرون في تأدية عملهم وفقا لأحكام المادة الرابعة من النظام الداخلي للمجلس الدستوري (قانون رقم 243 تاريخ 7 آب 2000). ويذكّر أن هذه المادة تنص على التالي: “عند انتهاء الولاية، يستمر الاعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين”. وقد ترددت معلومات أن الجهات المعنية تنتظر البت بالطعون بغية تعيين الأعضاء الجدد ما يجعل التأخير في إصدار النتائج سببا للإستغراب المشروع، ويدفعنا الى التدقيق في النصوص القانونية المتعلقة بمهل الطعون النيابية.
تنص المادة 47 من النظام الداخلي للمجلس الدسنوري على التالي: “فور ورود الطعن، يعين رئيس المجلس الدستوري مقررا أو أكثر عند الاقتضاء، من بين الأعضاء، لوضع تقرير في القضية”. وقد حددت المادة 29 المعدلة من قانون إنشاء المجلس الدستوري بشكل واضح لا لبس فيه المهلة التي يتوجب خلالها على المقرر رفع تقريره إذ نصت على التالي: “على العضو المقرر أن يضع تقريره خلال مهلة ثلاثة أشهر على الأكثر من تكليفه ويحيله إلى رئاسة المجلس الدستوري”. وتتفق المادة 30 من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادة 49 من النظام الداخلي للمجلس المذكور لناحية تحديد مهلة شهر للمجلس الدستوري كي يصدر قراره بعد ورود التقرير المذكور. فالمادة الأولى (30) تنص أن المجلس يجتمع “بعد ورود تقرير المقرر … فورا ويتذاكر في الاعتراض موضوع التقرير وتبقى جلساته مفتوحة لحين صدور القرار على الا تتعدى مهلة إصدار هذا القرار الشهر الواحد.” وتؤكد المادة الثانية (49 من النظام الداخلي للمجلس) على الأمر نفسه.
يتبين لنا جليا أن المهل المذكورة قد تم تجاوزها بفترة زمنية طويلة لكن الأغرب أن رئيس المجلس الدستوري قد استبق هذا التأخير في اعلان النتائج إذ أعلن حرفيا في مؤتمر صحفي بتاريخ 7 حزيران 2018 التالي: “وهنا لا بد من التأكيد أن هذه المهل ليست مهل إسقاط إنما هي مهل حثّ. فالطعون التي قدمت الى المجلس الدستوري في انتخابات العام 1996، على سبيل المثال، استغرق بتّها وإصدار قرارات بشأنها مدة ثمانية أشهر”.
يدفعنا هذا الاجتهاد الذي أعلنه رئيس المجلس قبل البدء أصلا بدرس الطعون إلى طرح مجموعة من النقاط من أجل تحديد ما اذا كانت المهل موضوع البحث هي مهل حث أو اسقاط.
أولا: لا بد أولا من الـتأكيد على أن المواد القانونية المعنية تشدد بشكل واضح على المهلة إذ لا تكتفي بالقول ثلاثة أشهر فقط بل تضيف على الأكثر. والمادة 30 من قانون إنشاء المجلس الدستوري تعلن “بعد ورود تقرير المقرر، يجتمع المجلس الدستوري فورا ويتذاكر في الاعتراض موضوع التقرير وتبقى جلساته مفتوحة لحين صدور القرار على ألا تتعدى مهلة إصدار هذا القرار الشهر الواحد”. إن هذا الأسلوب الحاسم لا يجب أن تدفع المجلس الدستوري إلى التساهل في احترام تلك المهل أو الاجتهاد بشكل متسرع أن مهلة الثلاثة أشهر لوضع التقرير يجوز تمديدها لأمد مجهول.
ثانيا: المجلس الدستوري الحالي سبق له وأن أصدر قرارات البت بالطعون النيابية لانتخابات سنة 2009 في 25/11/2009 علما أن مراجعات الجهات الطاعنة قد تم تقديمها في الأيام العشرة الأولى من شهر تموز 2009. أي أن المجلس المعين حديثا حينها قد بت بالطعون ضمن مهلة معقولة جدا ومنسجمة مع المهل القانونية.
ثالثا: إن المجلس الدستوري السابق بت بطعون الانتخابات النيابية التي جرت سنة 2000 بتاريخ 8/12/2000 علما أن غالبية المراجعات قد تم تسجيلها في شهر أيلول من العام نفسه ما يؤكد مجددا أن القرارات صدرت في مهلة معقولة جدا ومتوافقة مع النصوص القانونية.
رابعا: إن المثال الذي استشهد به رئيس المجلس الدستوري حول انتخابات 1996 يحتاج إلى تدقيق. صحيح أن المجلس الدستوري أصدر حينها تلك القرارات دفعة واحدة في 17/5/1997 علما أن المراجعات تمت في شهر أيلول من سنة 1996 لكن الأمر الذي يحتاج إلى توضيح هو أن النص القديم للمادة 29 من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمعول بها سنة 1997 كانت تمنح المقرر شهرا واحدا فقط لوضع تقريره ما اعتبر مهلة غير كافية إطلاقا كون المجلس الدستوري الحديث الولادة حينها كان يتولى لأول مرة في تاريخه الفصل في صحة الانتحابات النيابية والقرارات التي صدرت سنة 1997 كانت تجربته الأولى في هذا المجال الأمر الذي دفع مجلس النواب إلى تعديل قانون إنشاء المجلس الدستوري سنة 1999 وقد جاء صراحة في الأسباب الموجبة للقانون التعديلي التالي: “في معرض ممارسة مهمته (…) تبين للمجلس الدستوري وجود بعض الثغرات والنصوص الغامضة في قانون إنشاء المجلس الدستوري (…) وقد اجتهد المجلس، على الرغم من ذلك على اقتراح الحلول التي تعطي لهذه النصوص مفاعيلها الصحيحة، من جهة، والتي تؤدي إلى تحقيق العدالة من جهة ثانية (…) ولما كان المجلس يحرص كل الحرص على حسن تطبيق القانون، ويعتبر أن السبيل إلى ذلك يكون في وجود قانون يتضمن نصوصا واضحة لا غموض فيها ولا تضارب بين نصوصها وخاصة في ما يتعلق بالنصوص الحالية المتعلقة بالطعون النيابية التي يمكن أن توصل إلى حائط مسدود، قد يحول دون إحقاق الحق، مما يتنافى مع المبادىء القانونية والدستورية، فقد رأى ضرورة تعديل بعض مواد القانون رقم 250 الصادر بتاريخ 14 تموز 1993، تسهيلا لمهمته ومنعا لكل خلاف وفي التفسير وانسجاما مع المبادئ الدستورية العامة المعتمدة في العالم”. وبالفعل، أشار تقرير مقرر لجنة الإدارة والعدل التي درست المشروع إلى أن التعديلات المقترحة طاولت “وضع مهل محددة لجهة بدء العمل في المجلس الدستوري وأداء اليمين القانونية أمام رئيس الجمهورية كما لجهة طريقة سير العمل في المجلس”. وبالتالي، تم رفع المهلة الممنوحة للمقرر إلى ثلاثة أشهر وظلت سائر المهل من دون تعديل. فلو كانت هذه المهل مجرد مهل حث لما اضطر المجلس النيابي إلى تمديدها صراحة بشكل أصبحت كافية كي تمنح المجلس الدستوري الوقت الكافي كي يصدر قراره المناسب.
خامسا: إن رأي رئيس المجلس الدستوري لا يشكل اجتهادا ملزما للمجلس الدستوري إذ أن قرارات هذا الأخير لا يوجد فيها ما ينص صراحة أن هذه المهل المذكورة هي مجرد مهل حث.
بالنتيجة، تدفعنا كل هذه الاعتبارات إلى القول بأن المهل المحددة في النصوص القانونية لا يجب التساهل بها وتجاوزها دون تبرير مقنع علما أن رئيس المجلس استبق التحقيق في ملفات الطعن معلنا صراحة امكانية تأخير البت في المراجعات. لذلك لا بد من شفاقية أكثر بحيث يقوم المجلس الدستوري دوريا بعرض المراحل التي تمر بها الطعون وأن يعلن ذلك في بيانات رسمية تتعلق بكل الطعون من دون أن يؤدي ذلك إلى إفشاء أي معلومات تتعلق بسرية التحقيق.
“