لم يمر خبر وفاة الشاب أحمد توفيق (علّوش) مرور الكرام على طرابلس والشمال، فهو في سيرته ومسيرته يختصر حياة أغلبية الثائرين على القهر والظلم وتردي الأوضاع المعيشية في لبنان. فأحمد يعيش مع عائلته النازحة من تل حياة العكارية إلى عاصمة الشمال طلباً للرزق والعمل ويعمل في مجال الأمن (سيكيوريتي) في بيروت، وهي الوظيفة التي تشكّل متنفّساً للكثير من أبناء الشمال الذين يعانون من البطالة.
وكسائر أبناء وبنات القرى الساكنين في المدن، عاد أحمد إلى قريته (الثلاثاء) محمولاً على الأكتاف ليحتضنه ترابها بعد أن تركها مع عائلته بحثاً عن لقمة العيش التي لم تستطع القرية تأمينها لهم.
تروي الناشطة ضحى الموجودة بشكل دائم في ساحة النور في طرابلس، أنّ أحمد كان يشارك في التظاهرات بما يتناسب مع وقت عمله في بيروت وكان شديد الحماسة لانتفاضة 17 تشرين وكان يقدم مساعدات عينية للمتظاهرين في الساحة ويشاركهم الطعام. وكتبت العائلة فوق اسمه على ورقة النعوة التي وزّعتها "شهيد الثورة" لينضم إلى علاء أبو فخر وحسين العطار وعمر زكريا.
كيف أصيب أحمد؟
أصيب أحمد توفيق بعد عشرة أيام على انطلاق الانتفاضة وتحديداً ليل 27 تشرين الأول برصاصة في بطنه خلال صدامات بين متظاهرين وقوة من الجيش اللبناني حاولت منعهم من إحراق مركز التيار الوطني الحر في شارع الجميزات كردة فعل على قيام مجموعة من مناصري التيار بمحاصرة متظاهرين على طريق بعبدا.
تؤكّد العائلة أنّ إبنها لم يكن يشارك في أعمال العنف في تلك الليلة، وأنّه كان يحتسي القهوة مع رفاقه في أحد المقاهي المنتشرة في محيط ساحة النور بعد عودته من عمله في بيروت. وقد توجّه إلى مكان قريب من المواجهات بدافع الفضول ككثر من أبناء المدينة الذين هالهم صوت الرصاص والقنابل المسيلة للدموع. وقد أصيب برصاصة عشوائية في بطنه ويده، ونقل إلى مستشفى "النيني" حيث استمرّ في العلاج حوالي ثلاثة أشهر من دون أن يطرأ أي تحسّن على حالته إلى أن استسلم قلبه الإثنين.
يوضح الناشط أبو سمير مصطفى أن أحمد كان يقف على الحافة المقابلة لمكتب التيار الوطني الحر على بعد حوالي 100 متر منه مع عدد من الأشخاص الذين كانوا يتفرّجون على ما يجري من دون أن يشاركوا، وأصيب برصاصة طائشة ونقل إلى المستشفى. ويتابع أنّه كان تواصل مع إدارة المستشفى التي كانت تبلغهم بإجراء عمليات دورية له بسبب تطوّر إصابته.
لا تدخل العائلة في اللعبة المسبقة لتحديد المسؤوليات، ويكرر الوالد أبو عزام مطالبة قائد الجيش بأن يعمل على جلاء الحقيقة في ما حصل مع إبنه. ويشير في تصريح لـ"المفكرة القانونية" إلى أنّه سيطلب من محامٍ رفع دعوى لدى المحكمة العسكرية "لتحديد المسؤوليات حول ما حدث مع أحمد، فهو أصيب برصاصة خلال فض الجيش الإعتصام في المنطقة التي أصيب فيها".
علاج طويل من دون جدوى
طيلة شهرين وعشرين يوماً ظلّ أحمد يتلقّى العلاج في مستشفى "النيني" على نفقة وزارة الصحة التي غطّت نفقات العلاج والإستشفاء بحسب العائلة.
ويقول الطبيب مصطفى علوش الذي أشرف على علاج أحمد لـ"المفكرة" إنّه لم يدخل في غيبوبة بخلاف ما أشيع، داعياً إلى عدم الإنجرار إلى الروايات الإعلامية لأن ذلك قد يضيّع الحقيقة. ويتحفّظ الطبيب عن الخوض في تفاصيل الملف الطبي لأحمد لأنه لم يصدر بعد تقريراً طبياً رسمياً حول ملابسات وأسباب الوفاة. وأشار إلى أنّه سيصدر التقرير حين تطلب العائلة أو الجهات المختصّة ذلك. ولكنّه أضاف أنّ المؤكد وجود شظايا رصاص في جسد أحمد أدّت تفاعلاتها إلى تدهور وضعه الصحي وصولاً إلى وفاته.
وجرت مراسم تشييع أحمد في مسقط رأسه تل حياة في سهل عكّار الثلاثاء ولفّ نعشه بالعلم اللبناني وشارك في تشييعه ناشطون من جميع ساحات الانتفاضة.
احتجاجات وتضامن في كل لبنان
مع انتشار خبر وفاة أحمد، نزل العشرات من الطرابلسيين ليل الإثنين إلى الشارع تعبيراً عن غضبهم ورفعوا الرايات السوداء وهتفوا شعارات غاضبة ضد الحكومة والعهد، كذلك أغلق محتجّون جسر الرينغ في بيروت.
والثلاثاء تجمهر العشرات أمام مركز التيار الوطني الحر في شارع الجميزات، وقطعوا الطريق وأشعلوا حاوية النفايات أمام المكتب هاتفين ضد النظام اللبناني ومطالبين بإزالة شعار التيار عن شرفة المكتب.
وأجري تشييع رمزي لأحمد من ساحة رياض الصلح إلى ساحة الشهداء وأضيئت الشموع عن روحه. كذلك جرت مسيرة شموع في بعلبك تكريماً له كذلك أضيئت الشموع في زحلة وصيدا وحاصبيا وغيرها من المدن والبلدات التي تشهد حراكاً شعبياً.