مطالعة وكيل الأخبار لرفض المثول أمام محكمة المطبوعات في لبنان: نرفض الحضور أمام محكمة استثنائية


2014-02-27    |   

مطالعة وكيل الأخبار لرفض المثول أمام محكمة المطبوعات في لبنان: نرفض الحضور أمام محكمة استثنائية

مطالعة وكيل الأخبار لرفض المثول أمام محكمة المطبوعات في لبنان:
نرفض الحضور أمام محكمة استثنائية
 
حرر المطالعة المحامي نزار صاغية

في السنوات الأخيرة، مثلت الجهة المدعى عليها في عشرات الدعاوى أمام محكمتكم. ولا نستبعد أن يكون سبب بعض هذه الدعاوى هو ارتكابها أخطاء تحت ضغط سرعة الخبر، كان لها الشجاعة الكاملة على تحمل مسؤوليتها. ولكن الغالبية الكبرى للدعاوى المقدمة للجريدة تعود للأسلوب المعتمد منها، وهو أسلوب الصحافة النقدية، التي تتطلع بالدرجة الأولى الى فضح الفساد والتعدي على الملك العام والاستهتار به واستقواء أصحاب الرساميل على العمال، وبشكل عام الى فضح استقواء كل صاحب نفوذ ضد فئات مستضعفة أو مستباحة، الصحافة التي تقطع مع المجاملة والممالقة والمسايرة، وبكلام أدق مع أدب المقامات. فتبعا لهذا الأسلوب النقدي، قدم نافذون عدة من عالم السياسة والمال والقضاء دعاوى ضد الجريدة أمام محكمتكم طالبين تجريم من ينتقدهم على أساس قانون المطبوعات، من دون أن يكلف أي منهم نفسه عناء أن يشرح للرأي العام فيما إذا كان الانتقاد الموجه ضده محقا أم ليس كذلك. فكأنما المنصب لا يرتب على صاحبه مسؤوليات يحاسب في حال الاخلال بها انما فقط عزا وجاها يشكل أي تعرض لهما جريمة لا تغتفر.   

طوال هذه السنوات، انتهجنا أمام محكمتكم أسلوبا دفاعيا منسجما تماما مع أسلوب الجريدة وأهدافها: فعمدنا بانتظام كلي الى احاطة كل دعوى بأبعادها الاجتماعية ومقتضيات المصلحة العامة التي تبرر انتقاد من لجأ اليكم أو نقده. فشرحنا الأهمية الاجتماعية لنشر بيان يدعو الى مقاطعة شركات لها فروع في مستوطنات إسرائيلية في وجه شركة تجارية ضخمة لا يهمها الا تسويق هذه المنتجات في لبنان (دعوى H&Mضد الأخبار)، وشرحنا أهمية اطلاع الرأي العام على محاضر قضائية في دعوى باتت علانية بعد صدور قرارها الظني (دعوى الحق العام ضد الأخبار وفداء عيتاني)، وشرحنا أهمية نشر وثائق ويكيليكس التي ورد فيها تهيؤ زعيم حزبي على تسليح مجموعته (دعوى القوات اللبنانية ضد الأخبار)، وشرحنا أهمية نشر مضمون قرارات صادرة عن ديوان المحاسبة أثبتت مخالفات هائلة في عمل وزارة المالية وكيفية اعداد الموازنات العامة، مخالفات من شأنها أن تؤثر على الخزينة العامة وعلى حقوق المواطنين كافة (دعوى السنيورة ضد الأخبار ورشا أبو زكي)، كما شرحنا مؤخرا وفي اطار الدعوى المقدمة من رندة يقظان ضد الأخبار ومحمد نزال أهمية فضح التدخلات في القضاء، ليس فقط لمحاسبة القضاة الذين يرضخون للضغوط الخارجية انما أيضا وقبل كل شيء لوقف استباحة القضاء من قبل المتنفذين لتحقيق مآربهم والافلات دوما من العقاب. وقلنا آنذاك أن القضاء يفترض به أن يكون ملجأ لكل المواطنين على قدم المساواة، وأن أي تدخلات غير معلومة أو مستورة من قبل أصحاب النفوذ تشكل اخلالا بهذا المبدأ لم يعد من الممكن السكوت عليه. وقلنا أن من شأن الحكم في القضية تلك أن يسهم في وضع حد لما أسميناه ثقافة التدخل في القضاء وفي نشر ما تطمح اليه أي ديمقراطية جديرة بهذا الاسم أي ثقافة استقلالية القضاء. وكنا مقتنعين أن من شأن ذلك ليس فقط أن يحصن القضاء ككل، انما أيضا أن يحصن محكمتكم وحقوق المتقاضين أمامها، فلا يجرؤ أحد على التدخل في أعمالها. وأنتم تعلمون كل العلم أننا طوال هذه السنوات، لم تقم الجريدة ولا أي من ممثليها بأي تدخل من أي نوع كان في أعمالكم.

وفضلا عن الإحاطة بالأبعاد الاجتماعية للقضايا، عمدنا بشكل منتظم وبمثابرة باتت مزمنة الى الإعلان عن حججنا القانونية لرد الدعاوى: ففي الحالات التي كان يكون فيها قيم على خدمة عامة، كنا نضع في المقدمة المادة 387 من قانون العقوبات التي تبرئ الذم الموجه ضد قيم على خدمة عامة فيما يتصل بهذه الخدمة في حال ثبتت صحة الأفعال موضوع الذم. وفي الحالات الأخرى، أي في الحالات التي يكون فيها المدعي شركة تجارية أو شخص ليس له صفة رسمية، كنا نقدم مبدأ "أن التشهير حق حين يكون واجبا" اذ من غير المنطقي في أي منظومة قانونية وقضائية أن يعاقب من يقول الحق في وجه الظلم، وأن يكون سقف حرية التعبير مراعاة الجريمة والفساد والاستكبار والترهيب. بأية حال، كنا في كل هذه الحالات نذكر الاجتهادات الصادرة عن الهيئة السابقة لهذه المحكمة والتي أجازت صراحة الذم في حالات كان هنالك مصلحة اجتماعية تقضي بذلك وأيضا الاجتهادات الصادرة عن محاكم فرنسية وأوروبية. وكنا نكرر من دون ملل وكلل أمام محكمتكم أن التشهير حق حين يكون واجبا، وأن القيام بواجب اجتماعي لا يستوجب العقاب انما على العكس من ذلك، كل التقدير والثناء.

وأخيرا، قلما حصلت مرافعة لم نحط من خلالها بالقضية بالإثباتات المنتجة، مقدمين لها كل ما توفر لدينا من اثباتات على صحة ما تضمنته المقالات موضوع الملاحقة. وفي بعض الحالات، عمدنا الى تحرير مطالعات طويلة لنثبت مدى دقة المعلومات والتحليلات المنشورة كما هي الحال في قضية رشا أبو زكي، حيث كان السند الأساسي قرارات صادرة عن مرجع قضائي (ديوان المحاسبة)، قرارات بقيت بمنأى عن أي طعن. وفي بعض الحالات، زودنا محكمتكم بما لدينا من اثباتات طالبين منها السماح لنا باستكمالها من خلال الترخيص لنا بالحصول على وثائق سرية معينة وبالاستماع الى شاهد أو باستجواب المدعي(ة) كما حصل في قضية القاضية رندة يقظان في ظل سرية الأحكام التأديبية الصادرة ضدها بداية واستئنافا والتي من الطبيعي أنها تشكل عنصرا حاسما في القضية تلك.

ليس المكان مناسبا هنا للدخول في تفاصيل كل قضية. لكن، اليوم، وتبعا لصدور الحكم في قضية رندة يقظان، بات من حقنا أن ندون على ضوء التجربة في محكمتكم النتائج الآتية:

أولا، أن محكمتكم انحازت في قراءة القانون لاتجاه مناقض لما تفرضه المبادئ العامة لحرية التعبير، لتنتهي عمليا الى حماية أصحاب النفوذ ضد أي اتهام اعلامي يوجه إليهم، مهما كان هذا الاتهام صحيحا. فبدل ان تجتهد محكمتكم لضمان هذه الحرية، اجتهدت لتكريس قيم مخالفة لذلك تماما. وانطلاقا من ذلك، خلت جميع أحكامكم من أي تطبيق للمادة 387 من قانون العقوبات رغم الإشارة اليها من باب رفع العتب أحيانا، كما خلت جميع أحكامكم من أي إشارة الى المصلحة الاجتماعية أو الى مبدأ حسن النية كمبدأ مانع للمسؤولية الجرمية أو الى ضرورة الموازنة بين حرية التعبير واعتبار الغير كما هي الحال في قضايا الدعوة الى مقاطعة اسرائيل. ومن هذا المنطلق، يصبح أي اتهام ذما أو تحقيرا وانتقاصا من كرامة المتنفذ بمعزل عن مدى صحته أو مشروعيته. وأخطر الشواهد على توجه محكمتكم في هذا الخصوص هو حيثيتها القائلة بأنه لا يجوز للصحافة (السلطة الرابعة) أن تبلغ تحت ستار "حرية ابداء الرأي قولا وكتابة" حد اصدار "الأحكام" بحق أشخاص محددين بالاسم، عملا بمبدأ فصل السلطات. والواقع أن هذا الاجتهاد الذي تنفرد به محكمتكم في العالم مبني على مجموعة من الأخطاء: فمبدأ فصل السلطات لا يشمل الاعلام قط مما يجعل ادراجه ضمن السلطات على هذا الوجه أداة للانتقاص من حريته تحت غطاء إعلانه كسلطة، كما أنه غير دستوري طالما أنه يؤدي الى اختلاق قيود غير موجودة لحرية التعبير كما كرسها الدستور والمواثيق الدولية لحقوق الانسان، من شأنها القضاء عليه تحت غطاء تنظيمه. فمن حق الاعلام طبعا القيام بتحقيقات ونشر نتائجها بموضوعية، فتشكل أحكاما إعلامية تتميز عن الأحكام القضائية أنها صادرة عن إعلاميين وليس عن الشعب اللبناني وأنها غير نافذة، فيحاسب الإعلامي ليس لأنه أصدر حكما ولكن فقط اذا كانت أحكامه غير معللة وغير موضوعية وشكلت اخلالا بأحد موانع قانون المطبوعات. لكن أن يقال أن اصدار أحكام إعلامية هو جرم بحد ذاته، فذلك اجتهاد خطير من شأنه أن يجرد الاعلام من أي دور نقدي وأخطر ما فيه أنه قد يؤدي الى تحصين أصحاب النفوذ إزاء المساءلة الإعلامية بعدما نجحت الجهات المتنفذة في ميادين كثيرة في تعطيل مجالات المحاسبة من ضمن المؤسسات. 

ثانيا، أن محكمتكم انحازت في قراءتها لوقائع الدعاوى المنظورة منها لمصلحة أصحاب النفوذ. فتجاهلت غالبا ما قدمناه من وقائع. وهكذا، لا تجد محكمتكم حرجا في معاقبة الجهة المدعى عليها لنشر تحقيقات في قضية باتت علانية، على أساس أن التحقيقات سرية من دون ان تكلف خاطرها بالنظر الى المستندات التي تثبت أنها باتت علانية خلافا لما تثيره وزارة الداخلية (وهذا ما فسخ استئنافا). كما استصغرت محكمتكم من دون مبرر القوة الثبوتية لجميع قرارات ديوان المحاسبة بحق وزارة المالية والتي أثبتت ضررا اجتماعيا هائلا يعاني منه كل مواطن في حياته اليومية. ولكن أبرز الشواهد على خطورة هذا التوجه هو ما حصل في القضية الأخيرة (رندة يقظان ضد الأخبار)، حيث عبرت محكمتكم بشكل واضح عن مدى استصغارها لأي اثبات من شأنه أن يدين الجهة المتنفذة مهما كان حاسما، وذلك من خلال القول إن الحكم التأديبي المبرم الصادر بحق رندة يقظان أدى الى إنزال درجتها "درجتين ليس الا". وهي بذلك استصغرت ليس فقط المحاسبة الإعلامية انما مجمل إجراءات المحاسبة التي قام بها وزير العدل السابق قرطباوي بالتعاون مع أعضاء المجالس التأديبية بجرأة وشجاعة فحقق منها امرا استثنائيا في العدلية. لا بل أن مدى الاستصغار وصل هنا الى حد نعت كل ما أثير ضد رنده يقظان على أنه مجرد من أي اثبات جدي بل أنه خبر كاذب.

ثالثا، أن هذا الانحياز الثابت وغير المبرر لأصحاب النفوذ والمقامات يعني حكما انحيازا ضد حقوق المواطنين الذين يتعرضون للمظالم وضد المصلحة العامة وضد وسائل الاعلام التي تمارس الاعلام النقدي والملتزم بحقوق المواطنين والمصلحة العامة. ومن حقنا ان نسجل على ضوء كل ذلك اعتقاد مشروعا بتوجه محكمتكم الراسخ في عدم إيلاء أي اعتبار لأي من دفوعنا القانونية أو الواقعية أو الاجتماعية مهما كانت قوية وحاسمة ومنسجمة مع منظومة الحريات العامة، مع إيلاء كل الاعتبار لأي من حجج الجهات المتنفذة التي هالها أن يتم التعرض لها، مهما كان هذا التعرض محقا ومصيبا.   

رابعا، أن محكمتكم ليست محكمة عادية انما هي محكمة خاصة. وهي تستمد مشروعيتها الأساسية من تخصصها في قضايا الاعلام لما لهذا التخصص من ضمانة لحرية الاعلام، وبشكل خاص من ضمانة لحرية الاعلام في مواجهة الجهات المتنفذة. أما وأن محكمتكم قد انحازت بوضوح كلي لما يناقض ذلك، فإنها تكون خرجت عن اختصاصها المناط بها لتتحول الى محكمة استثنائية مؤداها عمليا وبالمراقبة الحسية والتجربة حماية سمعة أصحاب النفوذ وأدب المقامات في مواجهة أي صوت ناقد أو معترض، وعمليا ضرب الاعلام الحر في صميمه.
 
لهذه الأسباب كلها، تطلب الجهة الموكلة،

احتراما لذاتها ولتصورها عن دورها الاجتماعي وتوجهاتها الصحافية النقدية،

والتزاما منها بحقوق المواطنين بفضح أي إساءة تطال من حقوقهم الأساسية، حتى ولو أدى ذلك (ولا نبالغ إذا قلنا إنه يؤدي حتما) الى التشهير

بمقام معين أو بمرجع متنفذ،  

وتمسكا بحقها بالتمتع بمحاكمة عادلة ومنصفة أمام مرجع محايد ومستقل سندا للمادة 20 من الدستور وللمواثيق الدولية،
ورفضا منها للحضور امام محكمة استثنائية،

جئنا نطلب من حضراتكم، رئيسا ومستشارين، التنحي عن النظر في هذه القضية وفي مجمل القضايا التي تكون الجهة المدعى عليها طرفا فيها.

وتفضلوا بقبول الاحترام
مع كل التحفظات    
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني