احتكار الدولة للمنصات الإلكترونية الفنية: خطوة جديدة لإحكام السيطرة على الإبداع الفني في مصر


2019-07-05    |   

احتكار الدولة للمنصات الإلكترونية الفنية: خطوة جديدة لإحكام السيطرة على الإبداع الفني في مصر

في مايو 2019،حصلت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على حق البث الرقمي لما تم انتاجه سابقاً أو ما يتم انتاجه لاحقاً من التلفزيون المصري، بعد اتفاقية مع الهيئة الوطنية للإعلام “ماسبيرو”[1]. والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية هي شركة مملوكة للمخابرات العامة المصرية، قامت في وقت سابق بالاستحواذ على مجموعة “إعلام المصريين”[2]؛ التي تعتبر من أكبر الشركات حالياً في مجال الإنتاج الدرامي وتضم على سبيل المثال شركة الإنتاج الفني synergy. وستقوم الشركة بعرض هذا المحتوى على التطبيق الإلكتروني الجديد المملوك لها “watch it“. وسبق أن احتكرت الشركة الإنتاج الدرامي لموسم رمضان 2019، مع وضع خطة صارمة للمواضيع التي يمكن طرحها؛ وهي بالتالي تتطلع إلى احتكار التراث الدرامي من خلال هذا الاتفاق، واحتكار مجال المنصات الالكترونية كما سنوضح.

ولكن الصحف لم تتطرق لاشكالية الاحتكار هذه، فقد ركزت العناوين التي تصدرت الصحف على أن الاتفاقية بين الهيئة الوطنية للإعلام والمتحدة جاءت لتحمي تراث ماسبيرو من التعدي على الملكية الفكرية[3]. ظهر بعدها صوت معارض وحيد للاتفاقية للشاعر أيمن قمر وهو نجل الكاتب المسرحي المعروف بهجت قمر، يوضح تعدي الاتفاقية نفسها على حقوق الملكية الفكرية لورثة أصحاب الحقوق المالية للأعمال التراثية. ولكن بعد إجتماع قمر مع إدارة شركة “إعلام المصريين” التابعة للمتحدة، أعلن تراجعه عن موقفه المعارض موضحاً أن الشركة تعمل على حصر الأعمال وإعطاء كل ذي حق حقه من خلال لجنة قانونية. وبالتالي، أخذ النقاش حول هذه الاتفاقية بعدا واحدا هو “حماية الملكية الفكرية” و”حقوق العاملين” فقط. وفي هذا المقال، نناقش كيف يعكس الإعلان عن هذه الاتفاقية  رغبة الدولة في السيطرة من خلال الشركة المذكورة على مجال المنصات/التطبيقات الالكترونية التي تعرض محتوى فني، وأثر ذلك على حرية الإبداع الفني وخاصة الدرامي.

كيف مهدت الدولة لاحتكار” إعلام المصريين” للمنصات الرقمية؟

اشترطت المادة 72 من القانون رقم 180 لسنة 2018 الذي ينظم الإعلام في مصر بأن تكون المنصة الرقمية لشركة مملوكة للدولة[4] ، وبهذا يكون قد أغلق المجال أمام أي إستثمار خاص في مجال المنصات الرقمية الفنية.

وفي تطبيق لهذه المادة، رفض المجلس الأعلى للإعلام إنشاء منصة إعلامية تحت إسم Eya.life بمجرد أن أعلنت المنصة عن وجودها، لحقها تصريح المجلس الأعلى للإعلام بعدم قبول أي تصاريح لشركات خاصة[5]، وهدد أصحابها بالملاحقة القضائية واتهامهم بتشغيل أجهزة بث من دون ترخيص من المجلس والتي تصل عقوبتها إلى الحبس من سنة إلى 3 سنوات، وبغرامة تصل إلى خمسمائة ألف جنيه[6].

بعد اتفاق العرض الرقمي لتراث ماسبيرو، أصبحت رسميا “إعلام المصريين” منفردة بإحتكار المنصات الرقمية في مصر. ولكن تظل إشكالية ظهور الشركة بمظهر الشركة الخاصة عائقا أمامها لكي تحتكر المنصات الرقمية، فلابد كما ذكرنا أن تكون مملوكة للدولة، حتى وجدت الدولة حلا من دون مواربة، فقد أعلنت المنصة نفسها ولأول مرة  بأنها مملوكة للدولة[7].

لماذا تريد الدولة احتكار التطبيقات/المنصات الدرامية الإلكترونية؟

قد تكون التطبيقات/ المنصات الدرامية الإلكترونية هي المهرب الوحيد من الرقابة المشددة التي تفرضها الدولة على الإبداع السينمائي والدرامي حالياً.

ففي مصر، الإدارة المركزية للرقابة على المصنفات الفنية تمارس الرقابة على الأعمال الفنية المصورة. وبحسب القانون رقم 430 لسنة 1955 وكذلك القانون رقم 220 لسنة 1976 المعروف بالقواعد الأساسية للرقابة على المصنفات الفنية، فإن من حق الرقابة عدم الموافقة على شريحة واسعة من الأفلام، فضلًا عن ذلك فإن من حق الرقابة حتى بعد موافقتها على العرض أن تقوم بسحب هذه الموافقة من دون أسباب واضحة. وبالتالي، في أوقات كانت الرقابة فيها شديدة المحافظة، تمّ منع عشرات الأفلام من العرض مثل فيلم “آخر أيام المدينة” للمخرج تامر السعيد، فيما تم سحب الترخيص بالنسبة لأفلام أخرى مثل فيلم “كارما” للمخرج خالد يوسف. بالمقابل، بدت الرقابة على الأعمال الدرامية أحيانا أكثر تساهلا، وبخاصة في موسمها في شهر رمضان الذي عادة ما تتكدس فيه الأعمال الدرامية. فرغم أنه من المفترض أن عرض المسلسلات مشروط بالحصول على موافقة مسبقة من الرقابة، فإننا شهدنا تساهلا تمثل في عرض بعض المسلسلات لم يتم عرضها على الرقابة أو لم تحصل على موافقتها المسبقة بفعل تكدس الأعمال المعروضة على الرقابة وحفاظا على صناعة هذه الأعمال. ولكن، لم تسلم هذه الأعمال الدرامية من سيطرة الدولة الرقابية، فمنذ 2017 ومع إنشاء المجلس الأعلى للدراما أصبح من حق المجلس تشكيل لجان مثل “لجنة الدراما” التي وضعت خطة لأولويات الدراما لموسم 2018، هذا بالتزامن مع اجتماعات شركات الإنتاج الفني التابعة للدولة بصناع الدراما لإجبارهم على اتباع هذه الخطة، سواء لتقليل التكاليف الإنتاجية أو لضبط المحتوى أخلاقيا وأمنيًا.

أمام هذه الهجمة الرقابية غير المسبوقة على الفن المصري، كان المنفذ الأخير لحرية الإبداع الفني هو الإنترنت بكافة منصاته. فأصبح الفيسبوك واليوتيوب منفذاً لإذاعة عدة برامج قليلة الكلفة. إلا أن الدراما لها وضع مختلف لارتفاع تكلفة إنتاجها والرغبة في تحقيق ربح عند عرضها. ولذلك كان اتباع نموذج منصة “Netflix” أمرا واردا لإنتاج دراما “بديلة” أو تخرج عن الإطار الذي وضعته الدولة. فهذه المنصات الإلكترونية الفنية، تتميز بشكل أساسي بعدم وجود رقابة على محتواها وتكتفي الشركات صاحبة التطبيق بتصنيف عمري للمحتوى، وسيكون من الصعب سيطرة الدولة عليها لأنها “خاصة” يدفع المشترك فيها للحصول على المحتوى. وهو ما وعته الدولة، وبالتالي، نص القانون كما أشرنا على ضرورة امتلاك الدولة لهذه المنصات، ليُغلق الباب في وجه أي محاولة لإنتاج دراما خارج الإطار الذي وضعته الدولة؛ وبالتالي تحكم الدولة بإطلاق “Watch it” سيطرتها على الإبداع الفني المرئي إلى حد يكاد يكون كامل.

 


[2] حسام بهجت، مدى مصر، تفاصيل استحواذ المخابرات العامة على «إعلام المصريين»، 20 ديسمبر 2017

[3] راجع على سبيل المثال: watch it: كنوز ماسبيرو في أيد أمينة“، أخبار اليوم، 01-06-2019.

[4] قانون – رقم 180 – لسنة 2018 بشأن إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام:

المادة( 72) :

“يكون إنشاء المنصات الفضائية والرقمية المشفرة Platform على أراضي جمهورية مصر العربية والترخيص بها من حق المجلس الأعلى وحده دون غيره، ويصدر الترخيص في هذه الحالة بعد موافقة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ويشترط لمنح الترخيص بذلك أن تكون الشركات العاملة في هذا المجال مملوكة للدولة.”

[6]  قانون – رقم 180 – لسنة 2018 بشأن إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام:

المادة( 107):

“مع عدم الإخلال بتراخيص وتصاريح الأجهزة والمعدات التي يصدرها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام دون الحصول على موافقة المجلس الأعلى بأي من الأفعال الآتية:

استيراد أو إنتاج أو تصنيع أو تجميع أو عرض بقصد البيع أو التأجير أو التسويق بالداخل بأي صورة لأجهزة البث أو فك الشفرة Decoder الخاصة باستقبال البث المسموع والمرئي.

حيازة أو تركيب أو تشغيل أي أجهزة بث دون ترخيص من المجلس أو الجهات المختصة.

وفي حالة العود، تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.

وتقضى المحكمة في جميع الأحوال بمصادرة المعدات والأجهزة محل الجريمة ومكوناتها.”

[7] بيان قناة أون تي المملوكة لنفس الشركة المالكة لمنصة Watch It

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني