مرافعة مؤثرّة في قضية بتر أطراف الطفلة إيلا أمام محكمة بيروت: “ابنتي تقول أنها ستكبر وسيكون لها يدان ورجلان”


2019-06-29    |   

مرافعة مؤثرّة في قضية بتر أطراف الطفلة إيلا أمام محكمة بيروت: “ابنتي تقول أنها ستكبر وسيكون لها يدان ورجلان”

“باسم الشعب” ستنطق محكمة الجزاء في بيروت برئاسة القاضي باسم تقي الدين، في 29/10/2019، الحكم في قضية الخطأ الطبي الذي حصل مع الطفلة إيلا طنوس وأفقدها أطرافها من ذراعين وقدمين، وفق ما آلت إليه جلسة المرافعة التي انعقدت في المحكمة نفسها بتاريخ 27/6/2019.

فعلى مدى ما يُقارب 9 جلسات، امتدّت طيلة عامين أمام محكمة الجزاء، وصلت القضية إلى ختام مسارها بانتظار الحكم في أواخر تشرين الأول المقبل (2019). وللتذكير، إيلا التي أطفأت شمعة عامها الخامس منذ أيام، لم تكن قد تجاوزت 9 أشهر من عمرها حين دخلت مستشفى سيدة المعونات في جبيل في شباط 2015 من جراء ارتفاع درجة الحرارة. شُخصت أولاً أنها مصابة بزكام، ثُم تدهور وضعها الصحي بعد نحو أسبوع، حتى أُصيبت ببكتيريا من نوع “group A streptococcus”. وترى العائلة أن الإهمال وخطأ التشخيص وإعطاء العلاجات الخاطئة أدى إلى تدهور حالة الطفلة، إلى أن أُصيبت بالصدمة الانتانية Septic Chock والتي أدت إلى غرغرينا نتج عنها عملية بتر أطرافها الأربعة. وكانت إيلا قد تنقلت بين مستشفيات سيدة المعونات في جبيل، وأوتيل ديو والجامعة الأميركية في بيروت، فادعت العائلة على المستشفيات الثلاث، وعلى ثلاثة أطباء.

والد إيلا، حسان طنوس، أراد ألا تمر جلسة المرافعة من دون أن يقوم بدوره بالدفاع عن ابنته. فكان له فسحة من الكلام بعد المرافعة التي أدلى بها وكيله المحامي نادر عبد العزيز الشافي. وفيما اكتفى وكلاء المستشفيات والأطباء المدعى عليهم بتقديم مذكرات خطية، وحده وكيل الطبيب ع. م. (طبيب مستشفى المعونات) المحامي صخر الهاشم قدم مرافعة شفهية هو الآخر.

طنوس: كان بإمكان تدارك تدهور صحة إيلا بفحص قيمته عشرة دولارات

وقف الوالد طنوس حاملاً حُزمة أوراق، تضمنت تقرير اللجنة الطبية التي ترأسها نقيب الأطباء شرف أبو شرف، وصور إيلا في مراحل تأزم حالتها، والرسالة التي كانت قد قدمتها للمحكمة الطبيبة المكلفة من الجامعة الأميركية في جلسة سابقة للمحكمة، واستخدمتها لتبرئة الجامعة مما نُسب إليها، وكانت محور الموضوع في جلسة سابقة.

والرسالة المذكورة هي عبارة عن استيضاح أرسلته طبيبة عضوة في اللجنة الطبية التي عينها القضاء للتحقيق في ملف إيلا طنوس إلى طبيبة في مستشفى كارولينسكا الجامعي في ستوكهولم-السويد، وتمحورت حول عدوى الـ streptococcal. وكانت الجامعة الأميركية استخدمت الرسالة الجواب لتشير إلى أن الرد فيها يُخالف نتيجة التقرير النهائي. فرأى طنوس أن يبدأ من هذه الرسالة التي شكلت محوراً أساسياً في الجلسة السابقة، فأكد بأن مضمونها لا قيمة له لأنها أُرسلت إلى الطبيبة الأجنبية قبل أن تطّلع اللجنة الطبية المكلفة من القضاء على كامل الملف. فالرسالة تُظهر انها أرسلت بتاريخ 15 حزيران 2015، فيما اللجنة تشكلت قبل خمسة أيام فقط. ولفت طنوس إلى أنه “عندما انتهت اللجنة من التقرير الطبي الخاص بإيلا عادت وراسلت الطبيبة المذكورة، والأخيرة لم تعترض على نتائج التقرير”.

ثم واجه طنوس الحاضرين بجهاز الفحص السريع للبكتيريا التي أصابت إيلا، والذي لا يتخطى سعره الشرائي عشرة دولارات أميركية. وأفاد مستغرباً بأن الطبيب ومستشفى المعونات تقاعسا عن فحص الطفلة. وكما تأخروا عن فحص التهاب الدم، ولم يتم إجراء صورة شُعاعية للصدر، واستمر الطبيب على مدى خمسة أيام بإعطائها أدوية مخفضة الحرارة فقط.

وأفاد طنوس، بأن “مستشفى المعونات تأخرت 24 ساعة عن إعطاء الطفلة المُضادات الحيوية بعد إصابتها بالصدمة الانتانية جراء دخول البكتيريا إلى الدم، علماً أن إشارات تدهور وضعها كانت واضحة، ولم يقم بفحص مستوى التهاب الدم إلا في اليوم السابع، أي يوم انتقالها إلى بيروت”. وهنا عرض قضية مشابهة حصلت في أميركا، حيث تأخر الأطباء بإعطاء المضاد الحيوي خمس ساعات لطفل اُصيب بالبكتيريا نفسها، وهناك حكم القضاء لصالح الطفل. ثم سرد طنوس بأن انتقاله إلى مستشفى أوتيل ديو جرى بعدما ورده اتصال من مستشفى الجامعة الأميركية بأنهم لم يتمكنوا من تأمين سرير لها، فتوجه إلى هناك حيث لم تستقبل المستشفى إيلا وسأل بصوت عالٍ، “كيف يُمكن لمستشفى جامعي ألا يستقبل طفلة وهي تموت؟”

ولفت طنوس لل “المفكرة” بأنه بعد انتقال إيلا إلى الجامعة الأميركية حصلت عدة أخطاء في التشخيص، وتوقف عند “تعمد الجامعة الأميركية إرسال عينات فحص البكتيريا إلى ألمانيا، والتي استغرقت أسبوعين، بينما تبين لاحقاً أنه يوجد مختبرات تقوم بفحص هذه البكتيريا في لبنان”.

وكيل العائلة المحامي نادر عبد العزيز شافي شرح في مرافعته، أنه “بات ثابتاً في ملف الدعوى وفي التقارير الطبية والصور الفوتوغرافية والمستندات المبرزة وإفادات الشهود، أن المدعى عليهم قد أقدموا على ارتكاب جرائم جزائية من خلال عدة أخطاء طبية وتمريضية وعلاجية واستشفائية خطيرة، وذلك بشكل متكرر ومتواصل، تنم عن أخطاء جسيمة بلغت مرتبة القصد الجرمي، وألحق بالطفلة إيلا وبوالديها آلاما جسدية ومعنوية جسيمة”.

واعتبر شافي أن “التشخيص الخاطئ لحالة إيلا أوصل إلى بتر أطرافها الأربعة”. شافي شدد على أن الطبيب المدعى عليه كان قد اعترف بأخطائه الطبية خلال التحقيق الأولي، وبأنه أدلى آنذاك بأن إدارة مستشفى المعونات لم تُطلعه على تطورات حالة إيلا”.

من جهته اعترض، الهاشم، وكيل طبيب مستشفى المعونات، في مرافعته على وصف موكله الطبيب ع. م. مجرماً، واعتبر أن الجهة المدعية تقدمت بوقائع باطلة لا تتوافق مع الحقيقة. ورأى الهاشم بأن ما حصل مع إيلا “مصيبة كبيرة لا تعوض، لكن الأخطر تحميل الأطباء المسؤولية عن هذه المصيبة”. وشرح بأن موكله يتعذب كما تعذبت إيلا، معتبراً أنه لا يُمكن لطبيب أن يهمل مريضه ليصل إلى هذه النتيجة.

تحلم إيلا بقطف وردة بيديها من الحديقة

لم يتمكن طنوس إبقاء كلامه في إطار الكلام الطبي، فهو لا يدري كيف يتكلم عن قضية ابنته من دون أن يسرد المعاناة التي تمر بها العائلة. قال نحن “عائلة كانت تعيش بهناء، نهتم بأطفالنا ونخاف عليهم، وهذه الحادثة قلبت حياتنا بأسرها”. وإيلا الطفلة التي دخلت إلى مستشفى المعونات وهي لا تتجاوز التسعة أشهر، كبرت وأصبحت في سن الخامسة، وتحلم بأن تسير إلى الحديقة وتقطف وردة بيديها، وتتمكن من اللعب مع الأطفال من عمرها، وهي على الدوام تقول لوالدها بأنها ستكبر وسيكون لها يدان ورجلان”. وأضاف: “طيلة هذه المدة لم يتصل بنا أي طبيب ليسألنا عن حالة إيلا، لم يقدم لنا أحد نصيحة واحدة في متابعتها للعلاج”. ورفع صور إيلا، الواحدة تلو الأخرى، حين كانت رضيعة، وصورة أظهرت حين وكيف أصبح لون أطرافها الأربعة أزرق بعد تدهور حالتها الصحية، ثم صورة تُظهرها بعد عملية البتر. رفع طنوس الصور وسأل، “ماذا يفعل من يرى ابنته في هذا الوضع؟”. ويأتي موقف طنوس هذا ليرد على الاتهامات التي طالته سابقاً بأنه يُتاجر بابنته في الإعلام. وشدد على أنه أتى إلى القضاء الذي يراه المكان الوحيد للوصول إلى العدالة، مع العلم أن خيار تقاضي الأموال والتراجع عن الدعوى كان متاحاً أمامه، لكن “لن تكبر ابنتي وتسألني بكم بعتني؟”.

القضية سلكت طريقها إلى الحكم بعد محاولات المماطلة

عامان في محكمة الجزاء، أمام القاضي باسم تقي الدين، واجهت القضية محاولات مماطلة ثابتة تعمدتها مستشفى المعونات، حين قامت مرة باستئناف قرار القاضي تقي الدين بضم الدفوع الشكلية التي تقدمت بها إلى أساس الدعوى، لتقدّم من ثم طلب نقض للقرار الاستئنافي برد دعواها. هذه الطعون تسببت بإضافة معاناة على العائلة، فوالدة الطفلة المحامية اليانا طنوس، وقفت مرة في المحكمة أمام المدعى عليهم وطلبت منهم بالتوقف عن المماطلة، وصرخت طالبة “انظروا بعين الإنسانية لابنتي”.

وفي المرحلة الأولية انتظرت العائلة نحو سنتين لإنهاء التحقيقات في الملف، تم خلالها تعيين لجنة طبية أشرفت على التحقيق الطبي في مستشفيات سيدة المعونات وأوتيل ديو والجامعة الأميركية في بيروت التي تنقلت بينها إيلا، برئاسة نقيب الأطباء شرف أبو شرف، والذي انتهى إلى تحميل المستشفيات ومعهم ثلاثة أطباء مسؤولية ما حصل مع الطفلة. وانتهى القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق في بيروت جورج رزق بتاريخ 12 نيسان 2017 بالظن بالأطباء الثلاثة، بالإضافة إلى الظن بكل من المدعى عليهما مستشفى المعونات في جبيل، ومستشفى الجامعة الأميركية أنهما تتحملان المسؤولية الجزائية لناحية الإيذاء غير المقصود المرتكب من قبل أعضاء طاقمها في بيروت (المادة 565 معطوفة على 210 عقوبات). أما لناحية مستشفى أوتيل ديو، فقد حملها المسؤولية الجزائية عن جرم الامتناع عن الإغاثة (المادة 567 معطوفة على المادة 210 من قانون العقوبات).

لمتابعة مقالات ذات صلة في قضية إيلا:

قضيتا إيلا وصوفي تنتظران التقارير: لا آليات رقابة فاعلة على عمل المستشفيات

قضية الصغيرة إيلا على عتبة القرار الظني: سنتان من العناء والانتظار

قضية إيلا طنوس: القرار الظني صدر، والعائلة راضية

جلسة استجواب الأطباء في قضية الطفلة إيلا… روايات لا تلغي الضرر

تقارير طبية جديدة في قضية الطفلة إيلا طنوس: والدعوى تتجه لإكمال سنتها الرابعة

والدة إيلا طنوس تنفعل وتضعها على مكتب القاضي: انظروا بعين الإنسانية إلى ابنتي

تأجيل دعوى إيلا طنوس: تشديد على حضور شهود من اللجنة الطبية

“إيلا” و”صوفي” في معركة واحدة: مرافعة في قضية الخطأ الطبي

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني