إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية: أي أساتذة؟ أي أسباب؟ أي أفق للإضراب؟


2019-05-31    |   

إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية: أي أساتذة؟ أي أسباب؟ أي أفق للإضراب؟

يستمر أساتذة التعليم العالي بإضرابهم الذي بدأ في أوائل شهر أيار، والذي يواكبه تحرك طلابي داعم. وإذ بدأ حراك الأساتذة للمطالبة بحقوقهم التي أهملتها السلطة السياسية منذ إقرار آخر سلسلة للرتب والرواتب عام 2017، استكمل بإقرار مشروع موازنة بدا بمثابة “إذلال للجامعة” بحسب وصف الأساتذة. هذا الإضراب، تثبت بالاعتصام الذي دعت إليه رابطة الأساتذة المتفرغين نهار الجمعة الفائت، وواكبه مئات الطلاب الذين وجدوا أن للانتقاص من حقوق الأساتذة أومن موازنة الجامعة تأثير على مستقبلهم ومستقبل الجامعة ككل.

إذن، أكثر من عشرين يوماً مرت على تنفيذ أساتذة التعليم العالي إضرابهم، بعدما أعلنت عنه رابطة الأساتذة المتفرغين، باسم الهيئة العامة للرابطة. الأساتذة، منهم متحزبون عارضوا توجهات الأحزاب الداعية لعدم الإضراب وآخرين مستقلين، التزموا قرار الهيئة العامة للرابطة. هؤلاء جمعيهم أضربوا لأجل المطالبة بثلاث درجات إضافية على الرواتب، ولإقرار مشروع القانون المحال إلى مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 5120 المتعلق بإضافة 5 سنوات على خدمة كل أستاذ لا تصل خدمته إلى 40 سنة. كذا ومطالب أخرى تتعلق بإدخال المتفرغين إلى الملاك والمتعاقدين إلى التفرغ، وغيرها من المطالب نقلوها الأساتذة إلى القوى السياسية عبر سلسلة اجتماعات لم تثمر سوى وعود ما عادت تنفعهم. والحال، أن سقف المطالب ارتفع بعد نقل معلومات حول بنود في مشروع الموازنة من شأنها فرض ضريبة على المعاش التقاعدي للأستاذ الجامعي، ورفع عدد سنوات التقاعد من 20 إلى 25 عاماً، وتوحيد صناديق التعاضد، وتقليص المنح المدرسية، وتخفيض موازنة الجامعة 40 مليار ليرة.

يشرح للمفكرة رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين د. يوسف ضاهر، أن هذا “الحراك بدأ منذ نحو عام، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، كثفنا جهودنا بالاجتماع مع كافة المرجعيات السياسية، لنعرض الأوضاع الاجتماعية وتلقينا وعوداً كثيرة”. وكانوا قالوا لنا أنه سيتم “إدراج قانون الثلاث درجات بصيغة معجل مكرر في أول جلسة لمجلس النواب، بعدما اقترحه الوزير مروان حمادة ووقعه عشرة نواب، لكن هذا لم يحصل”.

يُضيف ضاهر، أيضاً، هناك “المرسوم 5120 الذي قضى بإضافة 5 سنوات على خدمة كل أستاذ لا تصل خدمته إلى 40 سنة، علماً أن مجلس الوزراء أقر المرسوم وأحاله إلى مجلس النواب كمشروع قانون لكن لم يجر إقراره حتى الآن”. يُضاف إلى هذا، “التأخر بإدخال المتفرغين، الذين تخطوا العامين وفقاً للقانون، إلى الملاك، كما إدخال المتعاقدين المستوفي الشروط القانونية والأكاديمية إلى التفرغ”.

وعن مشروع الموازنة الحالي الذي رفع حجم المطالب، يشرح ضاهر أنهم (أي السلطة الحاكمة) “يريدون وضع ضريبة على المعاش التقاعدي قد تصل لخصم راتب شهر كامل سنوياً”. أيضاً، رفعوا عدد سنوات العمل التي تستوجب الحق بمعاش تقاعدي من 20 إلى 25 سنة، ما يعني أن ليس كافة الأساتذة سيتمكنون من الاستفادة من راتب تقاعدي”. كذا، يلفت إلى أن “الحكومة تسعى إلى خصم نسبة من المنح التعليمية، كنا قد علمنا أن نسبة الخصم هي 15%، لكن لدى الانتهاء من دراسة مشروع الموازنة أمس تبين أن نسبة الخصم هي 20%”. ضاهر يؤكد أن “الخصم من المنح التعليمية هي حقيقة خصم من الرواتب ولو لم تكن بصورة مباشرة”. إذ يشرح بأنه في العام “1995 في حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري، طالبنا بإقرار سلسلة للرتب والرواتب، لكن آنذاك قيل لنا بأن ذلك سيترتب عنه إضافات على باقي القطاعات، فاستبدلوها بإضافة حجم التقديمات الاجتماعية ومنها المنح المدرسية”.

ويُضاف إلى ذلك، تقليص موازنة الجامعة (80 مليار ليرة على مدى عامين) التي لا تتناسب مع تزايد أعداد الطلاب والاختصاصات والوفود الجامعية” بحسب تعبير ضاهر.

غلاء المعيشة يناقض توجهات الحكومة

كانت رابطة الأساتذة قد أصدرت بياناً في 27 شباط الفائت شرحت فيه مطالبها. ورأت أن “الإهمال المتمادي بحق الجامعة اللبنانية وأساتذتها منذ إقرار القانون 46/2017 المتعلق بسلسلة الرتب والرواتب للقطاع العام، يدفع الهيئة للانتفاض دفاعاً عن المطالب الملحة والمحقة”. شرح البيان بأن
القانون 46/2017 استثنى أساتذة الجامعة اللبنانية من سلسلة الرتب والرواتب وأنزل بالأساتذة كما بكل المواطنين ضرائب إضافية قاسية.

وبالمقارنة مع السلاسل التي أقرت، أصبحت سلسلة رواتب الأساتذة هامشية قياسا لما كانت عليه. وأضاف البيان: “لقد تردى وضع الأستاذ على أثر السلسلة التي أعطيت للأساتذة في العام 2011 بالقانون 206/2012، ولم تلحظ سوى زيادة 38% بعد أن تمت زيادة 50 و75 ساعة تعليم على نصاب الاستاذ. بينما تراوحت الزيادات في السلاسل الأخرى التي أقرت عام 2017 ما بين 120 و200%.

أمور أخرى تُضاف إلى هذا التراجع، هي ارتفاع غلاء المعيشة بنسبة 25% منذ العام 2011، تاريخ إقرار آخر سلسلة للأساتذة، والتزام الأساتذة بقانون التفرغ الذي يمنعهم من العمل خارج الجامعة على عكس سائر العاملين في القطاع العام، من قضاة وأساتذة التعليم الثانوي والمهني والأساسي. كذا فإن التوجه إلى توحيد الصناديق (الذي أنشئ لأجله لجنة حكومية لدراسته) سيعيد تخفيض التقديمات الصحية والاجتماعية للأساتذة ويطيل من أمد إنجاز المعاملات ويزيد من عدم احترام موقع الأستاذ وكرامته، علماً أن الأساتذة المتفرغين غير الداخلين في الملاك (وهم فئة كبيرة)، سيحرمون أي تغطية صحية في حال تم إلغاء صندوق التعاضد.

ضريبة غير قانونية على المعاش التقاعدي

وإن كان إضراب الأساتذة قد بدأ لأجل حقوق قد وعدوا بتحقيقها، إلا أن مشروع الموازنة أتى ليُضيف تهميشاً إضافياً طال بشكل كبير المتقاعدين.

إذ أن “مشروع الموازنة يفرض ضريبة دخل على المعاش التقاعدي، بشكل يُخالف قانون الضريبة، خاصة أن هذا المعاش يعتبر نتيجة التوقيفات التي دفعها الأساتذة وسائر الموظفين خلال ممارستهم للمهنة”، بحسب بيان التجمع الأكاديمي للأساتذة الجامعيين بتاريخ 24 أيار 2019. البيان حمّل الحكومة عدة مخالفات لناحية الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها لبنان. فاتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 95، نصت في المادة 8 على أنه “لا يجوز الاستقطاع من الأجور إلا بشروط والمدى الذي تقرره القوانين أو اللوائح الوطنية، أو تحدده الاتفاقيات الجماعية أو قرارات التحكيم”. أيضاً، تنص الاتفاقية على وجوب أن “يبلغ العمال، بالطريقة التي تراها السلطة المختصة أنسب الطرق، بالشروط التي يمكن بها إجراء هذه الاستقطاعات ومداها” وهذا ما لم يحصل.

إلى جانب ذلك، فإن الإجراءات السلبية التي تتخذها الحكومة اليوم تخالف أيضاً “التوصية بشأن أوضاع التدريس في التعليم العالي” الصادرة عن اليونسكو، والتي وافقت عليها الحكومة اللبنانية عام 1997. وهي التي توصي بضرورة زيادة المعاشات لتتناسب مع ارتفاع تكاليف المعيشة وفقاً للفقرة 6 من المادة 58، وأيضاً، أن توضع الرواتب بالاتفاق مع المنظمات التي تمثل أعضاء هيئات التدريس”، وهذا لم تقم به الحكومة.

أيوب يتشبث بالوعود والرابطة ترد لا تخرق الإضراب

أول أمس، دعا رئيس الجامعة د. فؤاد أيوب “رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية العودة عن قرار الإضراب المفتوح”. وأشار إلى أن بعد اللقاءات المتكررة بوزير التربية واللقاء الأخير مع وزير المالية بتاريخ 23 أيار 2019 تأكد أن لا “خفض لموازنة الجامعة اللبنانية وأن لا أحد يُريد المسّ بموازنة الجامعة أو رواتب أساتذتها أو موظفيها”. وأشار إلى أن “المبالغ المُتوجّبة على الدولة لصالح الجامعة اللبنانية لتغطية كلفة سلسلة الرتب والرواتب للموظفين سيتمّ دفعها”.

موقف أيوب يناقض ما أعلنت عنه الرابطة في بيان مساء الاثنين، إذ أكدت استمرار الإضراب وأنه “لم تتم الاستجابة إلى المطالب الأساسية للأساتذة الذين انطلق تحركهم من أجلها قبل ثلاثة أشهر وهي: الدرجات الثلاث والسنوات الخمس للجميع والدخول إلى الملاك والتفرغ”. وتمسكت الرابطة بالمطالب الجديدة المتصلة بمشروع الموازنة، مشددة على الرفض التام لأي “مساس بالراتب والمعاش التقاعدي وبسن الحصول عليه (25 سنة بدلاً من 20) والتقديمات الاجتماعية”، كما وطالبت الرابطة “عدم خفض الموازنة”.

ورداً على بيان أيوب، تمنّت الهيئة على رئيس الجامعة ومجلسها “مؤازرة الرابطة في تحركها المتصاعد”، وبدلاً من خرق الإضراب وإصدار بيان التمني بوقفه، “إصدار بيان تأييد للتحرك وللمطالب المحقة”. وشرح بيان الرابطة بأن الرئيس “تحسر مرات عدة على خفض الموازنة المستمر، والذي بلغ السنة الفائتة بحسب قوله 40،6 مليار ليرة”. وأضاف البيان، “أما لهذه السنة، فإن مفاعيل القانون 46/2017 ومستحقات الضمان الاجتماعي ترتب حوالي 40 مليار ليرة لبنانية إضافية على موازنة الجامعة”.

موازنة عامة مذلة

لدى إقرار مشروع قانون الموازنة في مجلس الوزراء عقدت الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين اجتماعاً نهار الأربعاء بتاريخ 29 أيار 2019، وأعلنت استمرار الإضراب بعدما تبين لها أن من مشروع الموازنة الذي وصفتها بـ ” المجحفة والمذلة” “استمرار التخفيض لموازنة الجامعة منذ عدة سنوات.

وفنّد بيان الرابطة نتائج مشروع الموازنة العامة وما لحظته أرقامها، وأبرزها: “وقف التوظيف الذي سيترجم بوقف التفرغ والدخول إلى الملاك لمهلة لا تقل عن الثلاث سنوات، مما سيؤدي إلى إفراغ الجامعة من أساتذتها، وتحديدا يصبح ملاكها يمثل أقل من 1/10 من مجموع أساتذتها”. ويترتب عن ذلك، “جعل الجامعة تقوم على أكتاف الأساتذة المتعاقدين حيث يتم استغلالهم لمستحقاتهم الزهيدة ولعدم وجود أي تكلفة صحية يرتبونها على الدولة، وهؤلاء الأساتذة قد يغادرون الجامعة إذا ما توفرت لهم فرص عمل أخرى”.
وفضلاً عن ذلك، لفت البيان إلى عدة تخفيضات تطال: “المبلغ المخصص للأبحاث، والمبلغ المخصص لتجهيز المختبرات، تخفيض المبالغ التشغيلية المتعلقة بالامتحانات و الحاجات المكتبية، وصيانة الأبنية. أيضاً، إلغاء منح التعليم، وعدم لحظ أي مبالغ إضافية لتغطية أكلاف الطلاب الذين بات عددهم يناهز الـ 85 ألف بعد أن كان أقل من 70 ألف في السنوات الماضية.

أما من حيث الأرقام الصادرة عن الموازنة تبين أن “وضع ضريبة دخل على المعاش التقاعدي، ورفع الحد الأدنى لسني التقاعد من 20 إلى 25 سنة يحرم أكثر من 500 أستاذ من المعاش التقاعدي لأن سنوات خدمتهم لا تصل إلى 25 سنة. ومن ناحية صندوق التعاضد، اقتطاع مبلغ 10% من مساهمة الدولة فيه، مما يعني حسم 20% من منح التعليم”.

أما بخصوص موازنة الجامعة، فقد لحظ مشروع الموازنة بحسب البيان، “تخفيض موازنة الجامعة بمبلغ 36 مليار ليرة وعدم لحظ المبالغ الإضافية التي ستترتب على الجامعة من جراء مفاعيل قانون السلسلة 46/2017 الذي يلحظ زيادات كبيرة للموظفين والمدربين وأعمال المراقبة واللجان الفاحصة، ويصل هذا التخفيض إلى نحو 40 مليار ليرة إذا أضفنا الضرائب المستجدة”.

وأشار البيان إلى عدم لحظ “مبلغ يغطي الدرجات الثلاث التي وعد بها الأساتذة، أو مبلغ يغطي زيادة الخمس سنوات عند احتساب المعاش التقاعدي للأستاذ”.

مقالات ذات صلة:

عودة الحراكات الطلابية في الجامعة اللبنانية: “دكاترة طلاب رح نكمل بالإضراب”

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني