مجلس النواب يكرس الطائفية في عضوية المجلس الدستوري: مخالفة جسيمة للمادتين 12 و95 من الدستور


2018-09-27    |   

مجلس النواب يكرس الطائفية في عضوية المجلس الدستوري: مخالفة جسيمة للمادتين 12 و95 من الدستور

انعقدت في يومي 24 و25 أيلول 2018، أولى جلسات التشريع لمجلس النواب اللبناني المنتخب في أيار 2018، وقد عرف عن هذه الجلسات بأنها استثنائية وحملت عنوان “تشريع الضرورة”. ومن ضمن مشاريع القوانين التي بحثت في اليوم الثاني 25/9/2018، أقر مجلس النواب مشروع القانون المتعلق بتعديل قانون “إنشاء المجلس الدستوري”. ويهدف التعديل إلى تمديد فترة الترشيحات لفترة شهر من نشره في الجريدة الرسمية، وذلك تمهيدا لتمكين الحكومة والبرلمان من تعيين أعضائه الجدد. وكانت الحكومة اللبنانية قد أحالت في أواخر كانون الأول 2017 (قبل الانتخابات النيابية بأشهر) إلى المجلس النيابي مشروع القانون، في محاولة لتعيين أعضاء جدد للمجلس قبل الانتخابات النيابية، على نحو أوحى بوجود نوايا لتعيين أعضاء أكثر قربا من القوى السياسية المهيمنة، تجنبا لأي قرارات سلبية بحقهم في طعون الانتخابات.

يذكر أن أعضاء المجلس الدستوري الحالي قد انتهت ولايتهم منذ العام 2015 وهم مستمرون في عملهم حتى اليوم بموجب مادة تسمح لهم بمتابعة أعمالهم إلى حين تعيين أعضاء جدد.

ومن الأسباب الموجبة لمشروع القانون التي ذكرتها الحكومة يومها أن ثمة 26 شخصاً قدموا ترشيحاتهم لعضوية المجلس في 2015، إلا أنه لا يمكن الاكتفاء بهم، وذلك لأسباب تتّصل بالأعراف الطائفية المعتمدة في تعيين أعضاء المجلس. وبالتفاصيل، “بينت الأسباب الموجبة أنه ليس هنالك أي مرشح كاثوليكي فيما أن بعض الطوائف التي تتمثل عرفا بعضوين في المجلس لم يتقدم منها إلا مرشحان، مما يحرم السلطات العامة من إمكانية المفاضلة والاختيار”. وكانت المفكرة قد علقت على المشروع على النحو الآتي: “من اللافت أن الأسباب الموجبة للقانون عكست اتجاها جديدا نحو تكريس أعراف طائفية. ففيما يخلو قانون إنشاء المجلس الدستوري من أي إشارة إلى تخصيص مقاعد لطوائف معينة، ترى الأسباب الموجبة تسهب في الحديث عن المقاعد المخصصة للطوائف، لتصل إلى اعتبار الترشيحات الحاصلة غير كافية ليس بالنظر إلى عددها الاجمالي (التي بلغت 26) ولكن بالنظر إلى عدد المرشحين من طوائف معينة. وفيما تشكل الأسباب الموجبة من هذه الزاوية الإقرار الرسميّ الأول باعتماد المعادلة الطائفية في تعيين أعضاء المجلس الدستوري، فمن شأن ورودها على هذا الوجه أن يقوي من إلزامية الأعراف المعتمدة في اتجاه تحويلها إلى نصوص ملزمة، خصوصا أن الأسباب الموجبة باتت تنشر مع متن القوانين في الجريدة الرسمية بموجب قانون حق الوصول إلى المعلومات. ويبدو أسلوب وزير العدل سليم جريصاتي بارزا في هذا الشأن، بدليل توجهه الدائم إلى تعزيز الأعراف الطائفية والإقرار بها من دون مواربة ولو خلافا للدستور. ومن الأمثلة على ذلك، تصريحه السابق بمناسبة افتتاح السنة القضائية الحاصل في 27 تشرين الأول 2017 حيث أعلن أن التشكيلات القضائية استندت إلى مجموعة من المبادئ، أهمها المناصفة.

وما يزيد الأمر قابلية للانتقاد هو تعارض هذا العرف مع النصوص الدستورية، وبخاصة المادتين 12 و95 من الدستور اللبناني، حيث أن الأولى أكدت أن “لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة، لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون”، فيما أن الثانية ألغت صراحة “قاعدة التمثيل الطائفي” وأكدت على اعتماد معايير “الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى”.

ورغم ذلك، ساد مناقشات الثلاثاء إجماع تام على قوننة الأعراف الطائفية في عضوية المجلس الدستوري، وحده النائب أيوب حميّد حاول التغريد خارج السرب من خلال طلبه أن يفتح باب تقديم الطلبات للعضوية بشكل عام من دون تخصيص ولكن عبثاً حاول. النقاش في مشروع هذا القانون لم يأخذ وقتاً، بل ما هي إلاّ دقائق حتى تم التصديق عليه من قبل الحاضرين، فيما كانت المداخلة الأولى في النقاش للنائب عن كتلة القوات اللبنانية جورج عقيص، الذي أبدى تحفظ كتلته عن مناقشة المشروع قبل إنتهاء المجلس الدستوري من البت بالطعون في نتائج الانتخابات وقال:”نحن نتحفظ على هذا المشروع، لأن اليوم هناك مجلس دستوري قائم ينظر في الطعون النيابية ونتمنى إرجاء هذا التعديل إلى حين البت بالطعون النيابية”.

إلاّ أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أوضح له أن الأمرين منفصلان. وقال:”هناك نص في القانون 250 المتعلق بإنشاء المجلس الدستوري يقول أن المجلس الدستوري يستمر طالما لم ينتخب غيره أو يعين غيره. انطلاقا من هذا الشيء انتهت المدة وفتح الباب أمام تقديم الطلبات وقد تقدمت الطلبات اللازمة ما عدا من الإخوة الكاثوليك وانتهت مهلة تقديم الطلبات. لذلك نفتح المهلة حتى يقوم أشخاص من المذهب الكاثوليكي بالتقدم بطلب ولسنا نقوم بالانتخاب الآن إنما فقط نسمح بتقديم الطلبات”.

وسأل النائب في كتلة القوات اللبنانية زياد حواط :”إن كان الباب يفتح من أجل مقعد واحد فقط”. (أي فقط للكاثوليك).

ولفت وزير العدل سليم جريصاتي إلى أن”مشروع القانون موجود منذ أشهر، لكن بتمني وحرص من رئيس مجلس النواب على لجنة الإدارة والعدل وعلى وزير العدل، تقرر إرجاؤه طالما أنه كانت هناك انتخابات نيابية واستحقاق انتخابي،إلى ما بعد الانتخابات وبعد الطعون وهذا ما تم الامتثال إليه. اليوم يطرح هذا الموضوع لأن هناك شغور، وكما تعلمون وفقاً للتوزان السابق لم يعد هناك توافق إذ إن بعض مقاعد الروم الكاثوليك غير ممثلة وكذلك في طائفة الموحدين الدروز لم تعد متوافرة طلبات الترشيح (..)  لذا نفتح باب الترشح لمدة شهر ليس إلاّ”.

وسألت النائبة عن تيار المستقبل رلى الطبش:”هل هذا القانون يعد من تشريع الضرورة؟”.

فرد الرئيس بري:”طبعاً، تم الإجماع في مكتب المجلس على أن تشريع الضرورة يشمل هذا الأمر، لأن المجلس الدستوري يعد إحدى أهم المؤسسات الموجودة في البلد، ولا يجوز أن ندعه في حالة فراغ دائم، فهو من أهم إنجازات المجلس النيابي من بعد الطائف حين أوجدنا المجلس الدستوري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي”.

أما النائب أيوب حميّد فقد أراد أن يعاد فتح الباب أمام الجميع للتقدم بطلب وقال:”أتمنى حذف الفقرة الثانية من المشروع (تبقى سارية المفعول تصاريح الترشح المقدمة سابقاً والتي لا تزال مستوفية شروط الترشيح إلى المجلس الدستوري)، لأن هناك أناسا كانوا قد تقدموا بطلبات ترشيح ثم تراجعوا. من هنا لا داع لها وبذلك نسمح لجميع الناس بالتقدم”.

لكن الرئيس بري عارض الأمر قائلاً:”لا، لأن هناك من تقدم بطلبات وهي لا تزال سارية المفعول”.

فرد عليه حميّد قائلاً:”يقدموا من جديد شو المشكلة”.

فكرر الرئيس بري قوله:”لا، لا، هناك طلبات لا تزال سارية. ولكن الباب مفتوح لطوائف لم تتقدم بعد بطلبات”.

فاستطرد حميّد موضحاً:”أقصد بقولي، أن هناك تعميماً في التشريع ولا يوجد تخصيص لطائفة دون أخرى لندع الموضوع مطلقاً”.

لكن اقتراحه رفض. ثم طلب الرئيس بري التصويت على مشروع القانون وصدق دون اعتراض من أحد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني