عاملات المنازل، على هامش المحاكمة: “السرقة” وحدها تسمح لكِ بلقاء القاضي

،
2018-08-03    |   

عاملات المنازل، على هامش المحاكمة: “السرقة” وحدها تسمح لكِ بلقاء القاضي

في المنتصف الأول من سنة 2017، تم رصد 195 حكما صادرا عن القضاء الجزائي في كل من بيروت، بعبدا والجديدة. واللافت أن 178 من هذه الأحكام صدرت غيابيا أي ما يقارب 91% منها، فيما أن أربعة منها صدرت تبعاً لإعتراضات على أحكام غيابية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مرد هذه النسبة المرتفعة ليس فقط تواري العاملات المحكوم عليهن عن الأنظار، بل بالدرجة الأولى سواد ممارسة مفادها توقيف العاملات المخالفات لشروط إقامة الأجانب والتحقيق معهن وترحيلهن حتى قبل إحالة ملفاتهن إلى القضاء. وهذا ما سبق وصفه في معرض التعليق عليه ب “صناعة المحاكمة الغيابية”، والتي تؤدي عمليا إلى الحؤول دون مثول العاملات أمام القضاء. وقد رأينا آنذاك أن هذه النسبة العالية من المحاكمات الغيابية تهمش دور القضاء في إعادة التوازن إلى علاقات العمل هذه. وما يفاقم من تهميش دور القضاء، هو أن غالب الحالات الاشكالية في علاقات العمل هذه تبقى، بفعل نظام الكفالة، أصلا بمنأى عن أي محاكمة سواء كانت غيابية أو وجاهية.

 فنظام الكفالة هذا يفرض على العاملة في الكثير من الحالات البقاء في العمل مهما كانت شروطه قاسية، خشية فقدان قانونية إقامتها وتاليا امكانية البقاء والعمل في لبنان. بل يفرض هذا النظام على العاملة التي تنتهي إلى التشكي ضد صاحب العمل، التنازل عن شكواها لاحقا بغية الحصول على تنازل صاحب العمل عن حقه ككفيل عليها لشخص آخر، وهو شرط أساسي للبقاء في لبنان. كما قد تتنازل العاملة عن شكواها حتى في الحالات التي ترغب بها في العودة إلى بلدها، وذلك بغية تحصيل جزء بسيط من حقوقها في ظل سواد قناعة لديها بضعف الحماية القانونية لحقوقها.

وما نريده في هذا المقال هو النظر إلى القسم الآخر (الهامشي والنادر) من القضايا التي يتسنّى للعاملة فيها أن تمثل أمام المحكمة قبل ترحيلها. ما هي المحاكمات التي تجري بحضور عاملات المنازل، فتستثنى من قاعدة المحاكمة الغيابية؟ وما هي الإجراءات المعتمدة فيها؟ هل هي تسمح للعاملة بمواجهة صاحب العمل من الند إلى الند في إطار الموازنة بين الحقوق والمسؤوليات؟ هل يتسنى للقضاة من خلالها توثيق ظروف العمل المنزلي وما يتخللها من شبهة تعسف، أو إعادة بعض التوازن إليها؟ أم أن الممارسات السائدة في تهميش العاملات تنسحب على هذه القضايا أيضا، لسبب أو لآخر، فيبقى أثرها معدوما ما لم يكن سلبيا؟ وقبل السعي إلى الإجابة على هذه الأسئلة على ضوء العينة موضوع الدراسة، يتبين أن مثول العاملات المدعى عليهن أمام المحكمة حصل فقط في حالات الشكاوى المقدمة ضدهن بالسرقة، وطبعا في الحالات التي أمكن فيها القبض عليهن قبل بدء المحاكمة أو انتهائها (13 حالة). وهذا ما دفعنا لاختيار العنوان الاستفزازي أعلاه وهو أن عاملات المنازل يتسنى لهن مقابلة قاضٍ فقط في حال الادعاء بالسرقة.

حق الدفاع: لا محام ولا مترجم، وجاهية من دون مواجهة   

السؤال الذي نطرحه هنا: هل تتمتع العاملة بحقوق الدفاع في القضايا التي يتسنى لها المثول فيها؟ هل بإمكانها الاستعانة بمحام؟ هل يتم استقدام مترجم لضمان فهمها للأسئلة المطروحة عليها وتخويلها التعبير عن نفسها بحرية؟ والأهم هل تترافق الوجاهية بقدرة العاملة على مواجهة صاحبة العمل وطرح أسئلة عليها؟

وبالتدقيق في الملفات ال 13، يتبدى الآتي:

  • أن العاملات تمكن من اصطحاب محام في قضيتين منها فقط، وأن أيا من هؤلاء لم يتقدم بمرافعة خطية أو شفهية في القضيتين المذكورتين. ويذكر أن أحد المحامين كان أودع ملف إحدى العاملات أمام قاضي التحقيق تكليفا له صادرا من نقيب المحامين في بيروت للدفاع عنها، من دون أن يقوم بأي عمل لاحق، سواء في اصطحابها إلى الجلسات أو الدفاع عنها.
  • أن العاملات لم يستفدن من وجود مترجم أمام المحكمة في أي من هذه القضايا. وقد دوّن محضر المحاكمة في قضيتين فقط من القضايا السبع التي لدينا ملفها، أن العاملة تجيد العربية.

يذكر أن إحدى العاملات التي تفهم قليلا اللغة العربية، وافقت في إحدى قضايا السرقة و”الفرار” المرفوعة ضدها من صاحبة العمل، أن تتولى هذه الأخيرة الترجمة لها أمام الضابطة العدلية. من ثم، لم يكن لها أي مترجم في القضية تلك أمام المحكمة بل اكتفى القاضي بتدوين أنها حضرت وكررت أقوالها وطلبت أوسع الأسباب التخفيفية.

أخطر من ذلك، أن المحامي العام قرر في إحدى القضايا غض النظر عن الاستماع إلى إفادة العاملات كونهم لا يجيدون اللغة العربية. فبدل أن يتم تأمين مترجم، استخدم جهل اللغة لتجهيل أقوال المدعى عليهن بالكامل. كما نسجل بروز تناقضات في عدد من الملفات: التناقض الأول حصل في القضية نفسها المذكورة في هذه الفقرة. فبعدما طلب المحامي العام صرف النظر عن الاستماع إلى العاملات، عادت إحداهن في سياق التحقيق معها و أفادت انها لا ترغب بتعيين مترجم كونها تجيد تكلم اللغة العربية.

الأمر نفسه نتبينه في قضية ثانية: فبعدما دونت الشرطة العسكرية في أحد المحاضر عدم تمكنها من تدوين أسماء العاملات الموقوفات لجهلهم اللغة العربية، عادت إحداهن لتفيد في محضر تحقيق آخر أنها تجيد اللغة العربية، فتم الاستماع إليها من دون مترجم.

وهذه التناقضات تطرح عدة أسئلة حول قيام القاضي المنفرد بالتثبت من هذه الواقعة وعدم الاكتفاء بتصريحات العاملة أو ما يتم تدوينه في محاضر التحقيقات الأولية. وهذا ما صادفناه في إحدى القضايا التي تسنى لنا حضورها، بحيث قام القاضي المنفرد بسؤالها في جلستين إذا كانت تجيد اللغة العربية، وقام بالتثبت من هذه الواقعة عبر الطلب منها “إعادة ما جرى افهامها إياه، فترجمته بالتفصيل”.

  • أن أصحاب العمل المدعين حضروا أمام القاضي بالذات في خمس قضايا، وتمثلوا بمحام في خمس قضايا أخرى. يبقى أنه حتى في حال حضور المدعين شخصيا، فإنه لم يتسن للمدعى عليها (العاملة) طرح أسئلتها عليهم، كما لم يقم القاضي بمواجهتهم بما كانت أدلت به العاملة في معرض إجاباتها أمامه. وعليه، بدت المواجهة شكلية حتى في الحالات النادرة لحصولها.

ويلحظ أن القاضي أصر على حضور صاحب العمل في قضية واحدة وذلك لغاية إجراء مقابلة بينه وبين المدعى عليها. بعد ذلك، جرت أربع جلسات قبل ختام المحاكمة. الجلستان الأوليتان حضرهما محامي المدعي من دون هذا الأخير ولم يتم سوق المدعى عليها. الجلسة الثالثة، استمهل المحامي لحضور موكله. في الجلسة الرابعة الحاصلة بعد أربعين يوما من قرار القاضية (أربعين يوما قضتها العاملة موقوفة) بإجراء المقابلة، برر المحامي عدم حضور موكله للجلسة بحجة “أنه يرغب بإسقاط حقوقه الشخصية عن المدعى عليها التي تعهدت بدفع تكاليف سفرها في جلسة سابقة”. فاختتمت المحاكمة من دون حضور صاحب العمل المدعي، لتنتهي المحكمة إلى إدانة العاملة والحكم عليها بتسديد تعويض له.

كما يلحظ أن محامين ذهبوا في دعاوى أخرى إلى إبداء قناعات شخصية بشأن وقائع الدعوى. وهذا ما نقرأه مثلا في محضر إحدى الجلسات حيث أكدت محامية “وهي مرتاحة الضمير أن (العاملة) قد أقدمت على السرقة”.

وفيما عدا قضية واحدة بررت فيها القاضية ردّ طلب التعويض بعطل وضرر عن جرم سرقة بعدم حضور المدعية، لم يرتب القضاة على عدم حضور هؤلاء أي نتيجة.

  • أنه تم في العديد من القضايا (والتي لدينا محاضر القاضي المنفرد الجزائي فيها أو دوّن في فحوى الحكم عدد الجلسات المعقودة) عدم سوق العاملات إلى جلسات المحاكمة المخصصة لهم. ويبقى معدل عدم سوق العاملات إلى المحاكمة مرتفعا جدا وفق ما تظهره القضايا التي حصلنا على ملفاتها (7 قضايا). ففي هذه القضايا، حصلت 21 جلسة، تم سوق العاملة المدعى عليها إليها في 12 منها فقط. وعليه، بلغ معدل عدم السوق في هذه القضايا 43%.

نضيف أنه في قضيتين، (ليس لدينا محاضر القاضي المنفرد الجزائي ولم يذكر عدد الجلسات المعقودة) تم ذكر انه تم سوق العاملة فقط خلال الجلسة الختامية.

وما يزيد هذا الأمر قابلية للنقد أن القاضي لم يتحرّ في أي من المرات عن أسباب عدم السوق الذي لا نجد لمبرراته أي أثر في الملفات التي تم درسها. وفي أحد المحاضر، تم تدوين أن القلم أخذ علما بأنه “لن يتم سوق العاملة الى الجلسة” من دون تدوين التبرير.

ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إطالة أمد توقيف العاملات، مما يدفع القاضي لاحقا إلى وضع عقوبة أكثر قسوة بهدف تغطية مدة التوقيف الاحتياطي. ويلحظ أنه في بعض الحالات، تجاوزت مدة التوقيف الاحتياطي المدة المحكوم بها.

 للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك/ي الضغط هنا

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني