الجزائر أول دولة عربية تستخدم السوار الإلكتروني: توسع العقوبة البديلة عن السجن


2018-03-02    |   

الجزائر أول دولة عربية تستخدم السوار الإلكتروني: توسع العقوبة البديلة عن السجن

شهد قطاع العدالة في الجزائر جملة من الإصلاحات منذ بداية سنة 2000 تجسدت في اعتماد استراتيجة على المدى المتوسط و الطويل، مع وضع أولويات ارتكزت على تعزيز تكوين القضاة والعاملين في مجال العدالة، ومراجعة الهيكلة التشريعية بتعديل القوانين الموجودة بغية مواءمتها مع الإتفاقيات الدولية التي التزمت بها الجزائر واعتماد نصوص جديدة. كما اعتبرت عصرنة العدالة وإصلاح نظام السجون من الأهداف الأساسية التي شملها برنامج الإصلاح، وهو ما تجسد في إدراج الوسائل الإلكترونية لتسيير بعض الخدمات وإدماج المراقبة الإلكترونية في العمل القضائي. وفيما كان المشرع الجزائري اعتمد إجراءات الرقابة القضائية في قانون الإجراءات الجزائية تعزيزا لقرينة البراءة ولمبدأ بقاء المتهم حرا أثناء مرحلة التحقيق القضائي، فإنه أدخل بموجب القانون رقم 1801 المؤرخ في 30/1/2018 المعدل لقانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، نظام تكييف العقوبة بتمكين المحكوم عليهم بقضاء كل العقوبة أو جزء منها خارج المؤسسة العقابية، ويتحقق ذلك بحمل سوار إلكتروني.

 

تعديل قانون تنظيم السجون: إعتماد السوار الإلكتروني في مجال تطبيق العقوبة

في سياق عصرنة العدالة، خطا المشرع الجزائري خطوة مهمة بتوسيع مجال المراقبة الإلكترونية لتشمل الأشخاص المحكوم عليهم نهائيا، من خلال إقرار القانون رقم 18 01 المؤرخ في 30/1/2018 المعدل لقانون تنظيم السجون وإعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين. فبموجب هذا القانون، تم إدخال نظام تكييف العقوبة بتمكين المحكوم عليهم بقضاء كل العقوبة أو جزء منها خارج المؤسسة العقابية. ويقوم هذا الإجراء على تعهد الشخص بالبقاء في مقر إقامته أو في مقر من يأويه خلال الساعات التي يحددها القاضي، ويسمح للمستفيد منه غالبا بممارسة نشاط، أو مزاولة دراسة أو تكوين، أو الخضوع للعلاج. ومن الناحية العملية، تتم المراقبة الإلكترونية لحسن تنفيذ العقوبة عن طريق تثبيت السوار الإلكتروني في رجل المتهم خلال المدة التي تحددها العقوبة، ويتكفل بنظام تسيير المراقبة الإلكترونية المصالح المختصة في الضبطية القضائية التي تتولى المتابعة للتحقق من وجود المتهم في الأماكن المحددة في الرقابة القضائية، وتتدخل مباشرة في حالة مخالفة المتهم الحامل للسوار الإلكتروني للالتزامات المفروضة عليه. ويخضع السوار الإلكتروني لجملة من المواصفات باعتباره يصدر ذبذبات إلكترونية متصلة بمراكز الاستقبال التي تتولى الرقابة عن بعد. كما تم وضع تطبيق يضم قاعدة بيانات مركزية خاصة بالأشخاص المعنيين بهذا التدبير.

وبموجب القانون الجديد، يقرر قاضي تطبيق العقوبات استخدام هذا الإجراء إما تلقائيا، أو بناء على طلب المحكوم عليه شخصيا أو عن طريق محاميه، في حالة العقوبة السالبة للحرية التي لا تتجاوز مدتها ثلاث سنوات أو عندما تكون العقوبة المتبقية لا تتجاوز هذه المدة، مما يفهم منه أن المراقبة الإلكترونية تخص الجنح بالدرجة الأولى والجنايات بعد انقضاء المدة القصوى للعقوبة المقررة لها مما يجعل اللجوء إليها محكوما بمعايير، وهو توجه من المشرع يؤيد السياسة الجنائية التي تقوم على الإبقاء على العقوبة السالبة للحرية في الجرائم الأشد خطورة، وتقرير السوار الإلكتروني في الجرائم الأقل خطورة. وتحقيقا لفعالية قرار الوضع تحت المراقبة الإلكترونية، واتخاذ القرار من قبل قاضي تطبيق العقوبات بطريقة توافقية، نص القانون على أخذ رأي النيابة العامة عند إصدار مقرر الوضع تحت المراقبة الإلكترونية، ورأي لجنة تطبيق العقوبات بالنسبة للمحبوسين.

كما قيّد القانون شروط تطبيق المراقبة القضائية بجملة من المعايير، هي أن يكون الحكم المقرر للعقوبة نهائيا، وأن يثبت المحكوم عليه أن لديه مقر سكن أو إقامة ثابت. وحرصا على سلامة المحكوم عليه، نص القانون كذلك على ألا يضر السوار الإلكتروني بصحة المعني، وهو تأكيد على السياسة العقابية التي تبناها المشرع والتي تقوم على فكرة الدفاع الاجتماعي واحترام حقوق المحبوسين بما يسهل إعادة إدماجهم اجتماعيا عند قضاء عقوبتهم، بالإضافة إلى مبدأ تفريد العقوبة.

إن الوضع تحت المراقبة الإلكترونية يلزم المحكوم عليه باحترام مقتضياتها كما حددها قاضي تطبيق العقوبات. ويتمثل أهمها في بقاء المعني في منزله وعدم مغادرته أو المكان المعين في مقرر الوضع تحت المراقبة الإلكترونية خارج الفترات المحددة لذلك. وهو ما يؤكد على أن هذا الإجراء الجديد وإن كان يمكّن المحكوم عليه من قضاء فترة العقوبة أو جزء منها خارج المؤسسة العقابية. إلاّ أنه يلقي عليه جملة من الإلتزامات التي تحقق الهدف من تكريسها، وهي تقترب من ضمانات الرقابة القضائية. تعد الجزائر أول دولة في العالم العربي تستخدم السوار الإلكتروني، وثاني دولة على المستوى الإفريقي بعد دولة جنوب إفريقيا، مما يوحي بالمجهودات المبذولة في جعل المنظومة القضائية مواكبة لمختلف التطورات، بتحقيق ردع للجريمة يقوم على سياسة إعادة الإدماج واحترام حقوق المحكوم عليهم.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع الجزائري كان اعتمد منذ 2015 الوسائل الالكترونية في مجال الرقابة القضائية، أثناء مرحلة التحقيق القضائي، عند اتخاذ قاضي التحقيق لإجراءات الرقابة القضائية. وكان حصر امكانية اللجوء إلى هذه الإجراءات بخمس حالات حصرية تتمثل في إجراء عدم مغادرة المتهم الحدود الإقليمية التي حددها قاضي التحقيق إلاّ بإذن منه، عدم الذهاب إلى بعض الأماكن المحددة من طرف قاضي التحقيق، الإمتناع عن رؤية الأشخاص الذين يعينهم قاضي التحقيق أو الإجتماع ببعضهم، المكوث في إقامة محمية يعينها قاضي التحقيق و عدم مغادرتها إلاّ بإذنه، وأخيرا عدم مغادرة مكان الإقامة إلاّ بشروط وفي مواقيت محددة. كما أصبح بإمكان كل من قاضي الأحداث و قاضي التحقيق للأحداث بموجب المادتين 69 و 71 من القانون 15 12 المتعلق بحماية الطفولة، و كذلك قاضي الموضوع عندما يقرر إحالة القضية طبقا لمقتضيات المواد 125 مكرر 1، 3، و 339 مكرر 6 من قانون الإجراءات الجزائية الأمر باتخاذ تدابير المراقبة الإلكترونية.

 

التكنولوجيات الحديثة في خدمة المواطن والمتقاضي والقاضي

من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن عملية عصرنة العدالة التي جاء بها القانون رقم  15 03 المتعلق بعصرنة العدالة اعتمدت جملة من التدابير التي تهدف إلى تقريب العدالة من المواطن بصفة عامة والمتقاضي بصفة خاصة، بحيث نص القانون على إنشاء منظومة معلوماتية مركزية لوزارة العدل بغرض المعالجة الآلية للمعطيات التي تتعلق بنشاط وزارة العدل وكذا الجهات القضائية العادية والإدارية بالإضافة لمحكمة التنازع. فلقد أصبح بإمكان المواطن استخراج عدة وثائق عن بعد مثل شهادة الجنسية الجزائرية والقسيمة رقم 3 لصحيفة السوابق القضائية لكل من المواطنين الجزائريين المتواجدين في الجزائر والمقيمين في الخارج، سحب نسخة طبق الأصل من مرسوم التجنس موقعة إلكترونيا عن طريق بوابة الكترونية استحدثتها وزارة العدل، وإنشاء نظام التصديق الإلكتروني على الوثائق. وقد أتيح للمتقاضي متابعة مسار دعواه عن طريق بوابة الكترونية أنشئت لهذا الغرض تسمى "مآل قضيتك".

كما تم إدخال طريقة المحادثة المرئية عن بعد أثناء الإجراءات القضائية إذا برّر ذلك بعد المسافة أو حسن سير العدالة، حيث يمكن لقاضي التحقيق الاستجواب أو سماع شخص أو إجراء مواجهات بين عدة أشخاص. وتسمح هذه المحادثة كذلك لجهة الحكم سماع الشهود والأطراف المدنية والخبراء. ويمكن كذلك لجهة الحكم التي تنظر في قضايا الجنح أن تلجأ إلى هذه الآلية لتلقي تصريحات المتهم المحبوس بشرط موافقة كل من المعني والنيابة.

 

قائمة المراجع:

عبد الله وهايبية، شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، التحري و التحقيق، دار هومة، 2008.

مختار سيدهم، من الإجتهاد القضائي للغرفة الجنائية للمحكمة العليا، محاضرات قرارات ، موفم للنشر، 2017.

أمر رقم 66 155 مؤرخ في 8 7 1966 يتضمن قانون الإجراءات الجزائية، معدل و متمم لا سيما بالأمر رقم 15 02 المؤرخ في 23 7 2015.

أمر رقم 66 156 مؤرخ في 8 7 1966 يتضمن قانون العقوبات، معدل و متمم .

قانون رقم 15 03 مؤرخ في 1 2 2015 يتعلق بعصرنة العدالة.

قانون رقم 15 04 مؤرخ في 1 2 2015 يحدد القواعد العامة المتعلقة بالتوقيع و التصديق الإلكترونيين.

قانون رقم 05 04 مؤرخ في 6 2 2005 يتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الإجتماعي للمحبوسين، معدل بالقانون رقم 18 01 مؤرخ في 30 1 2018.

قانون رقم 15 12 مؤرخ في 15 7 2015 يتعلق بحماية الطفل.

 

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني