مأساة ضحايا “البرج” تفتح ملف الأبنية المهددة بالسقوط: انهيار مبنى يقتل عائلة ومسنون باقون تحت الخطر


2018-02-15    |   

مأساة ضحايا “البرج” تفتح ملف الأبنية المهددة بالسقوط: انهيار مبنى يقتل عائلة ومسنون باقون تحت الخطر

عبثاً انتظر تلامذة مدرسة "جنة الطلبة" في برج البراجنة صباح اليوم الخميس في 15 شباط 2018 قدوم سالي، زميلتهم الصغيرة، الجميلة، الشهيرة باجتهادها وتهذيبها. كانت سالي عيتاني (8سنوات) ممددة جثة هامدة تحت انقاض منزلها القديم الذي انهار عليها وعلى عائلتها. ماتت مع والدتها الثلاثينية زينب عمّار، فيما ما زال والدها سامر عيتاني (35 سنة) في العناية الفائقة في مستشفى الرسول الأعظم.

قتل الإهمال وشظف العيش سالي وعائلتها، فيما لا يزال جيرانهم في المبنى نفسه من آل برغل في شقتهم لعدم قدرتهم على تأمين بديل أخر، وفق ما أكدت فاطمة برغل ل"المفكرة". في المقابل، لم تقدم بلدية البرج أو الهيئة العليا للإغاثة التي حضر أمينها العام اللواء محمد الخير إلى مكان الحادث أي حل للعائلة الناجية التي بقيت تحت الخطر. وعلى أمل أن لا يسقط ما تبقى من المبنى على رأس فاطمة وأشقائها، يبقى ملف البيوت المهددة بالسقوط سيفاً مصلتاً فوق حياة آخرين تصل أعدادهم إلى الآلاف ربما. كثيرون لا يعرفون في أي لحظة تنهار الأسقف التي يتلطون تحتها في ظل تنصل الجميع من مسؤولياتهم. اليوم كان دور سالي وزينب وسامر الراقد بين الحياة والموت، ولا أحد يعرف من التالي.  

فقد استيقظ اللبنانيون صبيحة الخميس 15/2/2018 على خبر مفجع: انهيار مبنى في حي عين السكة –برج البراجنة أدى الى وفاة أم وطفلتها وإصابة الزوج بجروح خطرة استدعت اجراء عمليات جراحية في رأسه ووضعه في العناية المركزة. 

وبحسب رواية "الجيران"، انتقلت العائلة الصغيرة للعيش في بيت أهل الزوج بعد أن تعب من كثرة المصاريف التي يتكبدها: إيجار منزل بما لا يقل عن 400 دولار أميركي عدا بدلات الإشتراك والكهرباء والمياه الخ.. فيما لا يصل مدخوله الشهري عتبة الألف دولار. توفي والد سامر، فوجد أن الحل يكون بالعودة إلى منزل العائلة حيث ما زال بدل الإيجار مقبولاً نسبة إلى قدمه. نال قرضاً من احد المصارف، رمم المنزل قدر الإمكان وسكن مع زوجته وابنته.

قرابة الثالثة والنصف من فجر أمس، الخميس، دوى صوت أشبه بالإنفجار. سارع سكان عين السكة مسكونين بهول تفجيرات الإرهاب الأخيرة، ليجدوا نصف مبنى سكن آل عيتاني وقد انهار. سارعوا للإنقاذ ولكنهم لم يوفقوا سوى بسحب سامر عيتاني مصابا. قضت زينب الزوجة، بينما استغرق البحث عن سالي حوالي الساعتين من الزمن، ليجدوها جثة هامدة أيضاً.

"سمعنا دويّ إنفجار" هذا ما يتناقله سكان الحي عن اللحظات التي رافقت إنهيار المبنى فجراً. لكن الوقائع على الأرض لا تشي بذلك: فالمباني المحيطة سليمة كلياً ولا علامات واضحة لحريق أو آثار حريق أو دخان. فقط قسم من بناء منهار فيما بقي الجزء الأخر سليماً، ومع ذلك فإن سكانه وأصحاب المحلات فيه عاجزون عن تقبل الخسائر التي لحقت بهم، والأهم تحمل فكرة وفاة طفلة بريئة  مع أمها نتيجة الفقر والإهمال.

وتعيدنا هذه الحادثة الأليمة الى 15 كانون الأول 2012 يوم إنهيار مبنى فسوح في الأشرفية الذي سقط في ليلة ظلماء مخلفاً عشرات الضحايا، وبالتالي تعيد فتح ملف الأبنية القديمة المتصدعة والآيلة للسقوط ومسؤولية البلدية في إنذار السكان من الخطر المحدق به، ومسؤولية الدولة من ناحية أخرى في تأمين حماية أرواح الناس، سواء من خلال إعادة ترميم هذه المباني أو خلق التسهيلات  لإيجاد البدائل، ولكن…

ويقول مصدر مطّلع ومتابع للقضية ل "المفكرة" أن "المبنى المنهار قديم جداً ورئيس البلدية  السابق أراد أن يستملكه سنة 1994 لكن أصحابه رفضوا بيعه وقاموا بتحسينات خارجية في هيكله. وقد فتحوا محلات فيه وذلك طمعاً بتعويض أكبر في حال بيعه للبلدية". ولفت إلى أن "هناك حالات كثيرة مشابهة في المنطقة إذ يوجد العديد من المباني القديمة المهددة بالسقوط، لكن سكانها يتمسكون بفكرة البقاء في منازلهم مع معرفتهم بأنها قابلة للإنهيار في أي لحظة على الرغم من توجيه الإنذارات لهم". وأشار إلى قيام البعض من هؤلاء في كثير من الأحيان ب"الاستقواء بالأحزاب السياسية المهيمنة في المنطقة، وذلك طمعاً بتعويض أكبر حتى لو كان ذلك على حساب حياتهم". وأكد أن "البلدية تقوم بواجبها بالتبليغ ولا يمكنها القيام بأكثر من ذلك".

ولكن في مقابل هذا الكلام هناك حديث آخر للسكان: "المبنى لم يكن آيلاً للسقوط"، هذا ما يؤكده محمد عبدو الخليل، وهو يقف في مكان الحادث يتأمل إزالة الركام بحرقة. إذ إن لمحمد محلان واحد للحلاقة وآخر لبيع الأراجيل، لكن بين ليلة وضحاها بات باب رزقه ركاماً. وعما جرى قال:" لو كانت البناية فيها تصدعات لكانت سقطت بأكملها وليس جزءاً منها. وذكّر بأن "صاحب المنزل قام بترميمه بأكمله منذ أربع سنوات، أما المالكة ففتحت محلاً  لها في المبنى وقامت بترميم العواميد وكل شيء". ونفى الخليل أن يكون شاغلو المبنى قد تلقوا  "أي انذار من قبل البلدية، ولا حتى كلام شفهي بأن البناء مهدد بالإنهيار"، ليشير، وفق وجهة نظره أنه "لا يوجد أي سبب لحدوث هذا الانهيار".

في الجزء غير المنهار، تقطن عائلة برغل، التي لا يزال أفرادها تحت وقع الصدمة، من جرّاء الرعب الذي خلفه صوت الإنهيار عند ساعات الفجر الأولى، وخسارة جيرانهم، الذين تجمعهم بهم علاقة ألفة ومودة، والأهم من كل ذلك هو الخوف من أن ينهار ما تبقى من البناء فوق رؤوسهم.

لا تذكر حسنية برغل أن البلدية قد انذرت عائلتها سابقاً عن إمكانية وقوع المبنى. أما شقيقتها فاطمة فتقول:"حتى لو أنذرونا فما هو البديل؟ أين سنذهب؟ أنا لا أعمل وأعاني من المرض، واذا انتقلت وأختي الى منزل بإيجار جديد ولم ندفع لصاحبه عندها سيحضر قوى الأمن ويرمي بنا خارجاً".

وتابعت:"لا أحد منّا يحب أن يسكن في هكذا مكان لكن لا يوجد بديل، لا مساكن شعبية ولا تسهيلات لقروض فما الحل؟". وأكدت:"لا نخاف من البقاء في المنزل، واذا متنا سنرتاح، سامر كان يعمل ليلاً ونهاراً لإعالة أسرته. لم يفكر بإنجاب طفل آخر كان يقول لي دائما "يا فاطمة انشاء الله طعميها وربيها أحسن ترباية"، والآن خسر كل شيء" ورأت أنه من واجب البلدية أن تساعد الناس العاجزين عن ترميم منازلهم قبل وقوع الكارثة.

أما شقيق فاطمة حسني فيرى أنه "بعد أن وقعت الواقعة ربما ستتحرك البلدية، وتتملك المبنى بسعر مناسب وتعوّض على أصحابه، وبالتالي على المستأجرين"، مشيراً الى أنه كانت هناك نية من قبل البلدية في السابق لتملكه وتحويله الى "وسطية خضراء".

البلدية: الناس لا تستجيب لانذاراتنا

"لم يكن هناك علامات تشير إلى قرب انهيار المبنى"، وفق ما أكده رئيس بلدي برج البراجنة عاطف منصور ل"المفكرة". ورأى إن المبنى سقط "بفعل القدم والسيول والأمطار، ولأنه مؤلف من طابقيّن اثنين فقط، لم يكن يظهر أي مؤشر على سقوطه". وحمّل منصور المسؤولية بطريقة غير مباشرة لسكان المبنى الذين يعرفون بحاله أكثر من غيرهم وفق ما قال: ً"إذا اعتبرنا ان كل مبنى قديم مهدد بالسقوط، فبإمكاننا أن نطالب بإخلاء كل منطقة برج البراجنة".

ولفت الى أن بلدية البرج دقت ناقوس الخطر في موضوع المباني المهددة بالسقوط منذ نحو السنتين "ليس في البرج فحسب، وإنما في كل لبنان حيث هناك عشرات آلآف المباني المهددة بالسقوط، وعلى الدولة أن تتخذ الإجراءات اللازمة لحل مشكلتها".

وأكد بأن "البلدية عندما ترى مبنى مصدعاً توجه إنذاراً لأصحابه بضرور الإخلاء لكن الناس لا يستجيبون لأنهم يعجزون عن تأمين البديل"، مشيراً إلى أنه "ليس من الضروري ان كل مبنى سقط أو سيسقط قد وجهت البلدية له إنذاراً، فربما يكون البناء متصدع من أساساته، وبالتالي فإن من يسكن في المبنى هو الأدرى به"، وفق ما يرى منصور.

وتوقف عند مشكلة إنعدام القوانين المتعلقة بالموضوع "حتى قانون الايجارات لا يلحظ هذه النقطة، فالمالك يقول لماذا ارمم وأنا لا أتقاضى أكثر من 20 او 30 ألف ليرة كبدل إيجار لبناء يسكنه مستأجر منذ نحو 40 عاماً، وكذلك المستأجر لا ينفذ تصليحات في البناء ربما لضعف الإمكانية لديه، وبالتالي يبقى في منزله غير مبالٍ بالنتائج". وأكد منصور أن "البلدية تحتفظ بعشرات بل المئات الإنذارات التي يتم ارسال نسخ عنها للمحافظ، لكن الناس لا يتجاوبون".

 

مالكة المبنى

أما مالكة البناء، زينب العنان، فقد كانت تستلقي على أريكتها وعلامات الإعياء بادية عليها، فيما تغرق عيناها بالدموع: "كم تمنيت لو أن البناء انهار بأكمله دون أن يتسبب بوفاة هذه الطفلة البريئة".  وتؤكد العنان أنها بعدما علمت أن البلدية سبق وأنذرت السكان، توجهت اليهم وتأكدت أن هذا الأمر لم يحصل بتاتاً وانها أصدرت بياناً توضيحياً بعدم أكدوا لها جميعهم أن أحداً لم يعلمهم بالأمر لا خطياً ولا شفوياً. وأضافت: "لو أنه وصلني إنذار من قبل البلدية لكنت ألزمت المستأجرين بالمغادرة حتى لا أتحمل وزر نقطة دم واحدة"، نافية وجود "أي  مؤشر واحد على سقوط المبنى، والدليل أن ابنتي فتحت محلاً في البناء نفسه منذ أربعة اشهر، وهو لم يصب بأي أذى رغم انهيار جزء من المبنى".  وقالت العنان أن بلدية البرج تواصلت معها خلال الصيف الماضي ولكنها لم تشأ البيع: "ربما يعود إبني من إفريقيا ويفتح عملاً خاصا له في لبنان"، وفق ما بررت.

وأكدت العنان أنها ستقبل بالقرار الذي تتخذه الدولة بعد الكشف على العقار من قبل الجهات المختصة. وطالبت "بإجراء تحقيق شفاف وواضح لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء إنهيار المبنى لأننا لا نريد ضبضبة القصة فربما يكون السبب عمل أمني وليس مجرد أنهيار مبنى قديم"، وفق ما قالت.    

 الهيئة العليا للإغاثة

ومن أمام المبنى المنهار، أعلن رئيس بلدية البرج عاطف منصور، استعداد البلدية القيام بكل ما يلزم، فيما تفقد رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد الخير المكان يرافقه فريق للكشف على المبنى ومعاينة الأضرار. وأشار خير إلى أنه "تبين وفق الرأي الهندسي أن المبنى غير قابل للترميم وستتم ازالته وتقديم بدل ايواء للسكان". من ناحية أخرى زار نائب كتلة الوفاء للمقاومة علي عمار المكان أيضاً ودعا "الدولة الى تحمل مسؤوليتها تجاه انهيار المبنى، وشدد على ضرورة إجراء مسح عام لكل الابنية في لبنان".

 

  

 

      

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني