بعد سنوات من حظر التجمع في ساحة النجمة، أول الهتافات نسوي


2018-01-29    |   

بعد سنوات من حظر التجمع في ساحة النجمة، أول الهتافات نسوي

تحت عنوان “8 مش عدد” تجمع مواطنون/ات في ساحة النجمة في بيروت، يوم السبت بتاريخ 27 كانون الثاني، للاعتراض على “نهج” التعامل مع جرائم العنف ضد النساء. لا سيما أن هذه الجرائم تستمر بحصد حيوات النساء وبوتيرة متزايدة. فقد قتلت خلال شهر ونصف ثماني نساء. هذا التحرك تميز على عدة أصعدة، أبرزها أنه التحرك المطلبي الأول داخل ساحة النجمة بعد سنوات من إقفال ساحة البرلمان أمام التحركات المطلبية. إلى جانب ذلك، لم تقتصر الدعوة إلى التحرك على الجمعيات المتخصصة بقضايا العنف الأسري. فالى جانب الجمعيات المعنية بقضايا حقوق المرأة، شارك في الدعوة إلى الاعتصام والتوقيع على بيانه حملات مدنية، نوادي جامعية، ومراكز أبحاث. إلى ذلك، حمل الخطاب أبعاداً تتخطى العنف الأسري ضد النساء إلى العنف والتهميش الممنهج لهذه الفئة من المجتمع.

 

“ليست حوادث فردية”

لائحة النساء اللواتي قتلن في أسرهن تطول، وللسلطات الثلاث – التشريعية والتنفيذية والقضائية- دور مركزي في ذلك. حيث أنها تلعب دوراً سلبياً يزيد النساء هشاشة على جميع الأصعدة.

في هذا السياق، يؤكد البيان الذي تلته رئيسة جمعية كفى عنف واستغلال زويا روحانا، أن “هذا التحرك هو البداية والتحركات مستمرة طالما أجهزة الدولة مستمرة بالاستخفاف بجرائم قتل النساء وطالما لم يحصل استنفار حتى الآن على المستوى السياسي بشكل عام وعلى المستوى التشريعي والقضائي بشكل خاص لحماية النساء وتحقيق العدالة لهن”. فهذه الجرائم “ليست حوادث فردية منفصلة عن بعضها البعض بل هي نتيجة مباشرة للمنظومة الثقافية والسياسية والاقتصادية التي تنتج العنف الممنهج ضد النساء وتكرّسه في القوانين والعادات والتقاليد والتربية”. ذلك أن وصول العنف ضد النساء حدّ القتل “يعكس التمييز التاريخي للدولة اللبنانية تجاه المرأة في قوانين تكرس تبعية المرأة للرجل كما في قوانين الأحوال الشخصية أو تضعها في مرتبة أدنى من الرجل كما في قانون الجنسية، وفي تباطؤ القضاء في اصدار الأحكام العادلة ولا سيما في قضايا قتل النساء، وفي تقاعس المشرعين عن تعديل أو إلغاء القوانين التمييزية والمجحفة بحق النساء”.

أما على صعيد التشريع لحماية المرأة من العنف الأسري تحديداً، يشير البيان إلى ضرورة “الإسراع في احالة مشروع تعديل القانون 293 الى مجلس النواب للتصويت عليه من أجل تشديد الحماية وتفعيلها وتشديد العقوبات على جرائم قتل النساء”. في هذا السياق ينتقل الخطاب إلى التأكيد على ضرورة كف يد الطوائف عن التحكم بالقوانين فتكون “الطوائف خاضعة لسلطة الدولة وليس العكس”.

إلى ذلك، وعلى الرغم من صدور قرارات قضائية مشددة في قضايا قتل نساء خلال العامين الفائتين، تحديداً في قضيتي رقية منذر ومنال عاصي (حكم محكمة التمييز)، فإنها تبقى غير كافية لسد الثغرة الكبيرة على صعيد القضائي. لهذه الناحية، يذكر البيان على سبيل المثال لا الحصر، بقضية رولا حيث “لا يزال هذا الملف عالقاً منذ عام 2013 ولغاية تاريخه أمام محكمة الجنايات والمرتكب يحاكم وهو حرّ طليق”. كذا “على الرغم من صدور حكم عادل بجريمة رقية منذر في العام 2016 لا يزال القاتل حتى اليوم فارًّا من وجه العدالة”. كذلك الأمر “من غير المقبول أن يبقى العديد من الملفات اكثر من 3 سنوات بانتظار أن يصدر فيها القرار الظني ولا تصل حتى اليوم إلى محكمة الجنايات ومن غير المقبول أن يبقى قاتل ندى بهلوان الذي فرّغ سلاحه في جسدها في الشارع حراً طليقاً حتى الساعة”.

إلى ذلك، تلفت روحانا إلى الحديث الحاصل عن قانون عفو عام، فتتمنى أن “لا تشمل قضايا قتل النساء بهذا العفو، لان الأحكام يجب أن تكون مشددة في هذه القضايا”. وهي تؤكد هنا أن المطلب بالنسبة لكفى “ليس الإعدام، فلا يجب أن يكون هناك جريمة إعدام مع تفهمنا لردة فعل الأهل ومطالبتهم هذه الناتجة عن حرقة قلبهم”.

 

أهالي الضحايا أمام “البرلمان”

والد الضحية زهراء القبوط التي قتلها طليقها منذ سنة وعشرة أشهر، يطالب من ساحة البرلمان “السياسيين بكف اليد عن الرجال فلا يؤمنون لهم الغطاء لتأخذ العدالة مجراها”. يكمل مخاطباً المشاركين في التحرك: “علينا أن نحث جيراننا وأقاربنا أن يتضامنوا لمنع هذه الجرائم، أنا ابنتي أعرف أنها لن ترجع ولكني أريد أن أحمي بنات الجميع هنا”. يكمل أن “الضغوط التي تمارس على أهالي الضحايا والإغراءات كثيرة، ولكن لا أحد يجب أن يقبل بها أو تؤخذ بعين الإعتبار”. يرى الوالد أن “على الأهالي أيضاً أن يلاحقوا ملفاتهم، ليتكلموا مع النائب الذي يمثلهم”. في هذا السياق يقول أنه “تحدث مع نائب بعلبك الهرمل لكي يأتي إلى الإعتصام، فأجابه أنه حالياً في قريته لا يستطيع أن يأتي لأن لديه مشاغل”.

المحامية فاطمة الحاج المتوكلة عن أهل الضحية ندى بهلوان التي قتلت في 22 الجاري، نقلت رسالتهم إلى المشاركين: “قتل ندى بهلوان كان نتيجة حمايتها لثلاث فتيات هن بناته ولسن بناتها، لكنهن قررن نتيجة العنف الذي مارسه عليهن وعليها أن يحتموا في بيت أهلها بموجب قرار قاضي أحداث وقرار حماية بموجب قانون العنف الأسري، مع شقيقهم وهو إبن الضحية. وكانت آخر مواجهة للفتيات مع والدهن لدى التحري بـ 18 كانون الثاني الجاري، حيث هدد أنه إن لم يتمكن من أخذ بناته بالقانون سيأخذ حقه بيده. هذا التهديد ترجم في صباح 22 كانون الثاني حين قتلها بـ 9 رصاصات، فأراد الأهل أن يوضحوا أن قتلها ليس ابتزازا ماليا وليس قصة مصاحبة (يتم تناقل إشاعات عن كون سبب القتل هو ارتباط الزوجة بعلاقة عاطفية)”. إذن توضح المحامية أن القتل كان “نتيجة حضانة أم لبناتها وهن بالمعنى البيولوجي بنات زوجها من زوجة أخرى، وقضية ندى تختلف عن باقي القضايا لأنها قتلت وهي بصدد حمايتها لـ 3 فتيات كن عرضة للعذاب معها”.

في الساحة، علت الهتافات التي رفعتها شابات شاركن في تنظيم الاعتصام أو انضممن إليه. “يا مجلس شرّع، يا قاضي سرّع” هتفن. وأكدت أن “الثورة” هي على “الذكورية، الأبوية، الطائفية، الواسطة، العنف اليومي، العنف الجنسي، الإغتصاب”. ذلك أن مقتل النساء في أسرهن، لا يبرره “الغضب”، ولا يبرر الإغتصاب “سلوك المرأة”. بكلام آخر، هذه القضية لا يمكن أن تعالج خارج سياق عام، يحدد بناء النظام ككل، وهو بناء يضع المرأة في مرتبة أقل من الرجل ويجعلها تابعة له. 

بهذا المعنى، ترفع شابة لافتة كتب عليها “ثار غضبه فأقدم على قتلها، نعم لتعديل المادة 252 عقوبات”. وذلك في إشارة إلى الأسباب التخفيفية التي تمنح للقاتل عندما يتذرع بالغضب لتبرير قتله فردا من أفراد أسرته. وهو ما استفاد منه زوج منال عاصي في الحكم الصادر بحقه عن محكمة الجنايات في بيروت، قبل ان تفسخ محكمة التمييز الحكم وتقرر صراحة أن لا مجال لتطبيق المادة 252 عقوبات على قتل النساء.

 

للمرة الأولى أمام البرلمان

اعتبرت ساحة النجمة منطقة محظورة على التحركات المطلبية لسنوات خلت[1]، وخلال كل الفترة التي كان المجلس النيابي يمدد فيها لنفسه. فقد جرّد المواطنين من حقهم بالاعتراض أمام ممثليهم مباشرة، إلى جانب تجريدهم من حقهم بالاقتراع. ومن أبرز المشاهد المحفورة في ذاكرة الناشطين، مشهد سحل الناشطين السبعة من جمعية شمل، حين أرادوا تمثيل مشهد زواج مدني للمطالبة باقرار القانون. [2]

إلى ذلك، برزت مسألة حظر الدخول إلى ساحة النجمة خلال الحراك المدني لعالم 2015 والذي بدأ على خلفية أزمة النفايات. وقتها منع المتظاهرون من الإقتراب من ساحة النجمة بشتى الوسائل، فاستخدم العنف والقنابل المسيلة للدموع كما تم تسييجها والتشدد في إجراءات الوصول إلى الساحة. واستمر الحال على هذا المنوال، حتى بداية عام 2018 حيث أقيمت احتفالات بمناسبة رأس السنة الجديدة، نظمتها بلدية بيروت. ليعلن قبل أيام رئيس مجلس النواب عن إتاحة ساحة النجمة أمام الناس من جديد. كل ذلك في سياق غريب عن مفهوم المساحات العامة، التي لا يجوز منع الدخول إليها إلا من خلال قرارات معللة وواضحة ومؤقتة في حال وجود حاجة، وهو ما ينتفي في حالة ساحة مجلس النواب.

إذن، الإعتصام المطلبي الأول في ساحة النجمة بعد هذا الحظر جاء نسوياً، قالت فيه النساء أنها لن تنتخب لسلطة ذكورية، ورفعت صوتها مطالبةً بحماية قانونية فعلية وإنهاء النظام الطائفي بما ينتجه من تحكم ذكوري أبوي، واستبداله بنظام المساواة والعدالة.

 


[1] -الهام برجس، إعتصام طلعت ريحتكم:العنف لإعادة المتظاهرين إلى بيوتهم، جريدة المدن الإلكترونية، 23 آب 2015

[2] – زينب مرعي، العسكر يشتت شمل الزواج المدني، الأخبار، مجتمع، العدد 1817، 25 أيلول 2012. الرابط

 


انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، حراكات اجتماعية ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني