بلدية الدكوانة تُعلن الـno gay land بعمل حربي وتفتح النقاش العام بشأن الهوموفوبيا


2013-05-31    |   

بلدية الدكوانة تُعلن الـno gay land بعمل حربي وتفتح النقاش العام بشأن الهوموفوبيا

بعد الانتصار الذي حققه المجتمع المدني السنة الفائتة بشأن الغاء الفحوصات الشرجية (فحوصات العار)[1]، بفعل المعركة التي قادتها المفكرة القانونية وجمعية “حلم” لالغاء هذا الانتهاك الفاضح لحقوق الانسان، فاجأت بلدية الدكوانة من خلال رئيسها الرأي العام اللبناني بردة مضادة، في اتجاه مزيد من التشدد والتهميش لشريحة واسعة من مواطني المجتمع.

فرئيس بلدية الدكوانة لم يكتف بمداهمة ملهى Ghost، بحجة أنه بات مرتعا للمثليين (“هيدا وهيدا” وفق تصريح رئيس البلدية لتلفزيون LBCI)، فجر نهار الأحد الواقع في 21 نيسان الماضي، انما عمد الى القاء القبض على بعض الأشخاص من التابعية السورية؛ أحدهم من متحولي الجنس؛ واقتيادهم إلى مقر الشرطة البلدية حيث تعرضوا للضرب المتكرر والعشوائي والاهانات والاذلال والتحرش. وفي أجواء من الاستهزاء الجماعي، تم ارغام اثنين من الموقوفين على تقبيل بعضهما أمام أعين عناصر شرطة البلدية؛ كما تم ارغام الشخص المتحول جنسيا على خلع ملابسه بالكامل وتصويره وسط جو من الهرج والمرج بحجة اثبات هويته الجنسية أو تحوله الجنسي. وقد حصل كل ذلك بمبادرة محلية ومن دون أي تنسيق مسبق مع النيابة العامة خلافاً للأصول المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات الجزائية. لا بل أنه لم يجر التحقيق في أي جرم من أي نوع كان، فلم يكتب أي محضر تحقيق ولم يحل أي من الموقوفين الى شرطة الآداب أو الى مكتب مكافحة المخدرات لمواجهة أي من التهم المعلن عنها. ورغم ذلك، قامت شرطة البلدية من دون أي دليل وزورا بتدوين محضر ذكر أسماء الموقوفين مع اتهامهم صراحة بجرائم لم يتم التحقيق معهم فيها(أهمها ممارسة الدعارة وتعاطي المخدرات)، وقد تم تعليق هذا المحضر على باب الملهى كذريعة لإغلاقه.

وما زاد الأمر فداحة، هي التصريحات العلنية لرئيس البلدية نفسه: فلم يكن هدف المداهمة ضبط جريمة معينة (ممارسة الدعارة مثلا)، انما اقصاء المثليين بشكل عام من نطاق بلديته، وبكلمة أخرى تطهيرها من هؤلاء الذين لا مكان لهم في بلدية الدكوانة. فهو لا يرضى بتواجد “نصف رجّال” و”نصف امرأة” في هذه البلدية “المعروفة بعنفوانها” وبكونها “قلعة الصمود”، اذ يؤكد: “نحن حاربنا، دافعنا عن أرضنا وعن شرفنا مش تا يجوا أشخاص… يمارسوا هل أمور عندي بالدكوانة”[2]. وبذلك بدا شختورة وكأنه يستخدم مواهبه في شن الحروب لشن حرب جديدة ضد المثليين حفاظا على قلعة صموده، وهو لا يتورع لهذه الغاية عن اعلان امارته الخاصة التي تستقل في قوانينها وفي حكمها عن قوانين الدولة ومؤسساتها، فلا تقيم لها أي اعتبار.

هكذا، وبشكل اعتباطي تماما، حلل شختورة لنفسه ثلاثة أمور:
1-أن يحقق بالأفعال المرتكبة في بلديته، فيداهم ويحبس من دون أي تنسيق مسبق مع النيابة العامة وبمعزل عن أية اشارة منها؛
2-أن يحقق في قضايا لا تعد جرائم جزائية كتحويل الجنس أو ارتداء ذكور لملابس نسائية أو وضع شخصين من الجنس نفسه يدا بيد وما ورد من أفعال استهجنها في حديثه التلفزيوني؛ وبكلمة أخرى في مجمل القضايا التي يكرهها دون أي اعتبار لمبدأ أن لا جرم من دون نص؛
3-ألا يتورع عن استخدام أساليب تحقيق ماسة بالكرامة الانسانية ضاربا بعرض الحائط الحقوق الأساسية المكفولة في الدستور وفي المعاهدات الدولية. فالأساليب المشار اليها أعلاه تشكل بداهة انتهاكا فادحا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يحظر إخضاع أي كان للتعذيب أو للمعاملة اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة كما يضمن لكل فرد من أفراد المجتمع الحق في الاّ تتعرض خصوصيته لأي تدخل أو مساس.
وقد بدا تصرفه على هذه الأصعدة كافة بما شابها من تعرض لحقوق أساسية، وكأنه يحلل لنفسه كل شيء باسم المدافعة عن الأخلاق العامة كما يفهمها هو، مما يشكل بالطبع بالمعنى السوسيولوجي على الأقل جريمة هوموفوبيا بامتياز. وهذا ما عكسه عدد كبير من المواقف المدنية الصادرة تنديدا بهذه الظاهرة، وفي مقدمتها الاخبار الذي تقدمت به جمعية “حلم” وعدد من المواطنين والمنظمات المدنية[3] الى النيابة العامة التمييزية بتاريخ 30-4-2013 ضد رئيس بلدية الدكوانة أنطوان شختورة متهمين اياه بارتكاب 11 جرما جزائيا، ما شكل بالتالي سابقة فريدة من نوعها في الحراك الاجتماعي في لبنان مفاده قلب اتجاه أسهم الملاحقة الجزائية. فبدل أن يستباح المثلي باسم القانون والأخلاق العامة، شكل هذا الاخبار تهمة لمن يترك لنفسه عنان الهوموفوبيا فيستبيح كل شيء. وفيما أن النيابة العامة التمييزية لم تقم بالتحقيق مباشرة في الجرائم الواردة في الاخبار كما تفعل عادة في الجرائم الخطرة، فانها سجلت الاخبار لديها وأحالت الملف الى النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي كلود كرم، وذلك خلال مدة يومين من وروده اليها.

ومن أهم الجرائم التي أشار اليها الاخبار، الآتية: احتجاز غير شرعي للحرية واكراه أشخاص على اجراء أفعال منافية للحشمة وايذائهم وارتكاب أفعالا مخلة بالآداب العامة وارتكاب جريمة التزوير الجنائي من خلال تدوين شرطة البلدية محضرا ذكرت فيه أسماء الموقوفين متهمة اياهم صراحة بجرائم لم يتم التحقيق معهم بشأنها، فضلاً عن ارتكاب جرم منع اللبنانيين من ممارسة حقوقهم المدنية، اذ ان الأفعال التي قامت بها شرطة البلدية والاقوال التي نطق بها رئيس البلدية من شأنها ترهيب أي شخص لبناني مثلي أو يخشى من اتهامه بذلك من الاقامة في نطاق الدكوانة، مع تحريض القاطنين في البلدية على الكراهية ضد هؤلاء وتاليا قمع وتهميش فئة واسعة من المجتمع، الأمر الذي يشكل طبعاجريمة الحض على نزاع بين عناصر مختلفة من الأمة[4].

والى ذلك، سجل تحرك مدني لافت تنديدا بهذه الأفعال، بدءاً من مواقع التواصل الاجتماعي وصولاً الى الاعتصام أمام النيابة العامة التمييزية لمطالبتها بالتحرك، ليكلل لاحقا بالاخبار المذكور اعلاه. ويجسد عملياً هذا الاخبار، بداية الملاحقة القضائية لرهاب المثلية (homophobia).

ومن المؤسف بالمقابل، أن يكون هذا الحراك قد قوبل بتحرك من البلدية مدعومة بأحزاب سياسية مثل التيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية (التي أظهرت بذلك وجها فاشيا واضحا) بمزيد من التعنت، بحيث ظهرت يافطات في الشوارع الرئيسية من منطقة الدكوانة تؤيد – أو بالأحرى تمجّد – بالآمر الصامد للمنطقة (الرجل)، كما وقّعت مراجع روحية القسم الآخر منها مثل الرهبنة الأنطونية. واللافت في هذه اليافطات انها غضت النظر كليا عن النقاش القانوني، بل أنكرته للدفاع عن الأفعال المرتكبة، مستخدمة لهذا الأجل منطق غريزة الشارع: فمنها من تؤكد على أن “المحافظة على الآداب لا تحتاج الى قوانين بل الى الرجال، وانت (أي شختورة) الرجل”، وأخرى تذكر أن “فساد الأخلاق أشر وأمضى من أي فساد”. وبالطبع، فان الاعلانات المتضامنة هذه ليست الا امتدادا لخطاب رئيس البلدية نفسه الذي لم يتوان عن الاستعانة بمجموعة من القيم الدينية والذكورية أملا أن يفوز على جبهة الغرائز، والتي تشكل الباب الأوسع للهوموفوبيا، ومعركة حتما خاسرة على جبهة القانون.

*حائز على اجازة في القانون من جامعة القديس يوسف في بيروت
نُشر في العدد التاسع من مجلة المفكرة القانونية



[1]يراجع بهذا الخصوص الجدول المنشور على موقع للمفكرة القانونية الالكتروني والذي يستعيد أبرز محطات التخاطب العام بهذا الشأن، تحت عنوان: “قضية فحوص العار تصل الى خواتيمها: استعادة لأبرز محطات التخاطب العام بهذا الشأن (أيار ‑ أيلول 2012)“، تاريخ 31-8-2012.
[2]تراجع النشرة الاخبارية المسائية لمحطة الـLBCIبتاريخ 23-4-2013، والمنشورة على موقع المحطة الالكتروني.
[3]يمكن الاطلاع على الاخبار على الموقع الالكتروني للمفكرة القانونية، منشور تحت عنوان “الإخبار الذي تقدمت به جميعة حلم وبعض أعضاء المجتمع المدني“، تاريخ 2/5/2013.
[4]كما تضمن الاخبار الجرائم الأخرى الآتية: التزوير الجنائي (م. 457/عقوبات)؛ انتزاع اقرار ومعلومات بالقوة(م. 401/عقوبات)؛ اساءة استعمال الموظف لسلطته (م. 371/عقوبات)؛ اهمال الواجبات الوظيفية (م. 373/عقوبات)؛ والذمبإحدى وسائل النشر(م. 582/عقوبات).
انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني