التوقيف الإحتياطي في الجامعة اللبنانية: الواقع حاجة أخرى


2017-05-04    |   

التوقيف الإحتياطي في الجامعة اللبنانية: الواقع حاجة أخرى

حتى العام 2001، كان يطبق في لبنان قانون المحاكمات الجزائية الصادر في العام 1948. وقد بقي هذا القانون معمولاً به رغم قدمه وعدم تلاؤمه مع الفكر الحديث للمجتمع واحتوائه الكثير من الثغرات التي تطاول حقوق المدعى عليه وحرياته الشخصية. وعليه، صدر قانون جديد لأصول المحاكمات الجزائية عام 2001 الذي جاء "منسجماً" والمبادئ الدستورية وشرعة حقوق الانسان. وذلك عبر "إقامته نوع من التوازن بين حقوق المجتمع في الأمن والاستقرار وبين الحقوق التي تكرسها المبادئ الدستورية المستمدة من الشرعة الدولية لحقوق الانسان". كان هذا الحديث جزءاً مما أدلى به عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية، الدكتور كميل حبيب. وذلك في ندوة حملت عنوان "قاضي التحقيق والتوقيف الاحتياطي" بمشاركة مدير الفرع الرابع للكلية في زحلة، الدكتور أكرم ياغي وقاضي التحقيق في بعلبك زياد دغيدي، والمحامي الدكتور مازن ترّو والدكتورة كارن دغيدي. وقد أدارت محاور الندوة، نخبة من أربع طالبات متفوقات في كلية الحقوق الفرع الرابع.

تمحورت الندوة حول أربعة عناوين أساسية تتعلق بالتوقيف الاحتياطي من ناحية النصوص القانونية. وهذه المواضيع هي: التوقيف الوجاهي، مدة التوقيف، المراقبة القضائية والتوقيف الغيابي. وقد إستند حبيب على المادة الثامنة من الدستور اللبناني التي تكرس الحرية الشخصية، مؤكداً أن "الحرية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف الا وفقاً لأحكام القانون". كذلك يشير الى أنه "لا يجوز القبض على الشخص أو إيقافه بصورة تعسفية دون إتخاذ الإجراءات القانونية السلمية بهذا الخصوص". وفي كل الأحوال، يبقى ضرورياً "تحريم إخضاع المتهم للتعذيب أثناء التحقيق الأولي والتحقيق القضائي". ويشدد على أن "القوانين الجزائية وضعت لردع المجرمين وحماية المجتمع من جهة ولحماية الأفراد من جهة ثانية عبر أصول وإجراءات جزائية". مع الإلتفات دائماً الى أن هذه "الإجراءات فرضت قيوداً على السلطة عند إقدامها على تجريد شخص من حريته بحجة تطبيق القانون أو حفظ أمن المجتمع أو النظام". وأبرز هذه القيود هي: "وجوب محاكمة المتهم أمام قضاء مستقل ونزيه بصورة سريعة مع مراعاة مبادئ العلنية والشفافية والوجاهية". بالإضافة إلى المحافظة على "قرينة البراءة، بضمان مبدأ أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته". في هذا الإطار يشرح حبيب أن كل "خروج على القانون وكل تجاوز له في معاملة المشتبه بهم، مهما كانت مدة التوقيف الاحتياطي، يشكل جرماً يعاقب عليه القانون. إذ لا حصانة لأحد عند خرقه القانون في ممارسة عمله"، في إشارة منه الى الكشف عن الحقيقة أثناء التحقيق دون استعمال العنف الجسدي أو المعنوي.

التوقيف ليس الأصل

 واستناداً الى المادة 107 من قانون أصول محاكمات جزائية، يكون قاضي التحقيق ملزماً بتعليل قرار التوقيف الاحتياطي، استناداً إلى أسباب حددها القانون. وهي أن يكون التوقيف الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات أو المعالم المادية للجريمة، أو الحيلولة دون ممارسة الإكراه على الشهود أو على المجني عليهم. أو لمنع المدعى عليه من إجراء أي اتصال بشركائه في الجريمة أو المتدخلين فيها أو المحرضين عليها. أو أن يكون الغرض من التوقيف حماية المدعى عليه نفسه، أو وضع حد لمفعول الجريمة، أو الرغبة في اتقاء تجددها، أو منع المدعى عليه من الفرار، أو تجنيب النظام العام أي خلل ناجم عن الجريمة. كذا وتوضح المادة 108 من القانون نفسه، أنه ما خلا حالة المحكوم عليه سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين، وهذه المدة يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد أقصى في حالة الضرورة القصوى. هذا ولا تتعدى مدة التوقيف في الجناية الستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة، باستثناء الحالات التي تتصف بجنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب، وحالة الموقوف عليه سابقاً بعقوبة جنائية.

من هنا يؤكد المحامي مازن ترو أن "الواقع يجافي العديد من النصوص القانونية" ذلك أن "بعض القضاة ولا سيما قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق يقومون بتأويل النصوص في قانون المحاكمات الجزائية، على الرغم من وضوحها". هذا ويشدد على أن "التوقيف الاحتياطي يعد الإجراء الأخطر في مرحلة التحقيق الابتدائي كونه يشكل اعتداءً صارخاً على حرية المدعى عليه، وذلك في مرحلة تسبق صدور حكم قضائي". وعليه يعتبر ترو أن "المشرع اللبناني منح مُكنة (إجازة) التوقيف الاحتياطي لقاضي التحقيق وفقاً لشروط وقواعد محددة". بالتالي لا يصح، وفقاً لترو، "إستخدام هذه الرخصة بإسهاب من قبل القاضي… ذلك أن القاضي ملزم إحترام النصوص القانونية".

قاضي التحقيق

في السياق نفسه، أفسحت خبرة القاضي زياد دغيدي من يوميات المحاكم، مجالاً أمام الطلاب والطالبات ليستوضحوا كيفية تعامل القضاة مع مختلف الإجراءات القانونية من ناحية التوقيف الاحتياطي. فكان تساؤل الطالبات حول الغاية من استطلاع رأي النيابة العامة لإصدار مذكرة التوقيف الاحتياطي فيما رأي النيابة ليس الزامياً. فأجاب دغيدي أنه "جرت العادة على ذلك، الا أن إستطلاع الرأي ليس مسألة أولية". ولفت الى أنه "في بعض الاستثناءات، تدعي النيابة العامة وتطلب إستجواب المدعى عليه في بعض الجرائم". هذا وشرح القاضي دغيدي عن أسباب الهشاشة في التعليل عند إصدار بعض مذكرات التوقيف أن ذلك "من مصلحة سرية التحقيق". وفي حالات التوقيف إن كانت وجاهية أو غيابية، يبقى للقاضي الحق باسترداد مذكرة التوقيف الغيابية حصراً، وذلك بعد موافقة النيابة العامة.

من ناحية أخرى، أشار القاضي الى أن "القانون أجاز لقاضي التحقيق في حالات معينة، إصدار مذكرة توقيف لو كانت مخالفة للقانون، حيث تكون الأدلة شبه ثابتة على المدعى عليه". وأوضح أنه في تلك الحالات يكون الجرم فيها خطيراً، ولا يجوز ترك المتهم حراً طليقاً. مثال: جرائم قتل، واتجار بالمخدرات، واختلاس أموال وغيرها من الجنايات الكبيرة. وعلل القاضي دغيدي أسباب تجاوز مدة التوقيف الاحتياطي في بعض الحالات متسائلاً، عما إذا كان "كافياً الالتزام بمدة التوقيف القانونية عندما تكون الجرائم شديدة الخطورة، كدعوى بوجه أحد الأشخاص سبق أن أصدرت بحقه عشرات مذكرات التوقيف"، وذلك في حالات الشيكات بلا رصيد وترويج المخدرات. وعلى الضفة الأخرى، تحدث القاضي دغيدي عن حالات تجري فيها "المبالغة في الوصف الجرمي، مثال شخص يتعاطى المخدرات، يأتي إدعاء النيابة العامة بحقه على أنه الترويج"، الأمر الذي يحيل المتهم الى الجنايات بدلاً من الجنح، فيتقيد القاضي بالمهل المختصة بالجنايات وهي أطول من تلك المتقلقة بالجنح. وعرض القاضي مثالاً آخر عن "ادعاء على شخص بتهمة محاولة قتل، وهي في الحقيقة إطلاق نار".

كذا يلفت دغيدي إلى الثغرات التي تقف عائقاً أمام القضاء لأدائه واجبه. فيشير الى النقص في الأجهزة المكملة للتحقيق القضائي، كالأجهزة الأمنية وقسم الجنايات، وهي أمور تؤدي مثلاً الى  التأخر في إصدار التقارير الجنائية لشهور. بالإضافة الى النقص في الآليات والعديد(عناصر الأمن)، ما يؤخر نقل المتهمين إلى أماكن احتجازهم. كذا أن النقص في عدد المحامين العامين، وعدد القضاة في محاكم التحقيق يؤدي الى تأجيل المطالعة بالأساس لفترات تتجاوز الشهور.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني