دعوى تزوير ضد طبيب شرعي تستغرق سنوات، ودعوى الخطأ الطبي معلقة حتى انتهائها


2017-03-30    |   

دعوى تزوير ضد طبيب شرعي تستغرق سنوات، ودعوى الخطأ الطبي معلقة حتى انتهائها

بتاريخ 24 آذار 2017، حضرت المفكرة القانونية جلسة جديدة في قضية رفعها مواطن ضد طبيب شرعي، على خلفية تزوير تقريره، وهي قضية ما تزال عالقة أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت نفسه منذ حوالي سنة 2012. وبالتدقيق، يسجل أن هذه القضية هي مجرد قضية متفرعة عن قضية أخرى، كان رفعها المواطن نفسه مع أشقائه ضد مستشفى الجامعة الأمريكية وأطباء عاملين فيها على خلفية وفاة والدتهم في المستشفى المذكور في ظروف تدعو للشبهة حسبما جاء في الدعوى. وفي التفاصيل، أن الدكتور وديع القنبري أدخل والدته  في 22/1/2008 إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت. وقتها كانت تعاني من ضيق تنفسي عادي، غير أنها خرجت من المستشفى جثةً إثر أعراض لا تمت لحالتها التنفسية بصلة. مراجعة قنبري للمستشفى لم تسفر إلا عن تبريرات تتعلق بتقدم المريضة في السن. ما دفعه وأشقاءه للجوء إلى قضاء العجلة في بيروت لطلب تكليف طبيب شرعي يحدد أسباب الوفاة. وتم بناء عليه تكليف الدكتور ح. م. من قبل القاضي فادي النشار. وفي ظل تبلور شكوك لدى الجهة المدعية حول إغفال الطبيب الشرعي لعديد من الوقائع التي شهدوا عليها من خلال تواجدهم مع والدتهم في المستشفى نفسها، تقدموا مرة أخرى من قضاء العجلة بطلب تعيين طبيب شرعي أخصائي آخر. هذه المرة عينت القاضية زلفا الحسن الطبيب إلياس خوري وهو متخصص بأمراض الجهاز الهضمي. وقد وضع هذا الأخير تقريراً انتهى إلى نتائج معاكسة.

وعلى خط موازٍ، تمّ التقدم بدعوى أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت ضد مستشفى الجامعة الامريكية وخمسة من الأطباء الذين شاركوا في عملية علاج والدتهم منذ دخولها الى المستشفى حتى وفاتها. وفي متن النظر بهذه الدعوى، استدعي د. ح.م للشهادة. وقد أدلى عند سؤاله عن أسباب الوفاة أنها حصلت لمعاناة المريضة من سرطان المعدة. وإذ تم تقديم الإثباتات على الخطأ الواقع في هذه الشهادة، عاد الطبيب ليتراجع عن أقواله مدلياً بأن المحكمة أخطأت بتدوين أقواله. وتبعاً لذلك، تقدم ذوو المتوفاة بدعوى تزوير ضد الطبيب المذكور. ومنذ ذلك الحين، تمّ توقيف النظر بالدعوى الأساسية (أي الدعوى المقامة ضد الجامعة الأميركية) حتى يتمّ الإنتهاء من الدعوى المقدمة ضد الطبيب، علما أنه ليس لقول الطبيب في هذا المجال أي تأثير فعلي على مسار الدعوى، لرجوعه عن قوله ولوجود تقرير طبيب ثان أكثر رصانة ودقة.

إذن الدعوى ضد الجامعة الأميركية لا تزال معلقة بإنتظار القرار في قضية التزوير. حيث توقف القاضي الناظر في الدعوى عن البحث في قضية الوفاة إثر تحريك دعوى التزوير ضد ح.م.  والدعوى الأخيرة طالت مدة النظر بها في ظل الفترات الطويلة التي يتم إرجاء الجلسات خلالها (حوالي 6 أشهر بين الجلسة والأخرى).

يوضح وكيل قنبري المحامي جوزيف غزالي أن الأمر خاضع لسلطة القاضي الإستنسابية. فله أن "يسحب التقرير من الملف فلا يعود من الضروري تعليق الدعوى الأولى (ضد المستشفى) على الثانية (ضد الطبيب). كما له أيضاً أن يتركه ليقرر ما اذا كان سيستند اليه. بالتالي لا يمكن السير بالدعوى الأولى إلا بعد البت بالثانية". على الرغم من ذلك، لا يجد قنبري أمر التأجيل تقنياً إلى هذا الحد. يقول أن "قضية التزوير عالقة أمام القضاء منذ 4 سنوات من دون أي تقدم يذكر".  وهو يرد ذلك إلى "مماطلة المحامي الخصم وتأجيل مواعيد الجلسات 6 أشهر بين الجلسة والأخرى". أما الأسوأ، برأيه، هو أن "القاضي أوقف النظر في الدعوى ضد الأميركية، مع العلم أن معطيات قضية التزوير مختلفة". بالتالي، بنظره، كان بإمكان القاضي أن يكتفي بتقرير الطبيب خوري لو أقنعه، وإلا تعيين طبيب آخر لحسم أسباب التناقض بين التقريرين وتحديد المسؤوليات. وهذا الأمر يستوي أيضاً ولا يتناقد مع غزالي، سوى أن الأخير يلتزم بعدم توجيه أي إنتقاد لكيفية تسيير القاضي لهذه القضية.

أما قنبري، فهو يتخوف من وجود ضغوطات وتدخلات في القضاء لعرقلة سير القضية. وهو يرد تخوّفه هذا الى كون "الطبيب ح.م هو أخ مدعي عام تمييزي سابق". كل هذه المعطيات تطرح أسئلة عديدة حول مدى قدرة الجهاز القضائي وجهازيته في النظر في قضايا تتعلق بمسؤولية مستشفى عن ضرر أصاب مريض. فهذه القضايا لو صدر فيها قرار، يأتي بعد سنوات طويلة. أما عن الطبيب ح.م، فهذا ملف آخر، وهو ملف الأطباء الشرعيين، وهو ملف شائك وموضوع تشكيك في لبنان[1]. يضاف الى هذا الواقع، مسألة خصوصية صفة الطبيب المتهم بتزوير شهادة، فهل هذا عنصر ضغط إضافي يرزح تحته القاضي؟

جلسة 24 آذار…المرافعة

يسلسل وكيل الجهة المدعية المحامي جوزيف غزالي "التحريفات" الصادرة عن الطبيب ح.م في مرافعة خطية قدمها أمام القاضي الناظر في الدعوى. ف ـ"في جلسة 17/1/2012، وأثناء سماع إفادته في دعوى المدعي (قنبري) بوجه مستشفى الجامعة الاميركية والأطباء، صرّح المدعى عليه "أن فحص أنسجة خزعة الأمعاء، قد أوضح وجود خلايا سرطانية أدّت الى تقرح الإمعاء". هذا الأمر ينفيه، وفقاً للمرافعة، كل من نتيجة فحص خزعة المعدة والمذكرة التي تقدمت بها الجامعة الأميركية والأطباء بتاريخ 22/5/2012 بهدف تصويب هذه الأقوال وفحواها. وجاء في مذكرة المستشفى أن "الخزعة خلافاً لما أدلى به الطبيب، لا يظهر وجود خلايا سرطانية"". يعود الطبيب في جلسة لاحقة (18/6/2015) ليدلي أنه "لم يقصد" ما دُوّن لناحية الخلايا السرطانية في المعدة. وأنه كان "يقصد وجود خلايا سرطانية في فحص خزعة الثدي". لهذه الناحية توضح المرافعة أنه "لا يوجد في الملف الطبي أي فحص خزعة للثدي، وأن فحص الخزعة الوحيد الموجود هو للأمعاء". على خط موازٍ، يشير تقرير الطبيب نفسه إلى معاناة المريضة من مرض الـ"كرون" (التهاب الأمعاء المزمن). وهو أمر وفقاً للمرافعة غير مذكور في أي تقرير من التقارير الطبية الموجودة في الملف الطبي. وتنتهي المرافعة الى الإشارة الى تقرير الطبيب خوري، لما فيه من إثباتات طبية تنفي مضمون تقرير الطبيب.

بما أن الرافعات قدمت بصورة خطية للقاضي، الأمر الذي حجب إمكانية توثيق فحواها من قبل المفكرة القانونية خلال متابعتها للجلسة القضائية. حاولت المفكرة الإتصال بوكيل الطبيب المحامي مالك موسى. الأخير رفض الإدلاء بأي أمر يتعلق بمضمون المرافعة على إعتبار أنها "علنية في الجلسة وليس للصحف". ليعود ويكرر تأكيده عدم رغبته بنشر أي تفصيل من الحديث الذي دار معه.

قنبري ضد الأمريكية

يصف تقرير الطبيب الشرعي إلياس خوري، وهو ينسحب على العقدين الأخيرين من حياة الوالدة، وفاة السيدة عائشة على أنه حصل في "ظروف مأساوية". فقد أدخلت الأخيرة الى المستشفى "بسبب ضيق تنفسي عادي ما لبثت أن شفيت منه خلال بضعة أيام لولا تعرضها إلى إنتكاسات مرضية أدت إلى الوفاة". إلى ذلك، أدى "استعمال جهاز التنفس الـ bipap  استعمالاً مخالفاً للقواعد العلمية إلى إنسداد جزئي كبير لأمعائها الدقيقة وبالتالي إلى إنتفاخ كبير في البطن جراء دخول الهواء إلى المعدة والإمعاء من الجهاز". ما لبثت أن شفيت المريضة من هذه الإنتكاسة، وفقاً لما يرد في التقرير، لكنها عادت وتعرّضت لانتكاسة جديدة ناتجة عن "إهمال في معالجة ما أصابها من إمساك حاد لمدة أسبوعين". ونتج عن ذلك حصول "إلتهاب وتقرح كبيرين أديا الى نزيف كبير في نفس المنطقة من أمعائها أوديا بحياتها بصورة مأساوية". والإهمال هنا يتعلق بـ "المراقبة الطبية ونوعية وطريقة العلاج الذي لم يحصل في الوقت والطريقة المناسبتين". ينتهي التقرير، وهو شديد التفصيل، إلى الإشارة  لضرورة تصحيح المستشفى لشهادة الوفاة الصادرة عنها لا سيما لناحية تحديد سبب الوفاة. ففي حين تحدد المستشفى توقف القلب عن العمل على أنه سبب مباشر ورئيسي وتضع النزيف في الجهاز الهضمي في خانة الـ"أسباب الأخرى"، فإن "الدقة تستدعي" وفقاً لـ"خوري" الإعتراف في شهادة الوفاة أن "توقف القلب عن العمل ناجم عن نزيف أمعائي كبير". أما "الاسباب الأخرى للوفاة فهي المضاعفات الحاصلة بسبب الإنسداد الإمعائي الكامل.

من جهته يزيد قنبري لـ"المفكرة القانونية" بالإضافة إلى ما جاء في التقرير الطبي، وصفاً لما عانته والدته من "آلام جسدية ونفسية وروحية مروعة". فقد تم "حرمانها من الكلام ومن التعبير عن معاناتها وحتى من مسكنات الألم خلال أكثر من عشرين يوماً كبلت خلالها الى السرير". فيصف كيف شاهد وأخوته والدتهم "تتألم من دون مسكن، ومن دون قدرة حتى على التعبير بالكلام أو الحركة بسبب تكبيلها"، متسائلاً عن "كرامة المريض وحقه بعدم التعرض لهذه الآلام".

الجلسة القادمة تنعقد في 11 أيار 2017.

 


[1] – بهذا الصدد يمكن مثلاً مشاهدة حلقة "الجريمة الكبرى" من برنامج تحت طائلة المسؤولية الذي يعرض على قناة الجديد (الرابط)

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، مقالات ، الحق في الصحة والتعليم ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني