تنظيم ملف اللاجئين: لماذا تشددت بلدية كفررمان؟


2016-10-25    |   

تنظيم ملف اللاجئين: لماذا تشددت بلدية كفررمان؟

دخول البلديات على خط إدارة أزمة اللاجئين السوريين في لبنان خفف من آثار حصر الملف بيد السلطة المركزية. لكنه بالمقابل أدى إلى تناقض كبير على مستوى الإجراءات المتخذة بحقهم بين بلدية وأخرى. وبين الحالات الأكثر تشدداً، برزت بلدية كفرمان -قضاء النبطية – التي أصدرت القرار رقم 148 بتاريخ 11 آب 2016، بمنع السوريين من ارتياد الأماكن العامة أو ركن سياراتهم فيها. كما حدّ القرار من إمكانيتهم إقامة حفلات الاعراس، رابطاً اقامتهم في القرية بانتماء كفيلهم اليها. وكان قد انتشر وقتها في البلدة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي يمهل السوريين مهلة 15 يوماً لمغادرة البلدة في حال كانوا لا يملكون إقامات قانونية أو في حال كان كفيلهم من خارج البلدة.

غياب المرجعية الفعلية للبلديات في إدارتها لهذه الأزمة كانت الفرضية الأكثر ترجيحاً لتبرير التناقضات بين البلديات. وقد عزز الحديث الذي أجرته المفكرة القانونية[1] مع مستشار وزير الداخلية خليل جبارة صحتها. فالأخير أوضح أن وزارة الداخلية لا تستطيع منع البلديات من تنفيذ قرارات حظر التجول لارتباطها بهواجس اللبنانيين، تاركة الأمر للبلديات وللخلية الأمنية المركزية والخلايا الفرعية المشكلة على مستوى القضاء.

مجموعة من التعاميم الصادرة عن الخلية الأمنية الفرعية في منطقة النبطية تنقض الفرضية الأولى، ليتضح من خلالها أن وزارة الداخلية تدفع البلديات من خلال تعاميم صادرة عن الخلايا الأمنية إلى اتخاذ قرارات مماثلة. يوضح مصدر المفكرة القانونية الذي أطلعها على هذه التعاميم، أن الاجراءات التقييدية الواردة في قرار بلدية كفررمان، لا سيما عدم السماح للاجئين بدخول الأماكن العامة، وعدم السماح لهم بركن سياراتهم في الأماكن العامة، والتشدد في الشؤون المتعلقة بالكفالة، "كلها واردة في تعاميم الخلية الأمنية" التي تعبر عن سياسية وزارة الداخلية. بهذا المعنى تكون البلديات مجرد واجهة لإرادة السلطة المركزية، من دون أن تعبر قراراتها بالضرورة عن حقيقة توجهاتها. أما ما هو أكثر خطورة، فيتمثل بكون التضارب في الإجراءات بين بلدية وأخرى، يرجح أن يكون ناتجاً عن تفاوت في التعاميم الصادرة عن سلطة مركزية واحدة عبر خلايا أمنية متعددة.

الإكتظاظ كتبرير للتشدد
مسؤول ملف اللاجئين في بلدية كفرمان محمد نجدي يؤكد خلال حديث مع المفكرة القانونية، أن البلدية متساهلة نسبةً لمضمون التعاميم التي تتلقاها. ويبرر صدور هذا القرار عن المجلس البلدي بالإكتظاظ الذي تعاني منه البلدة مؤخراً. فالعدد وصل إلى "ثمانية آلاف لاجئ سوري في بلدة عدد سكانها كان تسعة آلاف بالإضافة إلى حوالي ثلاثة آلاف لبناني من القرى المحيطة". الأخيرة "تطرد السوريين منها فيتوافدون الى كفرمان". هذا العدد الكبير أدى الى ضغط لا تحتمله البنى التحتية للبلدة. كما أدى أيضاً إلى مخاوف أمنية "في ظل وجود جميع هؤلاء الأشخاص المجهولين بالنسبة للسلطة المحلية". المشكلتان تفاقمتا في ظل "تقصير الحكومة والجمعيات والمنظمات الدولية في تأمين الدعم اللازم". يقول نجدي: "نحن نعاني من عدم قدرة الدولة على تنظيم الملف، فليس من العدل أن يكون لدينا 8000 شخص في قرية واحدة من دون الأخذ بالاعتبار القدرة الاستيعابية لكل بلدة وقدرتها".

أما بالنسبة للقيود التي وضعها القرار على إقامة السوريين للأعراس، ومفادها منع قامة الاعراس "إلا بعد إعلام البلدية وذلك حصراً في الإستراحات بعيداً عن أماكن التجمعات السكنية على أن يتم تحديد ساعة العرس ومكانه وعلى أن تنتهي الأعراس عند الساعة السابعة والنصف"، فقد بررها نجدي بكون الأعراس تضم مئات المدعويين الذين لا تعرفهم البلدية وقد تخللت مشاجرات بالضرب والسكين. هذا الإدعاء لقي اعتراض لاجئ التقته المفكرة القانونية. الأخير أكد أن هكذا إشكالات "لم تحصل بالمطلق، إلا أن النظرة المسبقة التي في ذهن أبناء القرية تضع السوريين في خانة واحدة لا تمت للحضارة بصلة، وهذا الأمر غير حقيقي".

إسقاطات المنظمات الدولية: أولوية البلدية للبنى التحتية
يجد نجدي أن المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الدولية "تسقط إسقاطاً، وهي منفصلة عن الواقع". عضو البلدية ليس الوحيد الذي يعتبر أن بعض المشاريع تفاقم الأزمة بدلاً من حلها. فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة مثلاً، تستأجر محلات تجارية ليقيم فيها مجموعات كبيرة من الشبان اللاجئين، أو تستأجر شقة لكل عائلتين أو ثلاث. هذا الأمر أدى، وفق أحد اللاجئين في كفرمان، إلى امتناع كثيرين عن البحث عن ظروف سكن أفضل على الرغم من تمتعهم بمدخول جيد يمكنهم من استئجار شقق خاصة بعائلاتهم. أما نجدي فيشرح بالتفصيل والأرقام كيف ينعكس هذا الإكتظاظ داخل الوحدات السكنية سلباً على البنى التحتية. يستند في ذلك إلى الإحصاءات التي أجرتها البلدية على مبان يقطنها لاجئون. أحد هذه المباني يتألف من عشر شقق يسكنها 92 شخصاً، في حين أن "معدل عدد السكان في مبنى مماثل هو حوالي الـ50". مبنى آخر مؤلف من 7 وحدات سكنية بغرفة واحدة، يسكنه 36 شخصاً.

كيف تنعكس هذه الارقام عملياً على البنى التحتية؟ يقول نجدي" توجهنا إلى شركة المياه بسبب عدم كفاية الكمية التي يتم ضخها إلى القرية، فجاءنا الجواب بأن الشركة تعرف بوجود 1500 مشترك وهي تضخ كمية ملائمة لهذا العدد". لتلقف هذه الأزمة، توجهت البلدية نحو "التعاون مع منظمات دولية منها الـUNDP التي أنشأت بئر مياه". هذا المشروع يحتاج لكي يستمر إلى "8 موظفين و400 دولار شهرياً بدل محروقات، أي حوالي 6000 دولار شهرياً". كل هذا من أجل تأمين "5 أو 6 ساعات مياه اضافية يومياً فقط".

أما بالنسبة لباقي المشاريع، كتلك الهادفة إلى تأمين "فرص عمل مؤقت لشريحة صغيرة جداً من السوريين أو تعليمهم صناعة الدمى، فإنها لا تفيد لا اللاجئين ولا البلدة" وفقاً لنجدي. الأخير يعتبر أنه من "الأجدى لو تساعد هذه الجمعيات بتحسين واقع البنى التحتية".

البلدية: نريد التنظيم… لا الطرد
"الأزمة السورية والنزوح السوري إلى لبنان لم يعد حالة استثنائية بعد أن مر عليه أربع سنوات" يقول نجدي. لذا "بات من الضروري إيجاد حلول تؤدي إلى انصهار السوريين في المجتمع اللبناني". إذاً القرار الذي طالب السوريين بالرحيل عن البلدة التي لا يكون كفيلهم منها، يرمي إلى "تنظيم قد يجعلنا بغنى عن تخفيض عدد السوريين المقيمين".

يشرح نجدي أنه منذ دخول القرار حيز النفاذ بدأت تبرز العديد من الثغرات تطلبت من البلدية بعض التعديلات في كيفية تنفيذه. أهمها عدم القدرة على الطرد على أساس انتماء الكفيل مناطقياً لا سيما بعد أن "تبين أن 90% من اللاجئين السوريين في كفرمان كافليهم ليسوا من نفس البلدة". عملياً، بقي ممكناً "لكل سوري يكفله شخص من البلدات المحيطة أو القريبة أن يستمر في الإقامة في كفرمان". بالمقابل لا يسري هذا الأمر بالنسبة لمن يرتبط بكفيل من مناطق بعيدة "مثلاً طرابلس أو زغرتا أو غيرها من الحالات التي كانت موجودة".

ينفي نجدي أن تكون البلدية قد "اتخذت أي قرار بالطرد حتى اللحظة". ولكنه أكد أن ما يقارب 200 سورياً قد غادروا البلدة. هي فقط "تلزم اللاجئين بفتح ملفات لهم لديها ودفع الضرائب المتوجبة على كل مقيم في النطاق البلدي، على أن تخضع هذه المعلومات للتجديد السنوي". هذه الملفات لن تؤدي إلى إصدار بطاقات تعريف للاجئين أسوة بما يحصل في جعيتا مثلاً. يشير نجدي الى أن الإستشارات التي حصلت مع المحافظ قبل اصدار القرار اعتبرت "هذا الإجراء غير قانوني". وقد أشار المحافظ أيضاٌ إلى "عدم قانونية التدخل في مكان إقامة اللاجئ إنطلاقاُ من محل اقامة كفيله". غير أن المجلس البلدي التزم برأس المحافظ لجهة عدم جواز اصدار البطاقات لكن بالمقابل أصر على اشتراط أن يكون الكفيل من ابناء البلدة لمن يريد الاقامة فيها.

على الرغم من أن بلدية كفرمان تجد أن "تنظيم وجود اللاجئين يختصر جزءاً كبيراً من المخاوف، حتى الأمنية منها"، إلا أن نجدي لم يبدِ موقفاً حاسماً بالنسبة لمرحلة ما بعد الإنتهاء من تنفيذ القرار، تحديداً بالنسبة إلى استعادة اللاجئين حقهم بالتجول الحر. باختصار، "تحتاج البلدية إلى الكثير من الوقت للوصول إلى استنتاجات بالنسبة لوضع اللاجئين أو حتى لتقييم نتائج القرار. حتى ذلك الحين، ما يهمنا ليس طرد اللاجئين بل تنظيم أوضاعهم".

السوريين: "هنا يطالبوننا بالعودة وهناك يمنعون دخولنا"
لم تتمكن المفكرة من لقاء لاجئين سوريين غادروا البلدة نتيجة قرار البلدية. لكنها التقت بوسام، وهو لاجئ سوري انتقل الى لبنان أواخر عام 2011، وهو اليوم يملك استثماره الخاص في كفرمان، يعتاش منه. وعلى الرغم من ذلك، بات "وسام" يفكر في مغادرة البلدة، مثل "كثر رحلوا بعد تطبيق القرار". فخلافاً لنجدي الذي نفى وجود حالات طرد فعلي، وأشار إلى 200 شخص تركوا البلدة لا أكثر، يقول وسام أن "عدداً كبيراً من اللاجئين تركوا البلدة" نتيجة هذا القرار.

عام 2006 التقى وسام بزوجته أثناء لجوئها إلى سوريا اثناء حرب تموز. زوجته سورية الجنسية، ولبنانية الولادة والمنشأ، أباً عن جد. يعرف وسام عن جدّ زوجته، نقلاً عن أهل المنطقة: "هو عمَّر القرية التي ولدت هي فيها". اليوم تعيش الزوجة كما عائلتها وزوجها في "قفص كبير". فمن الصعب الآن أن "تنحصر تنقلات زوجتي وتنقلاتنا كعائلة لا سيما أن أقاربها وأهلها جميعهم يسكنون هنا".

يوافق وسام على أن "اتخاذ البلدية لإجراءات أمنية يصب في مصلحة السوريين كما اللبنانيين". لكن هذه الاجراءات تبقى مقبولة بالنسبة اليه ما دامت تنحصر بـ"الشباب الذي يقيمون وحيدين أو العائلات التي تنتقل حديثا إلى المنطقة إلى حين معرفة اللازم عن أفرادها". خارج هذا الإطار، يشعر وسام أن حياته " باتت بين خيارين أو النار أو النار، ما في مي ونار". يضيف: "منطقتنا في سوريا آمنة في الداخل، لكن النظام لن يسمح لنا بالدخول اليها… نحن نعيش بين نارين هنا يطالبوننا بالعودة وهناك يمنعوننا من الدخول".

 


[1] – الهام برجس وغيدا فرنجية: " وزارة الداخلية في ادارة اللجوء السوري: الاقامات تفيد لبنان… لكن الدولة لا تنتج سياسات"، نشر في العدد 43 من مجلة المفكرة القانونية، ايلول 2016.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لجوء وهجرة واتجار بالبشر ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني