رأي في “الحراك المدني”


2015-09-07    |   

رأي في “الحراك المدني”

لا شك بأن الحراك المدني ناجح حتى الآن. وسبب نجاحه الأول يعود إلى تشكل رأي عام سياسي مناصر للأمور الحياتية اليومية بعد أن غلب في لبنان ولسنوات عدة خطاب "وجودي" برّر الحياة العامة حصراً من باب الخطر السعودي-الإيراني وبالتحديد من خلال ازدواجية "الممانعة" (8 آذار) و"محور الاعتدال" (14 آذار).وكل ما يلي من أمور أخرى متعلقة بالسلاح أو أزمة التمثيل، أو العطب في الخدمات العامة لم يكن يبرر سوى أنه امتداد طبيعي لتلك المعادلة الخارجية.

يظهر هذا الحراك حالياً، وكأنه مبني على أربع ثنائيات أساسية يجب العمل على عدم ترسيخها كتناقضات:

1-    الأنا المضخمة والعمل الجماعي: يبدو أن هنالك أناساً يريدون أن يستفردوا بالقرار، أو الإستفادة من الحراك من أجل مصالح شخصية لعلهم ينجحون حيث فشلوا في مكان آخر… بالمقابل هنالك مجموعات عدة، وتنوعها بالمناسبة دليل عافية، تريد أن تعمل وتتشارك في القرار. عدم ردم هذه الهوة سيؤدي حتماً الى إضعاف الحراك داخلياً، مما سينعكس حتماً على تماسكه خارجياً.

2-     البداية من العدم أم تراكمات: استطرادا للنقطة الاولى، هنالك فئة من الناس تعتقد بأن الحراك انطلق من العدم، وبالتالي لا قيمة مضافة لأي عمل أو حراك قد سبقه (كحملة إسقاط النظام في العام 2011  أو حراك هيئة التنسيق النقابي). في المقابل، هنالك رأي يقول بأن الحراك هو نتيجة رأي عامّ متراكم ولا قيمة للمنظمين سوى أنهم كانوا نشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. ضرورة وضع الحراك الآن في سياقه التراكمي من شأنه أن يدعمهوإعطاء حق لمن بدأه يساهم أيضاً في تخفيف الأنا المضخمة.

3-    العمل الميداني الصرف والمعرفة: هنالك أهمية قصوى لهذه الثنائية. بالطبع هنالك أشخاص يمتلكون فنا وقدرات في تحريك الشارع وتحضير الرأي العام. في المقابل هنالك أشخاص آخرين على إحاطة تامة بالملفات التقنية بشكل خاص (كملف النفايات، الصندوق البلدي المستقل…وقانون الانتخابات). وعدم ربط الخبرات تلك ببعضها البعض خطر على الحراك.فاستئثار الناشط حصراً بأسلوبه يؤدي الى إضعاف الحراك، وهذا ما ظهر جلياً على الاعلام حيث ظهر البعض منهم غير ملم إطلاقاً بأبسط المعرفة السياسية، أو التقنية. في المقابل، ترك المعلومة وعدم ايصالها الى الناشط سيؤدي حتماً الى إرهاق الحوار الاعلامي بعناوين فضفاضة لا قيمة لها على المدى البعيد.

4-     المركز – الأطراف: شارك في المظاهرات حملات من مناطق عدة، أهمها حملة "عكار مش زبالة" والتي اتخذت لنفسها مكانا هامشيّا في ساحة الشهداء في 29-8-2015. كيف نبرر إقصاءها والاكتفاء بتقديم الشكر لها على مكبر الصوت؟

لا شك بأن هنالك جهداً كبيراً يَصبّ في التحضير الميداني للمظاهرات، والضغط الذي يشعر به المنظمون هائل. لكن هنالك أمور لا تقل أهمية تحدث في سياق متواز. فلم نسمع كثيراً عن إضراب موظفي سوكلين لمدة يومين؟ ولا دعم قُدّم لإضراب عمال المرفأ أيضاً. فهل هذا تقصير أم محاولة للتركيز المقصود على جانب أحادي للحراك؟ في كلا الحالتين، هنالك حاجة لمعالجة هذا الخلل. التشبيك مع النقابات ودعمها، أو قبول الدعم منها، لا يضعف الحراك ويغيبه بل يقويه.

النقاط أعلاه جراء مراقبة ميدانية ومتابعة غير مباشرة للحراك. وهي ليست اتهاماً ولا تبريراً. شكراً.
 
الصورة من أرشيف المفكرة القانونية، تصوير علي رشيد

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني