كلمة السيدة وداد حلواني رئيسة لجنة المخطوفين و المفقودين قسريا في لبنان (المؤتمر الصحفي في 25-9-2014)


2014-09-25    |   

كلمة السيدة وداد حلواني رئيسة لجنة المخطوفين و المفقودين قسريا في لبنان (المؤتمر الصحفي في 25-9-2014)

الخميس 25/9/2014  
                                                                                                       
السبت الماضي، 20 أيلول2014، الساعة 10.30 صباحاً، تسلّم المحامي نزار صاغية من رئاسة الحكومة، بوكالته عن لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان ولجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد)،  نسخة عن ملف التحقيقات التي أجرتها لجنة التحقيق الرسمية عام 2000 للكشف عن مصير أحبائنا. بعد قليل، بثّت وسائل الاعلام الخبر. مذ ذاك  لم يتوقف رنين هاتفي ، كلٌ يسألُ عن مفقوده.. يريد الاطمئنان إن كان اسمه وارداً في الملف ، شو عرفوا عنّو، وينو ، شو صار فيه.. طمنينا..حتى أني سمعتُ بعض الذين رحلوا من الأهالي.. بالكاد استطعتُ أن أميزّ صوت أوديت سالم عن صوت غزالة عميرات ، نايفة نجار، عن موسى جدع… كتار. كلمة “طمنّينا” سكنتْ أذنيّ.. تواترت دون انقطاع وما تزال، وإن توقفّت لدقائق ناب صداها.. كيف لي أن أطمئنكم، يا ليتني أستطيع ذلك..

إني أقف أمامكم اليوم، وكأنّ الزمن أعادني 14 سنة إلى الوراء.. علّي أن أعطي رأياً في قضية تتخطّاني، قضية تعني آلاف اللبنانيين والمقيمين على أرض لبنان، حولهم ووراءهم عشرات الآلاف من أهاليهم وأقاربهم.

قبل 14 سنة، أيضاً كان علّي أن أتحمّل مسؤولية إعطاء رأي بالنتيجة التي أعلنت إثر انتهاء لجنة التحقيق الرسمية إياها ، والتي أوصت بإحالتنا إلى القضاء المختص لتوفية أحبائنا .. يومها سقطت الضربة على الأهالي قوية، قاسية.. لكننا عضضنا على الجرح، سندنا بعضنا البعض، شكرنا الرئيس سليم الحص لأنه شكّل أول لجنة رسمية للاستقصاء عن أحبتنا – ومن باب أخذ العلم أفيدكم، أن ضميري قادني إليه، إلى منزله وبعيداً عن الإعلام، قبل بدء دوامنا الخميس الماضي– يومها رفضنا، كلجنة أهالي، الخلاصة  التي أعلنت .. رفضناها ليس لأننا كنا متأكدين أن أحبتنا كلهم أحياء، بل لأن التوصية بتوفيتهم بالجملة  جعلت الشك سيد الموقف، وكثرت التساؤلات لدينا : ترى، هل قامت اللجنة بالتحقيق الجّدي أم لا؟ من هي الجهات أو الأشخاص الذين خضعوا للتحقيق؟ هل حصل مسح ميداني أم لا؟ ما هي الأدلة التي استندوا اليها حتى توصلوا الى النتيجة التي أعلنت؟ هل التوصية التي ختموا بها مهمتهم هي نتيجة علمية دقيقة أو حصيلة سياسية؟ كيف تكون نتيجة “علمية” وهم لم يعثروا على مخطوف واحد، لا حياً ولا ميتاً ولا حتى على رفات واحد منهم, هم أصلاً لم يأخذوا بصماتنا الجينية حينها وما زالوا يتمنّعون عن إجراء ذلك..؟!

اليوم، وبعد نضال دام 14 سنة (منذ تشكيل اللجنة الرسمية وليس منذ بدايته العام 1982) ، تكرّس حقنا بالمعرفة بالقرار التاريخي الذي أصدره مجلس شورى الدولة في 4 آذار 2014 والذي أكّد عليه لاحقاً في شهر حزيران بعد محاولة الدولة الالتفاف على هذا القرار وطلب وقف تنفيذه.
اليوم تكرّس وترسّخ هذا الحق بعدما أجبرنا الدولة على تنفيذ القرار القضائي المذكور وتسليمنا نسخة عن كامل ملف التحقيقات “دون انتقاص أو تقييد أو استثناء” كما ألزمها مجلس الشورى، وكما هي تعهدّت.

أعرف أنكم تنتظرون معرفة ماذا وجدنا داخل الصندوق الذي يُطبق منذ 14 عاماً على التحقيقات المتعلقة بمصائر أحبتنا.. لن أغوص في “أعماقه” (إذا كان له عمق) سأترك الكلام لأهل الاختصاص والقانون، للمحامي الواقف معنا أبداً، الأستاذ نزار صاغية. 

بعجالة وبساطة أقول أني لم أجد محضرَ تحقيق واحد جرى مع مسؤول واحد من ضمن قائمة القيّمين على يوميات الحرب وسلطات الأمر الواقع آنذاك أو مَن ينوب عنه. كأن لجنة التحقيق الرسمية اكتفت بالتحقيق مع أصحاب الحق، مع الأهالي وأراحت المرتكبين حتى من توجيه سؤال واحد لأي منهم.

أنا لم أجد في الصندوق تحقيقاً  يكشف عن مصير مفقود واحد..  وجدت لوائح بأسمائهم، تواريخ الخطف والجهات الخاطفة، مراسلات إدارية… وإذا كانت هذه الوثائق هي الدليل على اهتمام الدولة وقيامها بمسؤولياتها كاملة تجاه أبنائها،  فأين هو الدليل  الذي جعل هذه الدولة تخطف هذا التقرير وتحجبه عنا 14 عاماً بحجة  تهديد السلم الأهالي في حال اطلعنا عليه!!

اليوم بتنا على يقين عما كان وراء الورقتين اللتين أعطينا إياهما قبل 14 عاماً،  تأكدنا مما كان ظناً. نعم، التحقيقات لم تُجر، ومن باب حسن النية أقول لم تُجر كما يجب. ما يسمى بـ”التقرير” تمّت صياغته من عنديات المخافر والمراجع الأمنية.. النتيجة أو النتائج صيغت بحبر سياسي خالص..
 
خلاصة القول أن ملف التحقيقات الكامل – بشهادة رئاسة الحكومة –  يحمل وجهين:

الوجه الأول: رخيص ومخيف، يدل على قلة الاعتبار الذي تكنّه الدولة منذ 40 سنة تقريباً (لا أقصد هنا الرئيس تمام سلام) لأولادها، لشريحة ذنبها الوحيد أنه ليس لديها مرجع غير الدولة ، وليس لديها بديلٌ عن الدولة.. ونحن لا ولن نقبل بذلك بعد الآن، سنتابع نضالنا حتى تعترف الدولة ببنوتها لنا، بأننا أولادها الشرعيون ..

الوجه الثاني: فيه نفحة أمل إضافية ولو أن المشوار أمامنا ما يزال طويلاً.
إن إجبارنا للدولة على تنفيذ القرار القضائي هو خطوة متقدمة على الطريق الصحيح.
نعم، إن قرار مجلس شورى الدولة هو ضوء في الظلام، ضوء للاعتراف بأحبائنا، بنا وبقضيتنا..
إنه تكريس لحقنا في المعرفة، وإن انصياع الدولة ولو متأخرة هو اعتراف بهذا الحق..
 
ولكل من يتساءل بشأن مدى الفائدة باستلام هكذا ملف تحقيق، أقول: نعم استفدنا، كان من الضروري الحصول عليه هذا الملف، بالرغم من شكوكنا التي تأكدت للأسف، لتكريس وترسيخ حق المعرفة، من أجل استخلاص دروس عما لا يجب القيام به، وبالتالي ما يجب القيام به.

لن نفرّط بالانجاز الذي حققناه، انه المفتاح لولوج باب الحقيقة.

لا أرغب بترداد الأسلوب الذي اعتمدته الدولة ازاءنا وازاء أحبتنا  والقضية منذ ما يقارب الـ40 عاماً ، لكن ما هو أخطر اليوم أن هذا الصندوق هو بمثابة شاهد حسي على الكذب الرسمي الذي مورس علينا منذ 14 سنة، إنه الصندوق الوثيقة الشاهد على جرم الكذب.. مرة أخرى سنلجأ إلى القضاء لنقاضي الدولة في الوقت المناسب ولو بعد 100  سنة على هذا الجرم.

 
لكني اليوم، أجد من واجبي أن أشكر الرئيس تمام سلام الذي سلمنا هذا الملّف، وأطلب منه رسمياً ، ومن هذه الحديقة على مقربة من مكتبه في السراي الحكومي، باسمي وباسم العزيز غازي، وبالنيابة عن أهالي المفقودين والمخفيين قسرياً، أن يتيح لنا فرصة شكره مواجهة، والتشاور معه بشأن ما تستطيع أن تقوم به الدولة اللبنانية لترجمة اعترافها بحقنا بالمعرفة وتحديد مصائر أحبتنا بشكل عادل وعلمي ومؤسساتي.  خصوصاً أنه صار لدينا الآن خارطة طريق علمية للوصول إلى تحديد مصائر ذوينا. وأشير إلى أننا حرصنا في هذه الخارطة على اعتماد آلية وفي ذهننا كيف كانت الدولة ستتصرف لو كان أولاد رجالها أوطاقمها الرسمي هم المفقودون والمخفيون قسرياً، كيف كانت تصر، لو عُثر في ورشة ما على  عظام، على إجراء فحص علمي لها للتأكد عما إذا كانت عظاماً أو رفات..؟

نعم، هكذا نريد أن تتعاملي معنا يا دولة، نحن لا نريد مواساة، ولا عواطف، ولا شفقة ، فقط نريد منك أن تعترفي بنا، بحقنا لا أكثر، ولكن لا أقل..
قبل أن أنهي، أود أن أشكر جميع من يجب عليّ شكره. أعترف أني كنت سأبدأ بمجلس شورى الدولة، إلا أن الصديق المحامي نزار، علّمني أن القضاء لا يُشكَر لأنه (يعدل) لأن صلب مهمته هو تحقيق العدالة، لكنه بالتأكيد لن يمنعني عن القول بأن قرار مجلس شورى الدولة هذا يشكل أول مدماك لبناني في بناء التشريع الدولي في حقوق الانسان الذي تطوّر وتجدّد خلال العقود الثلاثة الأخيرة وخصوصاً في ملف المفقودين والمخفيين قسرياً، وإذا غلطانة صحّح لي يا نزار.

لا يسعني أن أشكر جميع الذين شاركوا معنا في هذه الحملة قانونياً أو ميدانياً أو إعلامياً أو فنياً ، كل الذين أعطوا من أوقاتهم ومن جهودهم.. لا أريد أن أسميهم فرداً فرداً لأكسب عطفهم وتأييدهم، فأنا لستُ مرشّحة لأي منصب ولا لأي شيئ.. الأهم أني لن أسميهم لأنه لا يهمهم أن أسميهم.. هم أيضاً طالبو الحقيقة..هم للحقيقة وسيكملون الدرب معنا حتى النهاية.
 

أيام زمان، ما قبل الحروب، كان يقال الوعد الحر دين، يعني أن كلمة رجل شريف لا تحتاج إلى توقيع على ورقة.
وبعد أن تسلمنا ملف التحقيقات، أعلن بإسمي وبإسم  غازي، باسم “لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين” ولجنة “سوليد” وحملة “حقنا نعرف” تعليق دوام أهالي المفقودين الأسبوعي إلى أجل غير مسمى. وأدعوكم للبقاء معنا حتى انتها الدوام الساعة 3 في الحديقة الصغيرة المقابلة التي ألفناها وألفتنا منذ الخميس وبتنا نسميها، برضاها،  “حديقة أهالي المفقودين”.

يمكنك الضغط على الرابط أدناه لتحميل النص كاملا

للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك الضغط هنا
 

انشر المقال

متوفر من خلال:

عدالة انتقالية ، فئات مهمشة ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني