“أهالي المفقودين” و”المفكرة القانونية”تجددان رفض انشاء هيئة وطنية بمرسوم : النقاش بين لجنة أهالي المفقودين واللجنة الوزارية حول المختفين قسرا أمام حائط مسدود


2012-11-12    |   

“أهالي المفقودين” و”المفكرة القانونية”تجددان رفض انشاء هيئة وطنية بمرسوم : النقاش بين لجنة أهالي المفقودين واللجنة الوزارية حول المختفين قسرا أمام حائط مسدود

 
يبدو ان النقاش حول إنشاء "الهيئة الوطنية للمخفيين قسراً" بين اللجنة الوزارية المكلفة البحث فيه، وبين المنظمات غير الحكومية المعنية بالقضية، وتحديداً لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين و"المفكرة القانونية"، قد وصل إلى حائط مسدود، إثر الإجتماع الحاصل في 31-10-2012.
وبوشرت الجولة الأولى من الأخذ والرد بين الطرفين إثر إحالة وزير العدل شكيب قرطباوي مشروع مرسوم لإنشاء الهيئة إلى مجلس الوزراء، وهو ما رفضته لجنة الأهالي و"المفكرة"، مطالبتين بمشروع قانون، وليس بمرسوم لا يمكن ان يحدد مصير أحد، وفق ملاحظاتهما.
وتحصل التطورات الحالية عشية تهيؤ لجنة اهالي المفقودين والمخطوفين لإحياء الذكرى الثلاثين لمعاناتهم ومأساة فقدانهم احبائهم، من دون ان تكون الدولة قد قدمت لهم اي اجوبة شافية حتى اليوم، او اهتمت بتلبية حقهمبالمعرفة الذي تنص عليه الشرائع الدولية والإتفاقيات التي وقعها لبنان.
وإنطلقت لجنة الأهالي و"المفكرة" من عجز المرسوم عن انشاء هيئة فعالة تؤمن حق المعرفة لذوي المفقودين والمخطوفين، وخصوصاً لناحية صلاحيات نبش المقابر الجماعية والبصمة الجينية، وحصر التسمية بالمخفيين قسراً، وربط الهيئة بسلطة وصاية هي وزارة العدل..وغيرها من الملاحظات الأخرى. وخلصتا إلى إعتبار ان الهيئة بصيغتها المطروحة لن تقدم أكثر مما سينجزه مشروع البعثة الدولية للصليب الأحمر، التي تعمل على وضع "داتا" مفصلة عن المفقودين والمخطوفين والمخفيين قسراً في لبنان، وبطريقة علمية ومنظمة.
ويتلاقى مطلب لحنة الأهالي و"المفكرة" مع مطالعة مجلس شورى الدولة حول المرسوم، والذي رأى انه من الأفضل إنشاء الهيئة بمشروع قانون وليس بمرسوم لمحدودية فعالية الأخير، ولضرورة تدخل السلطة التشريعية في مسألة تتعلق بقضية وطنية وبالحريات الشخصية. كما يستند رفضهما إلى المعايير الدولية المعتمدة لتعريف المفقودين ولعمل أي هيئة وطنية على قضيتهم، وخصوصاً لناحية اشراك ذويهم في أي حل يعتمد.
وأدى إعتراض عاتين الجمعيتين والحملة الإعلامية التي قادتاها إلى عدم إقرار مجلس الوزراء في جلسته في 3 تشرين أول المنصرم للمرسوم، وتشكيله لجنة وزارية للبحث في القضية ولكن "تحت سقف المرسوم"، وفق ما أكد الوزير قرطباوي يومها. وتألفت اللجنة الوزراية من وزراء العدل شكيب قرطباوي(رئيساً) والعمل سليم جريصاتي والدولة علي قانصوه والشؤون الإجتماعية وائل ابو فاعور.
وإثر إجتماعها الأول، قررت اللجنة الإستماع إلى المنظمات المدنية والأهلية المعنية بقضية المفقودين والمخطوفين وبالمعتقلين والمخففين قسراً في سوريا. وعليه، دعتهم مجتمعين إلى لقاء لمناقشة الموضوع حضره الوزيران قرطباوي وجريصاتي، فيما تغيب عنه عضوا اللجنة وزير الشؤون الإجتماعية وائل ابو فاعور ووزير الدولة علي قانصوه.
وخرج ممثلا لجنة الأهالي وداد حلواني و"المفكرة القانونية" نزار صاغية من الإجتماع ليبديا اسفهما كون "الهدف الأساسي من النقاش الذي ساد في الإجتماع، لم يكن تبادل وجهات النظر ولا التباحث بشأن حاجات الأهالي واراداتهم، ومدى ملاءمة الآليات المقترحة لتلبيتها، انما رمى فقط الى وضع المنظمتين أمام خيار القبول بالمرسوم أو اللاشيء". ووصفا "لغة التخاطب" خلال الإجتماع بتلك التي "تفرض المواقف والحلول وتلغي أي تواصل أو تخاطب ديمقراطي، وكل ذلك بإسم الواقعية بحجة أن البرلمان عاجز بل ميت، حسب تعبير الوزيرين الحاضرين".
ويكمن الخلاف الجوهري بين الطرفين في إصرار الفريق الأول على المضي بمشروع المرسوم لإنشاء الهيئة، ومطالبة الفريق الثاني بمشروع قانون يمنحها صلاحيات جدية وفعالة لا يمكن الولوج إليها بمرسوم يقر في مجلس الوزراء، وهو ما ينسجم مع موقف مجلس شورى الدولة ايضاً.
ولكن الوزير قرطباوي أكد ل"المفكرة" أن لا تعارض بين موقفه ورأيه وبين موقف لجنة الأهالي و"المفكرة": "فأنا اعرف وأؤكد ان مشروع القانون أفضل، وانا اؤيده، ولكنني أتطلع بموضوعية وواقعية إلى القضية"، مشيراً إلى ان الظرف السياسي الحالي في البلاد، ووتيرة عمل مجلس النواب لا يساعدان في إقرار مشروع قانون". ويؤكد قرطباوي أنه يكمل بالمرسوم لكي يحرك المياه الراكدة في قضية المفقودين والمخفيين والمعتقلين والمخطوفين، لكي "لا تنتهي المعركة بإنتهاء المحاربين".ويدعم قرطباوي مخاوفه بوجود مشروع قانون مقدم من النائب حكمت ديب في مجلس النواب بخصوص القضية، "ومع ذلك لم يبحث ولو لمرة واحدة وربما لم يقرأه احد"، وفق ما يقول.
وبموازاة هذا الخلاف حول مشروع المرسوم، يخرج إلى السطح تباين بين أعضاء اللجنة الوزارية نفسها. إذ يؤكد الوزير وائل أبو فاعور ل"المفكرة" أن أهالي المفقودين والمخطوفين، كأصحاب قضية، يجب ان يكونوا في قلب القرار، مؤكداً انه يتبنى آراءهم. ويرى أبو فاعور أنه من الممكن البحث في مشروع القانون والتوقف عن الحديث عن مرسوم إذا كان لا يؤدي إلى الكشف عن مصير 17 الف مفقودا ومخطوفا خلال الحرب. ويشير إلى أنه يمكن الفصل بين قضيتي المعتقلين في سوريا والمفقودين والمخطوفين، "فقد تفتح أبواب السجون والمعتقلات في سوريا مثلاً ونصبح امام معطيات وأبواب جديدة لهذه القضية".
من جهته، يؤكد الوزير علي قانصوه ل"المفكرة" أنه متحمس للقانون لفعاليته الأكبر، مؤكداً أنه يمكن "السير بخطين متوازيين، مشروع المرسوم ومشروع القانون، نظراً للظروف السياسية في البلاد، وتمنع بعض النواب عن حضور الجلسات، وبالتالي تعطل التشريع". 
ويرى قانصوه أنه يمكن إجراء تعديلات على المرسوم ومعه صلاحيات الهيئة حيث تتم الإشارة إلى المقابر الجماعية، والعمل على أن تشمل التسمية المفقودين والمخطوفين وليس المخفيين قسراً فقط، بالإضافة إلى ملاحظات الجمعيات على المرسوم، بإنتظار صدور قانون عن المجلس النيابي"فعصفور باليد أفضل من عشرة على الشجرة"، وفق ما يقول.
وكان وزير العدل شكيب قرطباوي قد طلب من لجنة الأهالي و"المفكرة" مده بملاحظاتهما على مشروع المرسوم في الإجتماع الذي عقده معهما.لكن الجمعيتان أشارتا في محضر اجتماعهما مع قرطباوي إلى انهما سرعان ما بان لهما  أن "السؤال عن الصيغة الفضلى لحل قضية المفقودين، لا يطرح رغبة حقيقية في النقاش، طالما أن الوزير يرفض تقديم مشروع قانون وفق ما صرح به مرارا خلال الجلسة، وأنه مصر على صيغة المرسوم رغم علمه الأكيد بمحدوديته". وجاء موقف لجنة الأهالي و"المفكرة" عبر نشرهما محضر الإجتماع على عبر موقع "المفكرة" على الإنترنت، حرصاً على الشفافية وضرورة إطلاع الرأي العام على ما يجري، ومعه الكتاب الذي وجهتاه إلى الوزراء أعضاء اللجنة.
ورأت المنظمتان أنهما لمستا عدم وجود أي استعداد لدى الوزير قرطباوي لاعداد مشروع قانون،"بل أنه ذهب الى القول بأن أي رفض للمرسوم يكون بمثابة اختيار للصفر بالمئة، محملا اذ ذاك الجهات المعترضة مسؤولية ذلك". وعليه، ف"الخيار المعطى ليس بين قانون ومرسوم، انما بين مرسوم ولا شيء، وهكذا، يصبح أي نقاش حول محدودية المرسوم غير مقبول طالماأن البديل هو اللا شيء". لا بل اكثر من ذلك، سجلت المنظمتانأن "وزير العدل يريد التوصل الى نتيجة (مرسوم) ويرى انه لمن يريد أكثر من ذلك (مشروع قانون) فليواصل حربه، وهو سيدعمه. فالبنسبة لقرطباوي، فأن "وجود مرسوم يسمح بانشاء لجنة،يزيد مشروعية المطالبة بقانون ولا يقلل منها"، وفق رأيه. وأعاد الوزير قرطباوي القول بأن ثمة "عجلة"(ضرورة الإسراع)، خشية أن تنتهي المعركة بانتهاء المحاربين (في اشارة الى وفاةأمهات المفقودين).
ووفق محضر الإجتماع، أعلن الوزير قرطباوي في ختام النقاش، استعداده لقبول ملاحظات تعديلية على المرسوم فقط، وضمن الاطار الذي يسمح به القانون، ومنها مدة عمل الهيئة المنشأة أو تعريف "المخفيين قسرا"، مع العلم "أنه(اي قرطباوي) أوضح أنه يرفض أصلا أن يكون للهيئة صلاحيات تحقيق واستقصاء سواء وضعت بمرسوم أو بقانون، وأن صدور المرسوم لا يمنع بأية حال المطالبة بمشروع قانون"، وفق ما ورد في المحضر.
وكان للوزير جريصاتي حصته من المشاركة في الإجتماع.ووصفت لجنة الأهالي والمفكرة مداخلته بأنها جاءت "أشبه بمرافعة لتبني المرسوم في أسلوب غلب عليه طابع الخطابة". ووصف جريصاتي المرسوم ب"الرشيق"، ووزير العدل بأنه تحلى عند وضعه ب"الرشاقة"، وأنه "يمكن تعديله عند الحاجة، وذلك بخلاف القانون الثقيل الذي يصعب جدا تعديله في حال تضمنه ثغرات". ورأى جريصاتي أن "المرسوم ينشئ مؤسسة وهذا ينقلنا بحد ذاته من "واقع المأساة" الى "واقع المؤسسات" مهما كانت صلاحياتها".   ولكن الحجة الأكثر "إثارة للاهتمام" وفق المفكرة ولجنة الأهالي، كانت تلك "التي أعطاها جريصاتي في اثر مقدمة طويلة خوفا من جرح مشاعر الحاضرين، ومفادها أنه ربما يكون مرد رفض الأهالي للمرسوم هو بالدرجة الأولى "اعتيادهم الطويل على التعايش مع القضية حتى باتوا متمسكين بهذا التعايش ويؤثرونه على الحل"، وهو ما ترك بالفعل اثراً سلبياً في نفوس المعنيين بالقضية.
وفي كتابهما إلى الوزراء قرطباوي وجريصاتي وقانصوه وأبو فاعور، رأت المنظمتان ان الوزيرين قرطباوي وجريصاتي أضاعا "فرصة خوض حوار جدي حول مدى ملاءمة المرسوم وحول قدرات الهيئة على انجاز مهمتها وهي التعرف على مصائر المخفيين قسرا في حال ابقاء صلاحياتها ضمن الصلاحيات التي تتيحها آلية المرسوم، وهو لب النقاش". وسألا بإسم لجنة الأهالي والمفكرة "ما نفع الهيئة أصلا اذا بقيت عاجزة عن القيام بمهمتها؟ ألا تصبح اذ ذاك عبئا يثقل على كاهل الدولة اللبنانية من دون أي نفع وهدرا للمال العام؟
وأعادت "المفكرة" ولجنة الأهالي التذكير بملاحظاتهما حول انشاء الهيئة بموجب مرسوم مما يؤدي إلى "عجزها عن القيام بما انوجدت من أجله، ويحولها الى هيئة لجمع معلومات عن "هويات المفقودين" وتقديم طلبات وتوصيات (وهو أمر تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحرفية عالية)، وانه ليس لها (اي للهيئة) بالمقابل أي قدرة تنفيذية أو استقصائية لتحديد مصائرهم، مما يبقي أي تقدم في هذه المسألة رهنا لعمل المؤسسات الحاضرة كالنيابات العامة والأجهزة الأمنية،والتي لم تسجل أي اختراق يذكر في مجال المفقودين فيما سبق.
وأعادت المنظمتان التأكيد على يقينهما من أن "المرسوم لن يؤدي الى أي غاية، سوى هدر المال العام ومضاعفة معاناة الأهالي من خلال زيادة ألم الخيبة الى ألم الانتظار". وعليه اعلنتا رفضهما "لمشروع المرسوم الذي يتضمن بأية حال مخالفات قانونية عدة من شأن كل منها أن يؤدي الى ابطاله"، متمنيتين على الوزراء"اتخاذ المبادرة الحكيمة بالرجوع عن مشروع المرسوم وبالعمل على اعتماد مشروع قانون للأشخاص المفقودين والمخفيين قسرا وذويهم يكون على مستوى القضية".
 
ينشر بالشراكة مع جريدة السفير

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، عدالة انتقالية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني