2010: بوادر اعمال القضاء في قضايا تخفيض العقوبات


2011-04-20    |   

2010: بوادر اعمال القضاء في قضايا تخفيض العقوبات

2010: بوادر اعمال القضاء في قضايا تخفيض العقوبات
خلال سنة 2010، باشرت غرفة الأولى  في محكمة استئناف بيروت النظر في طلبات السجناء بتخفيض مدة عقوبة الحبس، عملا بقانون تنفيذ العقوبات الصادر في 2002، اي بعدما يراوح ثماني سنوات من اقرار هذا القانون. وقد أمكن ذلك بعد الانتهاء من التدابير الضرورية لتفعيل لجنة تنفيذ العقوبات التي تتولى اقتراح قبول  الطلبات أو رفضها، وآخرها تعيين قاض كعضو في كلا من لجان المحافظات بموجب التشكيلات القضائية الصادرة في آذار 2009. وبذلك، تولى القضاء، سواء على صعيد اللجنة أو على صعيد المحكمة، دورا اجتماعيا جديدا يختلف الى حد كبير عن دوره التقليدي: فعليه أن يستعلم عن الجوانب الانسانية والاجتماعية والنفسية للسجين، يحاوره، يسأله، يستعلم عن نواياه للمستقبل، يحدد مدى صلاحه للاندماج الاجتماعي، يوجهه ربما إلخ (يراجع في الاطار محضر احدى الجلسات  لقاضي لجنة تنفيذ العقوبات في محافظة جبل لبنان رلى عبدالله). وهو بذلك يؤدي دورا شبيها للدور الذي اناطه به القانون في قانون الحدث المخالف (2002).  وبالطبع، تبقى المسألة المحورية لتقويم هذه التجربة هو مدى نجاحها في تعزيز اعتبارات اعادة تأهيل السجين وايضا في ضمان الطابع الضروري للعقوبة. بانتظار انجاز دراسة معمقة في هذا الشأن، تكتفي “المفكرة القانونية” في هذا المحل بنشر الحصيلة الأولية عن البوادر الأولى لهذه التجربة.
خلال سنة 2010 والشهر الأول من سنة 2011، أصدرت الغرفة الأولىفي محكمة استئناف بيروت، على ضوء الاقتراحات المقدمة من لجان تنفيذ العقوبات في المحافظات المختلفة، قراراتها الأولى في مجال النظر في طلبات السجناء بتخفيض مدة عقوبة الحبس، عملا بقانون تنفيذ العقوبات الصادر في 2002. ومن أصل 52 قرارا أصدرتها المحكمة خلال الفترة المذكورة، اكتفت المحكمة بقبول 25 طلبا أي ما لا يتجاوز نسبة 48,1 % منها. ويذكر بأن هذا القانون يسمح في حالات معينة بتخفيض العقوبة لمن هم حسنو السيرة ولا يشكلون خطرا على المجتمع.
وفيما يسجل حالة واحدة لرد الطلب على خلفية سوء سلوك السجين أو لخطره على المجتمع، فان رد غالبية الطلبات (92.6 % منها) حصل نتيجة الأحكام القانونية التي استثنت حكما السجناء المحكومين في جرائم معينة (الجنايات ذات الخطر الشامل: كالارهاب والحريقالمقصود وتزييف العملة وترويجها والاتجار بالرقيق والاتجار بالمخدرات لا ترويجها أوتعاطيها؛ العصابات المسلحة وجمعياتالاشرار؛ الجنايات المنصوص عليهافي المادة 549 من قانونالعقوبات[1]؛ جناياتاغتصاب القاصرين؛ الجنايات الواقعة على أمن الدولة وعلى المالالعام) أو المكررين من منحة التخفيض (المادة 15 من قانون تنفيذ العقوبات)، بمعزل عن سلوكهم داخل السجن. وبالنظر الى هذه الأرقام، يظهر بوضوح أن ابقاء هذه الاستثناءات يشكل حائلا دون مكافأة عدد كبير من المحكوم عليهم، وخصوصا المحكوم عليهم لفترات سجن طويلة، لحسن سلوكهم أو تحفيزهم على تطوير ذواتهم.
وفي الاتجاه نفسه، ان مراجعة القرارات التي قبلت طلبات تخفيض العقوبات فقد بدت هي الأخرى شبه أوتوماتيكية، ومجردة عن أي تقدير موضوعي لقيام السجين بأعمال أو اكتسابه قدرات تجعله أكثر قابلية للاندماج في المجتمع. فغالبية هذه القرارات جاءت مسندة على ماضي الفرد وسيرته أكثر مما هي مسندة على حاضره أو مستقبله.
ومن هنا الاشارة المتكررة الى عدم وجود أسبقيات[2] أو الى ماهية الجرم الذي اقترفه[3] مثلا، وفيما سجلت بعض القرارات اشارات الى اكتساب خبرات، فقد تناولت على قلتها الاشتراك بخدمات أو بدورات تدريبية محدودة قدمتها منظمات غير حكومية (أبرزها عدل ورحمة)  كالقول بأن السجين تابع برامج تأهيلية أو ثقافية أو دورات تعليمية في مجالات مهنية[4]؛ أو شارك فعليا في النشاطات الثقافية والدينية ومنها جلسات التدخل الاجتماعي[5]. أما الاشارات الى مستقبل الفرد، فقد بدت بمثابة اعلانات نوايا كالاشارة الى عزمه على العمل في مجال معيّن[6] أو ايضا الاعتناء بابنته[7] التي ولدت اثناء تواجده في السجن. وهذا الأمر انما يؤشر الى ثغرة أساسية في آليات تطبيق هذا القانون، بحيث على لجنة تخفيض العقوبات ومن بعدها المحكمة  أن تقدر مدى ملاءمة تخفيض  العقوبة من دون أن يكون هنالك أي معيار موضوعي لتقدير تطور شخصية السجين داخل السجن. وبالطبع، تتصل هذه الثغرة بغياب أدوات تأهيل السجين على اختلافها وبشكل اعم بتهميش الهدف الاصلاحي لعقوبة السجن.

وما يزيد هذه الثغرة وضوحا، هو موقف المحكمة من الآليات التي نص عليها القانون لتسهيل اعادة اندماجه في المجتمع.  ففيما سمح القانون للمحكمة التي تخفض العقوبة أن تعين مساعدا اجتماعيا يكون المستفيد من تخفيض العقوبة ملزما بالتقيد بارشاداته، فان مراجعة الأحكام الصادرة عن محكمة تنفيذ العقوبات بينت أن المحكمة عينت في حالة واحدة فقطمساعدا اجتماعيا[8].
بقيت أن نسجل ملاحظات أربع:

  • أن الاجراءات المتخذة بهذا الشأن تبقى جد بطيئة. وهكذا نسجل مثلا أن المحكمة نظرت أحيانا بهذه الطلبات  بعدما يزيد عن سنة و شهرين  من تقديمها، وأنها نظرت في بعضها بعد فترة طويلة من استلامها اقتراحات من اللجنة (مثلا: ثمانية أشهر). لا بل أن بعض هذه الطلبات تم ردها على أساس أنها باتت من دون موضوع بعدما أكمل الشخص المعني بها تنفيذ العقوبة[9].
  • أن تخفيض عقوبات السجن تراوح بين شهر وخمس سنوات.
  • أن المحكمة أيدت عموما الاقتراحات الصادرة عن لجنة تنفيذ العقوبات بقبول الطلبات او رفضها. فيما سجلت في بعض أحيان قليلة تمايزا عنها في تحديد العقوبة المخفضة. فقد خفضت محكمة الاستئناف مثلا مدة العقوبة لثلاث سنوات  فيما كانت لجنة تنفيذ العقوبات في بيروت قد اقترحت سابقا تخفيضها لخمس سنوات[10].
  • أن المحكمة أدت دورا هاما في التخفيف من حدة الشروط المادية، ولا سيما بما يتصل بموجب تقديم كفالة. فقد تعاملت المحكمة مع هذا الموجب على أنه شكلي، وفق ما يتأكد في الاحكام الصادرة عنها والتي فرضت في غالب الاحيان تسديد كفالات متدنية، تراوحت بين 50,000 ل.ل. ومليون ل.ل[11].

“المفكرة القانونية” تنشر محضرين لجلستين عقدتهما القاضية رلى عبدالله، رئيسة لجنة تنفيذ العقوبات في جبل لبنان، وذلك تبيانا لوظيفة القضاء المستجدة في هذا الشأن.

جلسة نهار الاثنين الواقع في 12-4-2010:
انتقلت رئيسة اللجنة (القاضية رلى عبدالله) الى سجن رومية بتاريخ 12-4-2010 لمقابلة المحكوم عليه … طالب التخفيض شخصيا حيث مثل دون أي قيد وقد تمت الاستعانة بالسيدة ايوب لكتابة المحضر،
بالسؤال أجاب: قبل السجن وبعد السجن كان “م..” وانه لم يتغير طيلة فترة سجنه.
وبالسؤال اجاب: انه اكتشف فلسفة خاصة بالسجن وهي “لقد اجحف بحق نفسه وهو الآن يتلقى عقاب الله” لقد تربيت بأسرة مسلمة والوالد حاج ببيت الله لسبع مرات وكان دائما يحجمنا عن المعاصي وانا وقعت بالخطيئة “الزنا” لذلك الله يعاقبني.
وبالسؤال اجاب: انا اعترفت بأنني اخطأت بحق نفسي “بالزنا”.
وبالسؤال أجاب: ما اصابني قضاء الله وقدره والله يعلم هذا الامر وانني لو كنت انوي الانتساب للجيش بالسودان لما أتيت الى لبنان.
وبالسؤال أجاب: أنني في سجن رومية فقط جراء حكم جزائي بدعوى واحدة مدتها اشغال شاقة مؤبدة ولم اتبلغ بأي دعوى اخرى.
وبالسؤال أجاب: أنه لم يقتل وانه دخل الى السجن ظلما، بعدة مراحل اهمها المرحلة الأخيرة من المحاكمة، وانه ظلم كثيرا في التحقيق الابتدائي.
وبالسؤال اجاب: انه يصلي ويصوم طيلة فترة سجنه وانه كان يصلي ويصوم من قبل توقيفه وان المعصية تكمن في مزاولته الزنا والصلاة في آن واحد.
وبالسؤال اجاب: انه كان يعصّب ولا ينفعل كثيرا وانه لم يكترث حين تركته صاحبته المغدورة، وانه لم يكن يحبها او ينوي الزواج بها.
وبالسؤال اجاب: حضرت الى لبنان سنة 1997 وتعرفت على المغدورة سنة 1999 ولم يكن له اي علاقة جنسية اطلاقا.
وبالسؤال اجاب: ان كل ما كتب في محاضر التحقيق كان افتراء ولم يكن صحيحا.
وبالسؤال اجاب: ان جريمته محرجة اجتماعيا فهو لا يريد فقط خفض العقوبة بل اعادة فتح الملف والتعويض معنويا للمحكوم واسرته واعادة الاعتبار له.
وبالسؤال اجاب: انه يصر على اقواله وانه سوف يمنح فرصة للاثنين المقبل لمراجعة اقواله وطلباته.
وبالسؤال لماذا قدمت طلب تخفيض عقوبة؟، اجاب لانه خشبة نجاة وهنا أمهل اسبوعا كاملا للتفكير بما حصل في هذه الجلسة.

جلسة نهار الاثنين الواقع فيه 26-4-2010:
أدخل المحكوم عليه …. ومثل مخفورا دون أي قيد وقد تمت الاستعانة بالسيدة أيوب لكتابة المحضر.
بالسؤال أجاب ان السجين عليه الصبر وهي تجربة مريرة جدا والسكوت عن الحق، كل انواع الحقوق.
وبالسؤال اجاب انه نادم كثيرا بحق نفسه وانه ليس لديه اي شعور او رغبة بالانتقام.
وبالسؤال اجاب انه يندم على مرحلة “الطيش” وعدم تحمل المسؤولية.
وبالسؤال اجاب انه تغير كثيرا خلال مرحلة تنفيذه للعقوبة.
وبالسؤال اجاب ان سلوكه اليوم افضل من قبل، فإذا تعرض له احدهم او اخطأ معه لا يبادله بالمثل. جلّ ما يفعله هو الابتعاد عنه وتركه لضميره ليعاود معاتبه لاحقا (اي بعد عدة ايام).
وبالسؤال اجاب انه بعد المقابلة الاولى الحاصلة بتاريخ 12-4-2010 كان المحكوم فرحا جدا وعبر عن ذلك برسالة للجنة وتعهد بإرسالها الى اللجنة بواسطة العقيد “طربيه”.
وبالسؤال اجاب انه ليس هناك اي تقرير تأديبي بحقه.
وبالسؤال اجاب انه في حال خرج من السجن لا يفكر باقامة اي علاقة بامرأة أجنبية جل ما يفعله الزواج في بلده (الزواج الشرعي في بلده السودان).
وبالسؤال اجاب انه تاب الى الله من كافة العلاقات غير الشرعية.
وهنا اعلم انه في حال استفاد من منحة تخفيض العقوبة عليه المحافظة على حسن سلوكه والا تسحب منه هذه المنحة.

نشر هذا المقال في العدد صفر من المجلة الدورية للمفكرة القانونية.


[1] تنصالمادة549 منقانونالعقوباتعلى عقوبة الإعدام بمرتكبي جرائم القتل قصداًإذا ارتكبت عمداًأو تمهيداً لجنايةأو جنحةأو تنفيذاً لها،أو تسهيلاًلفرار المحرضينأو الفاعلينأو المتدخلين،أو لوقوعها على أحد الأصولأو الفروع،أو لاقترانها بأعمال التعذيب والشراسة،أو لحصولها على الموظف،أو بسبب الإنتماء الطائفي،أو ثأراً لجنايةارتكبها غير المجنى عليهمنطائفتهأومنأقربائهأو محازبيه،أو باستعمال المواد المتفجرة،أو بقصد التهربمنجنايةأو جنحةأو لإخفاء معالمها.
[2] راجع على سبيل المثال قرارات صادرة عن محكمة استئناف بيروت في تاريخ 24-11-2010 و تاريخ 11-10-2010 و تاريخ 31-5-2010 و تاريخ 12-7-2010 و تاريخ 26-4-2010 و تاريخ 21-4-2010 و تاريخ 1-11-2010 .
[3] راجع على سبيل المثال قرارات صادرة عن محكمة استئناف بيروت في تاريخ 24-11-2010 و تاريخ 26-4-2010 و تاريخ 27-9-2010 .
[4] راجع على سبيل المثال قرارات صادرة عن محكمة استئناف بيروت في تاريخ 15-10-2010 و تاريخ 31-5-2010 و تاريخ 29-7-2010 و تاريخ 31-5-2010 .
[5] محكمة استئناف بيروت، قرار 64-2010.
[6] راجع على سبيل المثال قرارات صادرة عن محكمة استئناف بيروت في تاريخ 26-4-2010 و تاريخ 21-4-2010 .
[7] راجع على سبيل المثال قرارات صادرة عن محكمة استئناف بيروت في تاريخ 21-4-2010 .
[8] محكمة استئناف بيروت، تاريخ 26-4-2010.
[9] محكمة استئناف بيروت، تاريخ 18-10-2010.
[10] محكمة استئناف بيروت، تاريخ 24-1-2011
[11] راجع على سبيل المثال قرارات صادرة عن محكمة استئناف بيروت في تاريخ 3-5-2010 و تاريخ 6-10-2010 و تاريخ 5-7-2010 الخ.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني