مزيد من المزايا المالية لنواب الشعب في تونس


2015-06-19    |   

مزيد من المزايا المالية لنواب الشعب في تونس

قرر مكتب رئاسة مجلس نواب الشعب التونسي خلال اجتماعه في 11-06-2015 إحالة  مشروع القانون الاساسي "الذي يتعلق باستقلالية مجلس نواب الشعب وقواعد سير عمله"  على لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية بوصفها اللجنة الفنية التي تختص بنظر موضوعه. وأفادت رئاسة المجلس النيابي أن مشروع القانون تولت اعداده لجنة ادارية بالتنسيق مع الوزارات المعنية. وتقديم المشروع على هذا الوجه يستدعي ملاحظات ثلاث: 

1-  ان وصف القانون ب"الأساسي"، وهو وصف يختص بالقوانين التي يعدها الدستور أساسية، انما يتعارض في الواقع مع أحكام الدستور وخصوصا الفصل 65 منه والذي ضبط قائمة المواد الواجب تنظيمها بقوانين أساسية. وتعود فكرة سنّ قانون كهذا الى الفصل الثاني من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب الذي يولي مجلس نواب الشعب مهمة "سن قانون ينظم بمقتضاه الاستقلالية الادارية والمالية للمجلس". وهذا الأمر يحملنا الى البحث عن حاجة النواب الى سبغه بسباغ الأساسي رغم أنه ليس كذلك. 

2-  يتبين من الاطلاع على مشروع القانون الأساسي المقترح أنّ جانباً هاماً من فصوله الخمسة والثلاثين هي مجرد تكرار لنصوص وردت في قوانين أخرى بشكل أكثر شمولية وتفصيلا. وأبرزها:

 – الفصلان الرابع والخامس بخصوص دور رئيس مجلس نواب الشعب وصلاحياته ومكتب مجلس النواب. وقد أحال الفصلان للنظام الداخلي فيما يتعلق بتفصيل مهامهما حال ان النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب خصص العنوان الثاني والثالث من الباب السادس منه والذي يتكون من الفصول 48 الى 59 لتحديد تفاصيل هذه المهام بشكل أفضل وأشمل.

– الفصل الثامن الذي تعرض لحق هياكل مجلس نواب الشعب في النفاذ للمعلومة وفي طلب سماع اعضاء الحكومة والهيئات. ويلاحظ في خصوص هذا الفصل انه كان عاما ولم يبين اجراءات السماع بخلاف النظام الاساسي الذي ضبط الاجراءات بشكل دقيق وحدد مدلول حق السماع والنفاذ للمعلومة. وتاليا، يؤدي الفصل المقترح الى ابهام امر كان مفصلا ومحددا.

– الفصل التاسع الذي أشار لكون كل تعطيل لعمل المجلس يستوجب المؤاخذة وفق القانون الداخلي بما يطرح السؤال حول الاضافة التي يقدمها هذا الفصل القانوني الذي اكتفى من صاغه بالاحالة بشكل أساسي على النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب. كما يلاحظ في خصوص ذات الفصل انه ورد فيه أن "تعطيل أعمال المجلس يستوجب المؤاخذة السياسية"، ولم يبين مشروع الفصل معنى المؤاخذة السياسية والقيمة القانونية لتلك المؤاخذة على فرض تحديد مدلولها.

– الفصل الحادي عشر ينص على أن النائب نائب عن الشعب من تاريخ التصريح بالنتائج النهائية الانتخابية. ويتطابق هذا مع الفصل 20 من النظام الاساسي الذي يعتبر تاريخ التصريح النهائي بالانتخابات هو تاريخ مباشرة المهمة النيابية بما يجيز السؤال حول الجدوى من صياغته.
ويبدو بالتالي مشروع القانون موضوع هذا المقال في عدد من احكامه مجرد تكرار مقتضب لأحكام النظام الداخلي للمجلس.

3-  والى جانب تكرار عدد من أحكامه، تجدر الإشارة الى أن أحكاما أخرى تخرج تماما عن الغاية من سنه أي الاستقلالية الادارية والمالية للمجلس النيابي. وهذا ما نتبينه من الأحكام المتعلقة بالادارة المالية والادارية والتي تميّز حقيقة هذا المشروع. ومن يعاين هذه الأحكام، سرعان ما يتبين أن هدفها الأساسي هو منح النواب مزيد من المزايا المالية تحت غطاء مفاهيم الحكم الرشيد.

وفي هذا الاطار، اعتمد مشروع القانون قاعدة التشاور مع الحكومة – وزارة المالية- في اعداد مشروع الموازنة وخصص محاسبا عموميا ليكون المحاسب البرلماني كما اخضع التصرف المالي في موازنة مجلس نواب الشعب للرقابة اللاحقة لمحكمة المحاسبات. وتبدو عند هذا الحد الاحكام المحاسبية والادارية لمجلس نواب الشعب محاولة لارساء ادارة رشيدة للمجلس النيابي. الا أن تلك الأحكام على أهميتها كان يمكن أن يتضمنها النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب بباب الاستقلالية الادارية والمالية، بما يطرح السؤال حول الخلفيات الحقيقية لسعي نواب الشعب لتوليد قوانين متعددة تتعلق بالتصرف المالي والإداري للمؤسسة النيابية.

ويكشف النظر فيما تضمنه مشروع القانون من أحكام أن الاضافة التي تضمنها المشروع تمثلت أساسا في التنصيص الصريح على مراجعة نظام تأجير وتقاعد ومنح الاطارات الادارية بمجلس نواب الشعب بما يخرجهم عن قانون الوظيفة العمومية ومراجعة امتيازات ومنح ونظام تقاعد نواب مجلس نواب الشعب بما ينسخ القانون الذي ينظم تقاعد وامتيازات أعضاء مجلس النواب.

وعليه، تحول قانون استقلالية مجلس نواب الشعب المالية والادارية الى مناسبة لتأكيد اداريي المجلس النيابي رغبتهم بنظام يخرج عن قانون الوظيفة العمومية ويوفر لهم بالتالي فرص تأجير وارتقاء وظيفي أفضل. ويأتي إعلان هذا التوجه وسط تجاهل لأزمة صناديق الضمان الاجتماعي الحاصلة بنتيجة تمتع نواب الشعب والمسؤولين الحكوميين من ولاة ووزراء بمنح تقاعد مرتفعة. ومن االمنتظر تاليا أن يؤدي هذا المشروع في حال اقرراه الى تعميق اختلال توازناتها المالية. ولم يتّعظ مشروع القانون من تجربة الانظمة الخصوصية وما تولد عنها من تمييز بين الموظفين العموميين وتردّي وضعية الموظف العمومي الذي يخضع لقانون الوظيفة العمومية مقارنة بالاسلاك الخاصة. وقد تؤشر مواصلة النواب هذا النهج التمييزي في قانون مجلسهم إلى غياب رؤية اصلاحية شاملة لهم في المجال. كما يؤشر سعيهم لفرض قانون أساسي خلافا للدستور على أن احترام هذا الدستور يحل ثانيا في تراتبية المصالح.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، اقتصاد وصناعة وزراعة



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني