الحجّار يوقف المحاسبة باسم “إعادة الانتظام”: من سيحقّق في “قضية أوبتيموم”؟


2024-06-06    |   

الحجّار يوقف المحاسبة باسم “إعادة الانتظام”: من سيحقّق في “قضية أوبتيموم”؟

أصدر النائب العام التمييزي بالتكليف جمال حجّار قرارا أمر فيه الضابطة العدلية الامتناع عن إجابة أيّ إشارة صادرة عن النائبة العامّة الاستئنافيّة في جبل لبنان غادة عون. كما كلّف حجّار الضابطة العدلية في حال ورودها أي إشارة من هذه الأخيرة مراجعة المحامي العامّ المناوب والعمل بتوجيهاته. كما أعاد النائب العام التمييزي إحياء التعاميم الصادرة عن سلفه بشأن ضرورة مراجعة النيابة العامة في مجمل القضايا الهامّة، وضمنا التعاميم الصادرة بضرورة إخضاع الادعاءات والمراجعات ضدّ الإدارات الرسمية وقضايا الإثراء غير المشروع وسواها لرقابة النيابة العامة التمييزية. وقد أعلن حجّار في اليوم نفسه عن بيان تبريريّ للخطوات المتّخذة منه بحق القاضية عون، احتوى عمليا على كمّ من الاتهامات الخطيرة بحقها. فوفق الكتاب، هي أجرت “تخاطبا غير لائق وغير مألوف طال حضرة رئيس مجلس القضاء الأعلى وزملاء لها من خارج السياق” وهي “تجاهر بمخالفة طلبات موجهة إليها وفق الأصول من قبل النائب العام التمييزي بالتكليف” (أي حجار نفسه)، وتاليا تتمادى في سلوكيّات خارجة عن الأصول القضائية والمبادئ التي تحكم عمل النيابات العامة. ولم يكتف حجار بهذا الحد بل عمد إلى اتّهام عون بتوسّل “الشعبوية والخروج عن الرصانة والحيادية والتزام موجب التحفظ ومحاولة إلباس المخالفات ثوب حماية حقوق المودعين بوجه المصارف في حين أنه أصبح واضحا أن الإجراءات التي تقوم بها تهدف إلى تأمين امتيازات لبعض المحظيين عبر صرف النفوذ الحاصل من خلال عملها الذي يهدف إلى تأمين امتيازات لقلة من الأشخاص على حساب أموال باقي المودعين”. وقد انتهى الكتاب تاليّا أن من شأن هذه التصرفات أن تضرب أسس عمل النيابات العامة مما يوجب على النائب العام التمييزي اتخاذ القرارات وإصدار التعاميم اللازمة من أجل “إعادة الانتظام” إلى النيابة العامة.    

هذا القرار يستتبع الملاحظات الآتية: 

أولا: نسخة مكررة لقرارات سابقة 

أول ما نلحظه هو أن القرار يبدو في شكله كما في مضمونه نسخة مكررة لعدد من البيانات والقرارات الصادرة عن مراجع سياسية أو قضائية. وأهم ما يقتضي التذكير به في هذا الخصوص، هو الكتاب الصادر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حين طلب من الضابطة العدلية التوقف عن تلقي الإشارات من “عون” معتبرا أن استجابة النيابة العامة التمييزية لاحقا لهذا الإجراء يشكل مدخلا لإعادة “الانتظام العام القضائي” (هذه العبارة بين الهلالين عادت لترد في كتاب حجار في سياق تبربره إجراءاته). كما يجدر التذكير بالقرار الصادر عن النائب العامّ التمييزيّ السابق غسان عويدات غداة إعلان عون مباشرة ملاحقة نجيب ميقاتي بجرم الإثراء غير المشروع، حيث سارع عويدات إلى فرض تدبير بمنع الضابطة العدلية من استلام أية إشارات منها. وهذا ما عاد وكرّره في قضية مكتّف الشهيرة في نيسان 2021. وليس أدلّ على ذلك من تأكيد حجّار أنّ التعاميم الصادرة عن عويدات ما تزال سارية المفعول وفق ما سبق بيانه. وكانت المفكرة عنونتْ آنذاك هذه التعاميم بأنّها إعلان لإرادة عويدات باختزال الدفاع عن الحق العام وتاليا اختزال ملاحقة الجرائم الهامة بشخص واحد (هو)، على نحو يتجاوز أصلا الهرمية الواسعة الممنوحة بموجب قانون 2001 بفعل ضغط النائب العام التمييزي آنذاك عدنان عضوم.   

ثانيا: تجاوز خطير للصلاحيات القانونية في اتجاه اعتماد هرمية مطلقة على النيابات العامة 

الأمر الثاني الذي يجدر لفت النظر إليه هو أن تدابير القاضي حجار في معرض ممارسة هرميته رشحت فعليّا عن تجاوز لصلاحيّاته القانونية. 

ففيما بإمكان النائب العام التمييزي أن يقدم شكوى ضدّ أيّ من أعضاء النيابة العامة إلى هيئة التفتيش القضائي، ليس له بالمقابل وفي أيّ صورة من الصور أن يتّخذ بنفسه عقوبات بحقّ أيّ من هؤلاء أو وقفه عن العمل. 

وبالواقع، لم يكتفِ القاضي حجار بإنزال العقوبة بحقّ عون من خلال حرمانها من ممارسة صلاحياتها في توجيه أوامر وإشارات إلى الضابطة العدلية، بل عمد إلى إصدار بيان إدانة واضحة لشخصها كل ذلك من خارج أي صلاحية وفي مطلق الأحوال من دون تمكينها من ممارسة حق الدفاع عن نفسها. وبالفعل، فقد نسب القاضي حجار إلى القاضية عون مجموعة من السلوكيات مثل عدم احترام أصول التخاطب والشعبوية والخروج عن أصول الحيادية والرصانة، وصولا إلى اتهامها بارتكاب جرم صرف النفوذ من أجل خدمة مصالح قلّة. وهذا ما نقرأه بوضوح في العبارة التي  اتّهمها فيها بأنها تعمد إلى “إلباس المخالفات ثوب حماية حقوق المودعين بوجه المصارف في حين أنه أصبح واضحا أن الإجراءات التي تقوم بها تهدف إلى تأمين امتيازات لبعض المحظيين عبر صرف النفوذ الحاصل من خلال عملها الذي يهدف إلى تأمين امتيازات لقلة من الأشخاص على حساب أموال باقي المودعين”. ومن البين هنا أن حجّار أراد من خلال تصوير عون كذلك ليس فقط تبرير قراره بوقفها عن العمل، بل ربما وبالدرجة الأولى استباق أيّ اتّهام قد يوجه إليه بأن وقفه عون عن العمل يعني وقف المحاسبة في القضايا المالية وقضايا المصارف وأخطرها قضية أوبتيموم. بمعنى أنه ليس صحيحا وفق الكتاب أن يُقال أنه يخدم القلّة من أصحاب النفوذ والمصارف أو الأوليغارشيا (ال 1%) بل أن عون هي التي تخدم مصالح “قلة” من خلال مداعاة المصارف. وهنا لا بد أن نسجّل أن حجّار استسهل رشق عون بهذا الاتهام من دون تقديم أي دليل، الأمر الذي يبقي الأسئلة المطروحة حول خلفية القرار الذي اتخذه قائمة بالكامل. ومن المهم هنا التذكير أن قضية أوبتيموم (وهي قضية تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار) والتي تعهدت عون وحدها بالتحقيق فيها (رغم عدم تعاون حاكم مصرف لبنان) هي قضية تفيد جميع اللبنانيين ومن شأنها استعادة أموالا تبلغ نسبة هامة من الودائع المهدورة. كما من المهمّ التذكير أن هذا الاتهام بخدمة قلة على حساب سائر المودعين هو أصلا اتهام وجّهته جمعية المصارف ضد المودعين الذين عمدوا إلى المطالبة بحقوقهم، أمام المحاكم في الخارج أو الداخل أو حتى من خلال مسعى العديد إلى استيفاء الحكم بالذات. وبذلك، يكون حجّار قد سجّل على نفسه التماهي مع جمعية المصارف في مسعاه الاستباقي للتبرؤ منها. 

كما من جهة أخرى، يلحظ أن حجّار سعى إلى الاستحواذ على صلاحية سحب الملفات من أي من أعضاء النيابة العامة، وهو أمر لا يسمح به أي نص قانوني بل يناقض تماما صلاحيات النيابات العامة الاستئنافية. ويلحظ أن حجار استخدم لهذه الغاية صلاحيّته بإعطاء توجيهات في القضايا الهامّة كحيلة تخوّله سحب الملفّات من النيابات العامة الاستئنافية كلما أراد ذلك. وهذا ما يتحصّل بشأن قضية التحقيق مع بنك عودة من قبل عون حيث طلب منها تزويده بالملف بهدف إعطاء توجيهاته، لكن يفهم من المراسلات المنشورة بينهما أنه احتفظ بالملف من دون إعادته. كما يظهر أن ردّة فعل عون ضدّه والتي اشتكى منها في كتابه إنما تأتي في سياق رفضها الإذعان لهذه الممارسة في سحب الملفات، وتحديدا ردا على طلبه بتزويده بملفين مقامين أمام نيابة عامة جبل لبنان ضد فرنسبنك ومروان خير الدين (الموارد).    

ثالثا: حجار ينخرط في مأسسة نظام الإفلات من العقاب باسم ّ”إعادة الانتظام العامّ”

الأمر الثالث الذي يجدر تسجيله على هامش هذا القرار هو انخراط حجّار في الممارسة التي تقوم على إعطاء المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية الخاصة بدعاوى مخاصمة الدولة مفاعيلها بتعليق التحقيقات القضائية رغم التعطيل التامّ للهيئة العامة لمحكمة التمييز. وهذا ما يتحصّل بوضوح كلي من كتابه الموجه إليها في تاريخ 7 أيار الماضي حيث جاء حرفيا: “التأكيد على كتاب النائب العام التمييزي السابق رقم 52/ص/2023 تاريخ 28/2/2023 والذي يطلب منكم التوقف عن سير التحقيقات في كل الملفات التي قدمت دعوى مداعاة الدولة عن أعمال القضاة إلى حين البت فيها”. والمؤسف هنا أن حجار ينخرط في هذا التفسير للمادة تماما كما فعل سلفه وآخرون رغم علمه التام بنتائجها المدمرة والعبثية بفعل تعطيل التعيينات في محكمة التمييز وتاليا النصاب في هيئتها العامة، بحيث يصبح بإمكان أيّ مدعى عليه أن يعطّل أي تحقيق ضده أيا تكن أهميته إلى أجل غير مسمى (وبصورة شبه دائمة). ومؤدى ذلك هو تجريد القضاء من أي دور في بتّ النزاعات أو حماية حقوق الدولة والناس والمس بحقوق أساسية مضمونة دستوريا فضلا عن استتباب منظومة الإفلات من العقاب. يكفي لإثبات ذلك أن نذكر أن هذا ما حصل في قضية اختلاس رياض سلامة وأيضا في قضية المرفأ وفي عدد كبير من قضايا المصارف وفق ما ذكرناه مرات عدة. وهذا أيضا ما كان دفع ائتلاف استقلال القضاء إلى دعوة القضاة للاجتهاد، تماما كما فعل القاضي بيطار في 23 كانون الثاني، لتعطيل هذا السلاح (أي سلاح المادة 751) الذي بات يتهدّد نظام العدالة بأكمله ويحوّل الشعب اللبناني برمته إلى شعب من الضحايا. للأسف، آثر حجّار من خلال انحيازه للتطبيق الحرفي لهذه المادة، مهما كانت نتيجته عبثية، أن يجتهد كما سلفه من أجل تحصين جدار الإفلات من العقاب، وعمليا أن يجتهد من أجل تقويض أيّ نظام عدالة، وطبعا كل ذلك تحت شعار “إعادة الانتظام العام”. 

 

للاطلاع على قرارات القاضي حجّار

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، قرارات قضائية ، لبنان ، مقالات



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني