البراءة من جنحة التجمهر خلافًا لحالة الطوارئ الصحية


2024-06-08    |   

البراءة من جنحة التجمهر خلافًا لحالة الطوارئ الصحية

أصدرت المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان (غرب المغرب) حكما قضائيا مبدئيا قضى ببراءة ناشط حقوقي من جنحة التجمهر غير المشروع[1].

أهمية الحكم الذي تنشره المفكرة القانونية تكمن في كونه يفعل الضمانات القانونية الواردة في قانون الحريات العامة حيث اعتبر عدم قيام السلطات بتوجيه الإنذارات بفض التجمهر وتلاوة العقوبات المنصوص عليها قانونا يؤدي إلى انعدام الأركان التكوينية لجنحة التجمهر غير المشروع، وهو ما يقتضي التصريح ببراءة المتهمين مما نسب إليهم بهذا الخصوص.

ملخص القضية

تعود فصول القضية إلى شهر مار س من سنة 2021 حينما قام عدد من الناشطين النقابيين بتنظيم وقفة سلمية بمدينة سيدي سليمان، احتجاجا على تردّي الأوضاع في قطاع الصحة.

وبناء على المحضر المنجز من طرف السلطات الإدارية حول الوقفة التي تم تنظيمها، والتي اعتبرت خرقا لإجراءات الوقاية من فيروس كورونا، أمرت النيابة العامة بفتح بحت قضائي، استمعت على إثره الشرطة القضائية لعدد من الأشخاص المشاركين في تنظيم هذه الوقفة.

وأكد المتهم الأول أنه شارك فعلا في الوقفة الاحتجاجية رفقة أعضاء المكتب النقابي بعد إشعار السلطات الإدارية المختصة طبقا للقانون، مؤكدا أن تنظيم هذه الوقفة جاء احتجاجا على تردي الأوضاع في قطاع الصحة بالمدينة، خصوصا ما يتعلق بافتقاد سيارات الإسعاف للمادة الحيوية للتنفس الاصطناعي.

وعند الاستماع إلى المتهم الثاني صرح أنه إطار بوزارة التربية الوطنية وأنه رئيس المركز الوطني لحقوق الانسان والمنسق الإقليمي للهيئة الوطنية لحماية المال العام والشفافية بالمغرب ومدير متطوع بجريدة محلية، موضحا بأن تواجده بعين المكان كان بقصد القيام بالتغطية والدعم الإعلامي للوقفة لا غير، وذلك بعدما تلقى استدعاء من طرف المتهم الأول الذي نظم الوقفة بصفته ينتمي لنقابة الاتحاد المغربي للشغل ككاتب عام لقطاع الفلاحة للفلاحين الصغار بالجماعة المذكورة .

قررت النيابة العامة متابعة المتهمين من أجل جنح تنظيم تجمهر غير مرخص وعدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية خلال فترة حالة الطوارئ الصحية وتحريض الغير على مخالفة القرارات الصادرة عن السلطات العمومية بواسطة الخطب والصياح بالنسبة للمتهم الأول.

 وتنظيم تجمهر غير مرخص به وعدم التقيد بالأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية خلال فترة الطوارئ الصحية وتحريض الغير على مخالفة القرارات الصادرة عن السلطات العمومية بواسطة الخطب والصياح بالنسبة للمتهم الثاني.

وذلك طبقا للفصل 21 من قانون التجمعات العمومية، والمادة 04 من القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية.

موقف المحكمة

قررت المحكمة تبرئة المتهمين من جنحة التجمهر غير المشروع، اعتمادا على العلل التالية:

  • لئن كان التجمهر حرية أساسية مضمونة بقانون الحريات العامة فقد نصت المادة الثانية من مرسوم 24 مارس 2020 بإعلان حالة الطوارئ الصحية على منع أي تجمع وتجمهر أو اجتماع لمجموعة من الأشخاص مهما كانت الأسباب الداعية لذلك ما عدا لأغراض مهنية.
  • رغم اعتراف المتهم الأول بأنه كان ضمن المنظمين للوقفة الاحتجاجية، وما ضمنه تقرير “الباشا” ممثل السلطات الإدارية باعتباره ضابطا للشرطة القضائية من معاينة لتواجد المتهمين معا ضمن المشاركين في الوقفة الاحتجاجية، فإن التقرير جاء خاليا من أي دليل على توجيه الإنذارات بفض التجمهر غير المسلح وتلاوة العقوبات طبقا لما يقتضيه الفصل 21 من قانون التجمعات العامة.
  • حيث لا يسوغ مؤاخذة أحد على فعل لا يعد جريمة بصريح القانون، وحيث إن البراءة هي الأصل، يتعين لأجله التصريح ببراءة المتهمين من أجل جنحة التجمهر غير المشروع.

وعليه قضت المحكمة ببراءة المتهمين معا من أجل جنحة تنظيم تجمهر غير مرخص به ومؤاخذتهما من أجل بقية المنسوب اليهما وعقاب كل واحدة منهما بغرامة نافذة قدرها 300 درهم وتحميلهما الصائر تضامنا وتحديد الاجبار في الأدنى.

تعليق على الحكم

يعيد هذا الحكم القضائي الذي تنشره المفكرة القانونية الى الواجهة الإشكاليات المتعلقة بالحق في حرية التظاهر بالمغرب، والتي تكفلها مختلف الصكوك الدولية لحقوق الانسان، كما يكفلها الدستور والقانون.

حسب الفصل 11 من ظهير 1958، لا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية[2]، بينما يتم إقصاء الأشخاص الاعتباريين والأشخاص الطبيعيين الآخرين من ممارسة هذا الحق، وهو ما يتعارض مع المعايير الدولية حيث يشير قرار مجلس حقوق الانسان رقم 15/21 إلى أن الحق في حرية التجمع السلمي يسري على جميع الأفراد والجمعيات، بما في ذلك الجمعيات غير المسجلة.

كما يتبين من تحليل مقتضيات ظهير 1958 أنه لا يتطرق إلى مفهوم الاحتجاج العفوي، ففي حالة تنظيم مظاهرة في الطرق العمومية سواء كانت ثابتة أو متنقلة، يكون المشاركون فيها عرضة لاعتبارهم “تجمهرا غير مسلح من شأنه أن يخل بالاطمئنان العام”، علما بأن الواقع العملي أفرز خروج عدة تنظيمات إلى الاحتجاج في الفضاء العام من دون أن تأخذ شكل نقابات أو جمعيات، مثل التنسيقيات الوظيفية غير المؤطرة بقانون، والتي برزت كآلية منظمة للاحتجاج، وعرفت تزايدا مطردا خاصة عندما يتعلق الأمر ببعض المطالب المحددة المرتبطة بمجموعة من المواطنين من لهم نفس المصلحة.  وتستند أغلب الاحتجاجات والتجمعات السلمية على مطالب مرتبطة بتحسين الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية.

كان لافتا في الحكم أنه لم يلتفت لما دفعت به الإدارة من عدم شرعية الاحتجاج بسبب قرار منع التجمعات نتيجة الإجراءات الوقائية من فيروس كورنا، وتمسكت بضرورة تطبيق السلطات الإدارية لمسطرة فض الاحتجاج المنصوص عليها في ظهير الحريات العامة، حيث ينص الفصل 21 منه على أن كل تجمهر غير مسلح يتم تفريقه من طرف عميد شرطة أو كل عون يمثل القوة العمومية أو السلطة التنفيذية ويحمل شارات وظيفته، ويعلن عن وصوله بواسطة مكبر صوت، ثم يوجه أمرا للمتجمهرين بفض التجمهر والانصراف، ويتلو عليهم العقوبات المنصوص عليها في القانون، واذا لم يتم الاستجابة للإنذار الأول وجب على العون المذكور توجيه إنذارا ثانيا وثالثا، بنفس الكيفية ويختمه بعبارة “اننا سنعمل على تفريق التجمهر بالقوة” وفي حالة ابداء امتناع يقع تفريق المتجمهرين بالقوة.

اعتبرت المحكمة أن خلو الملف مما يفيد تطبيق هذه المسطرة يجعل جنحة التجمهر غير المشروع  منتفية، وصرحت ببراءة المتهمين منها، واكتفت بإدانة المتهمين بخرق  قانون الطوارئ ومعاقبتهما بغرامة مالية قدرها 300 درهم (تعادل 30 دولار تقريبا).

وتجدر الإشارة إلى أن عددا من المنظمات الحقوقية في المغرب تطالب بمراجعة المقتضيات القانونية المتعلقة بالتجمعات العمومية من خلال استبدال العقوبات السالبة للحرية والإبقاء على الغرامات المالية، وتفعيل إمكانية فتح التصريح القبلي عبر البريد الإلكتروني تفعيلا لمبدأ الخدمات الإدارية الرقمية، والتنصيص على مقتضيات تضمن بشكل صريح حماية كافة المدافعين عن حقوق الإنسان بما في ذلك الصحفيين ومهنيين الإعلام الذين يقومون بتغطية المظاهرات السلمية؛ وإخضاع عملية استعمال القوة لمراقبة النيابة العامة[3].

مواضيع ذات صلة

النقض المصرية تعد التجمهر جريمة مخلة بالشرف: أو حين تقترن عقوبة التجمهر بالصرف من العمل

مشروع إلغاء الإفراج الشرطي في جرائم التجمهر في مصر: خطوة جديدة في اتجاه تأميم الحياة السياسية

حبس 3 سنوات لقادة شبابيين في ثورة يناير، والجرم: التجمهر وخرق قانون التظاهر

قضية الاعابة والتجمهر في عمان: تعليق اضراب المعتقلين عن الطعام والمحكمة العليا ترد الطعون

القضاء الإداري ينصف الجمعيّة المغربية لحقوق الإنسان في مواجهة الداخلية

الخطاب السياسي الاحتجاجي” حرية مضمونة: قرار قضائي بتبرئة إهانة هيئات منظّمة في المغرب

المغرب يعلن حال الطوارئ الصحية: احترام مبدأ الشرعية الجنائية في زمن “الطوارئ الصحية

أول تقرير رسمي حول حراك الريف في المغرب: إقرارٌ بأحقية الحراك يلازمه تسليمٌ بمعاقبة ناشطيه


[1] يتعلق الأمر بحكم المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان، ملف رقم 17479/2102/2022، بتاريخ 09/19/2023.

[2] ينص الفصل 11 من قانون التجمعات العمومية على أنه: “تخضع لوجوب تصريح سابق المواكب والاستعراضات وبصفة عامة جميع المظاهرات بالطرق العمومية.

لا يسمح بتنظيم المظاهرات بالطرق العمومية إلا للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية والتي قدمت لهذا الغرض التصريح السابق المنصوص عليه أعلاه”.

[3] أنظر على سبيل المثال مذكرة المجلس الوطني لحقوق الانسان حول قانون التجمعات العمومية.

انشر المقال



متوفر من خلال:

قرارات قضائية ، حرية التنقل ، مقالات ، المغرب



اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني