ادعت صباح هذا اليوم (23/10/2019) النائبة العام الإستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عودة-مجموعة عودة سرادار (بنك عوده اختصاراً) بجرم مخالفة قانون الإثراء غير المشروع وقانون العقوبات على خلفية اشتراكهم في الاستحصال على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان بمخالفة لقرارات حاكم مصرف لبنان بهذا الشأن[1] وأحالتهم أمام قاضي التحقيق الأول المكلف في بيروت القاضي جورج رزق للتحقيق معهم. وهي المرّة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذا القانون المعروف بقانون “من أين لك هذا؟” مع العلم أن النسخة الأولى لهذا القانون تعود إلى العام 1953. ومن شأن هذا الأمر أن يجعل ميقاتي، والذي هو أغنى مواطن في لبنان، المدعى عليه الأول بهذا الجرم. وبالتفاصيل، ادعت عون عليهم بالمواد 357 و363 و376 و377 عقوبات (صرف نفوذ والإختلاس واستثمار الوظيفة والإخلال بواجبات الوظيفة) معطوفة على المواد 1 حتى 3 من قانون الإثراء غير المشروع.

وفور انتشار الخبر في وسائل الإعلام، خرج النائب العام التمييزي غسان عويدات ليصرح أن الملف لم يعبر من خلاله إنما أرسل مباشرة لقاضي التحقيق الأول وأن القاضية عون ارتكبت خطأ بفعل ذلك. وقد ردت عليه ما وُصفت بمصادر قريبة من القاضية غادة عون مؤكدة أن القانون يجيز لهذه الأخيرة أن تدعي مباشرة من دون المرور عبر النائب العام التمييزي.

ويستدعي هذا التطوّر الهام إبداء ملاحظات عدة. وقبل المضي في ذلك، يجدر التذكير بأن قانون الإثراء غير المشروع يقوم في أساسه على “تجريد قيمين على خدمة عامّة من الأموال التي يعجزون عن إثبات اكتسابها بصورة مشروعة[2].

النيابة العامة تسجل سابقة في تحريك دعوى الإثراء غير المشروع

من أبرز الانتقادات التي وجهت لقانون الإثراء غير المشروع هو أنه يضع شروطا تشكل عوائق أمام المواطنين العاديين بإعمال أحكامه. ففيما يسمح القانون[3] لكل متضرر أن يقدم شكوى للنيابة العامة أو شكوى مباشرة لقاضي التحقيق الأول في بيروت، فإنه يفرض[4] لقبول الشكوى أن يقدم الشاكي كفالة مصرفية مقدارها خمسة وعشرون مليون ليرة لبنانية. وقد برر المشرع هذا الرسم المرتفع بضرورة صون كرامة المعنيين بهذا القانون، ومنهم رؤساء ووزراء ونواب وقضاة. كما يضع القانون عائقا آخر قوامه الحكم على الشاكي بتسديد غرامة لا تقل عن 200 مليون ليرة وبالحبس لفترة هي ثلاثة أشهر حتى سنة[5] فضلا عن العطل والضرر، في حال منع المحاكمة عن المشكو منه أو إبطال التعقبات بحقه. ومن الواضح إذاً أن أي شكوى تغدو في ظل هذا القانون بمثابة مجازفة كبرى، ولا سيما في ظل نظام قضائي ينتقص إلى ضمانات الإستقلالية والشفافية.

وفيما أدت العوائق المذكورة أعلاه إلى ثني جميع المواطنين عن تفعيل هذا القانون، فإن المدخل الآخر لتطبيقه من خلال تحرك النائب العام الاستئنافي بقي بدوره حتى اليوم مغلقا، وذلك بفعل تسييس وتطييف التعيينات في النيابة العامة بشكل عام. ويلحظ هنا أن القانون منح صلاحية الادعاء للنائب العام[6] من دون تحديد النطاق الجغرافي لوظيفته، الأمر الذي فسرته المدعية العامة في جبل لبنان على أنه يشمل جميع النواب العامين الاستئنافيين.

وبفعل اجتماع هذه العوامل، تحتم علينا أن ننتظر أكثر من 66 سنة وأن يحصل أكبر حراك شعبي في تاريخ لبنان لكي نشهد التطبيق الأول لهذا القانون. وبمعزل عما قد يدلي به هذا الفريق أو ذاك لجهة خلفيات القاضية عون، فإنه يبقى ثابتا أنها سجلت سابقة في هذا الصدد، وهي سابقة تضاف إلى جانب المواقف التي صدرت في هذا الأسبوع بالذات عن نادي قضاة لبنان ومجلس القضاء الأعلى لجهة وجوب تحريك ملفات الفساد.

تطبيق قانون الإثراء غير المشروع يسقط الحصانة القانونية

ملاحظة أخرى لا بد منها وهو الفائدة الناجمة عن تفعيل هذا القانون الذي يسقط جميع الحصانات القانونية[7] (وهي الحصانات التي قد يستفيد منها المحامون أو الموظفون العامون) مع إبقاء الحصانات الدستورية. وهنا، يسجل أن بإمكان ميقاتي الإدلاء بحصانته وفق المادة 40 من الدستور، وهي حصانة تمنع استدعاءه أو إجراء أي تحقيق معه خلال انعقاد الدورة البرلمانية الحالية والتي تنتهي في آخر كانون الأول 2019. وهي تاليا حصانة مؤقتة خاصة به لا تحول دون تقديم الادعاء ضده كما لا تحول من باب أولى دون الادعاء على قريبيه وبنك عودة وهم بمثابة شركاء له في هذه الدعوى.

وهم بالفعل خاضعون للملاحقة بناءً على قانون الإثراء غير المشروع الذي يخضع شريك الموظف والقائم بخدمة عامة للمعاقبة[8].

تدخل النائب العام التمييزي غير القانوني

كما يجدر أخيرا التحذير من خطورة موقف النائب العام التمييزي الذي يبدي منذ تعيينه إرادة في حصر جميع ملفات الفساد في يديه، بحيث يصبح المقرر الأول والأخير بتحريك الملفات أو عدم تحريكها. وهذا ما كانت المفكرة أضاءت عليه تعليقا على التعميم الصادر عنه في 23/9/2019. هذا مع العلم أنه بخلاف ما صرح به، ليس لعون أن تمر من خلاله مما يجعل الادعاء حاصلا حكما. ويهمنا أن نلفت نظر عويدات إلى أن لبنان التزم باتفاقية مكافحة الفساد التي تنص على وجوب تسهيل ملاحقة أعمال الفساد وإيجاد توازن مناسب بين أي حصانات وامتيازات قضائية ممنوحة لموظفيها العموميين وامكانية القيام بعمليات الملاحقة والمقاضاة الفعالة بجرائم الفساد وأيضا على وجوب ضمان ممارسة أي سلطة تقديرية في اتجاه ضمان الفعالية القصوى في ملاحقة هذه الجرائم. بهذا المعنى، يكون اشتراط عويدات مرور الملف من خلاله بمثابة شرط جديد من شأنه أن يؤدي إلى إعاقة المحاسبة بدل تفعيلها خلافا لروحية هذه المعاهدة.


[1] المادة 10 من القرار الأساسي رقم 7853 تاريخ 2/6/2001

[2] فاطمة خليفة، “إقتراح تعديل قانون الإثراء غير المشروع “، المفكرة القانوني،  العدد 35

[3] المادة 10 فقرة 1

[4] في المادة نفسها

[5] المادة 15

[6] المادة 10 فقرة 2

[7] المادة 8

[8] المادة 1