محامو الأسير أمام محكمة التمييز العسكرية: الأمم المتحدة تستوضح بشأن توفر شروط المحاكمة العادلة


2018-03-29    |   

محامو الأسير أمام محكمة التمييز العسكرية: الأمم المتحدة تستوضح بشأن توفر شروط المحاكمة العادلة

عقدت اليوم في 27 آذار 2018 الجلسة الأولى في قضية أحمد الأسير، و6 من رفاقه، أمام محكمة التمييز العسكرية، وذلك في إثر الطعن بالأحكام الصادرة بحقهم من قبل المحكمة العسكرية الدائمة، على خلفية أحداث عبرا. وفقاً لوكيل الأسير المحامي محمد صبلوح، فان جميع الماثلين اليوم أمام التمييز محكوم عليهم بالإعدام، ما عدا واحد فقط حكم عليه ب 10 سنوات سجن وهو يعاني من "خلل عقلي أو عصبي". ويشير صبلوح أن "الطعون السبعة المقبولة هي من أصل 32 حكما قاسيا صدرت في الدفعة الاخيرة من الملف ذاته". ذلك أن مجموع الملفات التي نظرت بها المحكمة الدائمة المرتبطة بأحداث  عبرا هي "120 تم تقسيمها إلى دفعات".

 

 

مجريات الجلسة

وترأس الجلسة القاضي طاني لطوف، إلى جانبه 4 ضباط في الجيش اللبناني بمثابة مستشارين. كذا امتلأت قاعة المحكمة بالعسكريين، وهؤلاء يؤدون تحية السلاح لهيئة المحكمة عند دخولها. من جهة المتهمين، فقد أدخل ستة من رفاق الأسير واجلسوا في المكان المخصص لهم عادة، على يسار هيئة المحكمة. أما الأسير فقد تم إدخاله على حدة من الباب الرئيسي للمحكمة، وجلس وإلى جانبه جندي في المساحة المخصصة للحضور.

اللافت في الجلسة أن صبلوح تقدّم من المحكمة بكتاب يتضمن مراسلة من قبل الأمم المتحدة إلى الحكومة اللبنانية بشأن ظروف محاكمة الأسير واحتجازه. وفيما علق القاضي لطوف على الأمر في البداية بالقول: "من الأول عم نشكك بالمحكمة؟"، اعترض المحامي العام طالباً تبليغها للمحكمة بالطرق الرسمية من قبل الجهات الحكومية المعنية التي تلقتها. من جهتها، اكتفت المحكمة بالطلب إلى صبلوح تزويدها بنسخة باللغة الأجنبية التي حرر بها الكتاب أساساً، وإلى جانبها نسخة مترجمة لدى مترجم محلف. كما اعتبرت الكتاب من ضمن مستندات ملف الدعوى.

وقد استمهل وكلاء الدفاع عن المتهمين وهم المحامون: محمد صبلوح، عليا شلحا، زينة المصري، محمود صباغ، أحمد الأسعد، وأنطوان نعمة، لتقديم الدفوع الشكلية. فطلب المحامي العام رد الطلب كونه كان من المفترض التقدم بالدفوع الشكلية قبل هذه الجلسة أو خلالها. من جهته وافقت هيئة المحكمة على منح الدفاع مهلة 15 يوم من أجل تقديم دفوعه الشكلية في قلم المحكمة. أرجئت الجلسة إلى 31 نيسان 2018.

 

 

الأمم المتحدة تسأل عن ضمانات المحاكمة العادلة، و جريصاتي يجيب

وبالعودة إلى الكتاب الصادر بتاريخ 2 تشرين الثاني 2017 عن "فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي" والموجّه إلى الحكومة اللبنانية. ويتألف الفريق من "المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو تعسفاً، المقرر الخاص المعني بحق كل شخص في التمتع بأعلى معايير الصحة الجسدية والعقلية، المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". أما الكتاب فيأتي بمناسبة تلقي مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة معلومات من مصدر لم يذكره، تتعلق بظروف إحتجازه وإدانته، بالإضافة إلى تعرضه للتعذيب. في 13 تشرين الثاني 2017، أرسل وزير العدل سليم جريصاتي رداً على الكتاب إلى وزارة الخارجية والمغتربين بهدف إبلاغه إلى الأمم المتحدة.

 

ظروف الاحتجاز ومعاملة الموقوف

أول ما تضمنه كتاب الأمم المتحدة، معلومات عن "تعرض الأسير للتعذيب منذ لحظة اعتقاله من الأمن العام، وصولاً إلى نقله إلى سجن الريحانية حيث وضع في زنزانة انفرادية صغيرة تحت الأرض لا يصل إليها النور". كذا تركه لمدة "39 يوم في حبس انفرادي لدى وزارة الدفاع". وأنه خلال الشهر الأول من توقيفه، لم يتمكن أهله ولا محاموه من زيارته (أول زيارة حصلت في 24 أيلول 2015). أيضاً يشير الكتاب إلى ادّعاءات بتعرض الأسير إلى انتهاكات على المستوى الصحي، يصل حد "منعه من الحصول على أدويته لاسيما حقن الأنسولين كونه يعاني من السكري، وحقنه بمواد غير معروفة مع عصب عينيه خلال الحقن". أيضاً أنه لا يتاح له الحصول على طعام مناسب لحالته هذه. كما يشير الكتاب إلى معلومات حول "ضرورة نقل السيد الأسير فوراً إلى المستشفى للخضوع لعملية في المرارة ومتابعة علاج غذائي طارئ وإجراء معاينة طبية دقيقة".

في هذا السياق ينطلق جريصاتي في رده من غياب أي مستند يوثق صحة المعلومات التي بني عليها الكتاب الأول، من دون أي اشارة منه الى وجود توجه لدى وزارته أو الحكومة للتدقيق بهذه المعلومات والتحقيق بمدى مصداقيتها. ويأتي في بدايته أن "تساؤلات المقررين الستة جاءت نتيجة معلومات وصلت إليهم مجردة من أي أدلة وبراهين من شأنها تدعيمها أو تويقها. لذلك فإن الحكومة اللبنانية تطلب من لجنة المقررين الست إفادتها عن أي وثائق رسمية أو غير رسمية أو حتى إفادات عن أي وثائق رسمية او غير رسمية أو حتى عن إفادات شهود من شأنها أن تعزز المعلومات الواردة إليها". هذا مع العلم أن كتاب فريق الأمم المتحدة إنتهى إلى الطلب من الحكومة اللبنانية "تقديم أي معلومات إضافية وأي تعليق قد تودون الإدلاء به فيما يتعلق بالمزاعم المشار إليها، تقديم معلومات/ حيثيات أي استجواب قضائي أو غير ذلك/ تم إجراءه مع في ما يتعلق بمزاعم التعذيب (…)/ تقديم معلومات بشأن الادعاءات بمنع حصول السيد الأسير على الرعاية الصحية المناسبة فترة احتجازه". والحال أن جريصاتي أشار إلى أن "السجون اللبنانية وجميع مراكز التعذيب في لبنان تفتح أبوابها اللجان والهيئات الدولية، الحكومية وغير الحكومية (…) ولم تصدر أي إفادة رسمية عن تعرض الشيخ أحمد الأسير للتعذيب أو سوء المعاملة". هنا يسترجع جريصاتي بعضاً من مجريات المحكمة حيث "تعرض الأسير للمحكمة وأعضائها بعبارات تنم عن القدح والذم"، وهو ما اعبره دليلاً على "عدم خوفه من عواقب أفعاله، لانه لو كان بالفعل معرضا للتعذيب لما تجرأ وأدلى بمثل هذه العبارات".  وقد أكد الوزير في هذا السياق من دون إبراز أي دليل على ذلك "أن الأسير عرض على طبيب السجن بعد أربعة أيام من توقيفه والأخير أدلى أنه بصحة جيدة. كما أن الأسير "طلب في العديد من المرات معاينته من قبل طبيب وكان القضاء اللبناني يستجيب الى طلبه ويعين له لجنة طبية، حتى أنه كان يستجيب لطلبات المدعى عليه المذكور ان يصار الى معالجته على نفقته الخاصة بأطباء يختارهم بنفسه".

كما ذكر الوزير أن المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية توجب إعلام الموقوف بحقوقه لحظة احتجازه. ويأتي هذا السرد في سياق منفصل عن الواقع التطبيقي له، والذي يشكل واحدة من الاشكاليات الحقوقية الشائكة في لبنان، نظراً لعدم الالتزام بهذه الضمانات وعدم الأخذ بادعاءات التعرض للتعذيب بعين الاعتبار لا سيما أمام المحكمة العسكرية.

إلى ذلك، يوضح جريصاتي لناحية ظروف إحتجاز الأسير أنها "ليست مسألة شخصية تتعلق بالمدعى عليه الشيخ أحمد الأسير بالذات، إلا أنها مشكلة عامة يعاني منها السجناء في غالبية السجون ومراكز التوقيف في لبنان". يضيف أن "الحكومة تبذل الجهود الجبارة وتتعاون مع هيئات المجتمع المدني من أجل تأمين حقوق السجناء (…)" وأن "المساعدات الدولية غير كافية ولم تمر بمعظمها بالحكومة اللبنانية بل ذهبت مباشرة إلى النازحين ما جعل البنى التحتية من سجون وغيرها معرضة للانتهاك والتعطيل".

 

الضمانات خلال المحاكمة

يلفت فريق الأمم المتحدة إلى أن المعلومات الواردة إليه تزعم عدم تمكن الأسير من الحديث مع محاميه خلال المحاكمة إلا نادراً، وإنهم لم يحصلوا على الخصوصية الكافية ولا الوقت الكافي لإعداد الدفاع. كما يشير الكتاب إلى كون المحكمة العسكرية "أشارت عند إصدار حكمها إلى حد كبير إلى شهادة ضد النفس التي سبق وأدلى بها السيد الأسير واعتمدت عليها"، والتي يحتمل أن تكون انتزعت منه تحت التعذيب لو صحت ادعاءات وكلائه.  

هنا يؤكد جريصاتي أن "القضاء اللبناني اتخذ جميع الإجراءات الآيلة الى ضمان حق المدعى عليه الشيخ الأسير الاستعانة بمحام، وذلك طيلة فترة التحقيقات الاستنطاقية وأثناء المحاكمة، لكن محامي المدعى عليه كان يمتنع من دون أي سبب مشروع عن حضور جلسات المحاكمة (…) وأن بعد ما يزيد عن 30 جلسة تم تأجيلها تم تعيين محام (عسكري) للمدعى عليه".

 

عقوبة الإعدام

وبعد عرض للمعلومات الواردة إلى الأمم المتحدة، عبر فريق العمل عن "قلق كبير إزاء فرض عقوبة الإعدام على السيد الأسير بعد محاكمة يبدو أنها تعارض المعايير الدولية الأكثر أساسية ذات الصلة بالمحاكمة العادلة، وقد تضاعف قلقنا في هذه القضية بشكل خاص بسبب مزاعم بتعرض السيد الأسير للتعذيب ولأن يبدو أن الاثبات الذي انتزع منه في ظل هذه الظروف استخدم كإثبات في المحكمة (…)". يكمل الكتاب القول أن "المزاعم الواردة في هذه الرسالة تشير إلى انتهاك جلي للحقوق بالحياة والحرية والأمن، الحق بعدم حرمان أي شخص من حريته، والحق بمحاكمة عادلة أمام محكمة مستقلة وحيادية". ويضيف الكتاب في هذا السياق: "نلفت نظر حكومتكم إلى المادة 5 من الضمانات التي أقرتها الأمم المتحدة لكفالة حماية حقوق الأشخاص الذين يواجهون عقوبة الإعدام والتي لا تجيز تطبيقها إلا بعد محاكمة توفر للمتهم جميع الضمانات القضائية التي تكفل المحاكمة العادلة (…) في هذا الصدد نود أن نذكر أن المحاكمات التي تؤدي إلى عقوبة الإعدام يجب أن تتوافق مع أعلى معايير استقلال القضاء والهيئات وهيئات المحلفين وكفاءتهم وموضوعيتها وحياديته".

ثم ينتهي الكتاب إلى تلمس إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الأسير وضمان إعادة محاكمته بما يتوافق مع المعايير الدولية، لا سيما تلك التي تلتزم بها الحكومة اللبنانية. كما يطلب من الحكومة الأخذ بالاعتبار تجميد عقوبة الإعدام بشكل رسمي تمهيداً لإلغائها.

من هنا يجيب جريصاتي لناحية "عدم احترام الحق بالمحاكمة العادلة أمام محكمة مستقلة ومختصة وحيادية تراعي الضمانات الأساسية للمحاكمة"، أن الصلاحية في الدعوى هي للمحكمة العسكرية كونها تتعلق بجرائم إرهاب. ويردف "أن النيابة العامة العسكرية تتشكل من قضاة عدليين مدنيين، كذا قضاة التحقيق، وأن الضمانات المعترف بها للموقوفين في المادة 47 أصول محاكمات جزائية أمام القضاء العدلي أو العسكري هي نفسها بدليل "ذكرها في محضر استجواب الأسير الذي يثبت إعلامه بحقوقه وضماناته الأساسية وتثبت ممارسته هذه الحقوق".

أما عن طلب إلغاء عقوبة الإعدام الصادرة بحق الأسير أنه "لا يمكن للحكومة اللبنانية اتخاذ قرار بحكم صادر عن محكمة لبنانية لأن من شأن هذا الإجراء أن يشكل مساساً صارخاً بمبدأ فصل السلطات ومبدأ استقلالية السلطة القضائية عن سائر السلطات الأخرى". يضيف أن "هذا الموضوع لا يزال يثير جدلا بين مختلف المكونات السياسية، وأن وزراء العدل منذ عام 2004 لم يوقعوا أي مرسوم لتنفيذ حكم الإعدام. لينتهي إلى كون هذه "المسألة سيادية تدخل حصراَ ضمن السلطة الاستنسابية للحكومة اللبنانية التي تقدر الظرف الداخلي المناسب لإصدار هذا البيان-التعهد".

 

 

ملاحظات على كتاب الوزير جريصاتي

يجدر ختاما تسجيل عدد من الملاحظات:

–         أن جريصاتي ينطلق من التمسك بغياب الدليل من دون قيامه بأي تحقيق في مدى صحتها، فكأنه يُعلي منطق الدفاع عن الحكومة على الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم وحمايتها.

–        أن عددا من الاسئلة لم يجب عليها وزير العدل جدياً، لا سيما لناحية "تقديم معلومات حول إجراءات الحماية المتخذة لضمان محاكمة عادلة وإجراءات محددة، بما في ذلك الحق بمحكمة مستقلة وحيادية قائمة بموجب القانون وحقوق الدفاع بما يتوافق مع المعايير الدولية، لا سيما في ما يتعلق بحالات عقوبة الإعدام وكيفية تطبيقها بفعالية". واللافت أن الوزير حاول أن يقلل من اشكالية تكوين المحكمة في غالبيتها من عسكريين (4 من 5 أعضاء)، ومن اشكلية الأصول المتبعة منها والتي تنتهي إلى أحكام بنعم أولا، من خلال الادعاء بأن المدعي العام وقضاة التحقيق العسكريين هم قضاة مدنيون.

– أن بعض إجابات الوزير جاءت وكأنه يمزج بين القانون والممارسة. فأن تنص المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على حقوق المحتجزين، لا يعني أبدا أن هذه الحقوق تطبق أو يتم احترامها في الممارسة. بل أن عددا كبيرا من التحقيقات الأولية بإشراف المدعين العامين العسكريين إنما تشير إلى عكس ذلك تماما.  

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، لبنان ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني