ثلاثة أسباب لاعدام الأطفال في اليمن: القبلية، التعليم التقليدي للقضاة، وعجز الأطفال عن اثبات أعمارهم (أو حين يعدم الأطفال في اليمن بسبب اهمال الدولة)


2013-03-11    |   

ثلاثة أسباب لاعدام الأطفال في اليمن: القبلية، التعليم التقليدي للقضاة، وعجز الأطفال عن اثبات أعمارهم (أو حين يعدم الأطفال في اليمن بسبب اهمال الدولة)

في 4 – 3 – 2013، دعت منظمة هيومان رايتس واتش الدولية الرئيس اليمني الحالي عبد ربه هادي إلى وقف تنفيذ الأحكام بحق ثلاثة أطفال (قصّر) يواجهون خطر تنفيذ أحكام الاعدام بالرصاص في أي وقت بعدما استنفذوا جميع الخيارات القانونية، وذلك في ختام تقرير بعنوان "انظروا إلينا بعين الرحمة: الأحداث على ذمة الإعدام في اليمن". وكان الرئيس السابق صالح قد صادق على هذه الأحكام في فبراير من عام 2012. وقد كشفت المنظمة في التقرير نفسه أن هناك أيضا ما لا يقل عن 23 شخصا ينتظرون تنفيذ حكم الاعدام بحقهم، على الرغم من أن ثمة أدلة أنهم لم يكونوا قد بلغوا الـ 18 من العمر عند ارتكاب الجرائم التي أدينوا بارتكابها[1].
ويطرح تصاعد موضوع اعدام الأطفال في اليمن، وخصوصاً هؤلاء الثلاثة، أسئلة جوهرية حول عمل النظام القضائي والقانون في علاقته مع هذه القضية وارتباطها بمصالح السلطات السياسية التي قد تدفع كلفة على صعيد سمعتها الدولية الآن في حال أصرت على المضي بتنفيذ أحكام الاعدام فيما هي في أشد الحاجة لاسترضاء المجتمع الدولي. كما يطرح أسئلة حول الأسباب التي حدت النيابة العامة على اظهار وجه صارم من خلال تفعيل اعدام هؤلاء، الآن بعد أكثر من عام منذ تاريخ المصادقة الرئاسية على الأحكام الصادرة بحقهم.
والواقع أن قانون العقوبات والاجراءات الجزائية في اليمن يمنع تنفيذ عقوبة الاعدام بحق الأفراد الذين ارتكبوا جرائم وهم لما يبلغوا سن الـ 18 بعد، ويستبدلها بعقوبة الحبس لمدة 10 سنوات. ولكن الحظر الصريح في نص القانون بقي عاجزا عن الحؤول دون تنفيذ هذه العقوبة بحق عشرات الأشخاص من هذه الفئة. ويرجع الأمر الى أسباب عدة من أبرزها أن كثيرا منهم يحاكمون أمام محكمة جنائية للبالغين حيث أن قانون رعاية الاحداث في اليمن لا يطالب إلا باحالة من يقل عمره عن 15 عاما إلى محاكم الأحداث، هذا علاوة على عجز الكثير من هؤلاء القُصر عن اثبات أن أعمارهم تقل عن 18 عاما حين وقوع الجريمة. وهذا الأمر الذي يبدو للوهلة الأولى غريبا يجد تفسيره في كون اليمن لا يفرض نظاما لتسجيل المواليد (فمن بين تعداد سكاني يبلغ أكثر من 24 مليون نسمة، تسجل الحكومة 22 في المائة فقط من المواليد، و5 في المائة فقط من المواليد في الأوساط الفقيرة والريفية، طبقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف")[2]، ويصبح من الصعب اذ ذاك اثبات تاريخ الميلاد الفعلي للشخص. ويمكن لأي فرد استخراج بطاقة شخصية أو وثيقة ميلاد بتاريخ يحدده هو، الأمر الذي غالبا ما يقود أجهزة النيابة أو القضاء غالبا الى التشكيك بقيود الوثائق الرسمية المتصلة بالعمر والى اهمال الكثير منها. وعلى صعيد آخر، لا يُخوّل القانون، عبر اجراءات واضحة، الأشخاص من ممارسة حقهم في تحديد أعمارهم طبيا، اذ يبقى الأمر رهنا بتقدير القاضي الشخصي وموقفه، فيما يتسم العاملون في القضاء اليمني بالتفكير المحافظ وبتلقي أصول التعليم الفقهي التقليدي. فالنسبة الغالبة منهم درسوا في الاطار الشرعي التقليدي ولم يتخرجوا من كليات الحقوق فيما أن المعهد العالي للقضاء تأسس في اليمن بعد العام 2000. ويعد مرتكب جريمة القتل وفق أصول التعليم التقليدي قاتلا بغض النظر عن عمره ولا يؤخذ بتعريف الطفل (كل من هو دون 18 عاماً) بسهولة. 
بالتأكيد، للتدخل الدولي امكانيات واسعة للحؤول دون تنفيذ أحكام الاعدام. وفي هذا الصدد، يمكن استحضار حالة شبيهة نجح فيها ضغط المنظمات الدولية والجهات الدبلوماسية الأجنبية في انقاذ طفل من الموت. هذه الحالة هي حالة حافظ ابراهيم الذي صدر حكم بالاعدام بحقه على جريمة ارتكبها وهو دون الـ 18. وفي العام 2005 تمت أول محاولة لتنفيذ هذا الحكم بحقه إلا أنه أعيد من مكان تنفيذ الحكم بعد ضغوط واسعة، لتعاود النيابة محاولة تنفيذ الحكم بعد ذلك بعامين، أي في العام 2007، ليوقف الرئيس السابق صالح مجددا تنفيذ الحكم ويفرج عنه بعد ضغوط واسعة قادتها منظمة العفو الدولية وعدد من المنظمات الحقوقية المحلية في اليمن انتهى بتواصل مباشر بين السفير الفرنسي الذي كانت بلاده ترأس الاتحاد الأوروبي في حينها، مع الرئيس صالح، الذي خلص الى اصدار عفو عنه.
ويبدو أن الأحداث السياسية والتوتر الأمني والعسكري الذي شهدته اليمن منذ الحركة الاحتجاجية في عام 2011 حتى الآن هي وحدها التي حالت دون تنفيذ أحكام الاعدام بصدد هؤلاء الثلاثة، وغيرهم أيضا من القصر وغير القصر، فيما أدى الاستقرار النسبي الذي بدأ يسود البلد الى اعادة طرح تنفيذ هذه الأحكام. انما يبقى أن من شأن أي ضغط دولي أو حقوقي ذات وزن في ظروف كهذه، أن يؤدي الى انقاذ أرواح هؤلاء، خصوصاً وأن اليمن يبدو اليوم مكشوفا، وبأمس الحاجة الى الفاعلين السياسيين الدوليين، وقد يجد الرئيس هادي في التجاوب مع هذه الضغوط فرصة لتملق الأطراف الدولية من خلال هدية لا تكلفه كثيرا.
بالمقابل، يجد التوجه الى اصدار أحكام الاعدام المثيرة للجدل وتنفيذها، حوافزه في المطالب القبلية التي تمارس ضغوطا واسعة في هذا الاتجاه ولو ضد محكوم عليهم قصر، فالقوى العشائرية تجد صعوبة في تفهم أن يعفى الجاني من عقوبة الاعدام لكونه كان قاصراً حين ارتكاب جريمته، فتمارس تبعا لذلك ضغوطا متعددة قد تصل إلى حمل السلاح لتنفيذ أحكام الاعدام عنوة. وبالطبع، تتلاقى هذه المطالب غالبا مع الميول الانتهازية لدى الطبقة السياسية  والآيلة إلى استرضاء القوى القبلية النافذة تقليدياً في اليمن ولو خلافا للقانون الذي يمنع اعدام الأحداث، ناهيك عن كونها تهدف أحيانا الى استثمار عوائد التنفيذ السريع لأحكام الاعدام تجاه أطفال جناة، ارضاء لهذه القوى. ومن هذا المنظور، تبدو قضايا اعدام القصر وكأنها تولد لدى أصحاب القرار تجاذبا بين التجاوب مع المطالب والضغوط الدولية والتجاوب مع المطالب والضغوط القبلية أو العشائرية والمصالح التي قد تجنيها في هذه الحالة أو تلك بالنظر الى الهوية القبلية أو المكانة الاجتماعية لضحايا الجرائم المرتكبة. 
وبالتأكيد، سيظل موضوع اعدام الأحداث في اليمن مثار جدل من حين الى آخر. فقد سبق هذا التحرك الدولي لهيومن رايتس ووتش بشأن اعدام القصر الثلاثة، تحركات عدة للغايات نفسها. وتستجيب منظمات حقوق الانسان في اليمن والصحافة المحلية لهذه القضية في فترات محددة وتنجح أو تفشل لعوامل متعددة في حالات بعينها، ولكن ما يلبث أن يخفت الاهتمام بعد فترة ليعاود جهاز العدالة في اليمن ازهاق أرواح القصر.
ولا يمكن وضع حد لهذا التجاذب المستمر إلا من خلال اصلاح حقيقي لقانون العقوبات والاجراءات الجزائية في اليمن على نحو يشكل مانعا فعليا دون اصدار أحكام اعدام جديدة بحق قصر، وذلك من خلال ضمان قدرتهم على اثبات أعمارهم الفعلية أثناء حدوث الجريمة بشكل يعفيهم من دفع كلفة فشل الدولة في وضع نظام بيانات وطني يتضمن تسجيل المواليد. فمن شأن اصلاحات مماثلة أن تحصّن أجهزة النيابة والقضاء ازاء الضغوط المختلفة وعلى رأسها الضغوط القبلية والعشائرية، والتي يستند معظمها الى المنطق العقابي الذي يرى في الجاني قاتلا حتى لو كان طفلا وأن جزاء القاتل هو القتل.


[1]جماعة حقوقية تدعو اليمن لوقف إعدام القصر، الوسط اونلاين، 4 – 3 – 2013، http://www.alwasatnews.com/3831/news/read/743873/1.html
[2]اليمن – المخالفون الأحداث يواجهون الإعدام، هيومن رايتس ووتش، 4 – 3 – 2013، http://www.hrw.org/ar/news/2013/03/04
انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني