حمّل القانون عدد 46/2018 المتعلق بالتصريح بالمكاسب والمصالح وبمكافحة الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح شريحة هامة من موظفي الدولة التونسية وإطاراتها ومن المشتغلين بقطاعات على علاقة بالشأن العام، واجب التصريح بممتلكاتهم وممتلكات أبنائهم وأزواجهم وبحالات المصالح التي لهم. وقد اعتمد القانون على شكلية التصريح تلك ليجرّم الإثراء غير المشروع وحالات تضارب المصالح. كما استند إليها لتكون قاعدة معطيات تمكن “الهيئة المكلفة بمكافحة الفساد من الاضطلاع بدورها في تتبع الحالات التي يشتبه فيها”.
أهمية التصريح الذي يعول عليه في”دعم الشفافية وترسيخ مبادئ النزاهة والحياد والمساءلة ومكافحة الإثراء غير المشروع وحماية المال العام”[1] من جهة أولى وضخامة عدد المشمولين به والذي يقدر في حده الأدنى بثلاثمائة وخمسين ألف شخص وقد يصل إلى خمسمائة ألف من جهة ثانية، دفع المشرّع إلى تصور آليات ظرفية تسهّل الإطلاق الأول له. فكان أن أسند في هذا الإطار للحكومة صلاحية إعداد نموذج التصريح بالمكاسب والمصالح بعد أن تتشاور في ذلك مع الهيئة المستقلة لمكافحة الفساد، وأعطاها مدة ستين يوما من تاريخ نشر القانون بالجريدة الرسمية لإنجاز ذلك. وفرض من بعد ذلك أن يكون نشر تلك النماذج بداية احتساب أجل ستين يوما تخصص لتلقي تصريحات كل من يتوجب عليهم ذلك[2].
صدر الأمر الحكومي الخاص بنموذج التصريح بالجريدة الرسمية قبل نهاية أجل نشره بيوم واحد[3] بما فتح بداية من يوم 14-10-2018 احتساب أجل الستين يوما اللازمة لتلقي التصريحات بالمكاسب والمصالح والتي بانقضاء نصفها لم يصرح بمكاسبهم إلا ألف وخمسمائة مطالب بالتصريح بما يوجب طرح السؤال حول مكمن الخلل. وقد نص الفصل الثامن من القانون على كون التصريح يقدّم مباشرة إلى الهيئة بطريقة إلكترونية وفق الصيغ التي تضبطها الهيئة، وإلا يقدم ورقيا عند الاقتضاء في أربع نظائر.
ويستفاد من ذلك أن المشرع قدر أن الصيغة الإلكترونية ستكون الشكلية الرئيسية للتصاريح فيما سيكون التصريح الورقي استثنائيا. وخلافا لهذا التوقع، لم تنجح الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في إطلاق منصة التصريح الإلكتروني بما فرض أن يكون التصريح الكتابي السبيل الوحيد للتصاريح. ويذكر هنا أن التصريح الكتابي يفرض على المطالبين به التنقل لمقرات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقد يكون هذا العبء من أسباب عزوفهم.
ويخشى أن يؤول هذا العزوف لنزع قوة النفاذ عن قانون مكافحة الاثراء غير المشروع بما يحوله إلى “قانون مهجور”. ولتجنب هذا الخطر القائم، يفترض على القائمين على إنفاذه التعجيل بتوفير ظروف نجاحه من خلال العمل على سرعة إطلاق المنصة الإلكترونية للتصاريح، ومن خلال التفكير في تطبيق مرن لأحكامه بالتمديد في آجال التصريح بالمكاسب وأيضا بالبحث عن سبل تمكن المعنيين بالتصريح من القيام بواجبهم دون تكبد أتعاب تنقل لمقرات الهيئة كشفت التجربة أنهم لا يحبذونه.
[1] الفصل الأول من القانون
[2] يحدد الفصل الخامس من القانون قائمة الملزمين بالتصريح.
[3] الأمر الحكومي عدد 888 المؤرخ في 11-10-2018 الذي نشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 13-10-2018 .
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.
Strictly Necessary Cookies
Strictly Necessary Cookie should be enabled at all times so that we can save your preferences for cookie settings.
If you disable this cookie, we will not be able to save your preferences. This means that every time you visit this website you will need to enable or disable cookies again.